تأثر الاستشراق بالتحيزات الغربية والأهداف الاستعمارية للقوي الاوروبية الكبري وتركزت جهود علمائه في جمع المعلومات ورصد الشعوب خاصة الإسلامية ومحاولة الولوج الي وعيها والسيطرة عليها وظهرت في دراستهم التحيزات ضد الإسلام والقومية العربية ورسم صورة مشوهة لتعاليمه واعلنوا رفضهم للرسول صلي الله عليه وسلم حاملا للرسالة الالهية. وبذلوا جهوداً جبارة لجعل الإسلام عملا شيطانيا والقرآن مجرد نسيج من الاكاذيب يحض علي العدوان والقهر للاخر ومعتقداته. ورغم الاتصال الحضاري بين الشعوب خلال فترة التوسع الغربي الاستعماري وما بعدها الا أن اعمال المستشرقين اتسمت بعدم الموضوعية وغياب النزاهة العلمية وممتلئة بالتحيز بهدف التخديم علي الأهدف الاستعمارية للغرب. وكانت أهم اباطيلهم الاصرار علي عدم الاعتراف بحقيقة أن محمداً هو آخر رسل الله إلي البشرية. أرسل لإتمام وتأكيد الرسالات السابقة التي جاء بها الأنبياء السابقون. وتجاهل أن القرآن كلام الله المحفوظ الذي لا يمكن تغييره أو تبديله. وتعمد الخلط بين آياته وبين السنة النبوية واثارت اللغط حول طبيعة الشريعة الإسلامية المشتملة علي الوحي. وتجد كتاباتهم غير مكترثة باخفاء الحقد والتحيز والتحريف وسوء الفهم لتعاليم الإسلام ورسالته. والتمسك بوجوب أن يستجيب الإسلام للفكر الأوروبي المعاصر. ويقول الدكتور محمد أبو غدير. أستاذ الدراسات الصهيونية بجامعة الأزهر. إن الاستشراق تيار فكري. جهوده منصبة علي الشرق لدراسة حضارته وأديانه وثقافته ولغته وآدابه. من خلال أفكار اتسم معظمها بالتعصب. والرغبة في خدمة الاستعمار. وتنصير المسلمين. وجعلهم مسخا مشوها للثقافة الغربية. وذلك ببث الدونية فيهم. وبيان أن دينهم مزيج من اليهودية والنصرانية. وشريعتهم هي القوانين الرومانية مكتوبة بأحرف عربية. والنيل من لغتهم. وتشويه عقيدتهم وقيمهم. مضيفا أن بعض المستشرقين توصلوا لحقيقة الإسلام واعتنقوه وخدموا الإسلام. ويوضح أن جهود الاستشراق والاستعمار ممتدة منذ قرون طويلة وبذل الكثير لنشر طروحات العداء للاسلام ورسالته وتشويهه وبث الاكاذيب حوله عن طريق الترجمات والمؤلفات والدراسات والمؤتمرات التي عادت من جديد للتخفي وراء مسميات جديدة مختلفة ولكنها تحمل ذات المضمون المتعصب والمتحيز والحاقد علي الإسلام. وكشفت دراسة مصطفي السباعي ¢الاستشراق والمستشرقون¢ النقاب عن الدوافع الخفية المحركة لجهود المستشرقين وتحيزاتهم ضد الإسلام ونبيه-صلي الله عليه وسلم- ويؤكد أن الدافع الديني هو الدافع الأول للاستشراق عند الغربيين. مشيرا الي انه بدأ بالرهبان واستمر كذلك حتي عصرنا الحاضر وهؤلاء كان يهمهم أن يطعنوا في الإسلام ويشوهوا محاسنه ويحرفوا حقائقه ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدينية أن الإسلام. وقد كان يومئذ الخصم الوحيد للمسيحية في نظر الغربيين. دين لا يستحق الانتشار. وأن المسلمين قوم همج لصوص وسفاكو دماء. يحثهم دينهم علي الملذات الجسدية. ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي. وأكد أنهم كثفوا الهجوم في العصر الحاضر بعد أن رأوا الحضارة الحديثة زعزعت أسس العقيدة عند الغربيين. وأخذت تشككهم بكل التعاليم الدينية. فلم يجدوا خيرا من تشديد الهجوم علي الإسلام لصرف أنظار الغربيين عن نقد ما عندهم من عقيدة وكتب مقدسة. وهم يعلمون ما تركته الفتوحات الإسلامية الأولي والحروب الصليبية والفتوحات العثمانية في أوربا بعد ذلك في نفوس الغربيين من خوف من قوة الإسلام وكره لأهله. فاستغلوا هذا الجو النفسي. وازدادوا نشاطا في الدراسات الإسلامية. مبينا أنهم لم يغفلوا الهدف التبشيري في دراساتهم العلمية. ولهذا عمدوا إلي تشويه سمعة الإسلام في نفوس رواد ثقافتهم من المسلمين. لإدخال الوهن إلي العقيدة الإسلامية. والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث. وتوصل الي ان الدافع الاستعماري محرك رئيسي لتحركاتهم. فلم تتوقف جهودهم حتي بعد انتهاء الحروب الصليبية بهزيمة الصليبيين وهي في ظاهرها حروب دينية وفي حقيقتها حروب استعمارية. فلم ييأس الغربيون من العودة إلي احتلال بلاد العرب فبلاد الإسلام. فاتجهوا إلي دراسة هذه البلاد في كل شئونها من عقيدة وعادات وأخلاق وثروات. ليتعرفوا إلي مواطن القوة فيها فيضعفوها. وإلي مواطن الضعف فيتغتنموه. ولما تم لهم الاستيلاء العسكري والسيطرة السياسية كان من دوافع تشجيع الاستشراق إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوسنا. وبث الوهن والارتباك في تفكيرنا وذلك عن طريق التشكيك بفائدة ما في أيدينا من تراث. وما عندنا من عقيدة وقيم إنسانية. فنفقد الثقة بأنفسنا. ونرتمي في أحضان الغرب نستجدي منه المقاييس الأخلاقية والمبادئ العقائدية. وبذلك يتم لهم ما يريدون من خضوعنا لحضارتهم وثقافتهم خضوعا تاما. وأوضح أنهم يقفون وراء الدعوات لاحياء القوميات التاريخية التي عفا عليها الزمن. واندثرت منذ حمل العرب رسالة الإسلام. فتوحدت لغتهم وعقيدتهم وبلادهم. ليتسني لهم تشتيت شملنا كأمة واحدة. وليعوقوا قوة الاندفاع التحررية عن عملها في قوتنا وتحررنا وسيادتنا علي أرضنا وثرواتنا. واعتبر أن الدافع التجاري كان له أثر كبير في تنشيط الاستشراق لترويج بضائعهم وشراء مواردنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان ولقتل صناعتنا المحلية التي كانت لها مصانع قائمة مزدهرة في مختلف بلاد العرب والمسلمين. وانتهي الي أن الدافع السياسي برز في عصرنا الحاضر بعد استقلال أكثر الدول العربية والإسلامية. ويتمثل في الحرص علي وجود اتصالات برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلي أفكارهم. وبث فيهم من الاتجاهات السياسية التي تزكي التفرقة بين الدول العربية بعضها مع بعض. وبين الدول العربية والدول الإسلامية. بحجة توجيه النصح وإسداء المعونة. ويؤكد الدكتور محمد أبو ليلة. أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الانجليزية بجامعة الأزهر. أن الاستشراق في اغلبه لم يتوقف عن مهاجمة الإسلام وتوظيف التطور الإعلامي وفي تكنولوجيا الاتصال للتشهير بثوابته ومنهجه ومحاصرته ومنع انتشاره في العالم والسعي للقضاء علي مرتكزاته ومقوماته بالتشكيك في صحة القرآن وأخلاقيات نبيه وثوابت متبعيه. موضحا أن الاستشراق كرس جهوده لمنع العقل الأوربي من اعتناق الإسلام. ولهذا تعمدوا نشر الترجمات الأوربية المشوهة للقرآن والسيرة. وسخر طاقاته في الدراسات التاريخية والاجتماعية والتراثية في المعاهد والجامعات والمراكز العلمية. التي أنشئت لتخريج القناصل والسفراء والكتاب والجواسيس لتأمين مصالح بلادهم وتوفير المعلومات عن بلاد العالم الإسلامي وإقامة مراكز لدراسة المعلومات وتحليلها لتكون بمثابة دليل للاستعمار في شعاب الشرق واوديته من اجل فرض السيطرة الاستعمارية عليه وإخضاع شعوبه وإذلالها وارتهانها للثقافة الغربية والوصول بها إلي مرحلة العمالة الثقافية. وقال إن اخطر أهداف الاستشراق هي محاولة إلغاء النسق الفكري الإسلامي والسعي لتشكيل العقل المسلم وجعل الفكر الغربي هو المنهج والمرجع والمصدر والكتاب والمدرس في الجامعات والمراكز العلمية والثقافية والفكرية والمدارس. وشدد علي أن حملات تشويه الإسلام تستند الي المعلومات والكتابات التي يقدمها علماء الاستشراق عن الإسلام وكلها تحريف واكاذيب. مشيرا الي أنه في السنوات الأخيرة تم اعادة تعريف الاستشراق في المجال الاكاديمي ليصبح ¢دراسات المنطقة¢ أو¢الدراسات الإقليمية¢ وهي محاولة سياسية لاخفاء السمعة السيئة والدلالات السلبية للاستشراق التي تلوثت بمفهوم إمبريالي سلبي كبير بسبب المستشرقين أنفسهم. وأضاف أن المعلومات الصحيحة عن الإسلام لا تصل الي الشعوب في الغرب وبداية رفض محاولات تشويه الإسلام وتصحيح المعلومات المحرفة عنه تبدأ ببذل جهود حقيقية لكشف الدور الخبيث الذي قام به المستشرقون واعداد دراسات مستفيضة باللغات الغربية عن الظاهرة التاريخية للاستشراق. كمهنة أكاديمية أو كوسائل للاستغلال الثقافي. ومن المهم رصد ما يكتب عن الإسلام والمسلمين في الغرب والتصدي له بالكتابة لوسائل الإعلام التي تنشر تلك الأفكار. والسعي لتكون لنا وسائل إعلام عالمية قوية هدفها توضيح الصورة عن الإسلام والمسلمين وتحاول أن تصل إلي جميع المستويات. والحضور القوي في المؤتمرات والندوات التي تعقد في الغرب ليصل الصوت الإسلامي القوي .