أثار مشروع قانون المنظمات النقابية العمالية الجديد عاصفة من الجدل في الأوساط العمالية والنقابات العامة والخاصة، بما احتواه من مواد اعتبرها البعض تهدر جهود المنظمات النقابية التي طالما كافحت من أجل تحسين أوضاع المنتسبين إليها، وقد تمثلت الانتقادات الموجهة إلي القانون الجديد في أحتوائه علي ثغرات من بينها عدم الالتزام بما ورد بالاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر والتي تقر صراحة علي التزام الدولة بما جاء بأسس الحرية النقابية وحماية حق العمال في تنظيم نقابتهم فضلا عن تضمنه مواد من شأنها تفتيت العمل النقابي، كما ضم بنوداً تعطي الحق للمنظمة النقابية في رفض انضمام العامل لها دون ذكر الأسباب. وكانت وزارة القوي العاملة أعلنت أن مشروع قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم يتكون من 78 مادة، وتمت إحالته من قبل الحكومة للبرلمان لمناقشته واتخاذ إجراءات إصداره والتصديق عليه تمهيدا لدخوله حيز التنفيذ، علي أن تجري الانتخابات النقابية وفقاً لأحكام القانون الجديد بعد تسعين يوماً من تاريخ تطبيقه. »آخرساعة» ناقشت بنود ومواد القانون الجديد مع المختصين وكانت البداية مع الدكتورة فاطمة الرزاز رئيس قسم التشريعات الاجتماعية بكلية الحقوق جامعة حلوان، التي أوضحت أن اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 لسنة 88 كفلت حق جميع العمال في إنشاء منظمات أو الانضمام إلي منظمات عمالية يختارونها بملء إرادتهم من أجل الدفاع بحرية عن مصالحهم، وبالاطلاع علي مشروع قانون المنظمات النقابية العمالية الجديد تبرز المادة رقم 21 من القانون الجديد التي وسعت من دائرة الجهات التي يحق لها اللجوء إلي المحكمة العمالية للاعتراض علي إنشاء المنظمة النقابية، بينما كانت الجهة الوحيدة التي كان من حقها الاعتراض علي إنشاء المنظمة النقابية سابقاً هي الجهات الإدارية للعمل. كما أشارت إلي أن المادة 11 من مسودة القانون تشير إلي الجهات التي تؤول إليها أموال النقابة حال حلها، فإما أن يتم التصرف بها وفقاً للائحة النظام الأساسي والمالي للنقابة، وإن لم يكن فإن المنظمة النقابية الأعلي هي من تتولي التصرف فيها، أو يتم اللجوء إلي الإجراء الأخير في توريد الأموال إلي صندوق الطوارئ التابع لوزارة القوي العاملة وهو ما يجد معارضة شديدة من منطلق أن مبادئ الحرية النقابية تتيح للنقابات حرية التصرف في أموالها، وذهاب أموال النقابة إلي صندوق الطوارئ معناه عدم قدرة العمال علي الاستفادة منها لأنه صندوق تم إنشاؤه بقانون منفصل وهذا أمر غير منطقي ولا يحقق أسس العدالة للعمال. وأضافت أن القانون القديم للنقابات العمالية كان يضم العديد من المزايا منها تقنين أسباب رفض المنظمات النقابية لانضمام العمال إليها بمعايير واضحة وهي مخالفة العامل لأي شرط من الشروط التي حددها قانون العمل، وحينئذ يجوز للمنظمة رفض اشتراكه بها، لكن مشروع القانون الحالي يترك الأبواب مفتوحة أمام المنظمات النقابية في عدم قبول العمال بها فالمادة 23 من مسودة قانون العمل الجديد تعطي الحق للمنظمة النقابية في رفض انضمام العامل لها دون ذكر الأسباب. كما أوضحت أن أهداف اللجان النقابية في المنشأة العمالية تختلف عن أهداف النقابة العامة وعن اتحاد العمال فلكل منهما دور وطبيعة عمل، ومع ذلك فإن المادة الثامنة عشرة من مشروع القانون صاغت أهداف المنظمات النقابية العمالية بصفة عامة ولم تراع تباين الأهداف باختلاف المستويات، لذلك من المرجح أن يحدث ارتباك وتداخل عند تنفيذ القانون الجديد. وتنتقد الدكتورة فاطمة الرزاز حالة الغموض التي تكتنف المادة رقم 49 من مشروع القانون الجديد التي اعتبرت مدة الدورات التدريبية والتثقيفية التي تعدها المنظمة النقابية العمالية لأعضائها بمثابة إجازة مدفوعة الأجر، وهنا لم يتم الإشارة إلي الجهة التي من المفترض أن تتحمل تكاليف هذه الدورات، كما أن هناك تساؤلات حول طبيعة الدورات نفسها التي سيتم تأهيل العامل من خلالها وما إذا كانت متصلة بطبيعة عمله أم هي تتعلق بالحريات النقابية. بينما أوضح مدحت محمد رئيس اللجنة النقابية أمين عام اتحاد عمال سوهاج أن الغاء القانون الجديد لحق النقابة في التقاضي نيابة عن أعضائها يتعارض مع المادة 50 من القانون القديم التي نصت علي ضرورة إخطار سلطة التحقيق للمنظمة العمالية المعنية عند التحقيق مع أحد المنتسبين إليها، كما أن المادة رقم 35 من القانون تشدد أيضا علي حتمية إخطار الاتحاد العام لنقابات عمال مصر من قبل سلطة التحقيق بما هو منسوب لعضو المنظمة النقابية من اتهامات، فالعضو النقابي المدافع عن حقوق زملائه من المفترض أن يتمتع بالحصانة مثله مثل عضو مجلس الشعب وإذا تم تحويله إلي جهات التحقيق من الطبيعي أن تسانده اللجنة النقابية التابع لها وأن يتم انتداب عضو من اتحاد عمال المحليات لدعمه قانونياً من خلال توكيل محام له. يتابع: فرع الشركة أو المؤسسة العمالية يكون في حكم المنشأة العمالية وله الحق في إنشاء لجنة نقابية وذلك وفق تعريف القانون الجديد، وإذا تم السماح من هذا المنطلق لفروع الشركات بإنشاء لجنة نقابية مستقلة في كل فرع سيتم تفتيت العمل النقابي، لأن هذا الوضع يخلق نوعا من التضارب بين مجموعات العمال ولا يمكن تحديد الجهة المخولة بالتحدث باسمهم وإيضاح أوضاعهم للمسئولين. ويلفت محمد حماد رضوان رئيس الاتحاد المحلي لنقابات عمال سوهاج إلي أن قانون المنظمات النقابية حدد مدة الدورة بخمس سنوات فقط لكنه لم يحدد عدد مرات تجديد الدورة، وأضاف قائلا: قد يتم تمديد مدة الدورة النقابية ستة أشهر بعد انتهاء المدة الأصلية ثم تمدد بعد ذلك لعام كامل يتم تجديده بصورة دورية، فالدورة النقابية الخاصة بنا علي سبيل المثال تمت منذ عام 2006، لذلك لابد من وضع حد معين لعدد مرات التجديد. يضيف: يجب إضافة أصحاب المعاشات تحت مظلة الاتحاد في القانون الجديد حتي لا يتعرضوا للإهمال، كما يجب إضافة بند إلي القانون يتضمن إعفاء المباني الخاصة بالمنظمات النقابية والاتحادات المحلية من الضرائب والتأمينات لأن هذه المنظمات تم بناؤها في الأساس علي اشتراكات العمال. ويري سيد حامد رئيس اتحاد نقابات عمال محافظة قنا أن العديد من النقابات العمالية المستقلة قد ظهرت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وكانت تريد أن تأخذ صفة الشرعية لدي وزارة القوي العاملة ولكنها اصطدمت بمواد القانون رقم 35 لسنة 76 وتعديلاته التي تنظم العمل النقابي بشكل هرمي يبدأ باللجنة النقابية ثم الجمعية العمومية للنقابة العامة ثم مجلس إدارة النقابة العامة ثم الجمعية العمومية للاتحاد العام، ولهذا سعت النقابات المستقلة إلي تغييرالشكل المتعارف عليه الذي يمنع التعدد النقابي داخل الوحدة الإنتاجية الواحدة. ويتابع ..حالة الجدل الحالية تتمركز حول إطلاق التعددية النقابية في القانون الجديد، بينما الهدف الأساسي لمنع التعدد النقابي في القانون القديم الحئول دون تفتيت قوة اللجنة النقابية إلي كيانات صغيرة، فنحن لا نتكلم عن أحزاب سياسية ولكن عن عمل نقابي يتطلب وحدة العمال، فالتعدد النقابي قد يعطي جهة الإدراة داخل العمل فرصة لإشعال الصراعات بين العمال وتشتيت أصواتهم، أو أنها قد لا تستطيع التعامل مع هذه الكيانات المفتتة في حال حدوث أي خلاف معها. فيما أشار فتحي عبداللطيف رئيس الاتحاد المحلي لنقابات عمال الإسكندرية إلي أن مشروع القانون مازال قيد الدراسة ولم يتم الاتفاق عليه موضحا أن الاتحاد المحلي لعمال الإسكندرية علي اتصال مع نواب اللجنة التشريعية ولجنة القوي العاملة لإيضاح رأيه في القانون بعد إعداد ورش عمل لدارسة كافة مواده. كما أوضح أن القطاع الخاص حالياً يضم أعدادا من العمال تفوق القطاع العام، ولديه لجان نقابية تعمل في كافة المحافظات، لذا من المفترض ألا يتم وضع شروط لترشح أعضائه لانتخابات التنظيم النقابي طالما هم أعضاء بالجمعية العمومية ويقومون بدفع الاشتراكات بانتظام، لافتاً إلي أن الترشح لانتخابات التنظيم النقابي يدخل في نطاق العمل العام مثله مثل عمل منظمات المجمتع المدني، ومن المفترض أن يكون متاحاً لكافة أعضاء المنظمة أسوة بأي نقابة مهنية مثل نقابة المحامين أو التجاريين أو الزراعيين.