الولايات المتحدةالأمريكية الآن في موقف أمني عالمي لا تُحسد عليه، فالأمور في المناطق الاستراتيجية تخرج عن سيطرتها، وإن كانت ببطء إلا أنها تنهكها وتستنزفها لدي الولاياتالمتحدة معاهدات دفاع مشتركة مع (32) دولة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك (27) معاهدة في شكل جماعي في إطار حلف شمال الأطلسي ال»ناتو»، بالإضافة إلي المعاهدات الدفاعية الثنائية مع «اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وتايلاند، وأستراليا، وتايوان».. (10) دول من حلف ال»ناتو» كانت ضمن حلف «وارسو» قبل حله، منهم دولتا الاتحاد السوفيتي السابق «لاتفيا وليتوانيا»، فضلاً عن دول «ألبانيا وبلغاريا وألمانيا الشرقية وبولندا والتشيك ورومانيا والمجر». ومنذ ايام قليلة صدر إعلان تاريخي يوضح كيف أن أعداء الأمس يصرون علي أن يبقوا أصدقاء اليوم، وأن المصالح تتصالح.. فنجد ألد أعداء الحرب العالمية الثانية يعودان بتوجيهات جديدة لاتفاقية الدفاع المشترك بتوقيع وزيري الدفاع للبلدين..والتي تستهدف الصينوروسيا وكوريا الشمالية بشكل رئيسي.. ورغم أن توجيهات الدفاع الثنائي لعام 2015 بين أمريكاواليابان تعتبر الثالثة بعد توجيهات سابقتها في علم 1987 وعام 1997 إلا أنها الأقوي والأكثر ردعاً. فتسمح توجيهات الدفاع الثنائية الجديدة للتحالف الأمريكي الياباني بزيادة التعاون الإقليمي والعالمي بينهما، والذي سيظهر في عمليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث، والتعاون المخابراتي الدولي، وعمليات المراقبة والاستطلاع، والدفاع الصاروخي، وفي مجالات جديدة مثل الانترنت والفضاء، والذي يدعم عمليات الإنذار المبكر المشترك ضد تهديدات الفضاء والإنترنت. أما عن القدرة العملياتية الإقليمية، فستمكن توجيهات الدفع الثنائية لعام 2015 اليابان من الدفاع عن السفن الأمريكية التي تشارك في أنشطة الدفاع الصاروخي في المنطقة المحيطة والمجاورة لها.. كما تمكنها من الاستجابة لصد هجمات ضد بلدان مجاورة لها والتي قد تؤثر علي أمنها القومي. كعادة الإدارة الأمريكية أنها تبرر موقفها بهدف مُعلن للعالم، فنجدها هنا تصرح بأن تطوير توجيهات الدفاع الثنائي تهدف إلي القضاء علي القيود الجغرافية التي تحد من قدرات التعاون الأمريكيةاليابانية، في الوقت الذي أري الأمر فيه ليس إلا استكمالا لخطة»نظام الردع الأمريكي في آسيا حتي عام 2025»والتي تستغل الخلاف اليابانيالصيني علي جزر «دياويو» التي أعادتها الولايات المتحد لليابان دون موافقة الصين كهدف غير مُعلن.. وكنت قد قرأت دراسة للباحث الأمريكي «روبرت مينينج» والتي نشرها «مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي» الأمريكي حول خطة الردع هذه. فكما تعمل دول مصر والسعودية والإمارات والكويت بكل قوتها ضد كل من تركيا وإيران وإسرائيل لتقليص نفوذهم ومنع سيطرتهم علي منطقة الشرق الأوسط في إطار نفوذ وسيطرة أمريكية، تسعي روسيا لفرض نفوذها وسيطرتها علي منطقة آسيا والوسطي والباسفيك، وتسعي الصين وكوريا الشمالية إلي فرض نفوذها علي منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي وكلاهما أيضاً ضد النفوذ والسيطرة الأمريكية علي المنطقتين الشرقيتين.. وجميعهم تأثر فيهم الاستقرار الاستراتيجي، ويتزايد هذا التأثير بتزايد الصراعات بتلك المناطق، وبعض هذا التأثير نتيجة للتدخل الأمريكي المباشر، والبعض الآخر نتيجة لتدخل قوي عظمي أخري، وفي كل الحالات يؤثر علي النفوذ الأمريكي بها بما يُعد دافعاً للولايات المتحدة لزيادة إنفاقها العسكري والذي وصل إلي 20 تريليون دولار، خاصةً مع تزايد المخاوف حول مسار ونوايا القوة الصينية والكورية الشمالية والروسية الصاعدة. الولاياتالمتحدةالأمريكية الآن في موقف أمني عالمي لا تُحسد عليه، فالأمور في المناطق الاستراتيجية تخرج عن سيطرتها، وإن كانت ببطء إلا أنها تنهكها وتستنزفها، فهي تحاول بكل قوة أن تستمر أطول فترة ممكنة في مرحلة «الردع» علي كافة الاتجاهات الاستراتيجية الدولية هرباً من يوم تصل فيه لمرحلة «الحرب»، والتي ستكون حربا عالمية شديدة الضراوة نتيجة لأطماعها هي ومثيلتها بحجة حماية مصالحها ودفاعاً عن أمنها القومي، وجهل وعبثية دول أخري أضاعت فرصها في التطور والبقاء. تُصِرْ أمريكا علي السيطرة علي العالم بأكمله، وعلي كل دولة أن تكون شريكا يتعاون معها، أو أداة تستغل مواردها ومقدراتها، أو عدوا تفتك به.. ولذا من المنتظر في المرحلة الحالية أن تبذل الإدارة الأمريكية جهودها سعياً لتسوية الموقف في منطقة الشرق الأوسط لصالحها سواء في سوريا والعراق واليمن استناداً علي قوة إقليمية موالية لها، وبما يُقلص المصالح الروسية والصينية بالمنطقة.. ومن ثم فلابد ألا تتاح للإدارة الأمريكية الظروف لفرض قوة إقليمية بديلة عن مصر لحفظ الاتزان الاستراتيجي السياسي والعسكري للمنطقة، وبشروط مصرية عربية متوازنة تُفرض علي القطبين الغربي والشرقي، أهم اعتباراتها المصالح العربية المشتركة.