تحديثات سعر الفراخ البيضاء والبيض اليوم الجمعة.. "استقرار"    تحديثات قيمة مواد البناء.. بكام سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة؟    المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجمة ميناء حيفا بالطائرات المسيّرة (فيديو)    موعد مباراة فاركو وسموحة بالدوري المصري والقنوات الناقلة    موعد مباراة جنوى وبولونيا في الدوري الإيطالي    العراق: استعلام رابط نتيجة السادس الابتدائي الكرخ 3 الدور الأول 2024    حكم الترجي بالنبي وآل البيت.. الإفتاء توضح    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    أشرف بن شرقي يقترب من العودة إلى الزمالك.. مفاجأة لجماهير الأبيض    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 24 مايو 2024    بعد انكسار الموجة الحارة.. تعرف على حالة الطقس اليوم    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    مصرع شخص فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    هشام ماجد: أرفض المقارنة بين مسلسلي «أشغال شقة» و«اللعبة»    عودة الروح ل«مسار آل البيت»| مشروع تراثي سياحي يضاهي شارع المعز    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 24 مايو في محافظات مصر    فلسطين.. اندلاع اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم بلاطة    ألمانيا تعلن اعتقالها نتنياهو في هذه الحالة    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    أستاذ اقتصاد: التعويم قضى على الطبقة المتوسطة واتمنى ان لا أراه مرة أخرى    الشرطة: نحو 50 محتجا يواصلون الاختباء بجامعة ألمانية    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    عائشة بن أحمد تكشف سر العزوبية: أنا ست جبانة بهرب من الحب.. خايفة اتوجع    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    «حبيبة» و«جنات» ناجيتان من حادث معدية أبو غالب: «2 سواقين زقوا الميكروباص في الميه»    كسر محبس مياه فى منطقة كعابيش بفيصل وانقطاع الخدمة عن بعض المناطق    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    بايدن: لن نرسل قوات أمريكية إلى هايتى    تشييع جثمان شقيق مدحت صالح من مسجد الحصرى بعد صلاة الجمعة    أصداء «رسالة الغفران» في لوحات عصر النهضة| «النعيم والجحيم».. رؤية المبدع المسلم وصلت أوروبا    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    السفير رياض منصور: الموقف المصري مشرف وشجاع.. ويقف مع فلسطين ظالمة ومظلومة    بوتين يصل إلى بيلاروس في زيارة رسمية تستغرق يومين    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    يوم الجمعة، تعرف على أهمية وفضل الجمعة في حياة المسلمين    شعبة الأدوية: التسعيرة الجبرية في مصر تعوق التصدير.. المستورد يلتزم بسعر بلد المنشأ    الصحة العالمية تحذر من حيل شركات التبغ لاستهداف الشباب.. ما القصة؟    بعد تثبيت الفائدة.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 مايو 2024    وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    "قمة اليد والدوري المصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    في إطار تنامي التعاون.. «جاد»: زيادة عدد المنح الروسية لمصر إلى 310    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاهرة الصغيرة
نشر في الأهرام المسائي يوم 22 - 01 - 2011

عيسي شرعت في تنفيذ مهمتي عصر يوم سبت من آخر أسبوع أبريل‏.‏ ركبت الحافلة رقم‏170‏ من شارع ناتزيونالي ونزلت في ساحة ديلا راديو‏,‏ ثم واصلت مشواري إلي غاية شارع أنريكو فيرمي مشيا علي الأقدام‏
وجدت ازدحاما كبيرا‏,‏ طوابير من السيارات لا أول لها ولا آخر‏.‏
الأرصفة غاصة بالمارة من زبائن وفضوليين أمام محلات الملابس‏,‏كأنهم ذباب يحوم علي العسل أو علي القاذورات لما مررت بإحدي الواجهات‏,‏ استوقفتني صورة وجهي المنعكسة علي الزجاج صدمني مشهد الشارب الذي صار يحتل مساحة فوق شفتي العلوية‏.‏
لا أذكر أنني تركت يوما لحيتي وشاربي ينموان كما يحلو لهما‏,‏ وتعودت منذ المراهقة علي قمعهما ونفي وجودهما بموس الحلاقة أما الآن فأنا أشبه شخصا يكبرني بخمس سنوات علي الأقل‏.‏ بهذه المناسبة أيضا حلقت شعري علي الطريقة العسكرية‏,‏ الأكيد أنني سأوفر بعض المال بعد التقليل من الشامبو والاستغناء كليا عن الجال‏!‏ كما أني ارتديت ملابس رثة‏,‏ سروالا وقميصا من إنتاج صيني‏,‏ متخليا عن هندامي الأنيق المعتاد‏.‏
في المحصلة صرت شخصا آخر‏.‏
دسست يدي اليمني في الجيب الداخلي من معطفي‏,‏ فهدأت من روعي‏,‏ كل شئ علي مايرام‏,‏ محفظة الوثائق والنقود في مكانها‏.‏ما المشكلة؟ هل أنا خائف من السرقة مثل سائح غر مبتديء؟ كلام فارغ‏!‏ أريد أن أطمئن علي هويتي الجديدة فقط‏,‏ فدون وثيقة الاقامة أنا مهاجر غير قانوني قد أتعرض للترحيل من هذا البلد الأمين في أي لحظة‏.‏
حفظت عن ظهر قلب جميع المعلومات الإدارية الجديدة من اسم وتاريخ ومكان ميلاد وجنسية‏.‏
ولابد من الوقت للغوص في الشخصية الجديدة في هذه الأثناء‏,‏ يجب أن أتعود علي شاربي الملعون‏.‏
خالجني إحساس بأنني أسكن جسد شخص آخر‏,‏ أشعر أني غريب عن نفسي‏.‏
الحق أنني غريب عن روما‏.‏
هذه المدينة لا أعرفها جيدا‏,‏ زرتها مرات عديدة لكن كنت دائما في عجلة من أمري جئتها لأول مرة تلميذامع رفاق المدرسة تحت حراسة المعلمين والمعلمات المشددة‏.‏
معرفتي بروما سطحية‏,‏ ولكن يحق لي أن أتفاخر بأني رأيت بأم عيني الكولوسيو وفونتانا دي تريفي وساحة نافونا وقبة كنيسة القديس بطرس وحديقة فيلا بورغيزي‏,‏ مثل ملايين من سياح العالم أجمع‏.‏
ينبغي أن أكف عن الشكوي‏,‏ لأن الشعور بالغربة حاليا ليس عائقا بل حافز لأداء الدور‏.‏
ليكن الأمر واضحا‏,‏ لست مكلفا بتمثيل دور في فيلم بل بتنفيذ مهمة خطيرة‏.‏
لا أنوي تقليد جيمس بوند أو الشرطي دوني براسكو الذي اخترق عصابات المافيا في نيويورك‏.‏
لسوء الحظ لاتتوافر لدي المؤهلات الضرورية‏!‏
تجولت قرابة ساعة ونصف مثل شحاذ متسكع لا وجهة له أو هدف قطعت المسافة بين ساحة ديلا راديو وجسر ماركوني ذهابا وإيابا‏.‏
أردت أن أستأنس بالحي فورا‏.‏
أمعنت في تأمل واجهة العمارات‏,‏ فلاحظت تنوعا كبيرا كالتنوع في الوجوه التي تمر أمامي‏.‏
أشكال ادمية من كل الأنواع والأجناس‏:‏ شباب أفارقة وأسيويون يبيعون سلعا مقلدة علي قارعة الطريق‏,‏ أطفال عرب يتجولون مع أبائهم وأمهاتهم المتحجبات‏,‏ غجريات في ملابسهن الطويلة المتنافرة الألوان يطلبن صدقة المحسنين‏.‏
ها أنا في إيطاليا المستقبل التي يبشر بها أو يحذر منها علماء الاجتماع‏.‏
في مثل هذه الظروف‏,‏ كنت أشبه بحيوان يبحث عن مأوي‏.‏
ينبغي الحصول علي مكان بأي ثمن‏.‏
لست جشعا ما أريده هو الظفر بركن صغير تحت شمس حي ماركوني‏.‏ هل أطلب الكثير؟ لا أعتقد‏!‏ قررت الهجوم كنمرة تريد اطعام صغارها الجائعين‏.‏ مرحلة تسخين العضلات دامت أكثر من اللازم والمباراة قد بدأت فعلا‏.‏
لا أستطيع تضييع الوقت مثل الأوانس والسيدات خلال مشاوير التسوق‏!‏ انطلقت كالسهم من ساحة فيرمي وعبرت شارع جريمالدي حتي وصلت إلي وجهتي النهائية‏.‏ وقفت عند عتبة محل الاتصالات الهاتفية وألقيت نظرة خاطفة علي اللافتة المعلقة المكتوب عليها‏:LittleCairo‏ أي القاهرة الصغيرة‏.‏
أخذت نفسا طويلا ودخلت بخطي واثقة‏,‏ مطلقا رصاصاتي الأولي‏,‏ أقصد كلماتي الأولي بالعربية في ذلك اليوم‏.‏
‏(‏السلام عليكم‏)‏
‏(‏وعليكم السلام‏)‏
رد علي شخص كنت قد رأيته في الصور الملتقطة له في مكة‏:‏ حنفي وهو صاحب المحل‏,‏ فقد يكون هو قائد الخلية الإرهابية الأولي إنه في الخمسين من عمره ضخم البدن‏,‏ عريض الكتفين‏,‏ قصير القامة‏.,‏ كان يرتدي قميصا أسود في غاية الأناقة‏,‏ لو أضاف إليه بدلة وقبعة ونظارة سوداء لكان نسخة عن الممثل الأمريكي الرائع جون بلوتشي في فيلم ذي بلوز براذرز إنه من طينة التجار الأصلاء الذين يستقبلون الزبائن بابتسامة طويلة وعريضة لكسب ثقتهم‏.‏
فالزبون في نهاية المطاف طفل يحتاج الي فيض من الحنان والاطمئنان‏.‏
في الزاوية اليسري تحت السقف ثبت بإحكام تلفاز يتدلي كعرجون التمر‏.‏
حان موعد النشرة الإخبارية علي قناة الجزيرة‏.‏
أربعة شبان عرب يحدقون في التلفاز للاستماع الي العناوين‏,‏لا يقبلون إزعاجا تحت أي ذريعة‏.‏
لايستبعد أن يطل أسامة بن لادن بالصوت والصورة ليوجه تهديدات جديدة‏.‏
طلبت الإذن من حنفي لإجراء مكالمة إلي تونس‏,‏فرد علي بالموافقة مطأطئا رأسه وأومأ لي بسبابته اليمني لاختيار إحدي الغرف الهاتفية دون أن ينبس بكلمة لتركيزه هو الآخر علي أخبار الجزيرة‏.‏اخترت دون تردد رقم ثلاثة لأنه رقمي المحظوظ‏.‏
كان النقيب جودا‏(‏ سأتحدث عنه فيما بعد‏)‏ قد أعطاني أربعة أرقام هاتفية تونسية لاستخدامها حتي لا أثير الشبهات‏.‏
مع من سأتحدث؟ ماذا سأقول؟ لاجواب لي لغز‏!‏ أشعر كأني ممثل يقف علي خشبة المسرح أمام الجمهور دون الاعتماد علي نص مكتوب علي أن أرتجل‏,‏ ما لي خيار آخر‏.‏
اتصلت بالرقم الأول‏,‏ فوجدته مفتوحا انتظرت بضع ثوان‏,‏ فبلغ مسمعي صوت أنثوي يستفسر عمن أكون‏.‏
ترددت قبل أن أجيب‏:(‏ أنا عيسي‏)‏ فجاءني الرد سريعا‏:(‏ ولدي ياكبدي‏)‏ المفاجأة رقم واحد‏:‏
لدي أم ثانية حنون وتتحدث اللهجة التونسية مثلي تماما‏!‏
دامت المكالمة عشر دقائق تقريبا‏.‏
تحدثنا عن مواضيع شتي كالمشاكل الصحية للجد والجدة وتجارة الوالد وآخر أخبار الإخوة والأخوات وأحوال الطقس المفاجأة رقم اثنين‏:‏ لدي عائلة كبيرة‏,‏ جدي وجدتي لايزالان علي قيد الحياة‏!‏ كان ختام المحادثة مؤثرا‏,‏ إذ جاء محملا بتوصيات أم عطوف لابنها المهاجر رد بالك من البرد وماتنساش العربي وماتثيقش في النسا خلاص والقاورات بالخصوص‏,‏ ابعد علي الشراب والديون‏,‏ ماتقربش أولاد الحرام الخمج
أعدت السماعة إلي موضعها وذهبت لتسديد ثمن المكالمة انتظرت قليلا لأن حنفي مشغول بزبونين يريدان بطاقتين لشحن الهاتف الجوال‏.‏عندما حل دوري أخرجت من جيبي محفظة النقود وقدمت له ورقة نقدية بعشرة يورو‏.‏
قلت له إني أجريت اتصالا بتونس‏,‏ أريد أن يعرف الداني والقاصي أنني تونسي‏,‏ لكنه لم يكترث بتاتا‏.‏
التفت نحو الكمبيوتر علي يساره ليحدد مبلغ المكالمة‏,‏ أخذ ثلاثة يورو وأعاد لي الباقي ولسان حاله يقول‏:‏متشكرين ومع السلامة لا‏,‏ أنا آسف‏,‏ هذا أمر لا أقبله‏.‏ يا سيدي المحترم‏,‏ لا أطلب منك أن تستضيفني في بيتك أو تدعوني إلي كأس شاي بالنعناع في المقهي‏.‏ إني أطلب مجرد فرصة لأعرفك بنفسي‏.‏
ألست زبونا جديدا؟ ألا أستحق القليل من الاحترام؟‏!‏ أنت تاجر وبالتالي تعرف أن الزبون ملك في كل زمان ومكان بدلا من مغادرة المكان خائبا مهزوما‏,‏ التزمت موقعي كمسمار ثابت لا يتزعزع انتبه حنفي الي إصراري علي البقاء‏,‏ فقال لي‏:‏
عايز حاجة تاني يا أخينا؟
أينعم‏.‏
اللعنة علي كلمة نعم‏!‏ لا أعرف ماذا أقول له‏!‏ ينبغي أن أجد مخرجا بسرعة‏.‏ لم أرغب في أن أكون سببا في فشل المهمة السرية‏.‏
لقد نبهني النقيب جودا مرارا إلي ضيق الوقت لحسن الحظ عثرت علي مخرج بقدرة قادر‏.‏
ممكن تعمل لي زوز نسخ من وثيقة الإقامة من فضلك؟‏.‏
علي عيني وراسي مافيش مشكلة
تجاوزت العائق بسلام‏,‏ يمكنني مواصلة المشوار‏.‏ ألقي حنفي نظرة مطولة علي محتوي الوثيقة بلا حرج ألم يسمع عن ذلك القانون اللعين حول حماية حرمة الخصوصية؟‏!‏ إنه أشبه بشرطي حدود‏.‏ لقد جمعتني مساويء الصدف بأصناف وأشكال مختلفة من أعوان الشرطة في
المطارات التي مرت بها‏,‏ انتهزت هذه الفرصة للقيام بالخطوة الأولي‏,‏ فبادرته قائلا‏:‏
ماتقولليش انها مدلسة‏!.‏
لا‏,‏ ما ظنش‏,‏ كنت بس بشوف العنوان‏,‏ انت ساكن في باليرمو مش كدا؟‏.‏
اينعم‏,‏ ما عنديش برشا مللي جيت لروما‏.‏
هو أنت هربت من صقلية بسبب المافيا ولا إيه؟‏.‏
عندك الحق‏,‏ صحيح اللي أنا هربت لكن من البطالة‏,‏ ان اتوا قاعد نلوج علي سرير نرقد عليه وخدمة حلال نعيش منها‏.‏
ربنا معاك‏.‏
أمين‏..‏
أنا أسمي حنفي‏,‏ صاحب المحل‏.‏
نتشرفو يامعلم حنفي‏,‏ انا اسمي عيسي‏.‏
عاشت الأسامي ياعيسي خلينا نشوفك ياباشا إن شاء الله‏.‏
إن شاء الله يا معلم حنفي ستري خلقتي البديعة كل يوم‏!‏ هذا عهد اقطعه علي نفسي‏,‏ بعد هذا التعارف‏,‏ شعرت ببعض الطمأنينة‏,‏ فقد حققت الانجاز الأول لظهوري علي الملأ في القاهرة الصغيرة طبعا‏,‏ ليس امرا خارقا للعادة كظهور مريم العذراء أمام الأطفال الرعاة الثلاثة في جوار مدينة فاطمة البرتغالية عام‏1917,‏ ينبغي التزام الحذر والتواضع‏,‏ ما يهم هو تجنب الأخطاء‏,‏ إلا أن كلمات حنفي حول المافيا ظلت تصول وتجول في ذهني ورحت اتساءل‏:‏ هل سنتمكن نحن الصقليين من التخلص من عبء المافيا الثقيل اللعين يوما ما؟ لست متفائلا علي الإطلاق‏.‏
احسنت صنعا عندما تجنبت إطالة الحديث مع حنفي‏,‏ فقد أوصاني النقيب جودا بالحاح عدم التسرع في كسب ود الآخرين‏,‏ ينبغي التأني حتي لا أثير الشبهات والشكوك‏,‏ أخطر ما يواجهني في هذه المرحلة هوالوقوع في فخ النفور‏,‏ وهذا من شأنه ان يؤثر سلبا علي مجريات العملية‏,‏ يجب أن اتذكر دائما انني تونسي وأن هذه المنطقة تقطنها اكثرية مصرية‏.‏
الكثير من الايطاليين والغربيين لا يعرفون ان ثمة مشاحنات بين العرب انفسهم‏,‏ مثلا هناك مشاكل بين السوريين واللبنانيين‏,‏ بين الجزائريين والمغاربة‏,‏ بين الليبيين والتونسيين‏,‏ بين العراقيين والكويتيين بين السعوديين واليمنيين الخ لهذا السبب لم يتمكنوا من تحقيق الوحدة‏,‏ رغم القواسم المشتركة من تاريخ وجغرافيا ولغة ودين وبترول‏,‏ إن انموذج الوحدة الأوروبية بعيد المنال‏.‏
غادرت القاهرة الصغيرة وقصدت موقف الحافلات في شارع ماركوني‏,‏ وصلت في الوقت المناسب‏,‏ فركبت الحافلة رقم‏170‏ باتجاه شارع ناتزيونالي‏,‏ جلست علي مقعد قرب النافذة‏.‏
رحت أفكر في مهمتي السرية‏:‏ هل اتخذت القرار الصائب عندما قبلت المشاركة فيها؟ الا يزال في وسعي الانسحاب؟ هل سأكون في المستوي المطلوب؟ انا قلق ومشتت الذهن‏.‏
تجتاحني أفكار وذكريات كرياح عاتية دون سابق انذار‏,‏ احاول التركيز لا أعرف لماذا تطفو علي سطح الذاكرة صورة جدي ليوناردو كنا متحابين جدا‏,‏ عندما كنت صغيرا‏,‏ كنا نجلس قبالة البحر في مزارا ديل فالو في صقلية وكنت أستمع اليه ساعات دون ملل‏.‏
كانت في جعبة جدي قصص كثيرة قد تملأ كتبا كثيرة‏,‏ فقد ولد في تونس في كنف أسرة مهاجرة تنحدر من مدينة ترابني في صقلية‏,‏ عاد إلي ايطاليا في سن المراهقة‏,‏ كان في سنوانه الأخيرة يرغب في رؤية مسقط رأسه‏,‏ للأسف‏,‏ كان يعاني من مرض القلب‏,‏ لم يكن ليتحمل الانفعالات القوية‏,‏ الأكيد انه كان يريد ان يدفن إلي جوار والدته في تونس‏,‏ كان جدي رائعا‏,‏ لم تكن قصصه حزينة‏,‏ فهي بعيدة كل البعد عن شبح الحنين او الوحش القبيح كما كان يسميه‏.‏
أذكر انه بكي مرة واحدة فقط لما استحضر ذكري والدته التي ماتت وهو لا يزال طفلا صغيرا‏,‏هو من علمني الكلمات العربية التونسية الأولي‏:‏ أش أسمك‏,‏ شنيا احوالك‏,‏ وين ماشي يزي عاد‏,‏ نحبك برشا‏.‏
نشأت في مزارا ديل فالو مع الكثير من الاتراب العرب‏,‏ من ابناء الصيادين التونسيين‏,‏ كنت أقضي معهم وقتا طويلا في اللعب والتشاجر والتصالح حتي صرت اعد واحدا منهم لانني كنت أتكلم العربية التونسية بطلاقة‏.‏
زرت تونس أول مرة مع والدي في سن الثالثة عشرة ابحرنا في سفينة في الصباح ووصلنا إلي مرفأ تونس في المساء‏,‏ مكثنا أسبوعين وشاهدت بعيني الأرض التي ولد فيها جدي كانت رحلة رائعة لا تنسي‏,‏ عدت لاحقا إلي تونس عدة مرات‏.‏
بعد الثانوية‏,‏ لم يفاجأ أحد من الأهل والاصدقاء باختياري كلية اللغات الشرقية‏,‏ فقد درست العربية الفصحي في المدرسة الابتدائية قي مزارا ديل فالو حيث أدرجت العربية في المناهج الدراسية منذ عقود‏,‏ وتولدت لدي رغبة شديدة في اتقان العربية‏,‏ فدخلت الجامعة في باليرمو بعزم وحماس‏,‏ كنت مولعا بالنحو الذي كان يدوخ الطلبة والاساتذة علي حد سواء‏,‏ كنت من المتفوقين‏,‏ مما جعل البعض يشكك في ان لغتي الأم هي الإيطالية‏.‏
خصصت اطروحة التخرج في الجامعة لعلاقة الزعيم الوطني الإيطالي جوزبي جاريبالدي بتونس‏,‏ لم يكن امرا يسيرا القيام بهذا البحث‏,‏ لا أعرف لماذا احب الأمور المعقدة‏!‏ قضي جاريبالدي سنة كاملة في العاصمة التونسية تحت اسم مستعار هو جوزبي باني‏,‏ اثر هروبه من ايطاليا بسبب حكم الاعدام الصادر في حقه عام‏1834‏ بتهمة المشاركة في عملية لقلب نظام الحكم‏,‏ بعد الإقامة التونسية‏,‏ واصل جاريبالدي مغامرته الثورية في البرازيل حيث ساند الحركات التحررية ضد المستعمرين البرتغال والإسبان‏,‏ في عام‏1859‏ عاد إلي تونس‏,‏ لكن الباي لم يسمح له بالنزول من السفينة تلبية لضغوط القنصل الفرنسي‏,‏ لايزال اسم جاربيالدي يثير ردود أفعال عديدة‏:‏ فهو في رأي المعجبين بطل ثوري‏,‏ اما عند الناقمين فانه قاطع طرق وارهابي خطير‏.‏
بعد حصولي علي شهادة التخرج‏,‏ كنت أزور تونس باستمرار لقد اسعفني الحظ بزيارة بلدان عربية اخري مثل الجزائر والمغرب واليمن والأردن ومصر ولبنان وسوريا‏,‏ في كل مرة كانوا يحسبونني تونسيا‏!‏ كنت أعتبر ذلك مجاملة كبيرة‏,‏ كنت أرغب في مواصلة مشواري الجامعي‏,‏ لكني لا أحسن اداء دور الخادم الذليل الذي يسهر علي تنفيذ اوامر اسياده الاساتذة‏.‏
شاركت في العديد من مسابقات الدكتوراه‏,‏ غير أنهم اوصدوا كل الأبواب في وجهي‏,‏ فهمت ان الجامعة اشبة بنظام المافيا‏,‏ فاكتفيت بعمل متواضع كمترجم من العربية في محكمة باليرمو المنحرفون العرب ومعظمهم من المغرب العربي يملأون السجون الإيطالية‏,‏ لسوء الحظ‏,‏ أم أقول من حسن الحظ‏,‏ فأنا كثير العمل‏,‏ ثم جاء النقيب جودا ليقلب حياتي رأسا علي عقب‏.‏
بدأ كل شيء قبل بضعة أسابيع‏.‏
كنت أهم بمغادرة قاعة المحكمة لتناول الغداء‏,‏ عندما اقترب مني شخص في نحو الأربعين من عمره‏,‏ طويل القامة ونحيف الجسم‏,‏ كان يرتدي بدلة رمادية‏,‏ حسبته قاض جديد أو محام جاء يترافع في قضية ثم يعود من حيث أتي‏,‏ قال بنبرة جادة‏:‏ السيد كريستيان مزاري؟‏.‏
نعم‏.‏
أنا النقيب ساندري من الاستخبارات اريد ان اتحدث معك‏.‏
لم تخفني كلمة استخبارات‏,‏ فقد تعاونت مع قسم مكافحة الارهاب التابع للشرطة في ترجمة نصوص لمكالمات هاتفية ومنشورات تحريضية مكتوبة بالعربية خلال السنوات الماضية‏,‏ فالأمر لا يختلف كثيرا‏,‏ صاحبته إلي خارج المحكمة وجلسنا في المقاعد الخلفية من سيارة كانت في انتظارنا انطلق السائق باتجاه البحر‏,‏ تجنب نقيب المخابرات اللف والدوران‏,‏ مستغنيا عن مقدمات لا جدوي منها الا تضييع الوقت وحرق الأعصاب‏,‏ بدأ بجملة لاتحتمل التباسا‏:‏
نحتاج إلي خدماتك ياسيد مزاري‏.‏
أخرج ورقة من ملف وطلب مني قراءتها بتمعن‏,‏ كانت نسخة عن وثيقة تحمل اختاما رسمية‏,‏ تتخللها كلمات وجمل محذوفة‏,‏ اما الخط فيدل علي أنها رقنت علي الآلة الكاتبة‏.‏
الموضوع‏:‏ عملية القاهرة الصغيرة
‏LITTLECAIRO‏
تلقت اجهزتنا الاستخبارية معلومة من مصدر موثوق ومؤكدة من طرف زملائنا الأمريكيين والمصريين‏,‏ مفادها أن خليتين إرهابيتين إسلاميتين متعاونتين تستعدان لتنفيذ عملية إرهابية كبيرة‏.‏ تمكنا لحد الآن من تحديد هوية أعضاء الخلية الأولي‏.‏
يرتاد المعنيون محل الاتصالات الهاتفية المدعو القاهرة الصغيرة‏LittleCairo‏ والواقع في منطقة ماركوني بروما ويقصده مهاجرون‏,‏ خصوصا من المسلمين‏.‏ ويديره المواطن الأجنبي والحامل للجنسية المصرية‏.‏
هذه المعلومة المهمة تؤكد أطروحة الخبراء الذين نبهوا إلي أن تنظيم القاعدة قد تبني استراتيجية جديدة مقارنة بما سبق‏.‏ وتتمثل في عدم ارسال ارهابيين إلي الدول الغربية‏,‏ وإنما استخدام المهاجرين المسلمين المقيمين في بلادنا للقيام بعمليات إرهابية‏.‏
إن تفجيرات‏11‏ مارس‏2003‏ الدموية في مدريد تندرج في إطار هذا المخطط الإرهابي الجديد‏,‏ إذ كان الارهابي جمال زوغام وشركاؤه مهاجرين مغاربة مندمجين في المجتمع الاسباني‏.‏
ينبغي الاعتماد علي جميع الوسائل الممكنة للدفاع عن أنفسنا من هؤلاء الارهابيين الذين يعيشون بيننا‏.‏ ليست لدينا معطيات كافية لتقييم بنية وطريقة تفكير هذه المجموعة الارهابية‏.‏
هناك اسئلة كثيرة تنتظر أجوبة‏.‏ مثلا هل هاتان الخليتان الارهابيتان مستقلتان أم تنتميان إلي إحدي المنظمات الارهابية كالقاعدة؟ ما هي الأهداف الحساسة المختارة لضرب روما بوصفها عاصمة الدولة الايطالية ومركز الفاتيكان؟
مع ذلك‏,‏ نعرف منذ مدة أن ثمة أهدافا في أجندة الارهابيين وهي الكولوسيو والحي اليهودي بروما وكنيسة القديس بطرس ومحطة ترميني والمترو وسفارة الولايات المتحدة في شارع فينيتو‏.‏
من المحتمل أن تكون مهمة الخلية الأولي تقديم الدعم اللوجستي للخلية الثانية‏.‏ نتوقع وجود انتحاريين لإحداث أكبر عدد من الضحايا‏.‏ لذلك ينبغي وضع خطة طواريء كفيلة بإسعاف آلاف الضحايا وتحضير الرأي العام لأسوأ الاحتمالات‏.‏
إننا نعمل جاهدين حاليا لكشف أعضاء الخلية الثانية‏.‏ من أجل كسب الوقت وإنجاح عملية القاهرة الصغيرة‏LittleCairo,‏ قررنا زيارة روما‏,21‏ أبريل‏2005‏ لم أكن بحاجة إلي تفاصيل أخري‏,‏ فنقيب الاستخبارات كان في جعبته جواب لكل سؤال قد يخطر علي بالي‏.‏ بعد دقائق قليلة‏,‏ أدركت المراد من مهمتي السرية‏:‏ اختراق الجالية العربية المسلمة في روما والتجسس عليها‏.‏ الغاية هي منع حدوث عمليات ارهابية فتاكة وإنقاذ حياة الكثير من الأبرياء‏.‏ أكد لي أن حياتي لن تكون في خطر لأن العملية ستدور رحاها علي أرضنا وليس في ملعب العدو‏.‏ قال لي مطمئنا‏:‏ لا تخف يا سيد مزاري‏,‏ سنكون دائما بجانبك‏.‏ في نهاية المطاف منحني مهلة للتفكير ولإبلاغه قراري النهائي‏.‏ عندما ودعني‏,‏ شد علي يدي بقوة قائلا‏:‏ لا تنس يا سيد مزاري‏,‏ وطنك إيطاليا في حاجة إليك‏.‏ نحن في حرب‏.‏ الوطن والحرب كلمتان خطيرتان‏.‏ ما العمل؟ هل يجب علي تقمص دور منقذ الوطن؟ هل أصير جاريبالدي جديدا؟ الحق يقال‏,‏ إن كلمة الوطن لا تستثير في أي مشاعر إلا عندما أسمع النشيد الوطني قبيل بداية مباراة للمنتخب الايطالي‏!‏ لا أقدر علي استيعاب فكرة الوطن بعيدا عن ملاعب كرة القدم‏.‏ لا أنكر أن هذا الموقف في غاية السذاجة والسطحية‏,‏ لكنه الحقيقة‏.‏
ليست قضية فردية‏,‏ وإنما جماعية‏.‏ قد يتعلق الأمر بمخيلتنا‏,‏ إذ أصبح من الصعب الجمع كلمتي وطن وحرب دون أن يستدعي ذكرهما معا شبح زعيم الفاشية بينيتو موسوليني الذي قاد البلد إلي الدكتاترية والدمار‏.‏
صوفيا
صوفيا‏!‏ ينادونني صوفيا‏,‏ لكن اسمي الحقيقي هو صفية‏.‏ هل هو اسم علي مسمي؟ لا أدري‏,‏ لكن لم أعثر بعد عن مكامن الصفاء في شخصيتي‏.‏ عجبا لهذه الأسماء التي كثيرا ما ترغمنا علي منافقة الذات والاخرين‏.‏
أول ما يري المولود النور‏,‏ يجد اسما ينتظره ويقول له‏:‏ أهلا‏,‏ هل تراني؟ أنا اسمك‏!‏ تشرفت بمعرفتك‏!.‏ فلنفترض الآن أن الاسم المختار هو كريم أو جميل للذكر وكريمة أو جميلة للأنثي‏.‏ في البداية‏,‏ تسير الأمور كما تشتهي الأنفس‏,‏ لكن عندما يكبر صاحب الاسم‏,‏ يكتشف ان اسمه لا يتطابق مع طبعه أو مع شكله لأنه ليس كريما ولا جميلا‏.‏ هذه مشكلة عويصة‏,‏ لا يمكن للمرء أن يكون كريما وبخيلا‏,‏ جميلا وقبيحا في نفس الوقت‏.‏ لذا يصير الاسم عيئا ثقيلا ينهك عاتقنا وسيفا مسلطا علي رقابنا‏.‏
لا يوجد شخص في العالم يختار اسمه‏.‏ اعترف أن هذا الأمر ليس بحجم مآس مهولة كموت الأطفال جوعا واغتصاب النساء في الحروب‏.‏ ما أعنيه هو أن الاسم مسألة أساسية لجميع المهاجرين‏.‏ أول سؤال يطرح علي المهاجر هو ما اسمك؟ إذا كان الاسم أجنبيا‏,‏ فإن حاجزا أوتوماتيكيا سيحدد الفاصل بين نحن و هم‏.‏ إن الاسم يحدد موقعنا في المجتمع‏.‏ إذا كان اسمك محمد مثلا‏,‏ فهذا يعني قطعا انك لست مسيحيا أو يهوديا‏,‏ وإنما مسلما‏.‏ ومن المحتمل ألا تكون إيطاليا لأن والديك ليسا إيطاليين‏.‏ ليس مهما أن تكون مولودا في إيطاليا‏,‏ أو تكون إيطالي الجنسية‏,‏ أو تجيد اللغة الإيطالية‏,‏ أو‏...‏ ياعزيزي محمد‏,‏ في عيون الآخرين لن تكون إيطاليا مائة في المائة أبدا‏.‏ إذن فالاسم هو العلامة الأولي علي هويتنا‏.‏
علي كل حال‏,‏ هناك من الماكرين من يبتدع اسما مستعارا‏.‏ المشكلة معقدة لا تحل هكذا‏.‏ انه كمن يضع قناعا لإخفاء وجهه‏.‏ الكذب علي الذات وعلي الغير لا يدوم‏,‏ والحقيقة ستطفو علي السطح مهما طال الزمن‏.‏ إذا أردت يا محمد اسما مستعارا‏,‏ فتذكر أنه سيأتي يوم تذهب فيه إلي مصالح البلدية لاستخراج وثائق شخصية‏.‏ ومن ستجد في انتظارك يا تري؟ الاسم الأصلي‏.‏ لا تقل انها مصادفة ليس إلا‏.‏ هذا الحادث يكفي لينغص عليك بقية اليوم‏.‏ من يرغب في اسم مستعار أقول له بلا تهكم‏:‏ تفضل‏!‏ اختر من الاسماء ما شئت‏.‏
أظن أن علي الوالدين عدم التسرع في تسمية أولادهم اعتباطا‏.‏ يجب أن ينتظروا قليلا حتي يتحققوا من طبع الأبناء وشكلهم الخارجي وما إلي ذلك‏.‏ فالأسماء الخاطئة العشوائية تكلف غاليا لأنها تتسبب في نشوء العقد النفسية‏.‏ قل لي ما اسمك‏,‏ سأقول لك من أنت‏!‏ واضح؟
في غالب الأحيان يستر الاسم احباطات الآباء والأمهات‏.‏ لكل اسم قصة‏.‏ فلنأخذ علي سبيل المثال لا الحصر اسمي أي صفية‏.‏ اختاره أبي دون أن يستشير أحدا‏.‏ ما أتعسه‏,‏ كان ينتظر
ذكرا وبحوزته اسم هو سعد‏.‏قبل ميلادي‏,‏ كانت أمي قد أنجبت مولودتين‏,‏ لذلك كانت العائلة تنتظر بفارغ الصبر قدوم الذكر‏.‏ للأسف الشديد‏,‏ ليس كل مايتمناه المرء يدركه‏.‏
سعد اسم محبوب جدا في مصر‏,‏ وينسب إلي البطل القومي سعد زغلول‏.‏
إنه مثل جورج واشنطن عند الأمريكيين أو جوزيبي جاريبالدي عند الإيطاليين‏.‏
لما حملتني أمي في بطنها‏,‏ كان أبي يفكر بهوس في الوريث الشرعي أي سعد الصغير‏.‏
وجاء مولدي ليفاجيء الكثيرين‏,‏ لا سيما أبي‏.‏
شعرت بالذنب أول مافتحت عيني‏,‏ فقررت أن أهدي بكائي الأول لأبوي إشفاقا علي حالهما‏.‏ هذا ظلم‏!‏ ثلاث إناث الواحدة تلو الأخري‏,‏ بلا أي هدنة‏!‏ ظلم‏!‏ كنا في وضعية لا نحسد عليها‏.‏
كان لقب العائلة مهددا بالانقراض كبعض السلالات من الطيور النادرة‏.‏ وكنت سبب هذه المشكلة رغم حداثة سني‏(‏ دقائق معدودات لا أكثر‏)‏ لم أكن أرغب في أن أكون ناكرة للجميل‏,‏ فقد أطلقت العنان لضحكة أطربت الحاضرين حتي أؤكد علي عرفاني‏(‏ لله أولا‏)‏ أنني لم أولد في عصر الجاهلية‏.‏
لا أريد أن أفكر في عادة الوأد عن العرب‏!‏
لم يرغب أبي الاستسلام للأمر الواقع وخيانة مثاله السياسي الأعلي‏.‏ فقد أخبر الحاضرين بنبرة فيها الكثير من العزة والتحدي‏:‏هيكون اسم البنت علي بركة الله صفية زي مرات زعيمنا سعد زغلول يا له من عزاء جميل‏!‏ طبعا لم يكن بوسعي الرفض رغم شعوري بثقل المسئولية‏.‏
كانت صفية زغلول تلقب ب أم المصريين وكانت ناشطة في الأعمال الخيرية ذات النزعة الإصلاحية كتعليم البنات‏.‏
ويذكر اسمها في كتب التاريخ لسبب في منتهي الأهمية‏:‏ أول امرأة خلعت الحجاب علي الملأ‏.‏ كما أنها شاركت في ثورة‏1919‏ ضد الاحتلال الإنجليزي‏.‏
غالبا مايذكر اسم صفية زغلول لدورها الكبير في حياة زوجها وللبرهنة علي صحة المقولة المشهورة‏:‏وراء كل رجل عظيم امرأة هذا القول المأثور لايخلو من الالتباس ويحتمل تفاسير مختلفة لم أفهم قط المغزي الحقيقي من كلمة امرأة‏:‏ هل تحيل إلي الأم أم الزوجة أم الابنة أمن الجدة أن الحفيدة أن العشيقة؟ ثم إن المرأة التي تختبيء وراء الرجل تثير في نفسي بعض الشك فقد يسأل‏:‏ لماذا لاتتقدم هي إلي الأمام؟ ماهو هدف مؤامرتها؟ هل تريد أن تطعن الرجل المسكين في الظهر؟ هل هي جبانة أم خجولة؟
هذه هي قصة اسمي الحقيقي صفية باختصار شديد‏.‏
لكن منذ قدومي إلي روما‏,‏ صار لدي اسم آخر هو صوفيا‏.‏فليكن الأمر واضحا‏,‏ ليس اسما مستعارا‏,‏ زي أنني لم أسع إليه‏,‏ وإنما أتيته هدية ألا يقال أن الهدية لاترد؟ لماذا ينادونني صوفيا؟ السبب غامض لعل هناك فرضيتين الأولي أن الناس يخلطون بسهولة وعن غير قصد بين صفية وصوفيا‏.‏
‏(‏أهلا ما اسمك؟‏)‏
صفية
صوفيا‏!‏ يا له من اسم جميل‏!‏
لا أحب أداء دور المعلمة التي توبخ تلاميذها‏:‏ الاسم هو صفية وليس صوفيا‏!‏ لا داعي للشعور بالإهانة ولاختلاق مشكلة من العدم‏.‏ انما الفرضية الثانية فهي أن أغلب معارفي الإيطاليين أجمعوا علي أنني أشبه ممثلة أيطالية مشهورة‏,‏ خصوصا إذا نزعت الحجاب‏.‏
‏(‏أهلا ما اسمك؟
صفية
صوفيا‏!‏ ياله من اسم رائع‏!‏
هل تعرفين من تشبهين؟‏.‏
‏(‏من‏).‏
صوفيا لورين‏.‏
في الحقيقة صوفيا اسم يعجبني كثيرا‏,‏ وصوفيا لورين امرأة رائة الجمال‏,‏ قصتها مدهشة فقد صارت نجمة ساطعة في سماء السينما العالمية‏,‏ بعد أن عانت من فقر مدقع‏.,‏هناك دائا ألسنة السوء من الحساد والأوغاد مستعدة لبث سمومها في كل مكان يقولون مثلا إنها تزوجت منتجا سينمائيا كبيرا حتي يساعدها في مشوارها الفني الحقيقة أن صوفيا لورين موهوبة ومؤمنة بالحلم‏,‏ مثلي تماما ماطعم الحياة بلا أحلام؟ لاشيء من له حلم ويسعي إلي تحقيقه‏,‏ أدرك سر الحياة هناك من الناس من يعتبر الحياة ليس هبة من الله‏,‏ بل عقاب‏.‏ يا للخسارة‏!‏ فالحياة رغم كل شيء جميلة‏!‏
لا أذكر السنة بالتحديد‏,‏ لكن لم يكن عمري قد تجاوز اثنتي عشرة سنة‏.‏ كنا وقتها نقيم في السيدة زينب وفي عصر أحد أيام الصيف‏,‏ جاءت لزيارتي فاتن صديقتي الحميمة وابنة خالي وعلامات الاضطراب بادية علي وجهها كانت تخفي شيئا مهما تحت قميصها كأنها سرقت ثيابا داخلية وخرجت لتوها من السوبرماركت قالت لي‏:‏ اقفلي الباب حالا‏,‏ عايزة أوريكي حاجة أخرجت من تحت قميصها مجلة نسوية أجنبية مليئة بالصور الملونة‏,‏ وصوخت في وجهي بنبرة تحمل بعض التهكم‏:‏ شوفي حبيبتك مارلين عاملة إزاي‏!‏ ألقيت نظرة سريعة علي الصور وأجبتها مدهوشة‏:‏
بتولي إيه؟‏!‏ إنتي اتجننتي؟‏!‏ بتشبه لها شوية‏,‏ ما أخذتيش بالك إني دي سمرا‏.‏
بالضبط مارلين سمرا زيك وزيي يا عبيطة
كانت الصور لمارلين مونرو وفعلا وهي لاتزال في سن المراهقة أي قبل أن تصير ممثلة مشهورة‏.‏
كانت تبدو جميلة ولكن لم تكن خارقة الجمال كمارلين صاحبة الشعر الذهبي التي نعرفها ولانزال نعشقها للأسف الشديد‏,‏ فاتن كانت علي حق‏:‏ مارلين شقراء مزيفة ما أقسي الحقيقة‏,‏ وما أسوأ التعنت علي عدم قبولها لقد تجرعت مرارة خيبة الأمل‏,‏ لكن الحمد لله‏,‏
أكتشفت بعد سنوات قليلة أن اغلبية الشقر لسن اصيلات‏,‏ كان الفرق بين مارلين السمراء ومارلين الشقراء واضحا للعيان‏,‏ هكذا قطعت الشك باليقين‏:‏ إن سر جمال مارلين يكمن في شعرها الذهبي‏,‏ بعد هذه الحادثة‏,‏ بدأت آخذ مأخذ الجد تلك الحكمة العربية القائلة‏:‏ الشعر نصف الجمال الايطاليون يقولون طول القامة نصف الجمال‏Aitezzamazzabellezza‏ قولهم لا يقنعني لماذا؟ تخيلوا عاشقين يتجولان في وسط روما‏,‏ هي طويلة القامة‏,‏ بينما هو قصير‏,‏ بالله عليكم كيف سيتصرف العاشق المسكين اذا اراد ان يقبل عشيقته او يسر في اذنها عبارة رومانسية؟ القامة مشكلة حقيقية وإذا أراد العاشقان ايجاد حل‏,‏ فما عليهما ان يحملا سلما صغيرا حيثما ذهبا‏!‏ لا أري مخرجا غير ذلك‏.‏
ينبغي ان اعترف أن مارلين لم تكن السبب الوحيد في هوسي بالشعر الأشقر‏,‏ مسكينة مارلين‏,‏ اخذوها لحمة طرية شهية ورموها عظمة تصلح للكلاب مأكلا‏,‏ ما أكثر الرجال الذين استغلوا طيبتها‏,‏ بمن فيهم الأخوان كيندي‏,‏ لقد خاب ظني في جون كيندي‏,‏ إني لاازال اتأثر عندما اشاهد لقطات اغتياله‏,‏ بالمناسبة‏,‏ لقد تساءلت دوما ما إذا كانت جاكلين علي علم بخيانات زوجها لها؟ قرأت مرة في احدي الصحف جملة منسوبة إلي جون‏:‏ إذا لم اضاجع امرأة خلال ثلاثة أيام‏,‏ فإني اصاب بصداع لا يطاق‏,‏ قال‏:‏ امرأة ولم يقل‏:‏ امرأتي يبدو أن جاكلين كانت منشغلة بمهام السيدة الامريكية الأولي‏!‏ مسكين جون كان مضطرا علي تدبير امره كما كان يفعل امثاله من ذكور ما قبل التاريخ كأن أدوية مكافحة الصداع لا وجود لها في الصيدليات‏!‏
هوسي بالشعر الأشقر مسألة في غاية الجدية‏,‏ يجب البحث عن السبب في الطفولة كما يقول فرويد‏,‏ ربما اسحرتني الدمية باربي التي اهداها لي عمي سالم بعد سفره إلي لندن‏,‏ كنت لا استطيع النوم إذا لم احتضنها الأكيد انني كنت احسد قريناتي الصغيرات الشقر لشعرهن الأملس كالحرير‏,‏ كان شعري طويلا اسود اللون وأجعد‏,‏ وكنت أبكي من شدة الألم كل صباح لم اكانت أمي تمشط لي شعري قبل الذهاب إلي المدرسة كنت أفر من المشط كالدجاجة إذا ابصرت سكينة الذبح‏.‏
صفييييييييية‏!‏ حزعل منك‏!‏ تعالي هنا دلوقتي حالا‏.‏
موش عايزة ياماما‏.‏
دا الأمر بلاش دلع‏.‏
أنا بتدلع؟ ياسلام‏!‏ كان تمشيط الشعر تعذيبا يوميا‏,‏ بمرور الزمن زاد هوسي بالشعر الأشقر بدلا من ان يضمحل‏,‏ من عادة الكبار تتغيص حياة الصغار يطرح هذا السؤال الأحمق التافه‏:‏ يا أولاد‏,‏ عايزين تعملوا آيه لما تكبروا؟ كان رفقائي في المدرسة يجيبون كشخص واحد‏:‏
دكتور او الباشمهندس أما أنا فكنت اجيب واثقة من نفسي وبلا تردد‏:‏ عايز اشتغل كوافيرة‏.‏
ماذا؟ نعم‏,‏ كوافيرة‏..‏ لم أكن غبية‏,‏ وإنما طفلة عادية جدا‏,‏ ولو أكن أميل إلي الاستفراز والمشاكسة‏,‏ ذات يوم اشتكي معلم الرياضيات لأبي قائلا‏:‏
بنتك مش راضية تذاكر‏.‏
ليه
علشان عايزة تبقي كوافيرة لما هتكبر‏.‏
ياخبر اسود‏!‏ كوافيرة‏!‏
والله العظيم كدا‏,,‏ ها ها ها‏.‏
ياخرابي‏!‏ لم يغضب أبي مني فقط‏,‏ ولكن من امي ايضا‏,‏ اذا حملها مسئولية عدم طموحي‏(‏ كلمة الطموح فخ بالنسبة للنساء‏,‏ ستتولي جدتي شرح هذه المسألة عما قليل‏)‏ الحمد لله‏,‏ كانت عمتي امينة تدافع عني‏:‏ لا ياخويا لا‏,‏ بشويش علي البنت‏,‏ هي قالت إيه يعني؟‏!‏ هي عايزة تبقي مغنية ولا ممثلة ولا رقاصة‏,‏ قال الله ولا فالك‏!.‏
علمتني هذه التجربة كيف احمي احلامي واخفيها إلي لحظة تجسيدها علي أرض الواقع‏,‏
الإكثار من الكلام مضر‏,‏ اتفق تمام الاتفاق مع الفرنسيين عندما يقولون‏:‏ من يتكلم‏!‏ لا يفعل ومن يفعل‏,‏ لا يتكلم لذلك قررت ان ألتحق بحلم الأطفال الجماعي‏:‏
أنا كمان عايزة أبقي دكتورة لما هكبر‏,‏ نفسي اعالج الأطفال‏.‏
ياحبيتي‏!‏ برافو عليك‏!‏ صفقوا لها ياولاد‏!.‏
أعظم شيء يطمح اليه مجتمعنا هو ان يكتشف مكامن الأمومة في طفلة صغيرة‏!‏ انه دليل علي نجاح التربية والأخلاق الحميدة‏,‏ يحضرني اسم جارنا في القاهرة عمي عطية‏,‏ كان يحلو له القول‏:‏ اللي ابتلاه ربنا بالبنات زي اللي ماسك قنابل في يده‏,‏ لازم يرميها بعيدا بسرعة‏.‏
عندما كانوا يسألونه عن عدد الأبناءوالبنات‏,‏ كان يجيب‏:‏ تلت ذكور واربع قنابل يدوية‏,‏ حتخلص منها إن شاء الله وقنبلتين ذريتين‏,‏ واحدة عانس والتانية مطلقة‏.‏ ليس صدفة أن تكون كلمة قنبلة مؤنثة في العربية والإيطالية معا‏!‏
الحقيقة انني فهمت مسبقا‏,‏ قبل أن اطلع علي كتب نوال السعداوي‏,‏ ان مجتمعنا لا يحب الاناث ولا يغفر لهن الطموح‏,‏ كانت جدتي توصينا‏:‏ بلاش غرور يابنات‏,‏ ما تطيروش في العلالي‏.‏ من تخاطر في التحليق عاليا‏,‏ مصيرها الفشل لأن العائلة ستتولي مهمة قص الجناحين بلا شفقة‏!‏ القاعدة الذهبية الأولي لتجنب المشاكل هي عدم منافسة الذكور طاعتهم وفي المقابل يمكن للأنثي ان تنعم بحماية الذكر طول العمر‏,‏ من الأب إلي الأخ ومن الزوج إلي الابن‏,‏ إذا ارادت المرأة العربية الابتعاد عن اوجاع الرأس‏,‏ ما عليها إلا ان تتقمص دور النعجة‏,‏ نعم‏,‏ نعجة‏,‏ من الأفضل ان تكون نعجة مطيعة‏,‏ وإذا سولت لها نفسها الأمارة بالسوء ان تغادر القطيع‏,‏ فمصيرها الموت بين انياب الذئاب‏!‏ واضح؟
من عادتنا نحن العرب القول‏:‏ المكتوب علي الجبين‏,‏ لازم تشوفه العين‏.‏ لا نستطيع الهروب من القدر‏,‏ من المكتوب‏,‏من القسمة والنصيب‏,‏ عندمانولد يكتب ربنا علي جبيننا كل صغيرة وكبيرة من المهد إلي اللحد‏,‏ هناك من يعترض علي كلامي قائلا‏:‏ الرضوخ للقدر هو نفي للحرية الشخصية الإيمان بالمكتوب هو اقرار بوجود ارادة عليا تتجاوز ارادتنا الانسانية‏,‏ مما يساعدنا علي قبول المآسي الجليلة مثل فقدان الأحبة‏,‏ اعترف ان هذه المسألة معقدة لانها تندرج في خانة الغيب‏.‏
يحضرني تفسير استاذ العربية في الثانوية‏,‏ في احدي المرات‏,‏ نشب نقاش حام حول بيت شعر شهير لابي القاسم الشابي‏:‏ اذا الشعب يوما اراد الحياة‏,‏ فلا بد أن يستجيب القدر‏.‏ مسكين هذا الشاعر‏,‏ توفي ولم يتجاوز عمره خمسة وعشرين ربيعا‏,‏ اعتبر بعض الطلبة هذا البيت دليلا علي كفره‏,‏ واصدروا فتوي بحرمانه من الجنة التي تجري من تحتها الأنهار‏,‏ قالوا إن ارادة الله مطلقة فوق كل الارادات حاول الاستاذ تهدئة الأمور بالقول إن الله سبحانه وتعالي قادر علي كل شيء وبالتالي علي تغيير المكتوب ايضا‏.‏
كاتب جرائزي مقيم في ايطاليا والنص من رواية بالعنوان نفسه وتصدر في بيروت والجزائر‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.