الإخوان: خطة ترامب خيانة.. وحماس ترد: «قبلنا ونواجه مصيرنا بأنفسنا» حماس فى الخطة الأمريكية من المقاومة إلى السياسة زايدت جماعة الإخوان كعادتها على حركة حماس، واتهمتها بالخيانة إذا قبلت خطة ترامب. فمنذ الساعات الأولى لظهور خطة الرئيس الأمريكى ترامب، حاولت جميع جبهات الإخوان المتصارعة تهذيب صورة المفاوضات وجميع مرتكزاتها الدولية والإقليمية. مجموعة محمود حسين هاجمت الخطة، وقالت إن أى خطة تكرس لاستمرار الاحتلال أو تفرض حلولًا غير فلسطينية هى انتهاك صارخ لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، واختيار من يحكمه بدون وصاية إقليمية أو دولية، دون أن تقدم جبهة "حين" بإسطنبول أى بديل أو حل واضح وصريح. جبهة "تيار التغيير"، وهى جبهة الشباب المعنية بالمزايدة على الجميع، اعتبرت أن الخطة خطة استسلام وإعلان نصر للاحتلال، وإقامة بؤرة جديدة له فى غزة، فى تهديد واضح لأمن المنطقة، خاصة مصر والأردن. واتهمت المقاومة التى قبلت بهذه الحلول بالخيانة. علق طلعت فهمي، المتحدث الإعلامى باسم جماعة الإخوان المسلمين التابعة لجبهة إسطنبول، حول بيان الجماعة الذى أكدت فيه على حق الشعب الفلسطينى المشروع فى مقاومة الاحتلال وتحرير أرضه، وأن أى خيار بديل عن المقاومة والهجوم على خطة ترامب هو عبث يؤدى إلى تصفية القضية الفلسطينية. استبق إعلام حماس بمذكرة طلبت من الإخوان التريث، وأن موقفهم مرتبط بمصر وقطر وباكستان، وأن ما أعلنه ترامب مختلف عما تم عرضه عليهم فى المرحلة السابقة. فعدم إعطاء رد مباشر حينها بالرفض أو القبول مبنى على طرح تعديلات على خطة ترامب هو الأهم فى هذه الفترة. فخطة ترامب بها إجحاف كبير لحماس بلا شك، وهذه المرة لم تطرح فكرة التهجير بشكل صريح، وهو ما أزعج الإخوان وجعل جميع الجبهات يزايدون على حماس فى جميع بياناتهم قبل قبول خطة ترامب من قبل حماس. حماس حسمت موقفها وقبلت الخطة، وسوف يستمر الضغط الإخوانى الذى لا يهتم بمصير الشعب ولا الجرحى ولا الأوضاع الداخلية، وهو محاولة لإيجاد موضع قدم وسبق إعلامى لا غير، كعادة الجماعة، وهى مزايدة رخيصة على أصحاب القرار والتضحيات. وصاية جديدة خطة ترامب التى كُشف عنها لا تحمل ملامح انتصار لأى طرف بقدر ما تعكس وصاية جديدة على غزة، شبيهة بانتداب حديث تديره واشنطن بغطاء عربي. وفى تصريحات للقيادى فى الحركة موسى أبو مرزوق، قال إن الأولوية حاليًا تتمثل فى "وقف الحرب والمجازر"، لافتًا إلى أن حماس تعاملت بإيجابية مع الخطة من هذه الزاوية. وأضاف أن الإفراج عن الأسرى خلال 72 ساعة "أمر غير واقعى فى الظروف الحالية"، لكنه أكد انفتاح الحركة على التفاوض بشأن مختلف القضايا، بما فى ذلك ملف السلاح وقوة حفظ السلام، موضحًا أن "السلاح سيُسلم إلى الدولة الفلسطينية القادمة". وفى نفس السياق، رحبت مصر وقطر بموقف الحركة، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية والقطرية: "نرحب بإعلان حماس استعدادها لإطلاق جميع الرهائن ضمن صيغة التبادل الواردة فى المقترح"، مشددًا على دعم مصر وقطر لدعوة ترامب إلى وقف فورى لإطلاق النار لتيسير عملية التبادل وتهيئة الأجواء للاتفاق. ملامح الخطة الأصلية وقف الحرب والإفراج المتبادل عن المحتجزين، تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، تشكيل إدارة انتقالية غير سياسية تحت إشراف "مجلس السلام" برئاسة ترامب، مع وعود بإعمار واسع واستثمارات اقتصادية. لكن لا حماس ولا السلطة سيكون لهما دور مباشر، إلا بشروط إسرائيلية صارمة. نتنياهو شكر ترامب وسانده، لكنه سارع لطرح اشتراطات إضافية: إصلاح السلطة، الاعتراف بيهودية الدولة، وإنهاء حماس. اليمين المتطرف يهدد بإسقاط حكومته إذا اعتبر الخطة تنازلًا. النتيجة: دعم رسمى مع تنصل عملي. السلطة الفلسطينية سارعت إلى الترحيب، فى محاولة لإعادة تموضعها دوليًا وإقناع واشنطن بأنها البديل "المعقول". كانت حماس فى مأزق: رفضها يعنى مواجهة ضغط عربى ودولي، وقبولها يعنى نهاية مشروعها العسكري. أما تنظيم الجهاد الإسلامي، فقد أعلن الرفض الفورى واعتبرها وصفة لاستمرار العدوان، لكنه لم يزايد على حركة حماس كما فعل الإخوان، وطالب وفد من الحركة بالجلوس مع حماس لترتيبات المرحلة القادمة. جميع الدول العربية مثل السعودية وقطر ومصر والإمارات وتركيا وغيرها رحبت بالخطة. هذه الدول معنية بدعم القضية الفلسطينية، لكن من المرجح أنها ضمنت خطين أحمرين: لا تهجير قسرى من غزة. لا ضم للضفة الغربية وبذلك قدّمت الخطة للعرب "تفادى الكارثة"، أكثر من كونها مشروع سلام فعلى ممكن تطبيقه، خاصة أن الجانب الإسرائيلى مخادع بطبعه. أما الرئيس الأمريكى ترامب فهو الآن بين حسابين: حسابات الداخل والخارج. ترامب يدرك أن إسرائيل تعيش عزلة متفاقمة فى المجتمع الأوروبي، فأغلب دول العالم تعترف اليوم بدولة فلسطين وتتحرك نحو ذلك. هناك مساعٍ متزايدة لفرض عقوبات على إسرائيل نتيجة الانتهاكات الصارخة، أما الداخل الأمريكى فالشارع منقسم أكثر من أى وقت مضى حول دعم إسرائيل وحربها فى غزة. لذلك، يقدم ترامب نفسه كصاحب مبادرة "إنقاذ"، يوازن بين إرضاء إسرائيل واحتواء الغضب الدولي، وبين كسب الداخل الأمريكي. سيناريوهات إسرائيل وحماس المقبلة أزمة إسرائيلية داخلية: من المرجح أن نتنياهو سيعود ليواجه تمردًا من بن غفير وسموتريتش، مما قد يدفع حكومته إلى حافة السقوط القريب. فإسرائيل فى أزمة داخلية لا محالة. خيار الهروب إلى الأمام لدى نتنياهو وارد جدًا. فقد يستعمل السلاح الذى يحظى بإجماع غربى واسع، وهو ضرب إيران تحت شعار "الخطر النووى الإيراني". مرة أخرى، هكذا يحاول استعادة الوحدة الإسرائيلية الداخلية وكسب دعم الغرب، وتحويل الأنظار عن إخفاقاته فى غزة. فى نفس الوقت، هو أمام معادلة إقليمية، فأى هجوم على إيران سيجرّ المنطقة إلى تصعيد أوسع، ويكشف أن خطة غزة لم تكن إلا محطة فى صراع أكبر يعيد خلط الأوراق من جديد فى المنطقة. حماس من المقاومة إلى السياسية من الواضح أن خطة الرئيس ترامب مبنية ليس فقط على الوضع الإقليمى فى غزة، بل تسعى الإدارة الأمريكية لتحويل غزة إلى طالبان وحركة قريبة من فتح الشام السورية. وهذه النظرية التى أقرها جيروم دريفون (2024) فى كتابه "From Jihad to Politics: How Syrian Jihadis Embraced Politics"، فهو يدرس ويحلل كيف يمكن أن تتحول الجماعات الجهادية العقائدية إلى فاعلين سياسيين ويكونون أكثر براجماتية فى مرحلة من حياتهم. ويرى دريفون أن ما حدث فى سوريا يمثل نموذجًا فريدًا لتحول "الجهاد العالمي" نحو التسييس (politicisation) بدلًا من التطرف المتصاعد (radicalisation). وضع جيروم دريفون أسس هذا التحول الذى ينطبق على حماس فى الأغلب: التحول البنيوي: نجاح الحركات الجهادية فى التسييس مشروط بمدى مؤسساتها الداخلية وقدرتها على التكيف مع الفاعلين المحليين والدوليين. التنافس الداخلي: الصراع بين أجنحة حماس الإيرانية والإقليمية سيشكل مختبرًا لخيارات "قبول التسييس المحلي" مقابل "المقاومة فى المرحلة القادمة". وهناك دروس ماضية مثل التجربة السورية قد تمثل نقطة انعطاف فى تاريخ الحركات الجهادية نحو اتجاهات أكثر محلية وتكيفًا مع المجتمع الداخلى فى غزة. رغم التحول السياسى النسبى لحركة حماس، تبقى هذه الحركات الجهادية بعيدة عنها، فهى ذات بنية أيديولوجية مختلفة، لكن العنف أداة مشروعة ضمن رؤيتها السياسية، وهو ما سوف تخضع له حماس فى الأيام القليلة القادمة. يرى دريفون فى كتابه عن "من الجهاد إلى السياسة" أن فشل "داعش" وتراجع "القاعدة" فتحا المجال أمام نماذج هجينة تجمع بين السلاح والسياسة، مثل أحرار الشام وHTS فى سوريا، التى سعت إلى "شرعنة الواقعية" — أى توظيف الفقه السياسى الإسلامى (السياسة الشرعية) لتبرير التنازلات والتحالفات. ودريفون هو الباحث المختص بسوريا فى مجموعة الأزمات الدولية، وأشار فى كتابه إلى حركة طالبان وحماس على وجه الدقة فى بعض أبحاثه الأخرى. خطة ترامب حقيقة لا تحقق انتصارًا لنتنياهو ولا لحماس. إسرائيل لم تحسم عسكريًا، وحماس لم تظفر بإنجاز سياسي، والسلطة الفلسطينية والعرب حافظوا على القضية الفلسطينية. فوحدة الشعب الفلسطينى الأعزل تظل هى الخاسر الأكبر، يعاد إدخاله فى تجربة "إدارة انتقالية" تعيد إنتاج إخضاعه بدل تحريره.