في مصر 30 يونيو لم تكن الإنجازات الكبرى وليدة الصدفة؛ بل تحققت بإرادة قادرة على اختصار الزمن، وتحويل أحلامٍ طال سُباتها على الأرفف لعقود طويلة، إلى واقع حى ينبض على الأرض ويقف له العالم احترامًا وتقديرًا، إرادة أعادت تعريف الممكن، ورسمت مسارًا جديدًا لدولة تبحث عن موضعها الطبيعى في المقدمة. ليست كل الأمم قادرة على عبور منحدرات التاريخ ومنعطفاته الخطرة لتظفر بموقعها فى المستقبل بين الأمم. فبعض الدول تظل تستنزفها التحديات الكبرى، وتتبدد طاقاتها فى صراعات الأزمات، بينما قليلة هى الأمم التى تمتلك الإرادة الصلبة التى لا تهتز، والإصرار الذى لا يهاب وعورة الطريق ولا ثقل الصعوبات؛ تلك الأمم وحدها هى التى تصنع زمنها الخاص وترسم خطها المستقيم وسط منحنيات التاريخ. فى مصر 30 يونيو لم تكن الإنجازات الكبرى وليدة الصدفة؛ بل تحققت بإرادة قادرة على اختصار الزمن، وتحويل أحلامٍ طال سُباتها على الأرفف لعقود طويلة، إلى واقع حى ينبض على الأرض ويقف له العالم احترامًا وتقديرًا، إرادة أعادت تعريف الممكن، ورسمت مسارًا جديدًا لدولة تبحث عن موضعها الطبيعى فى المقدمة. على امتداد 450 كيلومترًا يتصل الشرق بالغرب عبر إنجازات تعكس حجم هذا التحول؛ فمن ميناء شرق بورسعيد على الشمال الشرقى، حيث يعانق البحر المتوسط الجسرَ الرابط بين القارات الثلاث، إلى الحلم النووى السلمى محطة الضبعة النووية على الشمال الغربى، تتجسد الإرادة المصرية التى تشكّل ملامح الجمهورية الجديدة. ففى شرق بورسعيد يقف أحد أقوى موانئ العالم شاهدًا على قدرة المصريين على تحدى المستحيل، ويعزز دور مصر الاستراتيجى فى قلب حركة التجارة العالمية، حيث شهد الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أيام قلائل افتتاح عدد من المحطات البحرية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لتُضاف إلى سجل الإنجازات. هناك، وكما رأينا، تحولت الأرض الرخوة إلى ميناء يُصنَّف اليوم كأول ميناء حاويات فى إفريقيا والثالث عالميًا، بفضل رؤية جعلت من قناة السويس ليس فقط ممرًا عالميًا، بل مركزًا لوجستيًا وصناعيًا. خطوات وُضعت بدقة لتجعل من مصر مركزًا إقليميًا للنقل وتجارة الترانزيت. وكما ذكر الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة: تم تطوير 14 ميناءً، وارتفعت المساحات المخصصة للموانئ من 40 مليون متر مربع عام 2014 إلى 75 مليون متر مربع عام 2025، وصولًا إلى 100 مليون متر مربع بحلول 2030، مع ربط الموانئ بشبكات نقل متعدد الوسائط، أبرزها أنفاق 3 يوليو. وعلى الضفة الأخرى من رحلة الإنجاز، وفى قلب الضبعة، يتجسد حلم آخر، حلمٌ تأخر ستين عامًا، أصبح حقيقة بفضل إرادة ورؤية القيادة السياسية. قبل أيام قليلة، شهد العالم لحظة تاريخية استثنائية من محطة الضبعة النووية، حيث شارك الرئيسان عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين عبر الفيديو كونفرانس فى تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة الأولى، وتوقيع أمر شراء الوقود النووى، فى خطوة محورية تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية الراسخة بين مصر وروسيا الاتحادية، وذلك بالتزامن مع الاحتفال بالعيد المصرى الخامس للطاقة النووية، الذى يوافق التاسع عشر من نوفمبر من كل عام. كما تم فى حضور الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء توقيع اتفاقية البرنامج الشامل للتعاون مع شركة «روساتوم» الروسية فى مجالات عديدة، منها المجال النووى وبعض المجالات التى تخدم القطاع الطبى، ومنها إنتاج النظائر المشعة لعلاج الأورام. لقد شرفت بالتواجد هناك، لأشهد كيف تحوّلت الفكرة إلى مفاعل نووى سلمى، وكيف تحوّل المخطط إلى محطة عملاقة بطاقة 4800 ميجاوات، وكيف صارت الصحراء الصامتة مدينة للطاقة ومركزًا علميًا وصناعيًا عالميًا سيغيِّر خريطة التنمية لمائة عام مقبلة. فالمشروع يوفّر ما يصل إلى 3.5 مليار دولار سنويًا، تُنفق على استيراد الوقود التقليدى لمحطات الكهرباء، ويخلق آلاف فرص العمل، ويضع مصر فى موقع ريادى على خريطة الاستخدام السلمى للطاقة النووية. لم يكن هذا الإنجاز ممكنًا إلا بجهد العلماء والمهندسين والفنيين والعاملين المصريين. وكما ذكر الدكتور شريف حلمى، رئيس هيئة المحطات النووية: فإن أكثر من نصف أعمال البناء تُنفَّذ بأيادٍ مصرية، ويتلقى مئات المهندسين تدريبًا فى أكبر المؤسسات النووية العالمية، وستعمل المحطة بكوادر مصرية بنسبة 100٪، وستضيف إلى شبكة الكهرباء المصرية 35 مليار كيلووات/ساعة من الطاقة النظيفة بأعلى معايير السلامة والأمان. إن اللحظات الاستثنائية فى مشهدى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بميناء شرق بورسعيد ومحطة الضبعة النووية، ورغم تباعد المسافات، تجتمعان فى إرادة لا تعرف المستحيل؛ فإذا كانت محطة الضبعة قد أعادت لمصر حلمها النووى، فإن شرق بورسعيد تؤكد مكانة مصر البحرية والتجارية، وأن مصر ليست فقط دولة عبور، بل دولة صناعة ولوجستيات تمتلك موانئ قادرة على المنافسة، تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا للنقل وتجارة الترانزيت.