إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية متتالية    ماكرون يعلن عن عرض أمريكي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران    الترجي يخسر من فلامنجو بثنائية في كأس العالم للأندية 2025    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بالميراس في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    «غاضب ولا يبتسم».. أول ظهور ل تريزيجيه بعد عقوبة الأهلي القاسية (صور)    ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية ب بني سويف 2025 يقترب (خطوات الاستعلام رسميًا)    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    فاروق حسني يروي القصة الكاملة لميلاد المتحف المصري الكبير.. ويكشف رد فعل مبارك    وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاجون بنشر قدرات إضافية في الشرق الأوسط    مشروعات قوانين بالكونجرس الأميركي لمنع الانخراط في حرب مع إيران    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    «ريبيرو السبب».. شوبير يُفجر مفجأة بشأن أزمة «تسخين» أشرف بن شرقي    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    أمطار ورياح اليوم.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    تشكيل بروسيا دورتموند المتوقع أمام فلومنينسي في كأس العالم للأندية    أشرف صبحي يكشف كواليس تدخلاته في أزمة زيزو.. ويؤكد دعمه الكامل للأهلي    تفاصيل العملية الجراحية لإمام عاشور وفترة غيابه    أسعار الخضار والبطاطس ب الأسواق اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025    خامنئي يغرد تزامنا مع بدء تنفيذ «الهجوم المزدوج» على إسرائيل    إغلاق جميع منشآت التكرير في حيفا بعد ضربة إيرانية    سحر إمامي.. المذيعة الإيرانية التي تعرضت للقصف على الهواء    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    عيار 21 يفاجئ الجميع.. انخفاض كبير في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 17 يونيو بالصاغة    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!    «إسرائيل انخدعت وضربتها».. إيران: صنعنا أهدافا عسكرية مزيفة للتمويه    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    مباحث الفيوم تتمكن من فك لغز العثور على جثة شاب مقتول بطلق ناري    محاكمة تشكيل عصابي متهم بسرقة المواطنين بالإكراه ببولاق أبو العلا اليوم    العثور على جثة مسنّة متحللة داخل شقتها في الزقازيق    حرب إسرائيل وإيران.. البيئة والصحة في مرمى الصواريخ الفرط صوتية والنيران النووية    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    تركى آل الشيخ يزور الزعيم عادل إمام ويعلق: بصحة جيدة وشربت عنده أحلى كوباية شاى    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    أخبار 24 ساعة.. الوزراء: الحكومة ملتزمة بعدم رفع أسعار الوقود حتى أكتوبر    النحاس: زيزو منحنا انطباع أنه لن يستمر في الملعب أكثر من 60 دقيقة    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    مسئول بالغرف التجارية: التوترات الجيوسياسية تلقي بظلالها على أسعار الغذاء.. والمخزون الاستراتيجي مطمئن    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحاني اللغة الأجنبية الثانية للنظام الجديد والاقتصاد والاحصاء القديم.. اليوم    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    محافظ الإسماعيلية يتفقد مستشفى القنطرة شرق المركزي والمركز التكنولوجي (صور)    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يدشنان القافلة الطبية المتكاملة بمنشأة سلطان    الصحة: لا نعاني من أزمة في أعداد الأطباء.. وبدء تحسين أوضاع الكوادر الطبية منذ 2014    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام.. الغائب الحاضر
نشر في أكتوبر يوم 07 - 07 - 2013

أصدق وصف للشيخ متولى الشعراوى أنه «رجل القرآن» فهو من القلائل الذين حباهم الله قدرة خاصة جدًا لفهم القرآن ومعرفة بعض أسراره، وعلى الرغم من كثرة المفسرين على مدى القرون فهو يمتاز عنهم بالتعمق فى فهم كل كلمة، وله لمحات ونظرات لم يسبقه إليها أحد ممن تصدوا للتفسير ومنهم الكبار الذين لا غنى عن الرجوع إليهم.
تميز الشيخ الشعراوى بشعبية طاغية ليس فى مصر وحدها بل فى كل العالم العربى والإسلامى، وكان له تأثير كبير على المجتمع وعلى الناس كما لم يحدث لغيره فى أى وقت، ربما؛ لأن الله منحه «القبول»، وربما؛ لأنه تعمق فى دراسة ألفاظ ومعانى ومقاصد القرآن، وربما؛ لأنه كان يعتمد على إلهامه فيلهمه الله ويفتح عليه، وربما؛ لأنه متخصص فى اللغة العربية والبلاغة تخصصًا دقيقا مما جعله يدرك بلاغة القرآن، وربما لكل هذه الأسباب اجتمعت فى رجل من رجال الله، شاء الله أن يبعثه ليعيد عامة الناس إلى الارتباط بالقرآن.
احتار الباحثون فى الإجابة عن هذا السؤال: لماذا كان الشيخ الشعراوى ظاهرة فريدة وكأنه وحده الذى علمه الله مفاتيح القرآن.
قال البعض لأن الرجل أسلوبه بسيط يناسب المثقف كما يناسب العامة، ولغته الريفية والتلقائية تجذب المستمعين وتجعله يقترب من الجمهور ويتسلل إلى قلوبهم قبل عقولهم، كذلك فإن الشيخ الشعراوى كان إلى جانب كونه شيخ المفسرين كان أيضًا من كبار رواة الأحاديث النبوية والنوادر والطرائف التاريخية، وكانت لديه موهبة خاصة فى الإقناع وهذا ما لم يبلغه أحد من علماء الدين فى زماننا.
***
من يستطيع أن يأخذ مكان الشعراوى ويملأ الفراغ الذى تركه منذ رحيله وإلى اليوم؛ الإجابة: لا أحد، صحيح هناك عشرات المتحدثين والدعاة والمفسرين ولكل منهم جمهوره، ولكن ليس من بينهم من يحظى بالإجماع الجماهيرى والحشد الكبير من الجمهور الذى يتبعه فى كل مكان يذهب إليه، وحتى بعد وفاته فإن الناس يذهبون إلى « دقادوس» ليزوروا قبره وذلك تعبيرًا عن الشوق إليه والاعتراف بمكانته. ومن آرائه الحكيمة أن الإنسان من صنعة الله، والصانع هو الذى يعرف بدقة ما فى صناعته، فالله يعلم أن الإنسان فيه عواطف وغرائز وله عقل وضمير.. الله أعطى الإنسان كل شىء وسخّر له ما فى الكون، وللحفاظ على سلامة هذه الصنعة فإن الله قال للإنسان افعل كذا ولا تفعل كذا، وترك له الخيار والحرية فى أشياء يفعلها أو لا يفعلها، فالإنسان حر، هداه الله طريق الخير وطريق الشر ونبهه إلى عواقب السير فى هذا الطريق أو ذاك وما دام الإنسان حرا فى الاختيار فهو مسئول أمام من خلقه وهداه.. والأشياء التى ألزم الله الإنسان بها محدودة وقليلة جدًا بالنسبة للأشياء التى أباحها الله.. المحرمات قليلة ومنصوص عليها نصًا صريحًا فى القرآن ولا يجوز أن يضيف إليها.. لا حرام إلا ما حرمه الله وليس ما حرمه إنسان. والله حين خلق الملائكة منحهم العقل وجردهم من الغرائز، وخلق الحيوان وجرده من العقل وأعطاه الغرائز فهو يعيش بالغريزة، لكن الإنسان أعطاه الله العقل والغريزة معا، ولم يحرم عليه إلا أشياء محدودة، خلق الله آدم وأمره ألا يأكل من شجرة واحدة ويأكل كما يشاء من كل الأشجار فى الجنة، فكل شىء مباح، الأصل الإباحة، والتحريم محدود.
***
سئل يومًا: يا شيخنا هناك من قال إنك تعمل كمخدر للجماهير، فأجاب: من الذين يقولون ذلك؛أنا أُسر بما يقولونه لأنهم دللوا على أن وجودى فى ساحة الهداية كان ضروريًا، وسئل عن انتشار التكفير بحيث يحل البعض لنفسه أن يحكم على غيره بأنه كافر فقال إن الكافر هو الذى ينكر وجود الله، أما الذى يخرج عن حدود الله فهو فاسق، والفاسق هو الذى ينقض العهود بينه وبين الله (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) وهو ممن قال الله عنهم ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ) و حكم الله على الفاسقين جاء فى قوله تعالى ( أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ )ولأن من طبيعة الإنسان أنه يسعى إلى الكسب فى كل ما يفعله لذلك فإن الله جعل الإيمان والطاعة صفقة وحياة الإنسان فى الدنيا صفقة فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )وقال فى صفة المؤمنين ( يرجون تجارة لن تبور ) وقال فى حق الكافرين( فما ربحت تجارتهم ) وفى قمة الإيمان قال( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ) فما دامت حياتك فى الدنيا تجارة وصفقة فحاول أن تكون رابحا مع الله وتخرج من الدنيا «كسبان» بدل أن تخرج منها «خسران». وأول سمات الفاسق: نقض العقود لقوله تعالى ( الذين ينقضون عهد الله بعد ميثقه )والذى يوثق العهد هو الله، والفاسق هو الذى يقول غير ما يعتقد ويعتقد غير ما يقول ويغير مواقفة لأنه ليس صادقًا مع نفسه ولا مع الناس، والمثال على ذلك أن عبد الله بن سلام كان سيد اليهود وذهب إلى النبى وأسلم وقال للنبى: أرجو أن تسأل اليهود عنى قبل إعلان إسلامى، فقال اليهود عنه إنه سيد قومه وأكرمهم وأفضلهم فخرج عبد الله بن سلام عليهم معلنا إسلامه فقالوا هو أكبر الفاسدين.
***
والشيخ الشعراوى من المجتهدين أضاف من خواطره الكثير إلى التفاسير الكبرى التى تمثل المراجع التى لا غنى عنها لمن يريد الاشتغال بهذا العلم مثل تفسير ابن عباس، وعبد الله بن مسعود، والإمام على بن أبى طالب، وأبى بن كعب، وفى حديث مع المرحوم الدكتور محمد حسين الذهبى - وزير الأوقاف وهو فى الأصل أستاذ التفسير بجامعة الأزهر - سألته عن رأيه فى منهج الشيخ الشعراوى فى التفسير فقال لى إنه يجد فى تفسيره اعتمادا على ابن ماجه (المتوفى سنة 273 ه) وتفسير الطبرى (المتوفى سنة 327 ه) بتفسير القرآن بالرجوع إلى ما قاله الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، وأهم ما فيه أنه كان على علم بالتفاسير المحرفة وبالإسرائيليات التى تسربت إلى كتب التفسير وما أكثرها وما أخطرها، كما أنه لم يقع فى خطأ التعصب المذهبى، وكانت لديه القدرة العلمية والعقلية على كشف ونقد النزاعات المنحرفة فى كتب التفسير وإدراك الزائف من الأحاديث التى نسبها المزورون إلى الرسول والصحابة بحسن نية أو بسوء قصد ترويجا لمذهب أو بدافع المصالح والأهواء، وقد وقع بعض المفسرين الثقاة فى هذا الخطأ بالنقل عن هذه التفاسير دون تمحيص وهذا ما جعل بعض الإسرائيليات تجرى على ألسنة بعض رجال الدين وكأنها صحيحة ويتابعهم عامة الناس، وهذا ما أدى إلى نشر الفكر غير العقلانى والقصص الموضوعة عن الأنبياء، وقد عنى أبوأسحق النيسابورى (المتوفى سنة 427 ه) بالكشف عن هذه الإسرائيليات والانحرافات فى كتابه (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) وكذلك فعل علاء الدين أبو الحسن المعروف باسم الخازن( المتوفى سنة 741) فى كتابه (لباب التأويل فى معانى التنزيل).
ومن أمثلة الانحراف فى كتاب الثعلبى فى تفسيره لما جاء فى سورة الكهف) اذ اوى الفتيه الى الكهف ) فروى عن وهب بن منبه وغيره رواية طويلة عن هؤلاء الفتية ذكر فيها أسماءهم واسم كلبهم وحوارا غريبا بين الكلب والفتية حين تبعهم وأرادوا رده، وأغرب من ذلك ذكره أن النبى صلى الله عليه وسلم طلب من ربه أن يريه أصحاب الكهف فأجابه الله بأنه لن يراهم فى الدنيا وأمره بأن يرسل أربعة من أصحابه إليهم ليبلغهم رسالة الإسلام.. أما الشيخ الشعراوى فلا نجد عنده شيئًا من هذا وهو يعتمد على تفسير القرآن بالقرآن والتعمق فى فهم معانى الألفاظ وأسرار البلاغة فيه، وقد أعاد الاعتبار إلى المنهج العلمى والعقلى فى التفسير، ومن هنا فهو مجدد؛ لأنه استبعد ما يسىء إلى الإسلام فى الكتب القديمة.
الشيخ الشعراوى أحبه الله، فحببه فى القرآن، وحبب الناس فيه، ورفع ذكره حيًا و ميتًا، وجعل صوته حاضرًا بعد أن غاب بجسمه، فهو الحاضر الغائب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.