كل عام وأنتم بخير.. جاء رمضان ورحل عنا سريعا بعد أن أضفي علينا جوا من الروحانية لا يقلل من شأنها أبدا الاهتمام بالطعام والشراب والولائم ومسلسلات التليفزيون. والحمد لله ان أنعم الله علي هذا العام بنعمة عدم مشاهدة التليفزيون إلا في الدقائق التي تسبق مدفع الافطار ومثلها قبيل صلاة الفجر، وهكذا نجوت من حشو الدماغ -كما سمعت من غيري ومن قراءتي للنقد في الصحف والمجلات- حشو الدماغ الذي هاجم الصائمين في مختلف البرامج خاصة المسلسلات إلا قليلا منها فالقاعدة ان البعض منها فقط لقي استحسان الناس وأما معظمها فقد تسبب للكثير في آلام بالمعدة وعسر بالهضم وارتفاع لا مبرر له في ضغط الدم. ولذلك أقول الحمد لله أنني نجوت من البرامج السطحية والسخيفة التي أصبحت مقررا لابد من خوضه في شهر رمضان ولماذا لا أدري؟ هل الهدف من هذا السباق المحموم علي الشاشة الصغيرة هو تسلية الناس أثناء صومهم أم بعد افطارهم؟ وهل التسلية تكون بهذا القدر من الاستخفاف بعقول الناس بتقديم برامج مكررة وأفكار بالية ونجوم أكل عليهم الدهر وشرب. لا أدري حقا إذا كانت هناك أموال فائضة يريد التليفزيون انفاقها والسلام أم أنها أرزاق لبعض الناس وهذا موسم حصادها ومكتوبة علينا ومقدرة لهم ولابد من نفاذ المقدور والمكتوب؟ رمضان شهر عظيم بالصوم والعبادة والتقرب إلي الله سبحانه وتعالي وليس بالأكل والشرب والمسلسلات، ولا بأس من كل شيء ولكن بالمعقول بالقدر الذي لا يخل بتوازن الناس الروحي والنفسي فلا تجد حديثا خلال نهار رمضان سوي عن برامج الطبيخ والطعام، وتلك المسلسلات التي تفتقد الابداع وتغوص برؤية سلفية في التاريخ لتتجنب مناقشة مشكلات الزمن الذي نعيش فيه، والمناظرات الكلامية التي تفتعل قضايا لتجد مادة للحوار بالعافية. ومع ذلك فإن الناس تعجب ببعض البرامج ولكن قليل منها فقط وأصبحت هي الأخري مملة وتكرر تقريبا نفس الموضوعات وبنفس الأسلوب. حقيقة السعادة تتحقق للإنسان الصائم في رمضان وبعده من اكتشافه للجواهر الثلاث القابعة في أعماق نفسه والكشف عنها لا يأتي بالانشغال بتوافه الأمور وإنما بالمثابرة وتأمل الفريضة. ما أحلي أن يصوم الإنسان وهو يعمل ويعامل الناس بالحسني فالله لايتقبل إلا العبادة الخالصة لوجهه الكريم وأما ما دون ذلك فهو مردود إلي أصحابه. فرض الله علي الإنسان الإيمان بالغيب في العقيدة والطاعة في العبادة والتقوي في المعاملات والسلوك.. وإذا لم يكتشف الإنسان تلك الجواهر في نفسه فقد فاته الكثير.