فجأة وبسبب اكتشاف الثقب الأسود وجدت نفسي أعود إلي ظاهرة شاعت في حياتنا منذ خمسين سنة بشكل كثيف وأُلفت فيها الكتب وأُقيمت من أجلها المؤتمرات في الجامعات ولازالت وهي مرجعية القرآن الكريم للعلم. دائما ما كانت تذكرني هذه المسألة بحوار قصير جري بيني وبين رجل أمن في كلية الزراعة بالإسكندرية منذ أكثر من عشر سنوات حين ذهبت مدعوا مرة لأشاهد مسرحية يؤديها طلاب الكلية وكان من بينهم طلاب تربطني علاقة مع أسرهم. عند باب الدخول إلي قاعة المسرح الصغير سألني رجل الأمن عن الدعوة فأظهرتها له ولا أعرف لماذا قلت » شيء جميل أن يكون هناك مسرح في الكلية » فإذا برجل الأمن يقول » لا علاقة لي بذلك». سألته » ألا تحب المسرح ؟» آجاب » القرآن فيه كل شيء. مسرح وسينما وروايات وشعر. لا حاجة لي بهذا». طبعا لم أعلق. ابتسمت ودخلت مبتسما فأنا أعرف أن ملايين مثل هذا الرجل راحوا ضحية الفكر الرجعي المتخلف في فهم الدين والعلم. كنت وقتها أقرأ ضاحكا مقالات الدكتور زغلول النجار عن الإعجاز العلمي للقرآن في جريدة الأهرام وأعرف من البداية أني سأقرأ مصطلحات علمية كثيرة جدا لها أصلها عنده في القرآن الكريم ومن ثم كنت أجري مسرعا في قراءة المقال لأصل لنهايته وأضحك وخصوصا بعد يوم علل فيه تحريم أكل الخنزير بأن فيه أكثر من مائة مرض وضرب أمثلة ببعضها بمعناها الإنجليزي أو اللاتيني لا أذكر وكنت في ذلك اليوم في ندوة بمكتبة الإسكندرية ووجدت أحد الباحثين الأجانب في يده الجريدة ويسرع لي يسألني » إذا كانت كل هذه الأمراض في لحم الخنزير فكيف نعيش نحن في أوربا أصحاء أقوياء ولا يظهر عندنا أي منها » وضحكنا. طبعا أي عاقل يقرأ تاريخ الأديان يعرف أن التحريم جاء لاختبار قدرة الإنسان علي الامتناع عن شيء يحبه أو قد يحبه. يعني فيه علو للروح علي المادة لا أكثر ولا أقل، فضلا عن أن تحريم الحنزير والخيل والبغال والحمير وغيره كان في أديان سابقة علي الإسلام ولازال. توقفت عن متابعة هذا الرجل راحة للدماغ لأني أعرف أن ظهوره مثل غيره من قبل كان لجذب انتباه الجمهور إلي أشياء عبثية بعيدة عن الحياة ومشاكلها السياسية والاجتماعية وغيرها. بعيدا عن رسالة الإنسان الكبري وهي تعمير الأرض. ما علينا. المسألة لم تنته. منذ أسابيع أو أكثر من شهر كان هناك المؤتمر الحادي عشر - لاحظ ذلك - عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بجامعة المنصورة. مؤتمر حُشد له متحدثون من مصر وخارجها. أي أن المسألة مستمرة. أصبحت لا أقف عند هذه المسائل لأنه لا فائدة في الكلام عنها مهما كان الاقتناع عند أصحابها لأن سؤالا واحدا مثل »طيب لما كل العلوم في القرآن احنا ليه مش بنختر ع كل حاجة. دا احنا بنستورد الموتوسيكل من الصين مثلا بلد بوذا ؟» والإجابة قالها الشيخ الشعراوي يوما أن الله سخر الغرب ليخترع ونحن نأخذ منه الاختراعات والناس صفقت. بالمناسبة من فتح الطريق لظهور الشيخ الشعراوي قويا في التليفزيون المصري في السبعينات وبعدها؟، ومن فعل ذلك أيضا مع الدكتور زغلول النجار كان المذيع أحمد فراج طليق الفنانة صباح الذي بعد طلاقه منها ذهب إلي السعودية وعاد بعد سنين ممهدا وفاتحا الطريق لهذه الأسماء. طبعا الشيخ الشعراوي رغم قوله إن الله سخر الغرب لمصلحتنا بعيد عن الحديث عن التفسير العلمي للقرآن. هو من أهل الظاهر في تفسير القرآن وهذا موضوع معقد لا يكفي فيه مقال لشرحه. المهم أن الرجل لا يخضع الآيات إلي التأويل بل يفسرها بمعناها اللغوي الظاهري كما هي. لا علاقة له بأسباب النزول مثلا وزمانه ومكانه وغيره من القضايا الفقهية أو الكلامية. أعني نسبة إلي علم الكلام. والمنهج الظاهري في التفسير ليس علي خطأ كله فهناك كثير فيه علي صواب لكنه علي الناحية الأخري يري أن منهج الباطنية كفر كله رغم أنك قد تجد في الاثنين الخطأ والصواب. لكن أهل الظاهر هم الأكثر وجودا وقوة علي طول التاريخ الإسلامي فهم الأحب عند كثير من السلاطين. المنهج الظاهري مثلا لا يقترب من أحكام مثل الحدود ولا يفكر أن الأصل في الحدود هو العقاب وليس شكل العقاب وأن القرآن الكريم اعتمد أشكال العقاب الشائعة وقتها ولم يكن ممكنا مثلا أن يأمر بالقتل بالكهربا فهي أرحم لأنه لم تكن توجد كهربا. وأنه لا أحد ضد العقاب لكن شكله يجب أن يكون متوائما مع العصر والمكان والزمان الخ. هذا الجمود وراء كوارث كثيرة يعاني منها المسلمون سنة وشيعة معا. ما علينا. نعود إلي الثقب الأسود، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بالآراء أن الثقب الأسود مذكور في القرآن وأن إينشتاين الذي تنبأ بهذا يهودي لص سرقه من القرآن. الخ هذا الكلام الذي يعجب المتطرفين أو الجهلاء خصوصا أن الرجل يهودي. وبالمناسبة علاج فيروس سي من اكتشاف عالم يهودي مصري الأصل. ما علينا. كلمة يهودي تفتح الطريق لتصديق كل الخرافات. طبعا ذكرني بالنقاش حول الموضوع بالأيام السودا التي نعيشها التي هي نتاج نصف قرن من التهجيص الذي وراءه شيء واحد أن يعيش الناس بلا تفكير ولا طاقة علي التفكير ولا معني له. ولا يسأل أحد نفسه طيب لما كل حاجة في القرآن إحنا متخلفين ليه. طبعا الإجابة كما قلت عند الشيخ الشعراوي التي ترجمتها أننا خلقنا لنعيش مرتاحين كدا ومأنتخين والغرب والشرق يخترع واحنا نستورد. للمرة المائة أو الألف أيها السادة القرآن كتاب دين وليس علم والدين يعني الإيمان بالله والضمير في المعاملات في الحياة، أما العلم فهو العقل الذي أؤمن أن الله كرم به الإنسان عن الحيوان ليتقدم لا لينام ويأنتخ وكل اختراع أو اكتشاف موجود عندنا وهاتي لي الغدا يا أم اسماعيل علشان أنام.