إعلان الحكومة توقفت برنامج الخصخصة بعد20 عاما من الاندفاع أثار الجدل حول جدوي البرنامج وهل حقق أهدافه أم لا؟ الأمر الذي جدد الخلاف حول الخصخصة ففي الوقت الذي أكد فيه المؤيدون نجاحها في تحقيق أهدافها سواء في زيادة عوائد البيع50 مليار جنيه أو تمويل الشركات من خاسرة الي رابحة, والحصول علي الدعم المادي من المانحين الدوليين, وتشجيع القطاع الخاص, و يؤكد المعارضون أن الخصخصة فشلت في تحقيق أهدافها مما جعل الحكومة توقفت البرنامج بعد أن حولت قانون قطاع الأعمال العام من قانون يهدف الي تطوير القطاع العام الي قانون يهدف الي تصفية وبيع الشركات بشكل غير مدروس, تسبب في بطالة واحتكارات وغلق للمصانع. لقد اتجهت الحكومة الي تطبيق برنامج الخصخصة في اطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي علي تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي خلال حقبة التسعينيات بصدور قانون قطاع الأعمال العام رقم203 لسنة1991. وطبقت معظم الأساليب المتعارف عليها في الخصخصة عالميا ولكنها لم تلجأ الي أسلوب خصخصة الإدارة التي تبقي علي الملكية للشركات والأصول واسناد الإدارة الي شركة متخصصة مقابل نسبة محددة يتفق عليها من الأرباح, وهو ما يترتب عليه استمرار ملكية الدولة لأصولها وشركاتها وحصولها علي الأرباح سنويا التي تضاف الي موارد الخزانة العامة فضلا عن الضرائب التي تحقق ضمان أهداف التنمية وضمان عدم تسريح العمالة وضمان عدم زيادة الأسعار بشكل لا يتناسب مع زيادة الدخول حسب الخبراء حتي لا تحدث فجوة الدخول والأسعار. فجأة وبدون سابق إنذار توقف قطار الخصخصة بعد عشرين عاما من الاندفاع وكانت النتيجة حسب الدراسات احتكارات وزيادة في طابور البطالة وشبه اهدار للمال العام, وتدميرا للصناعة الوطنية. ولأول مرة منذ بداية برنامج الخصخصة نجد الحكومة تخفض راية دائما ما كانت ترفعها في وجه الجميع وهي البيع أولا للمستثمر الاستراتيجي بحجة أنه سيأتي بالعملة الصعبة وحسن الإدارة والتكنولوجيا الحديثة والتوسع في النشاط. حتي وجدنا الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار في حواره للأهرام الشهر الماضي يقول: إن تجربتنا مع المستثمر الرئيسي تقول إنه حتي إذا كانت التي آلت اليه تدر أرباحا وعائدا طيبا فإنه يحرص علي زيادة أرباحه من المنشأة سواء عن طريق تقليص حجم العمالة الي الحد الأدني أو وقف بعض خطوط الانتاج أو التركيز علي إنتاج أصناف تدر ربحا أكبر. بالإضافة الي أن عددا كبيرا من الشركات الباقية في حوزة الدولة في وضع احتكاري مثل شركة الألمونيوم المصرية, وشركة السكر, ولا يجوز أن نستبدل بالاحتكار العام احتكارا خاصا.. قرار الوزير جاء بعد تصريحات وزيرة القوي العاملة عائشة عبد الهادي بأن الخصخصة هي السبب في معظم معاناة العمال داخل الشركات التي تم بيعها. تأتي هذه التصريحات بينما كان اتحاد نقابات عمال مصر ووزارة القوي العاملة علي دراية وعلم بعقود بيع الشركات للمستثمر خلال الاعوام العشرين الماضية! نماذج للتعثر هذه لائحة طويلة من الشركات التي اشتراها مستثمرون وتم تخريبها وبيع أراضيها, ومنها: طنطا للكتان والزيوت إذ تم البيع في فبراير2005 لمستثمر استراتيجي سعودي عبد اللاله الكعكي بالتقسيط بمبلغ83 مليون جنيه40% مقدم والباقي علي ثلاثة أقساط وقام المستثمر بتطفيش العمال لبيع الأرض. وهناك شركة النوبارية للبذور, وتم البيع لمستثمر استراتيجي سعودي عبد الإله الكعكي بمبلغ103 ملايين جنيه وقام المستثمر بطرد العمال والاستيلاء علي الأرض البالغة مساحتها نحو1500 فدان بالإضافة إلي20 ألف فدان أخري تصدي لبيعها. أما شركة الغازات الصناعية فبيعت لرجل الأعمال إبراهيم إسماعيل في عام2007 لكنه قام بإغلاق مصنع الاستيلين وبيع معداته وأراد بيع أرض المصنع في محرم بك لولا تدخل الحكومة. وبيعت الشركة العربية لحليج الأقطان عام1996, وقام المستثمرون بفصل الأرض عن الشركة, وأسسوا شركة للعقارات لإنشاء مساكن علي الأرض بمساحة609 آلاف متر! أما شركة المعدات التليفونية فبيع90% منها بسعر91 مليون جنيه عام1999 بالتقسيط,30% مقدم والباقي علي6 أقساط, وقامت الحكومة بدعم المستثمر بإعطائه عقود توريد بالأمر المباشر من الشركة المصرية للاتصالات بقيمة مليار جنيه علي مدي5 سنوات في الفترة من2000 حتي2005 في عام2006 بدأ المستثمر في تخريب الشركة وتسريح العمالة لبيع أراضي الشركة علي نيل المعصرة بمساحة63 ألف متر مربع. وهناك صفقة عمر أفندي, وتم بيع90% منها عام2007 لمستثمر سعودي هو جميل قنبيط مقابل589 مليون جنيه, وفضلا عن ذلك خالف عقد البيع ورهن عددا من الأفرع للبنوك وصرف قرابة100 مليون جنيه من الأموال علي المعاش المبكر والدعاية تحت بند التطوير! أما شركة المراجل التجارية فتم تقييمها ب24 مليون جنيه وبيعت لمستثمر أمريكي كندي ب17 مليونا ثم قام المستثمر ببيع أرض الشركة الواقعة في منيل شيحة بمبلغ131 مليون جنيه بعد تخريب الشركة. وبيعت شركة بيبسي كولا بنحو52 مليون دولار, وبعد أربع سنوات قام المشتري ببيع77% من أسهم الشركة لشركة بيبسي كولا العالمية مقابل400 مليون دولار. أما شركة القاهرة للزيوت فبيعت لمستثمر بسعر58 مليون جنيه وبعد عدة أشهر قام المستثمر بتخريب أحد مصانعها الأربعة وباع أرضه بمبلغ148 مليون جنيه وباع جهاز فصل النيتروجين فقط بنحو50 مليون جنيه. تساؤلات.. وإجابات ما سبق ذكره يثير عددا من التساؤلات حول مدي تحقيق الخصخصة لأهدافها وهل الأخطاء السالف ذكرها عيب في الخصخصة أم في التطبيق؟ وهل توقف البرنامج هو الحل؟ في البداية يقول الدكتور مصطفي السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب ووزير الاقتصاد الأسبق: إن التفكير في الخصخصة جاء مع بداية تطبيق الفكر الرأسمالية فعقب سقوط الاتحاد السوفيتي وإنفراد أمريكا بقيادة العالم تشكلت مجموعة من المفكرين خرجت باجتماع واشنطن الذي وضع شكل النظام الاقتصادي الجديد الرأسمالي القائم علي تحرير التجارة والاستقرار النقدي والمنافسة وأخيرا الخصخصة وجاءت الخصخصة كفكرة تنموية تخدم في الأساس الشركات متعددة الجنسيات بتصفية القطاع العام دون النظر إلي مصلحة الدول حتي وإن كان القطاع العام يخدم الدولة, وهو ما حدث في مصر فإن تطبيق الخصخصة لم يهدف إلي التنمية ولكن للتصفية ووضع الحصيلة في الخزانة العامة للدولة. وأضاف السعيد أنه طبقا لتقرير صندوق النقد الدولي حول الشركات التي تمت خصخصتها في شمال افريقيا فإنها لم تؤد إلي زيادة في العمالة أو إلي دعم التكنولوجيا لذلك لم تحقق الخصخصة الأهداف التي طبقت من أجلها سواء زيادة التنمية أو عدالة التوزيع. ويؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب عدم وجود تعارض في وجود قطاع عام قوي يؤدي إلي تنمية في ظل النظام الرأسمالي بشرط أن يكون هذا القطاع العام ليس فاسدا, وصرح مبررات لضرورة وجود القطاع العام منها دخوله في المشروعات ذات الجدوي الاجتماعية والمشروعات ذات الدواعي الأمنية أو التي تشجع علي المنافسة وتمنع الممارسات الاحتكارية موضحا أن35% من الاقتصاد الأمريكي قطاع عام. الخطأ يتكرر نقطة أخري يفجرها المهندس محمد عبدالوهاب وزير الصناعة الأسبق( من عام1984 عام1993) هي أن قانون قطاع الأعمال العام رقم203 لسنة1991 القائمة عليه الخصخصة لم يكن هدفه بيع الشركات أو الخصخصة وإنما تطوير القطاع العام واعطاؤه استقلالا ذاتيا يمكنه من المنافسة بنفس آليات القطاع الخاص ولتمويل هذا التطوير أعطي القانون الحق للشركة القابضة في بيع أصل من أصول الشركة لصالح محفظة الشركة وليس لتصفيتها ولكن ما حدث والكلام للمهندس محمد عبدالوهاب هو استخدام القانون لغير غرضه, وأصبح البيع هدفا في حد ذاته وليس وسيلة للتطوير. ويسرد وزير الصناعة الأسبق قصة الخصخصة بأن الحديث مع صندوق النقد الدولي في بداية التسعينيات دار حول ضرورة حصول القطاع الخاص علي حقه في التنمية وهو أمر نؤيده جميعا ولم يكن الحديث في ذلك الوقت عن الخصخصة التي تقوم علي تحويل العام إلي خاص, وإنما تشجيع المبادرات الفردية وإتاحة الطريق أمام القطاع الخاص للدخول باستثماراته في إنشاء مصانع وشركات جديدة, موضحا أن مصر بتطبيق الخصخصة وقعت في نفس الخطأ مرتين الأولي عندما قامت بعمليات التأميم وسيطرت علي أدوات الانتاج وكان الأفضل ان تقوم بإنشاء قواعد صناعية جديدة والخطأ الثاني هو الخصخصة وكان الأفضل قيام القطاع الخاص بإنشاء مصانع جديدة خاصة أن مصر تحتاج إلي التوسع الأفقي في الانتاج الصناعي. تلك المعارضة لبرنامج الخصخصة التي جاءت من جانب خبيرين علي درجة عالية من التخصص قوبلت بوجهة نظر أخري مغايرة لها, ومؤيدة للخصخصة من جانب خبيرين أيضا علي درجة عالية من التخصص. ضرورة ولكن يقول الدكتور سلطان أبوعلي وزير الاقتصاد الأسبق الذي ابتدع مصطلح الخصخصة عام1988 إن الخصخصة ضرورة ليس من منطلق أيديولوجي ولكن من منطلق الحاجة وهذا الرأي ما وافقني عليه الرئيس الصيني الأسبق خلال زيارتي لبكين عام.1985 موضحا أن المعارضة والانتقادات التي تواجه البرنامج جاءت بسبب أخطاء ارتكبتها الحكومة في إدار ة عملية الخصخصة منها: تصريح الحكومة في عام2004 بأن كل شيء معروض للبيع, وبأي ثمن وهو تصريح استفزازي وخطأ جسيم ما كان ينبغي الوقوع فيه كما أ التصريح الحالي للحكومة بأنها توقفت عن البيع نظرا للاعتراض علي نتائج الخصخصة وخاصة تسريح بعض العمالة خطأ أيضا لأنه رد فعل عصبي وليس فعلا قائما علي رؤية واضحة تسير عليها الحكومة, كما أدت التصفوية أي بيع وحدات القطاع العام كأسلوب للخصخصة في بعض الأنشطة وخاصة الحديد والأسمنت والأسمدة إلي نشوء احتكارات بالمستهلكين بالاضافة إلي عدم متابعة الحكومة الكافية للوحدات التي تمت تصفويتها للتأكد من التزام المشترين بشروط التعاقد مما أدي إلي حدوث انحرافات. ويوضح أن الأخطاء ليست عيبا في الخصخصة حيث إن المبدأ سليم ولكن الأخطاء في سوء التنفيذ. ويتابع الدكتور سلطان أبوعلي أن أي سياسة اقتصادية لها منافع وتكاليف وإن كان أهم تكاليف الخصخصة تسريح العمالة بالمعاش المبكر وعدم التوسع بالقدر الكافي في توفير فرص عمل جديدة وفقدان المساندة السياسية من قبل العمال والبيروقراطيين فإن مكاسبها عديدة منها الدعم المادي من المانحين الدوليين والدعم السياسي من القطاع الخاص وتمويل عجز الموازنة العامة للدولة بتخصيص50% من حصيلة الخصخصة والتأكيد علي مصداقية الحكومة في السعي نحو اقتصاد السوق وأخيرا يري وزير الأقتصاد الأسبق أن مشاكل تسريح العمال في بعض الشركات تستدعي ضرورة علاجها ولا تمثل المشكلة الأكبر في حسن إدارة الاقتصاد.. كما أن عدالة توزيع الدخول والقضاء علي البطالة تتم ببرنامج للإصلاح الهيكلي, وما الخصخصة إلا جزء منه ولم تنجز الخصخصة بالكامل كما لم توضع أجزاء عديدة من برنامج الإصلاح موضع التنفيذ الشامل مثل القضاء علي البيروقراطية المعوقة وإقلال التركيز علي الجباية المالية, ومنع ارتفاع تكلفة أداء الأعمال, وإصلاح قانون العمل والاعتدال في تكلفة المرافق العامة للمشروعات الإنتاجية. إدارة الأصول ويدافع محمد حسونة مستشار مكتب وزير الاستثمار عن برنامج الخصخصة موضحا أن مفهوم إدارة الأصول المملوكة لقطاع الأعمال العام لا يرتكز علي البيع( الخصخصة) وإنما علي تعظيم قيمة محفظة قطاع الأعمال العام حرصا علي المال العام وعلي استقرار الأوضاع في الشركات بما ينعكس علي استقرار أوضاع العاملين بها وزيادة متوسطات الأجور والحوافز, مضيفا أن جهود الوزارة تركزت عي ضخ استثمارات جديدة في الشركات من أجل التطوير والتحديث وتصويب مسارها إذ إن إجمالي الاستثمارات المنفذة في شركات قطاع الأعمال العام للإحلال والتجديد وعددها150 شركة بلغت خلال عام2009/2008 نحو5 مليارات جنيه ومتوقع استثمارات إضافية خلال العام2010/2009 حسب الموازنات المعتمدة تقرب من6 مليارات جنيه ليصل الإجمالي منذ عام2004 حتي يونيو2010 إلي نحو20 مليار جنيه. كما شهد برنامج إدارة الأصول أضاف حسونة في إطار إصلاح مسار الشركات تسوية20 مليار جنيه من مديونية الشركات حققت وفرا يزيد علي ملياري جنيه تمثل تكاليف التمويل السنوية التي كانت تتحملها الشركة وجار إتمام المرحلة الأخيرة من تسوية الديون المتعثرة المستحقة علي الشركات التي بلغت8 مليارات جنيه في يونيو2009 انخفضت الي4 مليارات جنيه في ديسمبر2009 وسيتم تسويتها بالكامل قبل يونيو2010 ويؤكد حسونة أن تسوية الديون أدي إلي وفر سنوي في الفوائد يقدر بنحو3 مليارات جنيه واستقرار العمالة وزيادة دخلهم بالإضافة إلي تحسين محافظ القروض في البنوك المصرية حفاظا علي أموال المودعين, وطبقا لأرقام الجهاز المركزي للمحاسبات فإن نصيب150 شركة تابعة لقطاع الأعمال العام التي يعمل بها320 ألف عامل من عمليات الهيكلة المالية( تسوية ديون وضخ استثمارات) بلغ ما يقرب من50 مليار جنيه من يوليو2004 حتي يونيو2010, الأمر الذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هدف الدولة ليس التخلص من قطاع الأعمال وبيعه بأثمان بخس وإنما الهدف تعظيم قيمته, وقد أدي ذلك إلي أن الشركات حقت أرباحا إجمالية15 مليار جنيه منذ يوليو2004 حتي يونيو2009 بعد أن حققت خسائر بلغت عام2003 نحو3,1 مليار جنيه. ويختم حسونة كلامه بأن الشركات التي تم طرحها كلها كانت قد حصلت علي قرار باتخاذ إجراءات البيع من اللجنة الوزارية للخصخصة قبل عام2004, كما وضعت هذه اللجنة الضوابط الخاصة بعمليات البيع وعلي رأسها الضوابط الخاصة بالأراضي المستغلة وغير المستغلة وذلك عام1996 و1997 تحديدا أما عن أية مشاكل قد تصادف بعض الشركات بعد بيعها فهو أمر وارد وحدث في جميع التجارب المماثلة في دول العالم وعلي كل ف إن هناك جهة تتابع ذلك فيما يخصها حيث إن الشركات المبيعة مازالت تعمل تحت مظلة القوانين المصرية ويعمل بها مواطنون مصريون. من جانبه يري عادل العزبي نائب رئيس الشعبة العامة للمستثمرين بالاتحاد العام للغرف التجارية أن العيب ليس في المستثمرين الذين حصلوا علي شركات قطاع الأعمال العام وحققوا أرباحا بالمليارات لأنهم وجدوا فرصة جيدة للربح فحصلوا عليها ولكن العيب في ضعف كفاءة القائمين علي عملية الخصخصة سواء قانونيا خاصة بوجود ثغرات في عقود البيع أو ماليا عدم القدرة علي التقييم الجيد طبقا للتوقعات المستقبلية وأيضا فإن المستثمر المصري لم يبذل جهدا في الأستئثار بالمشروعات التي عرضت في برنامج الخصخصة وتركها لمستثمرين عرب وأجانب لا يهتمون بالجانب الاجتماعي ومصلحة المستهلك المصري.