رغم ان الحكومة أغلقت ملف الخصخصة حتي الآن علي الأقل وأعلنت انها لن تقوم مجددا بطرح شركات للبيع بنظام المستثمر الرئيسي والذي كان مسئولا عن كثير من النزاعات العمالية في السنوات الأخيرة إلا ان الدراسة الحديثة التي قام بها المركز المصري للدراسات الاقتصادية حول تقييم برنامج الخصخصة منذ بدايته وحتي الآن توصي بين ثنياتها باستمرار برنامج الخصخص مع تصحيح مساره واصلاح الأخطاء التي شابته وتدعو الدراسة في أحد فصولها إلي اتباع اسلوب المستثمر الرئيسي ونظام حق الانتفاع للأراضي المقام عليها المشروع المطروح للبيع تحسبا لقيام المستثمر بتصفية النشاط وبيع الأرض. جاء ذلك في المؤتمر الثاني عشر للاعلام الاقتصادي الذي نظمه المركز المصري بمدينة العين السخنة بحضور الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية ونخبة من استاذة وخبراء الاقتصاد ورغم ان عنوان المؤتمر هو دور القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد المصري إلا ان الخصخصة كانت القضية الرئيسية وطرح المركز خلال المؤتمر أربعة فصول من الدراسة التي تشمل تقييم الخصخصة منذ عام 1994 وحتي الآن. أشار الدكتور ايهاب الدسوقي في دراسته التي شملت تقييم اداء 9 قطاعات بعد الخصخصة إلي تحسن الأداء في خمسة قطاعات هي الغزل والنسيج والأسمنت والكيماويات والتشييد والبناء والصناعات الغذائية فيما لم يحدث أي تحسن في قطاعات المعدات الكهربائية والنقل والزراعة ومن حيث العائد لم يحدث تحسن في قطاعات الغزل والنسيج والنقل والتخزين والزراعة والمعدات الكهربائية وأوضح الدسوقي ان نحو 805 من العينة حققت نتيجة ايجابية بعد الخصخصة بينما لم يقم سوي 37.3% فقط من الشركات بضخ استثمارات جديدة بعد الخصخصة للتوسع في النشاط. لفت الدسوقي إلي انخفاض حجم المبيعات في أغلب شركات العينة بعد الخصخصة. هل تلتزم الشركات "المخصخصة" وشركات قطاع الأعمال العام بقواعد الحوكمة "الإدارة الرشيدة" وهل ينعكس ذلك علي أدائها المالي؟ طرحت الدكتورة ملك رضا الاقتصادية بالمركز هذا السؤال وأجابت عليه من خلال دراستها مشيرة إلي ان هناك ارتباطا ايجابيا بين تطبيق قواعد الحوكمة ربحية الشركة ولفتت إلي ان درجة تطبيق هذه القواعد في الشركات المخصصة اختلفت من معيار لآخر وكان أفضل تطبيق للمعايير المتعلقة بالجمعية العامة وبمراقبة الحسابات ومجلس الإدارة في حين انخفضت درجة الافصاح عن السياسات الاجتماعية والمراجعة الداخلية وأشارت إلي ان القيد في البورصة يعد سببا هاما لالتزام الشركات بقواعد الحوكمة. من ناحية أخري انتقد دكتور جودة عبدالخالق استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية اداء القطاع الخاص ودوره في التنمية مشيرا الي ان هندسة النظام الاقتصادي في مصر تخلق منظومة من الحوافز تفتح أبواب الفساد مما يؤدي إلي تردي الأداء التنموي الذي انعكس في تقلص مساهمة القطاعات السلعية وبالذات الزراعة وزاد العجز التجاري وتدهور الأمن الغذائي كما هبط نصيب الزراعة في الاستثمارات من 7% إلي 5% في حين ارتفع نصيب الاتصالات من 2% إلي 6% وقال عبدالخالق انه عندما نجحت مصر في تحقيق معدل نمو بلغ 6% كان هذا النمو معاديا للفقراء وصاحبه تدهور في توزيع الثروة مشيرا إلي ان منظومة السياسات العامة خلقت ما يسمي "برأسمالية المحاسيب" وسيطرة رأس المال علي الحكم ونقل عبدالخالق انتقاداته إلي برنامج الخصخصة المصري الذي قام علي البيع والتصفية في حين كان هذا البرنامج في دول مثل الصين والهند اضافة للاقتصاد القومي فالتجربة الصينية قامت علي طرح الشركات العامة أسهم جديدة للاكتتاب في سوق الأوراق المالية مع احتفاظ الشركة بكامل عائد الطرح ولا تأخذ الحكومة منه شيئا وفي الهند قامت الخصخصة علي أساس دور قوي للدولة لمواجهة التحديات الأساسية مثل الفقر والأمية والبطالة والأمن الغذائي وتطوير الهياكل الاقتصادية وقال عبدالخالق إن الأسلوب الأفضل للتنمية هو تنافس القطاع العام مع الخاص في إطار دور قوي للدولة بينما دافع الدكتور طاهر حلمي رئيس المركز المصري عن الخصخصة مؤكدا انها ليست هدفا في حد ذاتها لكنها ترمي إلي تنسيق الجهود بين القطاعين العام والخاص لزيادة العائد الاقتصادي. وتشير الدكتورة ماجدة قنديل المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية إلي ان نسبة استثمارات القطاع الخاص المصري مازالت ضعيفة في مصر مقارنة بالاقتصاديات الناشئة معللة ذلك بمخاوف المستثمرين نتيجة الوضع المالي للحكومة فضلا عن مزاحمة الدين الحكومي لنشاط القطاع الخاص مما يؤثر سلبا علي نسبة الاستثمار الخاص في الناتج المحلي مؤكدة ان الاستثمارات الخاصة تتميز بالكفاءة الاقتصادية مقارنة بالاقتصادات العامة.