يبدو أن أزمة التضخم الأخيرة التي ضربت الأغذية في العالم أجمع كشفت عورات السياسات والاستراتيجيات الزراعية التي تسببت في مضاعفة الآثار علي الشارع المصري وجعله الأكثر تأثرا علي مستوي المنطقة فالحقيقة كما يؤكدها الخبراء ل"للأسبوعي" أننا اضعنا الكثير من الوقت دون وضع أي حجر أساس لمستقبل الأمن الغذائي.. فقد بدأت السنين العجاف تدق الأبواب كما يصفها الخبراء في آرائهم التي اتسمت بالتشاؤم فقد لخص الخبراء ما يحدث في عبارة "حان وقت ربط الحزام ولا داعي للبكاء علي اللبن المسكوب". والمتتبع لميزان الحبوب في مصر الخاوي علي عروشه والذي يعتمد علي الاستيراد في 90% من معظم تعاملاته الأمر الذي يعكس الواقع الخطير والمستقبل الغامض الذي يحيط بأمان الأجيال القادمة والتي لن تجد معها سياسات الترقيع الزراعي التي انتهجت علي مدار عقود طويلة دون وجود أهداف واضحة للتنمية المستدامة للسنوات العجاف التي تسببت فيها التحولات العالمية بداية من ارتفاع أسعار الطاقة ولجوء الدول إلي استخدام محاصيل الذرة والقصب كمصدر بديل للطاقة قبل نضوبها فضلا عن حزمة من العوامل الأخري التي اتحدت مع بعضها البعض وساهمت في تفاقم الأزمة مثل تضاؤل الاحتياطي وتزايد الطلب علي الحبوب بشكل كبير، كما ساهمت التوقعات الخاصة باحتمال حدوث ركود عالمي واستمرار سوء الأحوال الجوية في أجزاء من افريقيا وآسيا في زيادةارتفاع الأسعار. يذكر أن مصر شهدت في غضون أشهر محدودة ارتفاعات فلكية هي الأولي في تاريخها في أسعار المواد الغذائية حيث سجلت أسعار محاصيل الحبوب والبقوليات بالأسواق مستويات سعرية فلكية حيث ارتفع سعر العدس الأصفر إلي 10 جنيهات مقابل 2 جنيه في عام 2006 والفول إلي 8 جنيهات مقابل 4 جنيهات في 2007 أما الذرة العويجة فقد ارتفع سعرها إلي 3 جنيهات ونصف في مقابل جنيه ونصف في العام الاسبق ثم تأتي بعد ذلك أزمة الأرز التي ألقت بظلالها لتكمل ماراثوان الاسعار فقد سجل سعر كيلو الأرز 5 جنيهات ونتجت بسبب التوجه للتصدير لأرباحه المتوقعة وتعطيش السوق المحلي الأمر الذي ساعد في ارتفاع الأسعار علي الرغم من كونه المحصول الوحيد الذي تحقق فيه مصر اكتفاء ذاتيا ويعول الكثيرون الآمال علي وقف تصدير الأرز بأنه سيساهم في عودة الأسعار عن جنوحها. يذكر أن هيكل ميزان الحبوب في مصر يعاني من فجوة ضخمة فمصر تستورد نصف احتياجاتها من القمح البالغ 14 مليون جنيه وتعتبر الولاياتالمتحدة هي القبلة الأولي في استيراده يليها سوريا واستراليا وكازاخستان أما الفول فتستورد مصر منه 60% من احتياجاتها البالغة 500 ألف طن من الصين أما العدس فهو الأكثر خطرا حيث تستورد مصر 98% من احتياجاتها من العدس أي أن الاكتفاء الذاتي منه لا يتجاوز 2% أما الذرة كما يطلق عليه الخبراء فإنه النزيف الأكبر لموازنة الدولة والتي تتكبد تكاليف باهظة سنويا لاستيراد 6 ملايين طن للذرة الصفراء بينما ينتج محليا 500 ألف طن فقط وتبقي الذرة الرفيعة هي الأفضل إلي ميزان الحبوب ونحقق فيه اكتفاء ذاتي. من جانبها تؤكد الدكتورة سهرة خليل عطا استاذة الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة أن علينا أن نعلم أن مصر هي أكبر مستورد للقمح، ورابع أكبر مستورد للذرة في العالم وهي ثامن أكبر مستهلك لكل منها علي مستوي العالم، وذلك مع العلم أن مصر تزرع معظم وإن لم يكن كل الأراضي الصالحة للزراعة فيها والتي تبلغ حوالي 5.3% فقط من مساحة مصر الكلية البالغة مليون كيلو متر مربع، فإذا تناولنا الحبوب والبقوليات نجد أن إنتاج البقوليات في مصر تراجع خلال العقد السابق في حين كانت المساحة المزروعة بالعدس عام 1987م هي 24 ألف فدان فقد تراجعت تلك المساحة تدريجيا حتي وصلت إلي "واحد من عشرة" من تلك المساحة في 2005 كما أن استهلاك مصر من الفول تضاعف من 245 ألف طن في عام1993/1994م إلي 522 ألف طن حاليا وأن استيراد مصر من الفول زاد من 500 طن في عام 1990م إلي 240 ألف طن في عام ،2007 أي أننا نستورد حوالي نصف احتياجاتنا من الفول، ولا يخفي علينا أهمية الفول والعدس كغذاء للسواد الأعظم من الشعب المصري.