لم يكن فرانسيس بيكون المولود في 22 يناير 1561 أحد أبرز السياسيين في عصره فحسب، بل كان كذلك أبرز مفكريه وكتَّابه، فكتب في الفلسفة والأدب والعلوم، وكانت أفكاره تهدف إلى إصلاح المعرفة الإنسانية وتطويرها، وتمّرد على الفكر والفلسفة الأرسطوطالية وطريقة الاستقراء في البحث العلمي، ولكن انغماسه في الحياة السياسية وحياة البلاط ودسائسها جعله بعيدًا عن التطور العلمي المُتلاحق، في الوقت اته كان معروفًا بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على الملاحظة والتجريب، وكان ممن انتبهوا إلى غياب جدوى المنطق الأرسطي الذي يعتمد على القياس. أيضًا كان بيكون ملتزمًا بتعاليم الكنيسة، كذلك كان مُناصرًا للملك وحقه الإلهي ضد البرلمان، وحارب أقرب أصدقائه ومعارضيه والمحسنين إليه خلال كونه محاميًا ونائبًا عامًا، وفي الوقت ذاته كانت مؤلفاته نتاج روح حرة وفكر وقَّاد؛ فكان هذا الفصل بين المعرفة والإيمان الديني، ومن ثمَّ بين الكنيسة والدولة، منهجه الحياتي، ما يؤكد التناقض الكامن في نفسه؛ ولكن كانت للسياسة حسابات أخرى، فقد عيّنه الملك جيمس في العديد من المناصب بدءًا بمساعد للنائب العام، ثم نائبًا عامًا، عضوًا في مجلس شورى الملك، حاملًا للأختام، حتى وصل إلى منصب قاضي القضاة؛ وخلعت عليه ألقاب كريمة جديدة لتزين مواهبه وقدراته، فأصبح بارون فيرولام الأول، ڤايكونت سانت ألبانز؛ ولما غادر الملك جيمس إنجلترا إلى اسكتلندا، ترك قاضي قُضاته ليحكم البلاد. وكان ثمن كل هذا فادحًا، ففي سعيه وراء المناصب كثيرًا ما ضحى بيكون بالمبادئ، فاستغل نفوذه كمساعد للنائب العام، لإصدار الأحكام القضائية على الصورة التي يرغب فيها الملك، ودافع وهو حامل للأختام الملكية عن أشد الاحتكارات تعسفًا وظلمًا، وقبل وهو قاض هدايا ثمينة من المتُقاضين أمام المحكمة؛ وكان يقول "إذا كان لا بد لي من معاقبة الرشوة، لما تركت واحدًا من الرعايا". أيضًا مع تقديس بيكون للعلم، لم يفقد رؤيته الصحيحة للأشياء، أو وجهة النظر السليمة، فهو يدعو إلى تعليم عام متحرر، يشمل الأدب والفلسفة، لأنه يهُيئ للوصول إلى حكم سليم على الغايات التي تقترن بتحسين الوسائل على أساس علمي؛ وحاول أن يصنف العلوم في ترتيب منطقي، ويحدد مجالاتها وحدودها. وفيما كان يحاول أن يختبركم من الوقت يمكن أن يحفظ الجليد اللحم من التعفن والفساد، قطع بيكون رحلة في أحد أيام الربيع ليشتري دجاجة، وذبحها وحفظها في الجليد، فوجد أنه أصيب بقشعريرة؛ فلجأ إلى دار لورد أروندل المجاورة، حيث وضعوه في الفراش، وظن أنها وعكة صحية عارضة لا تلبث أن تزول، وكتب أن التجربة "نجحت نجاحًا تامًا"، ولكن في التاسع من أبريل 1626 قضت عليه الحمى، وخنقه البلغم، ليموت في سن الخامسة والستين.