أزمة حادة تشهدها مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير، نتيجة كميات الأسلحة التي دخلت إلى مصر عن طريق الحدود، من البلدان المجاورة التي تعاني حروبا أهلية وعدم استقرار أمني، الأمر الذي دعا المؤسسة العسكرية إلى عقد مبادرة لتسليم الأسلحة التي بحوزة المواطنين، للحد من ظاهرة انتشار الأسلحة في أيدي العامة. ويؤكد خبراء الأمن على ضرورة التعاون الوثيق بين الشعب والجيش والشرطة للعمل على نجاح مبادرات تسليم السلاح، حيث أكد اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية السابق، أن الدافع الوطني وثقة المواطنين في الجيش والشرطة وراء نجاح مبادرة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لتسليم السلاح التي بدأت الدولة تجني ثمارها مؤخرا، وقال جمال الدين إن هذه المبادرة يعد الأكبر من حيث معدل الاستجابة من جانب القبائل في تسليم السلاح، مضيفا أن الداخلية تبنت من قبل عدة مبادرات أطلق عليها "سلّم سلاحك"، وصاحب الفكرة فيها كان شباب الثورة بعد سقوط نظام مبارك، حيث بدأت من البداري بمحافظة أسيوط ولكن معدلات الاستجابة فيها كانت ضعيفة، نظرا للأحداث المتلاحقة التي كانت تمر بها البلاد من عنف ووجود جماعات تهدد أمن الوطن والمواطن. وأضاف جمال الدين: تم إصدار مرسوم بقانون أيام حكم المجلس العسكري لإعفاء من يقوم بتسليم سلاحه من أيّة عقوبات، واستكملناها في الأيام الأولى لحكم الرئيس المعزول محمد مرسي، لكنها لم تأخذ الزخم الإعلامي، ومن ثم لم تحقق هي الأخرى النجاح المطلوب في معدلات التسليم سواء في الكم أو نوع السلاح، مشيرا إلى أن مبادرة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، تعد الأقوى والأنجح من بين المبادرات، ويعود ذلك إلى ثقة المواطن في الجيش والشرطة. وأكد جمال الدين، أن أزمة السلاح الآن ليست في العدد ولكن نوعيته هي الأخطر، فليس من المعقول أن يقوم مواطن باقتناء صواريخ جراد أو مدافع آر بي جي، بل هي تنظيمات إرهابية كانت تعد العدة لاستخدامها ضد الدولة وهذه الأجهزة تنوي الشر لمصر، كانت تدخل السلاح عن طريق أفراد ينتمون إليها أو منظمات إرهابية ولكن موقف الجيش في 30 يونيو وتصديه مع الشرطة لمحاولات الخارجين على القانون، حجمت دخول كميات السلاح كما كان يحدث عقب ثورة يناير، بالإضافة إلى استجابة مشايخ القبائل والمواطنين لمبادرة وزير الدفاع الفريق السيسي ونجاح القوات المسلحة في تأمين الحدود ووقف عمليات التهريب ستحد بشكل كبير في انتشار سوق السلاح في مصر. وعن كيفية دخول السلاح قال: إن الحدود المصرية كبيرة والدول المحيطة بها قبائل مثل ليبيا والسودان، كان يستغلها المهربون عن طريق الدروب الصحراوية بالإضافة إلى التهريب عن طريق البحر، ولكن بدأت القوات المسلحة في السيطرة على الحدود، وعلى المواطنين أن يكونوا أكثر حرصا على حدود بلادهم، وعليهم الإبلاغ فورا وعدم السكوت لعدم انتشار الأسلحة وتواجدها مع الجميع. * 10 ملايين قطعة ومن جانبه، قال اللواء سامح سيف اليزل، الخبير الأمني والاستراتيجي، إن كمية السلاح التي دخلت مصر منذ ثورة 25 يناير تقدر ب 10 ملايين قطعة من مختلف الأنواع والعيارات، وأغلبها دخل من مناطق التهريب الجنوبية والغربية، وخاصة بعد اندلاع الثورة الليبية حيث دخلت كميات ضخمة من السلاح إلى مصر عن طريق الصحراء الغربية ومحافظة مرسى مطروح، وتمكنت القوات المسلحة من ضبط كميات كبيرة منها، وهذا ليس معناه عدم دخول صفقات كبيرة بعيدا عن أعين الأمن. وأشار سيف اليزل إلى أن الاستجابة الواسعة لمبادرة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لتسليم الأسلحة غير المرخصة تؤكد على التقدير الكبير من قبل القبائل البدوية المنتشرة في كل ربوع مصر لما تقوم به القوات المسلحة لحفظ أمن البلاد عقب ثورة 30 يونيو، وتعد خطوة مهمّة في السيطرة على السلاح غير المرخص ولكن الخطوة الأهم هي السيطرة على الأسلحة الثقيلة كصواريخ "جراد"، وال "آر بي جي" التي تستخدم في الحروب والتي عرفت طريقها لمصر مؤخرا ودخلت عدة شحنات منها بهدف التجارة باعتبار مصر منطقة للعبور بين مناطق النزاعات، خاصة أن دول الجوار: ليبيا والسودان وفلسطين، تشهد حروبا ونزاعات قبلية تستهلك هذه الأسلحة بكميات كبيرة. ويضيف سيف اليزل، أن القبائل البدوية أيقنت أن الجيش فرض سيطرته على المناطق التي تشهد مواجهات مع الإرهاب الأسود، وأكدت أنها لن تسمح بحمل السلاح غير المرخص، لأن الأمن مسؤولية الجيش والشرطة ولن تسمح باستمرار تزويد هذه الجماعات الإرهابية بشحنات الأسلحة المهرّبة لقتل أبناء الوطن، وبهذا فإن القبائل تربط أروع الأمثلة كعادتها دائما في الوقوف خلف الجيش والشرطة بكل قوة لمواجهة الإرهاب والعنف غير المبرر. * السلاح والصعيد وعن إمكانية تنفيذ المبادرة في صعيد مصر، والذي يعد سوقا رائجا لتجارة السلاح، قال اللواء محمد كمال جلال، مساعد الوزير مدير أمن قنا، إنه من الصعب أن تلقى مبادرة تسليم السلاح قبولا بمناطق الصعيد نظرا لانتشار عملية الثأر والعداء المستمر مع الشرطة من جانب الخارجين على القانون، مضيفا أن قوات الأمن نجحت خلال أيام قليلة في ضبط 42 قطعة سلاح آلي وآلاف الطلقات. وأضاف مدير أمن قنا أنه يتم التواصل مباشرة مع العمد والمشايخ وكبار العائلات بالقرى والنجوع، ونجحنا كثيرا في إنهاء العديد من المشكلات من خلال فض المنازعات وإجراء عملية الصلح بين الطرفين، ولكن الأهالي لا يقومون بتسليم الأسلحة على الإطلاق، لأن "مطاريد الجبل" والهاربين من تنفيذ الأحكام يقومون بالاتجار في الأسلحة الآلية المهربة خاصة في مناطق "حمرة دوم"، و"أبو حزام"، والتي تُعدّ أكبر مأوى للخارجين على القانون وبها ترسانة أسلحة نارية وآلية. وأشار اللواء محمد كمال جلال، إلى أن قوات الأمن تقوم حاليا بحملات مكثفة على جميع البؤر الإجرامية بالمحافظة وتم التضييق الخناق على جميع المداخل والمخارج بالمحافظة، لمنع دخول الأسلحة المهربة والتي يستخدمها البعض في عمليات الثأر وإطلاق الأعيرة النارية في الأفراح والمناسبات كإحدى أنواع التباهي والتعبير عن الفرحة. يقول اللواء سعد الجمال، مساعد وزير داخلية السابق، إن الأسلحة أصبحت متاحة في أيدي الجميع وهي أغلبها غير مرخص، وترجع أسباب انتشارها إلى استخدام العناصر الخطرة والإجرامية لها في الترويج لتجارة المخدرات والممنوعات إلى جانب استخدامها في عمليات السطو المسلح والمشاجرات، كما أن وجود عادة الثأر بين العديد من أهالي الصعيد والظهير الصحراوي جعلهم يحتمون بمثل هذه الأسلحة، والتي يعتبرونها نوع من أنواع الوجاهة والعزوة، وكذلك انتشار القبائل في جزيرة سيناء وبعض المناطق الحدودية والتي تستعين بالسلاح لحماية قبائلهم من أي عدوان وأخيرا حوادث الهجوم على أقسام الشرطة أثناء الثورة سهل من انتشار الأسلحة في أيدي الجميع وبيعها بسعر بخس. وأضاف: وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في العهد السابق وضعت العديد من الشروط والعواقب أمام كل المتقدمين للحصول على تراخيص لحيازة السلاح، إلا أن بعد الثورة - وفي ظل حالة الانفلات الأمني - سهّلت الداخلية شروط اقتناء سلاح والحصول على ترخيص له، ولكن المشكلة تكمن في أن التراخيص مسموح بها في حالات الأسلحة الخفيفة مثل المسدسات أو بنادق الخرطوش وما عدا ذلك من بنادق آلية ورشاشة وما هو أعلى من هذا غير مسموح باقتنائه تماما، وهي أسلحة للأسف منتشرة في أيدي الجميع الآن. * التعاون مع الأمن ويقول اللواء سعد الجمال، إنه على كل المواطنين المصريين الشرفاء التعاون مع رجال الأمن في الإبلاغ عن أيّة عناصر إجرامية أو أهالي عاديين يقتنون مثل هذه الأسلحة حرصا على أمنهم وسلامتهم فالمواطن عين أمينة على أمنه وأمن بلده كما أنه لا بدّ من تكثيف قوات الأمن حملاتها لضبط الأسلحة المهربة وأوكار تصنيع الأسلحة المحلية للحد منها.