السفير اليمني يبحث مع رئيس جامعة الأزهر تعزيز التعاون    مدبولي: نؤكد ضرورة تكثيف الجهود لوقف الحرب في غزة    توريد 202 ألف و129 طنا من القمح إلى صوامع كفر الشيخ    انطلاق الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني    السيسي ونظيره الصيني يشهدان توقيع اتفاقيات تعاون في عدد من المجالات    أردوغان: روح الأمم المتحدة ماتت في غزة    جوتيريش يدين بشدة محاولة كوريا الشمالية إطلاق قمر صناعي عسكري    نهائي ساخن لدوري المؤتمر الأوروبي بين فيورنتينا وأولمبياكوس    ليكيب: مبابي لم يحصل على راتبه من باريس منذ شهر إبريل    بغداد بونجاح ينضم لصفوف الأهلي.. شوبير يكشف الحقيقة    ضبط عنصر إجرامي يدير وكراً لتصنيع المخدرات    "تعليم الجيزة" يكرم أعضاء المتابعة الفنية والتوجيهات وأعضاء القوافل المركزية    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخطف شاب في التجمع    ضبط 10 آلاف عبوة سجائر مستوردة داخل مخزن غير مرخص بطنطا    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    حلم «عبدالناصر» الذى حققه «السيسى»    تقرير فلسطيني: عشرات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    جيش مصر قادر    3 فنانات يعلن خبر ارتباطهن في شهر مايو.. مي سليم آخرهن    تعرف على جدول قوافل «حياة كريمة» الطبية في البحر الأحمر خلال يونيو    أسعار العملات العربية مقابل الجنيه بالبنك الأهلي اليوم الأربعاء    رئيس جامعة حلوان يتفقد كلية التربية الرياضية بالهرم    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    صادرات الملابس الجاهزة ترتفع 23% أول 4 شهر من 2024    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    رئيس جهاز 6 أكتوبر يتابع سير العمل بمحطة مياه الشرب وتوسعاتها    ضبط سلع غذائية منتهية الصلاحية بالفيوم    مصر للطيران تسير اليوم أولى رحلات الجسر الجوى لنقل حجاج بيت الله الحرام    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    60% للشركة و25% للصيدلية، شعبة الأدوية تكشف حجم الاستفادة من زيادة أسعار الدواء    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    وزير الإسكان: نستهدف تحقيق أعلى معدلات الاستثمار السياحى    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    بلاتر: كل دول العالم كانت سعيدة بتواجدي في رئاسة فيفا    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    المدير التنفيذي للأهلي: الخطيب لم ينفذ البرنامج الطبي الخاصة به بسبب نهائي إفريقيا    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال الدين موسى يتوهج ابداعيا بين قصة جيل وملحمة وطن وبشارة ثورة
نشر في البوابة يوم 25 - 10 - 2014

منتصرا ابداعيا لجيل شاب الرأس منه وبدا تحت وطأة المتغيرات وثقل الأحداث الجسام مصلوبا فوق مقاصل الزمن وصانعا من مراثي الأيام وصواعق التعب لحظات للغبطة ومبشرا بوطن ملامحه عدل وحرية تبدد فجاج اليأس يصحبنا مفكر واكاديمي مصري لامع شغل غير مرة منصب الوزير إلى "لقاء في واحة الحنين".
عائدا لبراءة القلب الأولى ومسحورا بالفن ومسكونا بالسؤال يلتقى الدكتور أحمد جمال الدين موسى مع سبع شخصيات تشكل كلها ملامح مصرية اصيلة وان تفرقت بها السبل وفعلت بها الأيام افاعيلها ليتفرقوا مابين نبلاء واوغاد.
عبر التجسد الروائي المستدير لسبع شخصيات توزعت مابين التيارات الناصرية والقومية والشيوعية والإخوانية والسلفية والفوضوية يروي الدكتور أحمد جمال الدين في 230 صفحة من القطع المتوسط قصة جيل وملحمة وطن وبشارة ثورة.
وفيما تلتقي الشخصيات السبع التي كانت من قيادات الحركة الطلابية في مطلع سبعينيات القرن الماضي للاحتفال بذكرى مرور 40 عاما على انتفاضتهم كانت مصر يوم الرابع والعشرين من يناير عام 2012 قد اختلفت كثيرا عن لحظة الانتفاضة وكذلك مواقف ليلى عامر وطارق جاد وسناء طاحون وسعد رمضان وإبراهيم مروان وسليم البطراوي وكامل هلال.
الشخصيات السبع اسهمت ضمن التيارات التي تنتمي لها في تشكيل وجه الوطن الذي امتسخت طيبته بالأحزان فيما اختلفت مواقف هذه الشخصيات من ثورة 25 يناير 2011 باختلاف التيارات والمصالح ولأن القاريء لهذه الرواية السياسية الصادرة عن دار نهضة مصر قد يستعيد فورا شخصيات حقيقية عرفها أو سمع عنها فان مؤلف الرواية كان حريصا منذ البداية أن يؤكد على أن شخوص روايته من صنع الخيال.
هكذا يقول الدكتور أحمد جمال الدين موسى في التمهيد:"لست بحاجة لأن اؤكد أن هذا العمل هو رواية ومن ثم فان شخوصها هم من صنع الخيال لاتربطهم اية علاقة بأشخاص واقعيين عرفتهم في حياتي وان احداثها محض خيال وان تماست مع احداث ووقائع مر بها الجيل الذي انتمي اليه وان المواقف التي يتخذها أبطال هذه الرواية لاتعكس بالضرورة مواقفي ورؤاي الشخصية ".
والى جانب الشخصيات السبع الرئيسة والمحورية في الرواية التي يجهر مؤلفها بانحيازه لثورة 25 يناير الشعبية هناك شخصيات أخرى تظهر وتتوالى لتصنع الحبكة الدرامية وثراء النسيج الابداعي المعطر بتحية جيل انتفض في مطلع سبعينيات القرن العشرين لشباب ثائر كتب لمصر تاريخا جديدا في ميدان التحرير.
والدكتور أحمد جمال الدين موسى الذي ولد في الثامن والعشرين من مايو عام 1951 في "المقاطعة" من أعمال السنبلاوين بمحافظة الدقهلية شغل منصب وزير التربية والتعليم والتعليم العالى ثلاث مرات وهو مفكر سياسي واقتصادى واستاذ ورئيس قسم الاقتصاد والمالية العامة بكلية الحقوق في جامعة المنصورة.
وتأتي هذه الرواية الجديدة التي تتناول الأحداث والمتغيرات والتقلبات في مصر بل والعالم على مدى اربعة عقود لتؤكد اصالة الحضور الابداعي لمؤلفها وهي روايته الثانية المنشورة بعد رواية "فتاة هايدلبرج الأمريكية".
ورغم رومانسية عنوان الرواية:"لقاء في واحة الحنين" فانها حافلة في الواقع بالصراعات والتناقضات السياسية والإنسانية واختلاف الرؤى وعذابات الحب والهجر وشقاء البشر واحلامهم التي قد يخونها الواقع وتجهضها الأيام كما يتبدي في اللقاء المشحون بالمفاجآت في فندق يقع بواحة وسط الصحراء فيما تظهر شخصية ثامنة في الرواية هي شخصية سامي خليل لتتولى إدارة اللقاء كما تدير الفندق.
ولعل كل من يقرأ رواية "لقاء في واحة الحنين" التي تحكي قصة جيل كتب عليه أن يشارك في صنع اخطر الأحداث التي شهدتها مصر وان يكون هو الجيل الشاب الذي نال شرف عبور القناة في حرب السادس من أكتوبر سيدرك انها مفاجآة سعيدة في الحياة الثقافية المصرية ونهر الابداع في مصر المحروسة.
واحد عوامل المفاجأة السعيدة أن الدكتور أحمد جمال الدين موسى الذي يتوهج ابداعيا في روايته الثانية لم يعرف قبل اقل من عامين عندما صدرت روايته الأولى "فتاة هايدلبرج الأمريكية" كقاص أو روائى وانما ذاع صيته كمفكر واكاديمى وصاحب طروحات عميقة في الاقتصاد والسياسة والثقافة بعيدا عن السرد الروائى وعالم الحكى والحكائين.
ولعل النظرة الفاحصة لكتابات أحمد جمال الدين موسى تكشف عن سر النقلة الجديدة في مسيرته الثقافية وظهور روايته الثانية المفعمة بنفس ابداعي اصيل بعد أن ترك مؤلفها نفسه تماما في بحر الابداع لتكتبه الرواية كما يكتبها وتحمل الأمواج مشاعر مثقف وطني مصري ورؤاه حيال قضايا تتعلق بالناصرية والإسلام السياسي وجرح الخامس من يونيو 1967 وشجن استعادة ايام البراءة الأولى لجيل شكل علامة بارزة في تاريخ الحركة الطلابية المصرية.
فبين العطاء الثقافى والأكاديمى الثرى لأحمد جمال الدين وكتبه في الإصلاح المؤسسى والاقتصاد والنظريات والنظم النقدية وبحوثه عن افاق التعليم العالى وتطويره وتمويل التنمية والخصخصة والبيئة ومقالاته عن الدولة الرخوة والإصلاح الحقيقى والجمود والتجديد وابن خلدون ومصير العولمة يمكن للعين الفاحصة أن تلتقط مقالا له نشر في جريدة الأهرام عام 2006عن "عطاء نجيب محفوظ ومسئوليات الجيل المعاصر".
ولعل ولع موسى بنجيب محفوظ وعالمه يومىء لعالم خفى داخل الأكاديمى والمسئول هو عالم الفن بندائه الذي لايلبيه سوى الفنان والمثقف الذي تتبدي اهتماماته الثقافية الأصيلة في روايته الجديدة التي تحمل عبق التاريخ الثقافي وعلم الاجتماع بمعالجة ابداعية كما هو الحال مثلا عندما يتحدث عن مدينة رأس البر كملاذ للطبقة الوسطى المصرية في ستينيات القرن العشرين وكما هو الحال عندما يتناول الاهتمامات الثقافية "لإبراهيم مروان" والمتعة التي كان يشعر بها في دار الأوبرا القديمة وشغفه بالموسيقى الكلاسيكية والشرقية معا.
أنه النداء المجهول الذي لايملك المبدع سوى أن يلبيه وحاسة الفنان التي تبرق في روح وعقل الأكاديمى اللامع والوزير السابق فاذا به يسبح في لحظة عبقرية يصعب تشخيصها بين امواج بحر الابداع بعيدا عن ارض الفكر والبحث الأكاديمى وان استمد منها مددا معرفيا هاما للابداع كما يتجلى بكل الوضوح في روايته الثانية "لقاء في واحة الحنين".
الم يذكر الدكتور أحمد جمال الدين في روايته الأولى "فتاة هايدلبرج الأمريكية" نجيب محفوظ جنبا إلى جنب مع احسان عبد القدوس ويوسف ادريس ويشير إلى صورته المعلقة في مقهى الفيشاوى لتضفى على الحضور جو رواياته الخلاب واحداثها التي جرت في الشوارع المحيطة بالحسين وخان الخليلى وبقية احياء القاهرة الفاطمية؟!.
والم تحوي روايته الثانية "لقاء في واحة الحنين" والنابضة بروح المثقف الفنان المتعاطف مع الإنسان والمنحاز لشعبه بلا حدود شخصيات توميء "للمثقف المستقل والحقيقي" مثل شخصية عبد العزيز الزعفراني وآلا تعيد شخصية الانتهازي سليم البطراوي التي ابدعها المؤلف في هذه الرواية شخصية "محجوب عبد الديم" في رواية "القاهرة الجديدة" لنجيب محفوظ والتي تحولت إلى الفيلم السينمائي "القاهرة 30" مع نقلة نوعية تكشف عن ادراك الدكتور أحمد جمال الدين للواقع ومتغيراته؟!.
هاهو الدكتور أحمد جمال الدين موسى يفوز في روايته الثانية "لقاء في واحة الحنين" برهان جديد من رهانات الكتابة لمثقف موسوعى بحق تعددت اهتماماته فيما يفوز الرهان الجديد لأن العمل ببساطة يحقق المتعة للقارىء وهذا أهم شروط الحكى كما أن الرواية تجعل قارئها يتساءل ويحاول الاجابة وهذا من أيضا من أهم شروط الابداع الثقافي.
ويحمل هذا العمل الابداعى بعضا من صفات صاحبه المقاتل الذي عبر مع رفاقه المقاتلين في جيش مصر قناة السويس يوم السادس من أكتوبر وهو الجيل الذي انتفض أثناء الدراسة بالجامعة مطالبا بالحرب وتحرير الأرض وغسل عار الهزيمة وهو أيضا الجيل الذي ربض طويلا على شاطيء القناة وبقت ارواحه معلقة على الشاطيء الآخر حتى جاءت لحظة العبور ليسترجع مع الوطن روحا غابت في ليل الهزيمة أكثر من ست سنوات.
رغم أن أبطال روايته الجديدة أو شخوصها الرئيسيين يتوزعون على تيارات سياسية فان الدكتور أحمد جمال الدين لاينتمى لأى تنظيم أو حزب أو تيار سياسي فهو لم يكن يوما من الإخوان المسلمين أو الناصريين أو الماركسيين أو الحزب الوطنى البائد.
الرواية التي تبدأ بشخصية ليلى عامر التي لم تتوافق الكيمياء الشخصية بينها وبين "السيدة الأولى" في النظام الذي اطاح به شعب مصر في ثورة يناير ولم ينته حبها لكامل هلال الا بكراهية نقيضة لذلك الماركسي الذي انقلب رأسا على عقب لينتهي به الحال محسوبا على النخبة الفاسدة قبل الثورة.
ومع ذلك قد يحار المرء بعد أن يكشف المبدع أحمد جمال الدين المناطق المجهولة في حياة كامل هلال هل يكره هذه الشخصية بصلفها وغرورها وانانيتها ام يحبها أو على الأقل يتعاطف معها ويتفهمها وهي التي عانت من عذابات الفقد المبكر للأم الحبيبة كما انها تحدت بألمعيتها قسوة الظروف الاقتصادية وتجاوزت باجتهادها العلمي وانفتاحها الثقافي معطيات واقع بالغ الصعوبة ؟!.
وهذا هو الأدب العظيم الذي يتعاطف مع الإنسان في محنة الوجود ويحذر بدهاء القاريء من خطورة إطلاق احكام نهائية "لأن من عرف غفر" كما هو الحال مع شخصيات رئيسة أخرى في رواية "لقاء في واحة الحنين" بينما تبقى شخصية الأستاذ الجامعي طارق جاد اقرب للمثالية وان كانت لم تسلم من جراح الحب والهجر.
هكذا يتوغل المؤلف عند الجذور ويحلق عاليا ويستخدم تقنيات التجسد الروائي المستدير ليصنع شخصيات تعيش معنا وبيننا وعرفناها في الجامعة والحياة ومع ذلك فهي شخصيات من مخيلة خلاقة لمبدع ومثقف من الدرجة العالية الرفيعة ورحالة في التاريخ الثقافي والمسيرة السياسية المصرية مابين منظمة الشباب والمعهد الاشتراكي في الستينيات وتأثير التحولات العالمية على اليسار المصري حتى ثورة الشباب في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين والصراع الكبير مابين صدق وبراءة الثوار وانتهازية قوى تكالبت للقفز على ثورة يناير.
وتتناول الرواية الذكريات والأحداث مكونة جسد الحكى ما بين نبلاء واوغاد ويتصاعد الخط الدرامى مع تصاعد أزمة نظام فقد صلاحيته وانعدمت شرعيته بينما يطل الإرهاب مكشرا عن انيابه الدموية في نهاية الرواية ليتردد من جديد السؤال المعضلة على لسان سامي خليل:"مصر اين ومصر إلى اين"؟!.
سؤال يتردد رغم أن اهدافنا واضحة كما تقرر الرواية الجديدة:"نريد مصر دولة قوية في الداخل والخارج ونريدها دولة ديمقراطية تحمي حريات المواطنين وكرامتهم وحقوقهم ودولة عادلة لايظلم فيها مواطن ولاتهمش فيها طبقة أو فئة من السكان ودولة قادرة على زيادة الإنتاج وتحقيق الرخاء لاشباع حاجات مواطنيها".
ولكن وكما يتبدى في حوار في نهاية الرواية بين سامي خليل مدير فندق "واحة الحنين" وبين الأستاذ الجامعي طارق جاد فان التحدي الحقيقي الذي يواجهنا "هو كيف نحقق كل ذلك سريعا على ارض الواقع"؟!.
عند الدكتور أحمد جمال الدين وفي روايته الجديدة "لقاء في واحة الحنين تأتي الاجابة على لسان الدكتور طارق جاد" يبقى الأمل في الشباب وان يثبت هذا الجيل الشاب والأجيال اللاحقة في رحلة المسير والمصير لمصر الخالدة "كفاءة للتصدي للقيادة بعدما تخلص نفسها من شوائب المراهقة السياسية والشعارات الايديولوجية والديماجوجية وتجيد استخدام لغة العصر وادواته المبنية على العلم والتكنولوجيا والإدارة الحديثة والخضوع للحساب والمساءلة".
كما تأتي الاجابة على لسان الناشطة الطلابية القديمة في انتفاضة مطلع السبعينيات وزوجة السفير الحالية ليلي عامر: "الأمل سيوجد فقط إذا ثرنا على انفسنا وصارحنا بعضنا البعض بأننا سئمنا الفساد والمحسوبية والفوضى والكسل والفهلوة وخرق القانون..الأمل سيوجد فقط عندما نقدس النظام ونحاسب كل منا على مايفعله بحسم وعدل".
وواقع الحال أن الأدب المصرى والعربى على وجه العموم بحاجة بالفعل لعمل مثل "لقاء في واحة الحنين" لأن الأعمال الأبداعية التي تناولت ثورة 25 يناير وتداعياتها مازالت في اغلبها دون المستوى المأمول كما وكيفا مع أن هذا الحدث الجلل كانت له الكثير من النتائج الفاعلة في واقع الحياة المصرية والعربية.
ورواية الدكتور أحمد جمال الدين موسى توضح طرفا من ذلك وتكشف عن أسباب التأخير في بدء مرحلة البناء وتحقيق أهداف الثورة حيث " يعلمنا التاريخ أن الشعوب تعيش عقب ثوراتها مرحلة قد تطول أو تقصر من الاضطراب والقلق..تكون فيها المواقف أكثر حدة وعنفا والآراء اقل حكمة وتسامحا إلى أن تستقر الأمور تدريجيا على وضعها الجديد".
وتتحدث الرواية الجديدة للدكتور أحمد جمال الدين موسى في السياق ذاته عن أن سبب التأخير في بدء مرحلة البناء كان "لتباين تصورات القوى التي شاركت في الثورة حول مايجب عمله..بعض هذه التصورات ساذج وغير قابل للتنفيذ وبعضها الآخر لايحقق المصلحة العامة بل ربما يزيد الأوضاع سوءا والبعض الثالث جيد لكنه يحتاج إلى تهيئة ظروف لضمان النجاح لاتتوافر في حالة الاضطراب".
هاهى رواية" لقاء في واحة الحنين" تظهر بقلم مبدع مصرى ورجل قانون ومثقف وطنى في لحظة مشحونة بالتساؤلات في الحياة الثقافية المصرية وغيوم تحجب الرؤية الصافية للمستقبل وعنف ممجوج وتكشف الرواية عن مدى عشق كاتبها لمصر وحبه للمصريين بقدر احترامه للإنسان في أي مكان وزمان طالما أنه "إنسان ولم يفقد جوهره الانسانى" تماما كما كان الحال على لسان بطلة ماجى ويليامز بطلة روايته الأولى:"من في العالم لاتعجبه مصر؟".
واذا كان الفيلسوف الفرنسى الراحل جان بول سارتر رأى في سياق التنظير لفكرة المثقف الملتزم أن شرط المثقف هو الاشتغال بالقضايا العامة وان مسؤوليته تتجاوز حدود مصالحه الشخصية فيما تحدث الفيلسوف الايطالى جرامشى عن "المثقف العضوى" المنتمى لمحيطه الانسانى فان أحمد جمال الدين موسى يشكل نموجا للمثقف الوطنى المنتمى لمصر دون قطيعة مع "الآخر" والثقافة الإنسانية بأبعادها الكونية ويتواصل مع مستجدات الفكر الانسانى في كل مكان دون انغلاق أو تعصب وهو مايتبدى في رواية "لقاء في واحة الحنين" التي امتدت أماكنها كما امتد زمنها.
فالمكان يمتد من مصر بخارطتها في العاصمة والساحل والريف والكفور والنجوع والقناة وسيناء إلى أوربا التي خبرها المؤلف جيدا أثناء دراساته العليا في فرنسا وهو مايحدث مع الدكتور طارق جاد في رواية "لقاء في واحة الحنين" وكذلك مع ليلى عامر زوجة السفير في سويسرا وكامل هلال الذي طار للسويد للحصول على الدكتوراه ومر هناك بتحولات فكرية مثيرة.
تأتى هذه الرواية دالة على كاتبها كمثقف مصرى لم يكتف بالفرجة أو يركن للسلبية أو يحتمى بأبراج عاجية وجدران اكاديمية ولم يكف عن حمل رسالة التنوير والتسامح ولاتخلى عن شجاعة المواجهة أو عمد لاستغلال مخزونه المعرفى الثرى للتلاعب أو التواطؤ أو البحث عن مكاسب سريعة بخطاب شعبوى انتهازى يتملق الجماهير ويقول مايحب رجل الشارع أن يسمعه دون أن يمد له يد العون في الواقع لتجاوز أزماته كما أنه يحترم شعبه ولاينظر بفوقية للجماهير سواء كان في موقعه الوزارى اومركزه الأكاديمى.
من هنا لن تجد أحمد جمال الدين ضمن جوقة الفضائيات التليفزيونية التي تؤجج حالة العنف اللفظى والمادى عبر حلقات الصراخ اليومى والاحتراب بالكلمات أو الثرثرة التي تدعى النخبوية وانما ستجده يوظف مخزونه المعرفى المتجدد لصالح الإنسان المصرى تماما كما يفعل بنقلته الابداعية وتحليقه الجديد في عالم السرد الروائى.
ومن الدال في سياق الخبرات الشخصية للمؤلف والمواقع والمناصب التي تقلدها في الجامعة والحكومة أن الجامعة في قلب روايته الجديدة فيما يتطرق الدكتور أحمد جمال الدين في تلك الرواية لنقاط هامة في العلاقة الوثيقة بين التعلم والتعليم والثقافة والنبوغ الدراسي وهو الذي قال في روايته الأولى "فتاة هايدلبرج الأمريكية " أن " العلم على أي حال لايمكن أن يكون بديلا عن الثقافة والابداع".
وفيما تتركز كثير من كتابات الدكتور أحمد جمال الدين موسى على العدالة الاجتماعية بل أن اطروحته للدكتوراة عام 1984 من جامعة "كليرمو فيران" الفرنسية كانت عن الدولة والعدالة الاجتماعية في العالم الثالث فان روايته الجديدة "لقاء في واحة الحنين" تعالج ابداعيا ضمن محاورها قضية العدالة واشكالية الظلم في هذا العالم الذي يتوق لعدل غاب طويلا.
ونجح المؤلف في تجاوز فخ "الأحادية" والتنميط والادانات المجانية في الرواية التي تكاد تكون خالية من الهنات المعرفية باستثناء إشارة وردت في صفحة 171 عن اعتقالات سبتمبر في نهاية حكم الرئيس الراحل انور السادات باعتبار انها حدثت عام 1980 والصحيح انها كانت في عام 1981 ولعلها زلة قلم أو هفوة ذاكرة.
ولعل النقلة الابداعية الواضحة في روايته الثانية "لقاء في واحة الحنين" والدالة على رسوخه يحفره بقوة في عالم الرواية المصرية تأتي بعد أن تخلص الدكتور أحمد جمال الدين من قيود تبدت في روايته الأولى "فتاة هايدلبرج الأمريكية" حيث بدا حينئذ في حاجة للتحرر الكامل من حمولته الأكاديمية وتكوينه المنضبط.
وهاهو الآن في روايته الجديدة يتحقق ويحقق تماما مقولة أن الكتابة الابداعية في أحد ابعادها نوع من المغامرة وكسر الصيغ المنضبطة واختبار متجدد للذات المبدعة والقدرة على وصول الأفكار لقلوب البشر وعقولهم.
نعم فالابداع وان كان يشق طريقه حتما بحاجة ابدية للحرية وأولها على المستوى الشعوري للمبدع.. آيا موسى لقد لبيت النداء وتركت الآن نفسك لنفسك لتسبح بطمأنينة مع تيار الابداع متكئا على ذاتك المبدعة ولتفجر الامكانية الابداعية كاملة فحق لك أن تكون جديرا بالجائزة الكبرى وهى جائزة القارىء وحده ويالها من جائزة لمبدع وصاحب جوائز عديدة ورفيعة من بينها جائزة الدولة التقديرية يرى أن على هذه الأرض مايستحق الحياة.
أحمد جمال الدين موسى: روايتك الجديدة تمرق من بوابة الابداع الخضراء وتعلو قمرا منيرا في سماء الرواية المصرية والعربية..هذا وجهك المبدع في احتدام اللحظة المصرية واشتعال سديم الذكريات وانتظار الأفضل في طرقات الوطن ورحلة الأيام وجدل الأجيال..ايها المثقف الوطني والمبدع المصري سلام عليك وعلى جيلك وانت تبني مملكتك الروائية وسلام على ابجديتها المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.