وصل أول وفد سياحي إيراني إلي المواقع السياحية في جنوب مصر, ولم يصل أحد منهم إلي القاهرة حيث المساجد الكبيرة التي بنيت في عهد الدولة الفاطمية وتعد ذات وضع خاص بالنسبة للإيرانيين. ومع ذلك نجد التحذيرات العالية الصوت من التيارات السلفية تحديدا بوجود خطر كبير من وراء هذه السياحة الإيرانية, وأن التشيع قادم لمصر, وأن مواجهته أصبحت معركة كبري. وقبل ذلك كانت هناك تحذيرات من أن إيران تريد فتح سفارة لها في القاهرة فورا, وإزالة كل الضوابط الخاصة بمنح تأشيرات الدخول للإيرانيين الراغبين في زيارة القاهرة, لأنها تخطط لبناء نفوذ مذهبي وسياسي وأمني طويل المدي. وبعض ما أذاعه الكاتب الكويتي عبد الله النفيسي من عرض إيراني قدم للمراجع المصرية الكبري قبل ثلاثة أسابيع من شأنه أن يثير الارتياب الشديد إن كان صحيحا, ولكنه لا يعني أن مصر غير قادرة في مواجهة التحدي. وهو عرض تضمن تزويد مصر ب30 مليار دولار وخبراء إيرانيين لتشغيل المصانع المصرية التي توقفت في العامين الماضيين وخمسة ملايين سائح إيراني سنويا واستضافة20 ألف طالب مصري في إيران سنويا ووضع بعض المساجد في عهدة الإدارة الايرانية. ولا شك أن إيران راغبة بقوة في فك عزلتها الدولية والاقليمية وتسعي منذ عقد علي الأقل لاستعادة كامل العلاقات مع مصر, وهو ما يجب أخذه في الاعتبار من الناحيتين الأمنية والاستراتيجية سواء علي المصالح المصرية أو علي التوازن الاقليمي ككل. ومع ذلك فإن مصر أكبر بكثير من القول بقابليتها للتشيع لمجرد أنها تتعامل مع بلد يدين بمذهب آخر, هي التي لديها علاقات مع مجتمعات عديدة ومتنوعة في عقائدها وسياساتها. إن الحديث عن اختراق شيعي لمصر يستحق منا وقفة تأمل, فهل لهذه الدرجة يعد المصريون مؤهلين للاختراق العقائدي لمجرد أن يأتي عدد من السياح الايرانيين يحملون مذهبا آخر من المذاهب الإسلامية ويمكثون عدة أيام يتجولون هنا وهناك وتحول لغتهم الفارسية دون التحدث بطلاقة مع المصريين, من المؤكد أن المذهب السني في مصر بكل ما فيه من وسطية وحكمة الإيمان قادر علي مواجهة التشوهات التي تصيب المذاهب الأخري, والمؤكد أيضا أن مصر تاريخيا قد أثبتت أنها عصية علي المذهب الشيعي, فبعد مائتي عام من نشأة الدولة الفاطمية في مصر909 هجرية, وبالرغم من كل الجهود التي بذلت خلالها لمحاصرة المذهب السني الذي يدين به المصريون, جاء صلاح الدين الأيوبي وأنهي الأمر ببساطة ولم يجد أي مقاومة من المصريين للدفاع عن المذهب الشيعي الذي ميز الدولة الفاطمية رسميا وحسب. المسألة إذن ليست بالبساطة التي يتم الترويج لها بأن التشيع قادم قادم, وكأن المصريين عاجزون عن صد محاولات الاختراق المذهبية. وإذا كان هناك تحديا يمكن أن نتحسب له, فالأولي علي المؤسسات الدينية في مصر كالأزهر والأوقاف والجمعيات الدعوية أن تزيد من معدل نشاطها الواعي والمنهجي في شرح صحيح الدين وحقيقة المذهب السني وتوضيح أسباب الاختلاف مع المذاهب الأخري وفق رؤية علمية ومنهجية وتاريخية. بعبارة أخري العمل علي زيادة وعي المصريين بمذهبهم الوسطي وشرح الخلافات الرئيسية مع الاثني عشرية التي تدين بها إيران وذلك بعيدا عن المزايدات والمبالغات, والأهم بعيدا عن إثارة الضغينة مع شعب بلد آخر يمثل دولة كبيرة ومهمة في المنطقة ويدين بالإسلام وفق رؤية خاصة به ولا تلزمنا في شيء كما لا تلزمهم رؤيتنا نحن. صحيح نحن أهل المذهب السني نأخذ علي الاثني عشرية تطاولها علي السيدة عائشة رضي الله عنها وعلي الصحابة الأجلاء, ونأخذ عليهم بعض الممارسات التي نراها بعيدة عن صحيح الدين وفق المذاهب السنية. ولكن هذه الاختلافات لا تعالج بالتصريحات الزاعقة ولا بالحملات التي تستهدف حشد الناس للدخول في معارك وهمية لحصد شعبية وقتية. وإذا كان هناك من يري في التحركات الإيرانية أنها تتبع سياسات النفس الطويل وصولا إلي تحقيق أهدافها الكبري, فنحن أيضا نستطيع أن نمارس نفس سياسات النفس الطويل, ولسنا أقل منهم في الدفاع عن معتقداتنا وعن مصالحنا, المهم أن تكون لدينا ثقة في أنفسنا وثقة في إيماننا وفي عقيدتنا, ولنتعامل بعدها مع أي كان إذا كان هذا التعامل سيجلب لنا مصلحة مؤكدة بعيدة عن أي أضرار بأمننا أو تماسكنا المجتمعي. فالتوازن في العلاقة هو الأساس. والحقيقة أن المرحلة السابقة قبل الثورة والتي حرص فيها نظام مبارك علي محاصرة أي علاقات مع إيران وكذلك بذل جهود مكثفة أمنيا بالدرجة الأولي من أجل ضمان عدم انتشار الأفكار الشيعية, فقد كانت تعني أن الدولة هي المسئولة الأولي والأخيرة في هذه المواجهة, وهو ما دفع المؤسسات الأخري إلي التخلي عن مسئوليتها في شرح صحيح الدين وفق المذهب السني لعموم المصريين وبيان الخلاف مع المذاهب الاثني عشرية بطريقة علمية ومنهجية بعيدة عن الشحن والسب واللعن. ومع ذلك فقد تشيع بعض المصريين وتجرأ البعض منهم علي إعلان ذلك. وهناك من طالب بإقامة حسينيات علي النمط الإيراني وهو ما قوبل برفض جازم. الأمر الآن أصبح مختلفا, فالمواجهة الأمنية وحدها لن تفيد رغم أهميتها في الرصد والحصر لأي عمليات تشيع منهجية قد يقدم عليها طرف إيراني غالبا ما سيكون مدعوما بمراجع دينية وليس بأجهزة الدولة الإيرانية نفسها. باختصار المواجهة الآن هي مواجهة فكر بفكر, وعقل بعقل وإيمان بإيمان. رابط دائم :