عرفته عن قرب حين تدخل بشخصه وهو وزير للثقافة في موضوع يخصني كان سيؤدي بي إلي الاعتقال.. فقد حدث أن كتبت مسرحية بعنوان الآلهة غضبي عام1968 وكنت في بداية حياتي وكانت تعرض في مهرجان المسرح الجامعي. وأوقفت المسرحية وأوقف مدير الرقابة وحولوني والمشرف علي المسرح الي التحقيق وكانت التهمة أن المسرحية تشير بطريق غير مباشر إلي عبدالناصر شخصيا! والمسرحية كانت تتحدث عن حاكم روماني ديكتاتور هو أغسطس قيصر الذي جاء بعد يوليوس قيصر وتسمي شهرا يوليو وأغسطس باسميهما وفي التحقيق سألني المحقق: ماعملك؟ مفصول ماذا كنت تعمل؟ في وزارة الري.. رغم أنني خريج قسم الفلسفة لماذا تركت العمل؟ لأنه لا يناسبني فأنا أعمل في مصلحة الميكانيكا والكهرباء وهو عمل لا أفهمه ولا يفهمني. لكنني سمعت أنك تعمل ترزيا أنا ؟ ترزي؟ نعم.. بدليل أن هذه المسرحية تفصيل علي شخص بعينه قلت له بحدة: من؟ أنت تعرف وكان يقصد شخص عبدالناصر دون أن يجرؤ علي النطق باسمه.. والحقيقة أنني لم أكتبها قاصدا لكنه هو أي المحقق حورها بهذا الشكل.. وأوقفوها.. وأوقفوا مدير الرقابة.. وهرب المشرف الجامعي بجلده وتركني وحدي.. وبدأوا في أخذ الاجراءات لتحويلي الي الوادي الجديد حيث معتقل المثقفين! لكن.. وفي اللحظة الحاسمة تدخل د. ثروت عكاشة بشخصيته وكان يعرفني عن طريق الشاعر الراحل: المستشار أحمد لطفي والذي كان معجبا بأشعاري التي كنت أكتبها.. وهربت لمدة عام.. ثم حصلت بعد ذلك علي منحة تفرغ من وزارة الثقافة. والدكتور ثروت عكاشة رجل فريد له ماض وحاضر ومستقبل فماضيه تشهد عليه تلك النهضة الفنية الحضارية التي أنشأها وأعني بها تلك المعاهد الفنية المتخصصة التي تجمعها اليوم أكاديمية الفنون.. ثم مشروعه الكبير للحفاظ علي آثار النوبة ونقل معبدي أبي سنبل وفيله اللذين كانا سيغرقهما السد العالي.. ولأنه رجل حضارة فقد استمر الرجل في حاضره آخذا علي نفسه مهمة تأليف وترجمة عيون الكتب العالمية بدءا من الاغريق والرومان والفرس آخذا الغرب والشرق متفرغا تماما لمشروعه الكبير الذي ظل يقوم به وحده حتي آخر لحظة في عمره.. أما أنه رجل المستقبل فلأنه فرد لنا كل تلك الحضارة في شكل كتب لكي تقرأها الأجيال القادمة في طبعات هي الجمال بعينه. رحم الله ثروت عكاشة رائد مشروع النهضة الذي لن يتكرر مثله.. والذي سيذكره التاريخ مع الخالدين. [email protected]