بشهادة شاهدين وموافقة الولى يعتقد بعض الرجال فى مجتمعنا انهم قد امتلكوا المراة، وعليها أن تعمل كزوجة وأم وربة منزل، وان تقبل ايضا بالاهانة والضرب والمعاملة السيئة، وإذا فاض بها الكيل واعترضت وطلبت الطلاق يكون عقابها ان يرمى عليها يمين الطلاق.. فيقول لها "انت طالق" اى يطلقها شفويا دون توثيق الطلاق فتصبح معلقة تحت رحمة الزوج.. ويتناسى الرجل الامر الإلهى الذى نص على المعاشرة بالمعروف أو التسريح باحسان "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" وينسى العشرة الطيبة والاولاد وتعب السنين، ويتذكر فقط أنه الوحيد الذى يملك رقبة هذه الزوجة إلى الابد ويتركها كالبيت الوقف لا طلاق ولازواج، وتعيش الزوجة فى بيت اهلها كالمعلقة تحت ضغوط لا اول له ولا آخر وفى النهاية إما أن تخضع لابتزاز الزوج وتتنازل عن كافة حقوقها الشرعية وتطلب الخلع لتنجو بنفسها، وإذا كانت بلا مأوى ولا عمل تضطر أن تقبل شروطه المجحفة للعودة لانه ليس لها أو لأبنائها مكان فى ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة. هذا ما كشفت عنه آلاف الزوجات اللاتى يقفن أمام محاكم الأسرة ضحايا للطلاق الشفوى واستهتار الزوج بيمين الطلاق، واستخدامه كسلاح لإرهاب الزوجة وكسر كرامتها وقهرها، مما أدى الى زيادة نسب الطلاق فهناك حالة طلاق كل أربعة دقائق بحسب إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.. والسؤال ما اهم الاشكاليات المتعلقة بقضية الطلاق الشفهى التى ينبغى معالجتها ونحن نطالب بقانون أسرة أكثر عدالة ؟ وما المانع من إثبات الطلاق وتقييد حق الرجل فيه ووضع حدّ لمعاناة النساء؟ محاولات توثيق الطلاق فى يناير من العام الماضي، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤسسات الدولة الدينية لحسم أزمة زيادة معدلات الطلاق فى مصر، والتي وصلت إلى نسبة 40% من نسب الزواج السنوية، مطالباً بتقنين الأمر وإعطائه إطار شرعي وقانوني لتقليل النسب، إلا أن هيئة كبار العلماء بالازهررفضت تقنين الأمر من خلال منع وقوع الطلاق الشفهي، واكدت فى بيان لها أن الطلاق الشفوي "مستقر عليه منذ عهد النبي دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق "، وجدد الرئيس خلال مؤتمر الشباب السادس بجامعة القاهرة، طلبه السابق بسن قانون يحد من الطلاق الشفوي، قائلًا: "إن المجتمع به الكثير من القضايا الخطيرة، منها وصول نسب الطلاق إلى 44%، وهذا يعني أن كل 100 حالة زواج تشهد نحو 50% طلاق". وأضاف: "إذا كان فى 9 ملايين طفل دون أب وأم بشكل مباشر، يوجد 15 مليون طفل بدون أب وأم بشكل غير مباشر، عن طريق انفصال خفى دون طلاق.. وحينما تحدثت عن ضرورة سن تشريع لتوثيق الطلاق هُوجمت". ومطلب الرئيس فى توثيق الطلاق، يأتي امتدادا لما قامت به الحركة النسوية تجاه تلك القضية.. فقد طالبت "هدى شعراوي" فى النصف الأول من القرن العشرين وتحديدا فى عام 1926، وكانت رئيسة الاتحاد النسائي المصري وقتها بإصلاح قانون الأحوال الشخصية والتصدي لفوضى الطلاق وتوثيقه أمام القضاء ولكنها اصطدمت بعدد من رجال الدين والقانون، ولم تلق قبولا واعتبروها خروجا عن الدين، وتجددت المحاولات لتطبيق هذا المطلب فى السبعينيات من القرن الماضي، وتقدمت عائشة راتب (1928-2013) وزيرة الشئون الاجتماعية وقتها بمشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، يقضي بتوثيق الطلاق أمام القاضي بدلا من المأذون، واشترك فى صياغته الشيخ على الخفيف أستاذ الشريعة فى جامعة القاهرة، والشيخ محمد خاطر مفتي الجمهورية آنذاك الا ان مشروع القانون قوبل بإضراب ومظاهرات من طلاب الأزهر بعد أن كتبت إحدى الصحف "أن عائشة راتب تريد حرمان الرجل من حق الطلاق وتم سحب المشروع من مجلس الشعب، الأمر ذاته تكرر عندما أطلقت السفيرة ميرفت التلاوي، رئيسة المجلس القومي للمرأةسابقا، منذ أربعة أعوام اقتراحا بإلغاء الطلاق اللفظي مما أثار حفيظة الكثيرين واعتبروه مخالفا للشرع بشكل صريح. وفى 16 فبرايرالعام الماضى، أقام "سمير صبرى" المحامى وكيلاً عن الداعية د."خالد الجندى" والشيخ "مظهر شاهين"، دعوى قضائية حملت رقم 12265 لسنة 70 قضائية، مختصماً كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل وشيخ الأزهر، طالب فيها بإلغاء الطلاق الشفهى، وإصدار تعديل تشريعى على قانون الأحوال الشخصية بوجوب النص فى وثيقة الزواج الرسمية عند إبرام عقود الزواج على أنه لا يعتبر طلاقاً شرعياً للمتزوجين بوثائق رسمية إلا ما يتم بالتوثيق الرسمى. وناشد المجلس القومى للمرأة مجلس النواب بسرعة العمل على سن تشريع يقنن إجراءات الطلاق، وقدم المجلس، برئاسة د" مايا مرسى"، مقترحا رسميا لتوثيق الطلاق الشفوى ويتضمن بند "لا يعتد فى وقوع الطلاق للمتزوجين بالوثائق لرسمية إلا من تاريخ التوثيق بالإشهاد". واشار المجلس فى بيان له انه كان من حق الأسر المصرية الملتزمة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 والذي ينص فى مادته 17 على أنه: "لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج فى الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931 ما لم يكن الزواج ثابتا بوثيقة رسمية" أن يصدر لهم تشريع ينص على عدم وقوع الطلاق لهؤلاء المتزوجين رسميا إلا من تاريخ توثيقه وإشهاده، لتبعية نظام الطلاق لنظام الزواج. ولا يغنيهم عن هذا الحق ما أضيف بالمادة 5 مكرر من القانون رقم 100 لسنة 1985 والتي تنص: "على المطلق أن يوثق طلاقه لدى الموثق المختص خلال ثلاثين يوما من إيقاع الطلاق"، حتى ولو كانت هذه المادة مشمولة بعقاب من يخالفها بما ورد فى المادة 23 مكرر من ذات القانون وفيها: "يعاقب المطلق بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا خالف أيا من الأحكام المنصوص عليها فى المادة 5 مكرر من هذا القانون". وقد تدارك المشرع المصري حق المتزوجين رسميا فى عدم وقوع طلاقهم إلا رسميا كحال زواجهم سنة 2000 بالمادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000 والتي تنص على "أنه لا يعتد إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق......." وقد صدر عن المحكمة الدستورية العليا فى 15 يناير سنة 2006حكماً بعدم دستورية هذه المادة فيما تضمنته من حرمان المرأة من إثبات الطلاق بكافة الطرق القانونية ولم يتدخل المشرع من هذا التاريخ وحتى الآن لمعالجة هذه المثالب الدستورية على النص. الزوجة المعلقة وقصة السيدة "أم رحمة" 35 عامًا تلخص ألم ووجع آلاف السيدات مع الطلاق الشفهى فهى سيدة متزوجة منذ عدة سنوات ولديها ابنة زوجها طلقها ثلاث طلقات وذهبت الى دار الافتاء واكدوا لها انها بذلك اصبحت مطلقة شرعا، وان زوجها طلقها ولا يجوز ان تعود له الا بعد زواجها من اخر"المحلل" الا ان زوجها رفض ان يوثق الطلاق او ان يخرج من شقة الزوجية بحجة انه سأل داعية اسلامى اكد له ان الطلاق الشفوى غير محسوب وهو لم يوثق اى طلقة من الثلاث طلقات وبناء على تلك الفتوى عاشت السيدة مع زوجها وهى الان لا تعرف هل تعيش مع زوجها فى الحرام ام ان زواجها حلال؟!. من جانبه اوضح د." محمد الشحات الجندى"- استاذ الشريعة الاسلامية وعميد كلية الحقوق جامعة حلوان سابقا – ان الزوج اذا قال لزوجته يمين الطلاق "انت طالق"بشكل صريح وبكامل قواه العقلية وغير مجبر فإن الطلاق قد وقع ويعتد به وتصبح مطلقة ويجب عليه سرعة توثيق الطلاق، ولكن الاشكالية هنا ان كثيرًا من الأزواج يتسرع فى قول لفظ الطلاق، ويرفضون توثيق الطلاق وتصبح الزوجة معلقة، مما يجعلها تخسر معظم حقوقها لانها تصبح دون وثيقة تثبت طلاقها. واشار الى أن بيان هيئة كبار العلماء بالازهر اكد ضرورة ان يُبادر المطلق فى توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ فى ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة. وتابع"الجندى": الحل يتطلب وجود تشريع ينص على عقوبات رادعة ضد من يمتنع عن توثيق الطلاق ويتم فتح المجال امام المراة التى ينكر زوجها وقوع الطلاق اثبات الطلاق بشتى الطرق بشهادة الشهود او عن طريق وسائل الاتصال التصوير او التسجيل او حتى بالقرائن خاصة انه لا يجوز اهدار كل طلاق شفوى، وفى نفس الوقت لابد من وضع آليات وسبل للخروج من هذا المأزق الذى يجعل يمين الطلاق سيف فى يد الرجل مسلط على رقاب الزوجات، وعلى هيئة كبار علماء الازهر ان تضع الضوابط اللازمة لتحجيم الطلاق الشفوى وتلزم الزوج بسرعة توثيق الطلاق. آراء فقهية ووصلت عدد دعاوى إثبات الطلاق، التي أقامتها الزوجات أمام محاكم الأسرة ل7800 دعوى، والزوجة التي طلقها زوجها شفويا، ثم رفض توثيق الطلاق، تضطر لرفع دعوى فى محكمة الأسرة لإثبات الواقعة، وربما تذهب لدار الإفتاء فتحصل على فتوى رسمية تفيد وقوع الطلاق شرعا، بينما تظل زوجة لطليقها أمام القانون..هذا ما يؤكده "ياسر عبد الجواد"المحامى ورئيس المكتب العربى للقانون مشيرًا الى انه وفقا للمادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000، لا يجوز للمرأة عند إنكار زوجها واقعة الطلاق ان تثبت الطلاق إلا بالشهود والكتابة فقط، دون باقي طرق الإثبات واذا حاولت ان تستأنف حياتها مع زوج آخر، يكون زواجا عرفيا، وتكون معرضة للوصم المجتمعي، بالإضافة إلى عقوبة الحبس وفقا لقانون العقوبات المصري، نظرا إلى ارتكابها جريمة الجمع بين زوجين. واضاف "عبد الجواد "، ان مشكلة الطلاق الشفوى هى ضياع حقوق المراة والاطفال، كما ان المراة تعيش كالمعلقة او كما يقال "كالبيت الوقف" لا هى متزوجة ولا مطلقة وليس من حقها ان تتزوج مرة اخرى واذا لجأت المرأة الى الخلع تتنازل عن حقوقها كالمؤخرونفقة المتعة.. والمخرج الوحيد للخروج من هذه الازمة حتى لا نتعارض مع الشرع وبيان هيئة كبار علماء الازهر هو أن يضع البرلمان تشريعا ينص على عدم وقوع اثر الطلاق الا بعد توثيقه، مشيرا الى ان لدينا اراء لبعض الفقهاء والعلماء والدعاة أمثال ابن حزم وابن تيمية والإمام محمد عبده والشيخ محمد أبوزهرة وشيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق وغيرهم، أقروا بضرورة توثيق الطلاق والإشهاد عليه ويجب علينا ان نستفيد باراء الفقهاء وناخذ ما يتناسب مع هذا الزمان. الميثاق الغليظ اما د."آمنة نصير" أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، فانتقدت المعارضين لسن قانون يقنن ظاهرة الطلاق الشفوى، مشيرة إلى ان هناك رجالا يتلاعبون بالميثاق الغليظ وهو الزواج ويجعلون من كلمة الطلاق لعبة او وسيلة للتحكم فى المراة وضياع حقوقها، ولذلك فالتقنين ضرورة ملحة، وقالت: سوف يساهم فى فرملة لسان الزوج ويجعله يفكر كثيرا قبل الطلاق ويكون أكثر حرصا وخوفا على الأسرة والزوجة قبل أن يرمي يمين الطلاق، واوضحت ان عقد القران لا يتم الا بالاشهاد وبالتالى فان انفضاض هذا العقد يجب ان يكون ايضا بالاشهاد. وطالبت "نصير" فضيلة شيخ الازهر وهيئة كبار علماء الازهر اعادة النظر فى البيان الخاص بهذه القضية حتى نعيد للاسرة المصرية حالة من الاستقرار وللرجل حالة من الانضباط. وفى دراسة فقهية مقارنة تحت عنوان "فقه المصريين فى إبطال الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية" أكد د." سعدالدين هلالي"، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الطلاق لا يصح إلا إذا روعي فيه أصوله الثلاثة، تواجد أسبابه، وتحقق شروطه، وانتفاء موانعه، وهذه الأمور لا تتحقق من خلال الطلاق الشفوي. ومن جانبها اكدت د."هبه هجرس "عضو البرلمان وعضو المجلس القومى للمرأة أن الطلاق الشفهى تسبب فى تفكك الأسر وكثرة حالات الطلاق بشكل خطرا على الأسرة والمجتمع بأكمله، مشيرة الى ان القضية واضحة ولا تحتاج الى هذا الجدل خاصة وان الزواج يتم ورقيًا وبالتالى فالطلاق يجب الا يعتد به الا ورقيًا. واضافت "هجرس"لا يمكن ان نترك الموضوع لضمير الرجل حتى لا نظلم المراة، ويجب ان يصدر قانون يمنع الطلاق الشفوى، وطالبت الازهر ورجال الدين بضرورة اعادة النظر فى هذه القضية ومراعاة مصلحة الاسرة المصرية. خطوة إيجابية واشارت د"هدى زكريا" استاذ علم الاجتماع الى ان الكلمة الشفهية لم تعد لها اى قيمة فى مجتمع لا يعتد الابالمواثيق، فهل يمكننا شراء شقة بكلمة وهل يمكن ان نعتد بكلمة نأخذها من صاحب الشقة دون ان نوثق عقد الشراء؟ فالوثائق هى التى يعتد بها وهى التى تضمن الحقوق وهذا الامر ينطبق على الزواج والطلاق، فالطلاق يجب الا يعتد به الا بعد توثيقه، ولا يمكن ان نثق فى ذمة الزوج الذى يستخف بكلمة الطلاق. وتابعت اننا لدينا مشكلة تتفاقم يوما بعد يوم وهى الاثار الناجمة عن زيادة معدلات الطلاق الموثق، ولذلك علينا اتخاذ خطوة ايجابية ازاء الطلاق الشفهى واعتباره كأن لم يكن ومن يريد الطلاق يتحمل تبعاته ويذهب لتوثيقه. تجارب الدول العربية واوضحت د."عزه كامل" الناشطة الحقوقية أن الدعوة لمنع الطلاق الشفوى ليست وليدة هذه الايام ولكنها مطلب للحركة النسائية منذ سنوات طويلة، مشيرة الى ضرورة سن قانون ينص على منع الطلاق الشفوى خاصة واننا دولة مدنية ودولة قانون فلا يجوز ان نسير وفقا للنية، ومنع الطلاق الشفوى سبقتنا فيه العديد من الدول العربية الاخرى مثل تونس والمغرب. ففى تونس مثلا لا يوجد طلاق شفوي، والقانون يُلزم الزوج بالطلاق الكتابي ولا يعترف بسواه، وفى المغرب فتنص المادتان 79 و114 من مدوّنة الأسرة الصادرة فى 5 فبراير 2004، أنه يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة، وهناك نصوص فى قانون الأحوال الشخصية فى الأردن وقانون العقوبات لإثبات الطلاق أمام الجهات الرسمية المختصة خلال مدة معينة، وإذا لم يفعل الزوج ذلك يتعرّض لعقوبة الحبس. كذلك يقضي قانون حقوق العائلة فى لبنان أنه لدى الطائفتين السنيّة والشيعيّة، يجب على الزوج الذي يطلّق زوجته أن يُخبر المحكمة الشرعية، وهناك دول أخرى أقرت عدم الاعتداد بالطلاق الشفوي مثل موريتانيا والكويت.