هل وجدت الأديان لشقاء البشر؟ هل يسعد الإله العادل ان يقتل الناس بعضهم بعضا سعيا اليه وإلي جنته؟ هل سمح الله بتعدد الأديان لكي تظل الحروب مستعرة ومستمرة حتي ينتصر اتباع دين بعينه علي اتباع الأديان الأخري أو إلي يوم يبعثون . أيهما أقرب؟ من المؤكد ان الاله كان يستطيع أن يجعل البشر جميعا علي ملة واحدة لكنه فضل أن يسعي الناس اليه بطرق متعددة ليختار كل إنسان الدين الذي يشبع وجدانه ويرتاح له ضميره . ولكي يتم هذا الاختيار بكل حرية يجب الفصل التام بين الدين والسياسة لكي تقف الدولة موقف الحياد من كل الأديان ولا تتخذ لها دينا رسميا تعتبره الدين الأوحد المسموح به أوعلي الأقل الدين الأفضل الذي قد يسمح بوجود أديان أخري محددة في مرتبة أقل ويمنع المجاهرة علنا بأديان غيرها باعتبارها غير سماوية ورجساً من عمل الشيطان . إن الديانة المسيحية التي تدعو اتباعها الي محبة اعدائهم ومباركة لاعنيهم والصلاة للذين يسيئون اليهم اضطهدت اليهود والوثنيين حين امتزجت بالسياسة وأصبحت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية بعد أن اعتنقها الامبراطور قسطنطين . وقد استمرت محاكم التفتيش التي كان يشرف عليها البطاركة في اسبانيا حتي القرن التاسع عشر وقامت بحرق الخارجين علي نواميس الكنيسة بضمير صاف وبعزيمة واصرار لا يكل ولا يلين . ودولة الخلافة الإسلامية صلبت وقتلت الحلاج وابن المقفع والسهروردي وارتكبت من المذابح ما ترتجف له القلوب وتقشعر منه الأبدان . أصوليات لن ينعم العالم بالامن والسلام والحرية في ظل الدول التي تحكمها الأصوليات عن طريق احزاب دينية فاشية حتي لو تمسحت كذبا بالحرية وزورا بالعدالة . وهي احزاب تتوهم أو توهم شعوبها أنها تمتلك الحقيقة المطلقة التي يجب ان تفرضها علي مواطنيها اولا ثم علي كل شعوب العالم لتتمكن من الأرض واي فترة سلام تكون بمثابة هدنة مؤقتة لالتقاط الانفاس واعادة الحسابات وترتيب الاوراق قبل معاودة القتال والجهاد المقدس . لكن كيف يمكن ان تنجو البشرية من هذا المصير المظلم؟ أعتقد ان الحل يكمن في كلمة واحدة هي " العلمانية " . يعرف فيلسوفنا الكبير الدكتور مراد وهبة العلمانية بأنها التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق وهذا يعني من وجهة نظر الدكتور مراد اصلاح العقل لكي يتحرر من الدوجما والثوابت ومن الوهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة . وأري انه حين يتخلص العقل من هذا الوهم سيكون قادرا علي اعمال النقد والتحليل فلا يقبل اي فكرة او يرفضها الا بعد اخضاعها للمنطق . وحيث انه يؤمن بنسبية الحقيقة فهو لن يسعي لفرض الفكرة التي يعتنقها علي الآخرين عنوة لانه يدرك انه قد يرفضها هو نفسه مستقبلا اذا اكتشف فيها مواطن خللاً مع تجدد المعرفة اللانهائي . وهذا العقل النقدي هو الذي اخرج الغرب من ظلمات العصور الوسطي وجعل الشعوب الأوروبية تستنشق عبير عصر التنوير والعلم والفن وحرية العقيدة وحقوق الانسان . دعا الفيلسوف الانجليزي فرنسيس بيكون ( 1561- 1626) إلي التمرد علي النمط الأرسطي الذي كان يعتمد علي القياس لأن المعرفة قوة ولكي يمتلكها الإنسان يجب أن يطهر عقله من كل الأفكار التي انحدرت اليه من السلف ليصبح هذا العقل صفحة بيضاءTable rase يخط عليها الجديد الذي يصل اليه المنهج العلمي القائم علي الملاحظة والتجريب. ويطالبك الفيلسوف الألماني كانت ( 1724 - 1804) بأن تكون جريئا في استعمال عقلك . ويقول تشارلز داروين ( 1809- 1882) " عادة ما يولد الجهل شعورا بالثقة اكثر مما تفعله المعرفة والذين لا يعلمون إلا القليل هم الذين يتحدثون بشكل قاطع " . ويري الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل( 1872 - 1970) مشكلة العالم في أن الأغبياء والمتشددين واثقون بانفسهم أشد الثقة بينما الحكماء تملأهم الشكوك . العلمانية والمشايخ صرح شيخ الأزهر الدكتور / أحمد الطيب بأن العلمانية لا تصلح للدول الاسلامية رغم نجاحها في الغرب . والحقيقة أنا أندهش أن يصدر تصريح كهذا من رجل عاش في فرنسا وحصل علي الدكتوراة من احدي جامعاتها . فالعلمانية الغربية هي التي سمحت للمسلمين بالتواجد الفعال في هذه المجتمعات وجعلت حرية العقيدة ومبادئ حقوق الانسان امرا واقعا وليس مناورة وألاعيب لفظية . يمكن للرجل المسلم ان يتزوج امراة غربية وتستطيع هي بدورها ان تعتنق الاسلام إن ارادت وتربي ابناءها علي تعاليم دينها دون تدخل من الدولة . نقرأ ان اخت زوجة رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير اعتنقت الاسلام ومحكمة امريكية تحكم بتعويض قدره 5 ملايين دولار لامراة امريكية تعرضت لمضايقات معنوية من رئيسها في العمل بعد ان اسلمت وارتدت الحجاب . ونشاهد علي اليوتيوب لقاء قديماً للشيخ الشعراوي يفتي فيه ان العلمانية كفر وان العلماني الذي يدعي ايمانه بالله كاذب يقينا . فما الغرابة في أن يصرح الدكتور / أحمد ابو بركة المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة في أحد البرامج التليفزيونية أن العلمانية تخلف ولو قال انها كفر لعذرته. إن المجتمع المصري يدفع ثمن التجريف العقلي الذي تعرض له بشكل منظم وممنهج عن طريق تعليم حكومي متخلف وإعلام يروج للتفاهات والخرافات والأساطير . ومصر تمر بمنعطف خطير ومفترق طرق وعر فإما أن نجتازه إلي المستقبل والحداثة أو نتعثر ونتسمر فنحيا بأجسامنا في الحاضر وبعقولنا في العصور الوسطي . والعلمانية هي الحل وليس الديمقراطية التي جاءت بالأمس بهتلر النازي وموسوليني الفاسيشتي الي الحكم وقد تدفع صناديق الانتخابات في مصرغدا بالصناديد أعداء المرأة وحقوق الانسان الي قصر الرئاسة . ثقافة العلمانية هي الحل والامل والمستقبل ولو كره المتخلفون الكافرون بسلطان العقل وقيم العدل والحرية والانسانية .