ما أسوأ الطريقة التي تعاملنا بها مع كارثة جماهير مباراة الزمالك وانبي التي انتهت في الملعب بالتعادل الايجابي، وانتهت خارجه بموت عشرين شابا في عمر الزهور. الكل مذنب،قبل أن تلعب المباراة أو تقع الكارثة، والكل مذنب بعد المباراة والكارثة. قبل المباراة تسابق الجميع إلي حمل المسئولية والحصول علي شرف السبق في تنظيم أول مباراة محلية بالجماهير منذ كارثة ستاد بورسعيد التي مازالت تمثل كابوسا مزعجا في عقولنا وقلوبنا ونقطة سوداء في تاريخ الكرة المصرية، وبعد المباراة تسابق الجميع إلي التنصل من مسئوليته عن الكارثة وأصبح هم الجميع هو أن يلقي بالللوم علي الأخرين وينفض يديه ويغسلها من دماء الضحايا. كان من المفترض أن تكون المباراة هي البداية لعودة الجماهير إلي الملاعب، لذلك كان يجب أن يكون الكل علي قدر المسئولية، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك. الزمالك وزع تذاكر المباراة علي بعض أعضائه ولم يترك للجماهير الفرصة لحضورها ولم تكن هناك منافذ لبيع التذاكر في موقع المباراة كما كان متبعا لتتمكن الجماهير من شرائها خاصة الجماهير القادمة من خارج القاهرة. أما الجماهير التي هي جزء من حالة الانفلات العام الذي نعيشه فلم تضع موضوع التذاكر في حساباتها علي الاطلاق، وجاءت إلي الملعب متأكدة أنها ببعض الهتافات والشتائم أو الضرب سوف تتمكن من الدخول إلي الملعب رغم أنف الجميع. الملعب جميل لكن بوابة واحدة علي طريق سريع رئيسي هي المنفذ الوحيد لدخوله، وتجمع ألف مشجع أو ألفين كفيل بغلق الطريق وتنظيم دخول المشجعين أمر بالغ الصعوبة، خاصة الجماهير المتحمسة شديدة الحماس. ممر حديدي تحيطه الأسلاك الشائكة هو المسلك الوحيد إلي الملعب حتي يتم تفتيش الجماهير ضمانا لحمايتها.. كل هذا يضع أي مشجع يحمل أو لا يحمل تذكرة عرضة لأخطار شديدة، وللنجاة من هذا الأمر عليك الحضور إلي الملعب قبل المباراة بساعتين علي الأقل. الأمن المدرب علي التعامل مع التظاهرات أصبح لديه احساس بأن كل تجمع هو مظاهرة يجب تفريقها.. أمن المباريات لابد أن يكون مختلفا وأن ينقسم إلي أمن تنظيمي وآخر لمواجهة الشغب وأن يفرق بينهما تماما. الجماهير استثارت رجال الأمن فكان الأسلوب المعتاد لتفريق المتظاهرين، فحدث التدافع بين جماهير عشوائية في ظرف و مكان غير ملائم مع وجود عناصر مثيرة ومهيجة ساهمت في خلق حالة من الهرج والمرج لينتهي المشهد المأساوي بفقدان عشرين أسرة لواحد من أجمل وأطهر شبانها.. رحمهم الله جميعا وألهم أهاليهم الصبر. الألتراس.. هم هؤلاء الشباب الذين كانوا وراء كل التجاوزات التي حدثت بالملاعب المصرية طوال السنوات الماضية، تعاطفنا معهم في بداياتهم في 2007.. وقتها كنت مع مجلس ادارة نادي الزمالك وتواصلنا معهم ودعمناهم لأنهم ببساطة أعادوا الحياة للملاعب وساندوا فريقهم في لحظات انتصاراته ولحظات انكساراته.. النادي بالنسبة لهم هو الوطن وتشجيعه في كل لحظة وكل مكان هو عشقهم الأول والأخير. ولكنني أعترف بأنهم تغيروا كثيرا فيما بعد وأصبحوا يشكلون عبئا ثقيلا علي أنديتهم وعلي الدولة نفسها.. وارتبط وجودهم بالنشاط الزائد عن الحد والخارج أحيانا عن القانون ونقلوا نشاطهم إلي الشارع واتهموا بالارتباط بجماعات غير سلمية.. وظهر هذا واضحا في مواقفهم المتعددة ضد الشرطة المصرية التي تحمي الوطن وتقدم شهداء بالجملة في كل يوم. مازال التحقيق في أسباب الحادث الكارثي يأخذ مجراه من خلال النائب العام.. وهو علي ما يبدو تحقيق موسع لن يستثني أحدا وأتمني أن ينتهي سريعا ليتحدد من المسئول عن الكارثة.. وأن تتم محاسبة المسئول أيا كان. أما عن مسابقة الدوري فيجب أن تستمر بعد أسبوع الحداد، وبالطبع لابد من تأجيل فكرة عودة الجماهير.. والتفكير فورا في انشاء شركة للأمن الرياضي علي أعلي مستوي من الحرفية والتدريب. وسنعود بعد ذلك إلي كابوس الألتراس وكيف نتخلص منه.