كل عام وأنتم بخير، مرة أخري جاءنا شهر الصوم ليقدم لنا فرصة إضافية لتصفية النفوس، وتهدئة الخواطر ، وتعميق المشاعر الإنسانية التي طغت عليها الاحتياجات المادية وكادت تطمسها طمسا، تقطعت الأرحام وتدمرت الصداقات وزادت العداوات، ضاع حق الأخ والجار والصديق، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قبل أن يأتي رمضان تجري استعدادات خاصة، تعلن حالة الطوارئ في البيوت، في الأجهزة الحكومية في مواقع الإنتاج، المواعيد تتغير في المخابز، وأماكن العمل، يرفع التجار الأسعار، تتوالي الإعلانات عن المسلسلات، الليل يستولي علي كل مساحة الاهتمام مع انفجار قذيفة الإفطار، وانطلاق المآذن ترفع أذان المغرب يعلن للناس أن صوم يوم من رمضان قد انتهي، كما يعتقد معظم الناس. الحقيقة أن صوم يوم من رمضان لا ينتهي ساعة المغرب من كل يوم ، ما ينتهي هو الامتناع عن المفطرات مثل الطعام والشراب، لكن حالة الصوم تظل باقية يوما بعد يوم وليلة بعد أخري حتي ينتهي الشهر الكريم، أما ما اصطلح عليه بعض الناس وروجوا له من أن الصوم ينتهي كل مغرب ويبدأ من جديد مع كل فجر فإنه يندرج تحت التفسير المادي للصوم ويبتعد كل البعد عن مفهوم الفريضة التي وضعها الله عز وجل لتكون معبرا خاصا جدا وعلاقة مباشرة بين الله وعباده وخصص لها من الوقت شهرا من كل سنة ومن الشهور ، شهر رمضان. شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري. شهر مميز عند المسلمين عن باقي شهور السنة الهجرية، فهو شهر الصوم، يمتنع في أيامه المسلمون عن الشراب والطعام والعلاقات الجنسية من الفجر وحتي غروب الشمس، كما أن لشهر رمضان مكانة خاصة في تراث وتاريخ المسلمين، بدأ فيه الوحي وأول ما نزل من القرآن علي النبي عليه الصلاة والسلام كان في ليلة القدر من هذا الشهر في عام 610 م، حيث كان رسول الله في غار حراء عندما جاء إليه جبريل، وقال له: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وكانت هذه هي الآية الأولي التي نزلت من القرآن. القرآن الكريم - في رواية معظم المفسرين - أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا في رمضان، ثم كان جبريل ينزل به علي سيدنا محمد مجزءأ بالأوامر والنواهي والأسباب، علي مدي عشرين سنة. اختلف العلماء في اشتقاق كلمة رمضان فقيل إنها من الرمض وهو شدة الحر، فلما وافق الشهر التاسع من التقويم وقت الحر الشديد أطلقوا عليه اسم رمضان، سواء جاء وقته في الحر أو البرد فيما بعد. في رمضان تزكية للنفس وقرب من الله عز وجل، وفي الصوم أيضاً يجب أن يمتنع المسلم عن الكلام البذيء والفعل السيئ ليلا أو نهارا، تأكيد علي أنه لا فرق بين نهار رمضان ولياليه إلا في اباحة الأكل والشرب والجماع من المغرب حتي الفجر، وليس معني الإباحة هنا أن يستمر الإنسان في الأكل والشرب من المغرب حتي الفجر، ولكن أن يستعين الإنسان بما تيسر من الطعام والشراب دون إسراف أو تبذير علي الاستمرار في أداء عمله في نهار رمضان. إن تصحيح مفهوم الصوم وترشيد التعامل مع أيام رمضان ولياليه واجب شرعي يجب أن يفهمه المسلمون بعيدا عن التنافر الشديد والمبالغة في المظاهر الروحية أو المادية، شهر رمضان هو شهر للانضباط والالتزام بحسن السلوك بالليل والنهار، وليس شهرا للتقصير في العمل والنرفزة بحجة الصيام. من فضل شهر رمضان أن فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، لقول سيدنا رسول الله: إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة، اللهم اجعلنا من عتقائك في كل ليلة من رمضان.