يجب أن نتحلي بالشجاعة الكافية في مواجهة التحديات التي تواجهنا، وألا نراوغ في مواجهتها أو حتي عرضها ومناقشتها، وأن نزن أمورنا بمقاييس دقيقة، وأن نفرق تفريقًا واضحًا لا لبس فيه بين ما هو ديني بحت، وبين ما هو سياسي بحت، وأن ندرك أن الخطر كل الخطر يكمن في المخادعة باسم الدين، وتوظيفه لمكاسب ومطامع سياسية أو توسعية، كما يجب أن نفرق بين حرية المعتقد والعمل علي زعزعة المجتمعات الآمنة المستقرة من خلال الاستخدام السياسي لحرية المعتقد وحقوق الإنسان. ففي الوقت الذي نؤكد فيه علي إيماننا الكامل بحرية المعتقد وأنه لا إكراه في الدين، ولا فظاظة في القول، وأن دورنا هو البلاغ المبين، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي لنبينا (صلي الله عليه وسلم) : « إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ «، ويقول سبحانه : « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، ويقول سبحانه : «لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ « ، ويقول (عز وجل) : « فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَي آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً «، مع إيماننا بكل ذلك ندرك أن حرية المعتقد وعدم الحجر علي الإنسان في معتقده شيء، والعمل علي فرض هذا المعتقد لخدمة أغراض سياسية وتحقيق مطامع توسعية شيء آخر. فمع إيماننا بالتنوع وقبول الآخر، وإدراكنا التام أن هذا التنوع سُنّة كونية، حيث يقول الحق سبحانه : « وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ «، فإن الإيمان بهذا التنوع في الدين أو في المذهب أو التوجه الفكري شيء، ومحاولة فرض الوصاية علي الناس في اختياراتهم وتوظيف المذهبية للهيمنة السياسية أو الاقتصادية أو الأيدلوجية شيء آخر مختلف تمام الاختلاف. ولا شك أن قضية تسييس الدين تأخذ أبعادًا متعددة، منها ما هو صنيعة غربية بدأت منذ عقود، عندما عمدت بعض الدول إلي استخدام جماعة الإخوان الإرهابية لتحقيق بعض أهدافها في منطقتنا وآوت كثيرًا من عناصرها ووفرت لهم الملاذ الآمن، ثم تطور الأمر إلي صنيعة داعش وأخواتها من الجماعات المتطرفة، قصد تدمير منطقتنا العربية لصالح العدو الصهيوني من جهة، والاستيلاء علي نفطها وخيراتها ومقدراتها من جهة أخري، مع ما صاحب ذلك من توظيف بعض أحزاب الإسلام السياسي للدين ومخادعة الناس به. علي أن هناك جانبًا آخر لتوظيف الدين في الصراع السياسي وتمدد النفوذ، وهو الصراع الإيراني الذي يستخدم المذهبية في سبيل إقامة امبراطورية فارسية علي خلفية قومية أو عرقية تتخذ من نشر التشيع وسيلة لتحقيق هذه المطامع. ولا يمكن أن يغيب عنا هذا التصريح الأهوج لأحد القيادات الإيرانية، حيت قال : إن إيران تمتلك القرار السياسي في أربع عواصم عربية، هي بيروت، وبغداد، ودمشق، وصنعاء، ولا يستطيع أحد أن ينكر أثر إيران وحرصها علي التأثير في القرار السياسي في بعض العواصم العربية، بغض النظر عن صورة هذا التأثير ووسائله، وسواء أكان ذلك التأثير مباشرًا أم غير مباشر، كما أنه لا شك أن حالة الفوضي غير الخلاقة التي حرصت القوي الامبريالية علي نشرها في منتطقتنا العربية، قصد إضعافها، وتفتيت كيانها، قد أسهمت في تمدد النفوذ الإيراني، وزادت من مطامعه في بناء امبراطوريته الفارسية، ولو علي أنقاض أمتنا العربية. وتتخذ إيران في سبيل تحقيق أطماعها التوسعية، ومحاولات الهيمنة علي المنطقة، وإعادة بناء الامبراطورية الفارسية وسائل متعددة، منها الدعم العسكري المباشر لبعض الدول وبعض الفصائل التي تدين لها بالولاء، علي شاكلة ما يحدث من مد الحوثيين في اليمن بالسلاح والعتاد، وكل ما يقوي شوكتهم في وجه الحكومة الشرعية باليمن، ومنها الإغراء المالي عن طريق استقطاب ضعاف النفوس، مع التركيز علي بعض المفكرين، وأنصاف المثقفين، وبعض المحسوبين علي الدعوة، وبعض قراء القرآن الكريم، وأقول أنصاف المثقفين، لأن المثقف الحقيقي الممتلئ ثقافة لا يمكن أن يبيع نفسه أو أن يخدم أعداء أمته أو يسهم في تحقيق أهدافهم ضد وطنه أو أمته العربية بالدنيا وما فيها، لأنه يدرك أن أي نيل من أي بلد عربي هو نيل من كيان الأمة العربية كلها، وأن مصير الأمة العربية إنما هو مصير مشترك، إذ لا يمكن تجزئة أمنها القومي، فهو كل لا يتجزأ، ونحن ندرك إدراكا واضحا لا لبس فيه أن أمن مصر من أمن أمتها العربية، وأن أمن الأمة العربية جزء لا يتجزأ من أمننا القومي.. ولعل أخطر لون من ألوان التمدد الإيراني هو التمدد الفكري والعمل علي نشر التشيع في المجتمعات السُنيّة قصد تفتيتها وتفكيك نسيجها الاجتماعي المتماسك، وإثارة الخلافات والنعرات المذهبية بين أبنائها، مما يقتضي منا جميعا العمل علي تفويت ذلك عليها. فمع إيماننا بأهمية التعايش السلمي بين البشر جميعًا علي اختلاف دياناتهم، ومذاهبهم، وأعراقهم، نؤكد أن هذا التعايش لا يمكن أن يتم من جانب واحد أو طرف واحد، إذ نؤمن بضرورة الولاء الوطني للدولة الوطنية، فكل من يقيم علي أرض مصر بغض النظر عن دينه أو مذهبه يجب أن يكون ولاؤه لمصر، وكذلك من يقيم علي أرض السعودية، أو الإمارات، أو الكويت، أو البحرين، أو عمان، أو إيران، أو أي بلد آخر، فمن خرج علي مقتضيات الأمن القومي لبلده يحاسب بتهمة الخيانة الوطنية لا الاعتناق المذهبي، وتكون العلاقة بين الدول في إطارها الرسمي والدبلوماسي، لا أن تعمد كل دولة إلي استقطاب جماعة، أو تيار، أو حزب، أو مجموعة في دولة أخري لمصالحها الخاصة، وإثارة القلاقل في الدولة الأخري. وهنا أوجه سؤالا لمن يعملون جهدهم علي نشر التشيع في المجتمعات السُنيّة الآمنة المستقرة أو حتي التي تسودها بعض الاضطرابات السياسية، هل تسمحون لعلماء أهل السنة بنشر المذهب السني في مجتمعاتكم الشيعية ؟ هل تريدونه صراعًا مذهبيًا أو تعايشا سلميا يحترم كل منا فيه الآخر وفكره ومعتقده؟ ومع كل ذلك يد العرب ستظل ممدودة دائما بالسلام، شريطة الاحترام المتبادل، والمعاملة بالمثل، وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، ويوم أن تسعي إيران لذلك ستجد يد العرب أطول ما يكون بالسلام، مع تأكيدنا ونصيحتنا لإيران بأن مصلحتها الحقيقية في التعايش السلمي مع جيرانها، لا أن تكون أداة في أيدي أعدائهم، أو أن تعمل علي بناء امبراطورية واسعة علي حسابهم، فهذا زمن قد ولّي، ولن يسمح لها به، إذ إن محاولات التوسع ستواجه بمواقف عربية حاسمة، والحرب ليس فيها رابح وخاسر فالكل فيها خاسر سوي أعداء الأمة.