رخصت الحكومة التونسية التي يقودها حزب النهضة الإسلامي في شهر فبراير/شباط 2012 ل"جمعية الوسطية للتوعية والإصلاح" وهي عبارة عن هيئة "للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"وهذه الخطوة لاقت ردود فعل واسعة في تونس و أثارت العديد من المخاوف وما يعزز هذه المخاوف أن الجمعية المذكورة، شرعت في التحرك قبل الحصول على الترخيص القانوني، إذ خلعت يوم 18 نوفمبر 2011 الدكتورة إقبال الغربي مديرة "إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم" من منصبها بعد أن ارتأت أنها غير مؤهلة لإدارة إذاعة دينية. و"الزيتونة" هي الإذاعة الدينية الوحيدة في تونس، أسسها سنة 2007 صخر الماطري، صهر الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وانتقلت ملكيتها إلى الدولة بعد أن أطاحت ثورة 14 يناير/كانون الثاني بنظام بن علي. وعين الباجي قايد السبسي رئيس ثالث حكومة انتقالية بعد الثورة يوم 7 سبتمبر/أيلول 2011 إقبال الغربي (مديرة قسم الحضارة الإسلامية في المعهد الأعلى لعلوم الدين في تونس) مديرة للإذاعة. الغربي قالت إن حوالي 10 أشخاص قدموا أنفسهم على أنهم من هيئة للأمر بالمعروف والنهي غرباء اقتحموا مكتبها في الإذاعة (يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2011) عن المنكر وطالبوها بترك منصبها لأنها ''غير مؤهلة بما فيه الكفاية في مجال التفسير القرآني'' مهددين "باستعمال القوة" إن رفضت. وذكرت أنها "أعلمت الوزارة الأولي بالهجوم وطلبت التدخل والحماية لكن السلطات لم تحرك ساكنًا ولم تحاول اعتقال الأشخاص الذين هاجموها". وبقيت الغربي ممنوعة من مباشرة عملها إلى أن عينت الحكومة في فبراير/شباط مديرا جديدا للإذاعة. تكفير مديرة إذاعة دينية ذكرت جريدة الصباح في عددها الصادر يوم 24 فبراير/شباط 2012 إن عادل العلمي "كفّر" إقبال الغربي. ونقلت الجريدة عن العلمي قوله إن الغربي "ذهبت في عدد من كتاباتها إلى قول أخرجها من ملة (النبي) محمد" بعد أن اعتبرت أن الحجاب غير ملزم شرعيا للمرأة. وعندما سألته الصحفية التي أجرت معه الحوار إن كان كلامه "تكفيرا لإقبال الغربي". أجاب العلمي بالقول:"نعم وأنا أتحمل مسؤوليتي في ذلك وأعي ذلك". الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي ندد في بيان أصدره الناطق الرسمي باسمه (يوم 25 فبراير/شباط 2012) بتصريحات عادل العلمي واعتبر أن "التكفير يمكن أن يكون مقدمة للعنف" داعيا إلى "الكفِ عن استعمال هذا الأسلوب الخطير في التعبير عن الاختلافات الفكرية لما فيه من تهديد للسلم بين مواطني البلد الواحد وبث للفتنة بينهم". ودعا المرزوقي المجلس الوطني التأسيسي (السلطة التشريعية الحالية في البلاد) إلى "البت في هذه المسالة عن طريق الإسراع بسن قانون يجرم التكفير ويجعل من يستعمله عرضة للمتابعة القانونية ويحفظ تعايش التونسيين وتوادهم وتراحمهم". "شرطة دينية" واتهامات لدول الخليج آمال طالبة جامعية (23 عاما) قالت لDW إن الترخيص ل"شرطة دينية" في تونس يدخل ضمن ما أسمته "مخطط حزب النهضة (الحاكم) لأسلمه المجتمع التونسي وتغيير نمط حياته"، معتبرة أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التونسية "ذراع لحركة النهضة". وأضافت:"حركة النهضة تقول في العلن إنها ضد المساس بالحريات ومن مدنية الدولة وإنها تتبنى نموذج الإسلام التركي، أما في الخفاء فأنا متأكدة أنها من يدعم السلفيين والتيارات الدينية المتشددة بهدف توظيفهم لبسط سيطرتها على المجتمع". وأضافت: "سمعت مؤسس هيئة الأمر بالمعروف يقول في برنامج إذاعي إن المرأة المحجبة لن تدخل الجنة...هذه البداية، وغدا سينزلون إلى الشوارع والشواطئ لمطاردة النساء غير المحجبات وإرغامهن على التحجب ثم البقاء في المنزل". أيوب (طبيب أطفال) اتهم "دولا خليجية بمحاولة تحويل الثورة التونسية التي قامت من أجل الحرية والكرامة والتشغيل إلى ثورة دينية وهّابية لإفشال الثورة التونسية حتّى لا تصل إلى دول الخليج". وتساءل المتحدث في حديث معDW قائلا: "وإلا من أين يعيش السلفيون الذين ظهروا بعد الثورة ولا شغل لهم إلا التنقل في قوافل من السيارات بمختلف أنحاء البلاد للتظاهر والمطالبة بإقامة دولة خلافة إسلامية في تونس". وفي المقابل رحّب علي (تاجر) في تونس، بتكوين هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تونس، وقال لDW: "بعد حكم بورقيبة وبن علي لم يبق من الإسلام في تونس إلا الاسم فأخلاق الناس في هذا البلد فسدت بشكل ينذر بسوء العاقبة، إذ انتشر عقوق الوالدين والزنا وشرب الخمر والسرقة والكذب والتحيّل ومختلف أشكال الإجرام والانحراف وما أحوجنا لمثل هذه الجمعيات لإعادة الاستقامة لشعبنا". مؤسس الجمعية: "نحن منظمة مجتمع مدني" وقد نفى عادل العلمي مؤسس "جمعية الوسطية للتوعية والإصلاح" ما قال إنها "شائعات ومغالطات مغرضة تروّجها تيارات علمانية متطرفة لتشويه الجمعية". وقال لDW:"نحن منظمة مجتمع مدني نحترم قوانين البلاد وليس لنا أي علاقة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية التي تتبع الدولة ولا بحركة النهضة التونسية". وأوضح أن جمعيته "تضمّ مختصين في القانون والقضاء والعلوم الشرعية...وأنها ستعمل بالتشاور مع أهل الاختصاص في كل الميادين ولن تتبنى أي قرار إلا إذا كان محل إجماع بين أهل الاختصاص". وأضاف:"نحن ندين العنف مهما كان مأتاه لأن المسلم هو من سلم الناس من يده ولسانه وطريقة عملها تقوم على النصح والإرشاد". ونفى أن يكون "كفّر" الدكتورة إقبال الغربي قائلا: "لم أكفّر هذه المرأة لكن الفعل الذي تأتيه، من خلال كتاباتها التي تقول إن الحجاب غير ملزم شرعا، هو فعل كفري". وبخصوص ما ذهب إليه خلال مشاركته في برنامج إذاعي من أن "المرأة غير المحجبة لن تدخل الجنة" قال العلمي إنه استند في ذلك إلى الحديث النبوي القائل "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". وأشار إلى أن الجمعية ستعمل على "ملائمة" القوانين التونسية مع الشريعة الإسلامية وأنها ستضغط على الحكومة لمنع تمرير أي قانون "يتعارض مع الشريعة". وأوضح أن "الضغط سيكون من خلال دعوة آلاف إلى الخروج في مظاهرات وإن لم تستجب الحكومة ندعو مئات الآلاف للتظاهر". الأستاذة الجامعية آمال القرامي المختصة في الحضارة العربية الإسلامية حذرت في تصريح صحفي مما أسمته "مخطّطا ممنهجا لأسلمه البلاد وتطبيق الشريعة "، معتبرة أن بلادها تعيش بعد الثورة "احتكار الخطاب الديني لفائدة من يعتبرون أنّهم خير من يمثّل الإسلام والمسلمين في تونس". وقالت القرامي إن "جماعات (دينية) متطرفة تستهدف تنميط المجتمع التونسي ونسف التعددية والتنوع (داخله) والقضاء على مظاهر الاختلاف فكرا وسلوكا ومعتقدا، فضلا عن خلق نماذج جديدة من التونسيين همهم الأول الطاعة والتسليم وهي عبوديّة جديدة تنتشر باسم الدين". وأضافت الأستاذة الجامعية :"هذه العبودية اختيارية قائمة على التعلّق بمنهج التلقين بدل التفكير، الانقياد بدل الاختيار، الاستهلاك بدل الإنتاج، التسليم بدل إعمال العقل والاستقالة أمام الناطقين نيابة عن الله".