الخصخصة هي احدي الظواهر التلقائية لكونها تؤدي إلي نشر واحترام الملكية الفردية وهو ما يتفق مع الفطرة الإنسانية غير أن ما يحدث في مصر حاليا باسم الخصخصة هو كالحق الذي يراد به باطل ونري أن التفكير في الخصخصة إنما جاء نتيجة العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة منها: انهيار المعسكر الاشتراكي، بزوغ نجم الولاياتالمتحدةالأمريكية بالاضافة إلي ظهور الشركات متعددة الجنسيات التي نجحت في السيطرة علي الاقتصاد العالمي واخضعت معظم دول العالم الثالث إلي مشيئتها هذا بالاضافة إلي الثورة التكنولوجية التي كان من أثرها أن أصبحت الثروات الطبيعية والعمالة الرخيصة المدربة التي تميزت بها الدول النامية أقل شأنا لتحقيق التنمية مقارنة بالمعرفة بالتكنولوجيا أضف إلي ذلك حدوث الانهيار الاقتصادي للعديد من الدول النامية التي كانت تعتمد علي القطاع العام في التنمية الأمر الذي أدي إلي تخلفها التكنولوجي وافتقار منتجاتها إلي الجودة وعدم قدرتها علي المنافسة العالمية أو حتي المحلية بعد تطبيق اتفاقيات الجات. أدي كل ذلك إلي التوجه إلي ما يعرف بالخصخصة أو بمعني آخر أصبح مبررا للعودة إلي النظام الرأسمالي ومن ثم شرعت جميع الحكومات التي كانت تمتلك كليا أو جزئيا مؤسسات الإنتاج إلي التخلص من ملكيتها لها عن طريق بيع أو خصخصة تلك المؤسسات غير أن برامج الخصخصة التي اتبعتها كل دولة من تلك الدول اختلفت فيما بينها نظرا لاختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل منها لذا كثيرا ما نسمع عن نماذج للخصخصة منها علي سبيل المثال لا الحصر: النموذج البريطاني، الفرنسي، الأردني، التونسي... إلي آخره من تلك النماذج. وبدأت الخصخصة في مصر مع مطلع التسعينيات بعد أن انتهت الحكومات المتعاقبة من اضعاف القطاع العام وكانت قد سبقتها في ذلك العديد من الدول الأمر الذي كان من الممكن أن تستفيد منه غير أنها لأمر ما في نفس يعقوب قد اتبعت أسلوبا غريبا في خصخصة شركاتها وحتي يتضح لنا ذلك نذكر هنا وبإيجاز شديد بعض ملامح أحد هذه النماذج وهو النموذج الفرنسي والذي يعتبر من النماذج الناجحة في هذا الشأن. أصدرت الحكومة الفرنسية عام 1986 قانونا خاصا للخصخصة تم فيه تصنيف المشاريع إلي ثلاثة أنواع. النوع الأول يشمل المشروعات التي لا يجوز خصخصتها وهي المشاريع ذات النفع العام التي لها دور اجتماعي وسيادي. والنوع الثاني يشمل المشاريع التي كان قد تم تأميمها بقانون والتي تمتلك الدولة أكثر من نصف رأسمالها وخصخصة كل منها يحتاج إلي اصدار قانون لكل حالة علي حدة أما النوع الثالث فهو الذي لا يدخل ضمن النوعين السابقين ويحتاج أمر خصخصتها إلي مجرد اصدار قرار إداري لكل مشروع هذا وقد راعي القانون الفرنسي ألا يؤدي تطبيق الخصخصة إلي اهدار سيادة الدولة أو المال العام. ولم يترك النموذج الفرنسي عملية بيع المشاريع وتقدير أسعارها للأهواء أو للمصالح الشخصية بل كان حريصا علي أن تتم هذه العملية بمنتهي الشفافية والموضوعية حيث أوجب القانون ضرورة تعيين لجنة من الخبراء المحايدين للقيام بهذه المهمة كما أجاز القانون بيع أسهم المشاريع العامة للجمهور بعد أن يتم تقييم قيمة السهم تقييما عادلا من قبل لجنة متخصصة كما أجاز القانون البيع الكلي أو الجزئي للمشاريع وشراء العمال لمشروعهم وبنسبة لا تقل عن 51% حتي تكون لهم الكلمة العليا في الإدارة والتصرف. ومن الجدير بالذكر أن البرنامج الفرنسي للخصخصة قد حقق مكاسب عديدة لكل من الدولة والشعب منها ارتفاع الوعي الادخاري بين المواطنين وبالتالي زيادة فرص الاستثمار وارتفاع عدد العمال المساهمين في مصانعهم الذي وصل إلي ما يزيد علي نصف المليون. وعندما نتحدث عن النموذج المصري للخصخصة لابد أن ننوه إلي سلسلة القرارات السياسية الفردية الخاطئة التي تعرض لها الشعب المصري خلال الخمسين عاما الماضية وكان كل منها كفيلا بأن يقضي علي مال هذا الشعب ومن هنا يجدر بنا الاشادة بقدرة هذا الشعب العريق علي التحمل والصبر والتعايش تحت أي ظرف من الظروف! نذكر هنا علي سبيل المثال لا الحصر حالة واحدة من هذه الحالات وهي بيع شركة المراجل البخارية والتي تعد من الشركات الاستراتيجية حيث كانت تنتج أوعية الضغط بسعات تصل إلي 1300 طن بخار في الساعة هذا بالاضافة إلي إنتاج مراجل محطات الكهرباء وأوعية الغازات السائلة ووحدات تنقية المياه ووحدات تحلية مياه البحر وغيرها من المنتجات الفريدة والتي لا يشاركها في إنتاجها أي شركة أخري في مصر.