السؤال: كنت قد راسلتكم منذ ثلاثة أشهر، وشاورتكم في أمر خاطب لي، وهو شاب مغترب لا أعرفه، بل حدث أخته عني زميلات لي في العمل، فاتصل بي مرتين، وأرسل لي صورتين له، ثم طلب مني أن أرسل له صورة لي، حتى تكون له فكرة عن شكلي، فأرسلت له لأني وثقت في أمره، فأمي على علم، وكذا أخته، وبعض أفراد من عائلته، وبعدها قطع الاتصال بي، محتجًّا بأنه لا يؤمن بالتعارف لا على النت، ولا بالهاتف، وأنه يود أن يراني أولًا قبل كل شيء، وهذا بعد أن يأتي إلى الوطن في عطلته بعد ثلاثة أشهر، ولا أنكر أنني استغربت الأمر، لكنه وعدني بأنه سيتصل بي عند مجيئه، وأكد لي الأمر، وقال لي أيضًا: من المحتمل أني لن أستطيع المجيء، وإن تقدم لك خاطب فلا تنتظريني، فغضبت منه، ولما لاحظ غضبي تراجع عما قاله، ثم رجع ليؤكد وعده من جديد، وراودني الشك في أمره، فاتصلت بزميلاتي، واتصلن بأخته، فبررت ما فعله أخوها بأنه متدين، ولا يحب التعارف على الهاتف، فأعجبت بموقفه هذا، ولكي يهنأ بالي أرسلت له رسالة، وقلت له: إذا كنت تريد الانسحاب فعليك مصارحتي فهذا من مصلحتنا، فاتصل بي، وطلب مني أن أعذره، وقال لي: إنه على وعده، ولن ينسى وعده لي، وأطال الحديث معي حتى يطمئنني؛ حتى خجلت من رسالتي له، وقال لي: إن له قبولًا أوليًا، ولن يبقى شيء سوى أن يراني، وسألني إن كانت زميلاتي اللاتي تزوجن في فرنسا قد اشتغلن أو لا بشهادتهن، فقلت له: لا، ثم طلبت منه أن نبقى على اتصال حتى نعلم بعضنا في حالة ما تغير برنامج أحدنا، فوافق، واقترح هو أن نتواصل بالسكايب، لكني رفضت، وقلت له: بالإيميل يكفي، فأرسل لي بعدها رسالة واحدة، وقطع الاتصال مجددًا. أنا شككت في البداية في نواياه تجاهي؛ لأنه سألني كثيرًا عن مصير عملي، وشهادتي في فرنسا، وسألني أيضًا إن كنت متحجبة أو لا، وإن كان حجابي قرارًا شخصيًا أم لا، فلم أفهم منه ماذا يقصد بأسئلته هذه التي كان يكررها كثيرًا، وفي آخر اتصال له قال لي: الحجاب ممنوع في فرنسا، فاعملي حسابك، ولم أفهم أيضًا ماذا يقصد، وبقينا شهرين دون اتصال، إلا ما تحكي زميلاتي لي عنه، وعلى أنه مثالي، وهكذا، حتى علقت أملًا كبيرًا فيه، وقبل مجيئه بشهر تنبهت أن له حسابًا على الفيسبوك، وأن له صديقات من كل أنحاء العالم، فتعجبت لأمره: كيف يرفض التواصل مع من رشحوها لتكون زوجة له، ومدحوا له سيرتها ودينها، ويتواصل مع فتيات من غير دينه، منهن من هن كاسيات عاريات، وعند وصول موعده انتظرت ثلاثة أيام فلم يتصل بي، ولأني طبيبة، وعلي الكثير من المراجعة، ومسابقات التوظيف كان علي أن أبادر لمعرفة مصيري، وحتى لا يضيع مني المزيد من الوقت الذي أمضيته في انتظاره، أرسلت له رسالة، وقلت له: أتتذكر موعدك أم لا؟ فلم يجبني، علمًا أني تلقيت تقرير الاستلام، وبعدها اتصلت بقريبته لتخبرني أنه هنا منذ أسبوع، وصعقت للخبر، وأرسلت له بالإيميل أعاتبه، وقلت له: إني أخرت وأجلت أمورًا كثيرة لأجل هذا الموعد، ورفضت فرص العمل، ورفضت خاطبين، وأنت هنا ولم تجبني عن رسالتي، وقال لي: أنا آسف، وأنا لا أستحق أن تعذريني، وأتمنى أن يرزقك الله بمن هو أفضل مني، فرددت عليه: ماذا تقصد بآسف؟ ولماذا لا تستحق معذرتي؟ هل انسحبت ولم تخبرني؟ فرد علي: أنا لم أقل لك انتظريني، فمن الأول قلت لك: إن تقدم لك خاطب فلا تنتظريني، وقال لي: توقفي هنا، وقد صدمت وبكيت كثيرًا لخداعه لي، فقد انتظرته فعلًا، وأجلت مراجعتي حتى أرى في أمري معه؛ لأن مصير شهادتي وعملي ليس نفسه في الجزائروفرنسا، ولم يكترث لتضحياتي ولانتظاري له، ولم يخبرني حتى بعزوفه عن أمر خطبتي، وأنا الآن أتقطع من الألم حتى أني فقدت الكثير من وزني خلال فترة قليلة، وأقسم لكم أنني أعاني الأمرين في أمور الزواج منذ أربع سنوات، ولم أحتمل ما فعله بي هذا، فقد خطبت وفسخت لأن من خطبني تبين أنه منحرف، وتوفي شاب كان يود خطبتي، وأمور كثيرة قد يطول لي سردها لكم، وكل هذا حدث لي في الأربع سنوات الأخيرة، فأرجو أن تعطوني رأيكم فيما حدث، وبماذا تنصحونني، فنفسيتي متعبة؟ الفتوى: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فنسأل الله لنا لك السلامة والعافية من كل مكروه، ونسأله أن يفرج همك، وأن يوفقك إلى زوج صالح تقر به عينك، وننصحك بالصبر والدعاء ، فكل منهما مفتاح لكثير من الخير، وراجعي فضل الصبر في الفتوى رقم: 18103، وفضل الدعاء وآدابه في الفتوى رقم: 119608. وإذا كان قد وعدك بالزواج، فالوفاء بالوعد مستحب في قول جمهور الفقهاء، ومن الفقهاء من أوجبه، فإن ترك الوفاء فقد أساء، خاصة أنك قد انتظرته مدة. أما وقد حصل ما حصل، فلا تتبعيه نفسك، ولا تأسفي على فواته؛ إذ ما يدريك أن يكون صالحا فعلًا، أو أن يكون في زواجه منك خير لك، لا سيما ما ظهر من كلامه من رغبته في عملك في بلد سيلزمك بنزع حجابك لأجل العمل، فسلي الله سبحانه أن يبدلك من هو خير منه، وتذكري قول الله تعالى : وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، هذا مع التنبيه إلى أنه لا حرج على المرأة المسلمة في البحث عن الأزواج، وعرض نفسها على من ترغب في زواجه منها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 18430. وننبه في الختام إلى خطأ ما قد يحصل أحيانًا من أمور تحول دون إتمام الزواج من طول انتظار الخاطب، وإطالة أمد الخطبة، فالأولى التعجل إلى إتمام الزواج قدر الإمكان، فهو من الخير، والله تعالى يقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {البقرة:148}. والله أعلم. مصدر الخبر : اسلام ويب - فتاوى