ضمن إدماني لمشاهدة الأفلام العربية القديمة مساء كل يوم قبل النوم - كي تكون أحلامي سعيدة بالأبيض والأسود، وبعيدة قليلا عن كوابيس هذا الزمان - أذهلني مشهد هام في الفيلم الذي ربما ناهز عمره علي نصف القرن "عنتر ولبلب". المشهد طير النوم طبعا من عيني وجعلني اقفز جالسة افكر في المقارنة الهامة بين حال عنتر ولبلب سنة 50 أو قبل ذلك وبين احداث هذه الأيام. ففي الفيلم عنتر "سراج منير" يمتلك صالة أو تياترو بينما لبلب "شكوكو" يمتلك مقهي صغير.. المهم المشهد الهام جدا هو المنافسة الشرسة بين صاحب "التياترو" وصاحب المقهي ليس فقط علي قلب الشابة الجميلة ولكن في تقديم المشروبات. فقد تحدي لبلب وقرر فجأة ان ينافس تياترو عنتر الضخم "نسبيا" فخفض الأسعار الي النصف.. فانتقل الناس في مشهد سينمائي، رائع إلي قهوة لبلب مما اضطر المدعو عنتر الي تخفيض اسعاره هو الآخر كي يستعيد زبائنه فعاد الناس إليه في مشهد آخر. وهكذا استمر انتقال الزبائن بين التياترو والمقهي بحثا عن السعر الارخص مما اضطر عنتر الي تحطيم قهوة لبلب الصغيرة وتستمر أحداث الفيلم. لماذا اهتممت بهذا المشهد بالذات.. ببساطة لأن مبدأ المنافسة من أجل جذب الزبون كان هو الفكر الاقتصادي البسيط الموجود في كل زمان.. حتي في زمان عنتر ولبلب الا أنه -ولسبب ما- اختفي تقريبا من حالتنا الاقتصادية الراهنة. فالمواطن المصري بصراحة لا يعيش عصر المنافسة التي طالما حدثنا عنها الاقتصاديون عند وصفهم لآليات السوق الحر.. دائما المنافسة ستخفض الأسعار وتقدم المنتج الأفضل للمستهلك ولهذا فعلي الدولة أن تخرج وتنسحب وفقط تراقب المتنافسون يتصارعون علي إرضاء المستهلك تلك هي النظرية. عفوا.. لكن آليات هذا الفكر أصابها الشلل في مصر.. اما لتكتل المنتجين واتفاقهم علي المستهلك أو لغيبة جماعات لحماية المستهلك قوية وفاعلة "مازالت التجربة في بدايتها" او لغض الدولة بصرها عن احتكارات وتكتلات تراها راهنة امامها ولا تريد ان تتحرك لفضها، أو لأن هناك شخصا ما أو قوة ما أو مجموعة من مصلحتها أن يبقي الأمر علي ما هو عليه. مع الإيحاء بأن آليات السوق تعمل بينما الحقيقة ان آليات السوق معطلة لا تخدم سوي المنتج.. الذي يصرخ بدوره إذا ما اقترب شبح الأزمة من جيبه ويسرع بالاستنجاد بالدولة كي لا يضطر آسفا لتسريح العمالة وزيادة البطالة!! عجبي. أما المستهلك فله الله وليس له من حماية موته والوضع السابق لا ينسحب فقط علي السلع الاستهلاكية كالغذاء وخلافه.. فقد فشلت كل المحاولات في خفض اسعارها لتكتل منتجيها واهتمامهم بأسباب واهية ليس فيها أي سبب يخص المواطن المسكين لكن الأمر يمتد إلي العقار والسيارات والمنتجات الكهربائية وحدث ولا حرج.. المواطن المصري خارج المنافسة ولا يشعر بأي منافسة بين المنتجين.. قد يتنافسون من يحصل علي الحصة الأكبر من السوق لكنهم بالتأكيد لا يتنافسون علي إرضاء المستهلك وتخفيض الاسعار. وهكذا فقد كان اقتصادنا أيام عنتر ولبلب اكثر شراسة، اكثر انفتاحا واكثر عدلا لانه في النهاية كان يجبر اللاعبين علي المنافسة من أجل "جيب" الزبون.. وليس المنافسة من أجل الضحك علي "الزبون". جازي الله الأفلام القديمة.. أضاعت النوم من عيني. نقطة فاصلة استأذن القارئ في الذهاب إلي اجازة قصيرة.. أستعيد فيها قدرتي علي الكتابة والمواجهة و.. الحياة.