قد يري البعض أن السينما من فنون التسلية واللهو وقد يكونون محقين فيما يذهبون إليه نظرا لأن الجمهور يذهب للسينما لكي يلهو ويلعب..... وتشهد صالات السينما في مصر علي ذلك حيث تذخر صالات العرض بمشاهد سينمائية تفوق ما يعرض علي شاشة العرض ؟؟؟؟ فمن التعليقات السخيفة التي يطلقها المشاهدون إلي رنات الموبيل المختلفة التي تقطع علينا تسلسل العمل الدرامي الذي نشاهده, حيث يخترق أذن المشاهد أصوات نانسي عجرم وهيفاء وهبي مرورا بصوت الشيخ العديسي ودعاء ركوب الدابة, دون الحديث عن رنات مطربي الميكروباص الجدد من نوعية شربت سيجارة بني و غيرها من فنون العصر الحديث في مصر التي تكون الأفلام السائدة علي نفس مستواها. تلك النوعية من المتلقين تحتم تقديم أفلام علي مستواهم تحت دعاوي التسلية والمرح, و خليك فرش احنا في رحلة. لكن بالرغم من عدم اعتراضي علي مفهوم السينما هي جزء من فنون التسلية واللهو, واقتناعي بأن مفهوم اللهو والتسلية يختلف من شعب لآخر ومن ثقافة لأخري, فهناك بعض الشعوب تعبر عن بهجتها عبر اقامة الكرنفالات والمهرجانات وشعوب تعلن عن فرحتها بإطلاق الرصاص, الا أني مازلت أعتقد أنه من الممكن تقديم هذا اللهو والمرح بشكل مبدع وراق. فهل من الممكن أن يفسر لي أحد لماذا أضحك نجيب الريحاني جيلا كاملا ومازالت أفلامه صالحة لكل عصر وأوان دون أن تحتوي علي مشهد واحد له بالملابس الداخلية أو دون أن يتحفنا بأفيهات جنسية ونكات سخيفة, أو بتقليد المتخلفين عقليا والبلهاء أو يرتدي زي النساء؟ هذا هو التحدي الفعلي للفن أن تقدم الفن والسينما به قدر كبير من التسلية ولكن بإبداع وابتكار بعيدا عن الابتذال والسرقة من أفلام سبق لنا أن رأيناها أو تكرار شخصيات ونماذج نجحت من قبل. بالطبع كل هذا يتطلب قدرا من الخلق و الابداع والموهبة لا يتوافر لمعظم من يكتبون ويخرجون للسينما في مصر, وسيظل نموذج تهامي بيه هو المسيطر علي صناعة السينما في مصر. السينما وأبحاثها في أوروبا يشغلها جانب آخر من جوانب السينما لأن هذا الجانب الذي تحدثنا عنه في السينما المصرية والخاص بالتدني والركاكة يتم استبعاده واقصاؤه من جانب الجمهور ذاته لاختلاف وسمو المستوي الثقافي للجمهور, من الموضوعات التي تشغل الباحثين في السينما الغربية والتي أقيمت عنها ندوة كبيرة في فرنسا موضوع سينما المواقف و الالتزام, أو السينما والأيدلوجية. شهدت السينما صراعا كبيرا منذ بدايتها الأولي بين التيارين الفكريين السائدين طوال القرن العشرين, الاشتراكية والرأسمالية مع أفلام مثل( الحياة لنا1936) من إخراج جان رينوار أو فيلم شارلي شابلن الشهير( العصور الحديثة1936), أو أفلام ضد نظم معادية للحريات مثل فيلم شابلن أيضا( الديكتاتور العظيم) أو فيلم ايزنشتين( المدرعة بوتمكين). وإذا كانت بعض الأفلام هي تعبير عن تيار سياسي مباشر كان وراء صنع مثل تلك الأفلام مثلما هو الحال مع فيلم( الحياة لنا) لرينوار الذي صنعه وفقا لطلب الحزب في دعايته في انتخابات1939 التي وصل بعدها للسلطة في فرنسا, أو أفلام إيزنشتين التي كان وراؤها نظام الحكم في الاتحاد السوفيتي السابق بأيديولوجيته المعروفة, فإن الكثير من الأفلام الملتزمة وبالتحديد في فترة ما بعد الحرب في أوروباوأمريكا جاءت بناء عن مواقف صانعيها الانسانية أجل السلم والعدل الاجتماعي. وبدأت السينما في التعبير عن أزمة العالم وكراهية الحرب في أوان الحرب الباردة والخطر النووي. في منتصف الستينيات بدأ المجتمع الأوروبي بشرقه وغربه في التمرد علي النمط المجتمعي القمعي المفروض عليه.... فظهرت الموجة الجديدة وعلي رأسها جان لوك جودار لتلقي بظلال الاتهام علي الدولة الاستعمارية القمعية, بل وحتي في الشرق الشيوعي ظهرت أفلام تفضح الدولة القمعية مثل فيلم ميلوش فورمان الشهير( حفلة رجال الإطفاء1968) الذي كان بداية حركة نقدية واسعة هناك انتهت بأحداث1968 في تشيكوسلوفاكيا السابقة والتي تم قمعها بالدبابات الروسية. مع انتهاء الحرب الباردة وسقوط الشيوعية اختفت الأفلام التي تدافع عن موقف سياسي أو اجتماعي وعاش الجميع في امبراطورية الآلة الفرد الذي هو مركز الكون وسيطرت مشاكل سينما الداخل النفسي للفرد..... غرامياته ومشاعره, لقد تركزت كلها حول الفرد ورغباته واشباعاته فلقد أصبحنا في عصر الاستهلاك الموسع وبيع السعادة النفسية التي مركزها الفرد. لكن من بعد تأزم النظام الرأسمالي في نسخته الجديدة وفشل رأسمالية المضاربات ومجتمعات الكازينو بدأت الأزمات في الظهور علي السطح من جديد وعادت السينما ذات السمة الاجتماعية في الظهور بالسينما مع السينما البلجيكية وأفلام الأخوين داردن والانجليزية وأفلام مثل روزيتا البلجيكي الفائز بسعفة كان, مع كين لوتش وأفلامه الاجتماعية. انها نوعية من السينما تعد مرآة للمجتمع وليس مرآة لصانعيها ومشاكلهم, سينما تري ما يحدث حولها وتحاول أن تبرز سلبياته وليس سينما الأزمة الفردية. المشكلة لدينا أن سينما الواقع هي في معظمها سينما يصنعها من لا يدرون عن هذا الواقع شيئا ولا يرون فيه سوي ما تسمح لهم عيونهم الضيقة برؤيته وهو في كثير من الأحيان ينظر إليه كمن يرون الحيوانات بالحديقة.. مثيرة للضحك, مثيرة للشفقة, مصدر للغربة, علي عكس علماء الحيوان والتاريخ الطبيعي الذين يبحثون ويحللون ويدرسون الحياة الاجتماعية لهذه الحيوانات. أعتذر عن هذا المثال لكن للأسف هناك الكثير من ينظر لسكان العوالم السفلية في المجتمع بمنطق حديقة الحيوان.