كان عمري وقتها ثلاثة عشر عاما وبضعة أشهر.. كنت أخطو أولي خطواتي في المرحلة الثانوية بالتعليم لكنني شأن كل جيلي الذي كان له حظ معايشة ثورة 23 يوليو عام 1952 منذ لحظة ميلادها بأحلام وأمنيات الطفولة البريئة التي نضجت وكبرت قبل الأوان بتأثير الزخم الثوري الذي غطي ربوع مصر في تلك الأيام ومن ثم عشنا مجد لحظة إعلان قرار التأميم! أتحدث عن يوم من أيام العمر وهو يوم 26 يوليو عام 1956 عندما انطلق صوت جمال عبد الناصر ليعلن تأميم قناة السويس واستعادة مصر لها بصوت جهوري واثق لم يشكل تحديا للنفوذ الاستعماري فحسب وإنما كان بمثابة زلزال لليقظة علي امتداد آسيا وإفريقيا التي تتطلع شعوبها منذ زمن بعيد لإنهاء الاستعمار ونيل الحرية والاستقلال. في هذا اليوم لم يكن أحد يتخيل أن يكون بمقدور مصر أن ترد علي قرار أمريكا بسحب تمويلها لبناء السد العالي بمثل هذه القوة والجرأة رغم ما كانت تتعرض له مصر في ذلك الوقت من حصار اقتصادي وحرب نفسية بالإذاعات والصحف والشائعات التي تبث سمومها ليل نهار ضد مصر وضد جمال عبد الناصر. وقد أثبتت الأيام صحة ما اتجهت إليه مصر بعد أن رفضت التراجع عن قرار التأميم واستطاعت صد العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وكسبت جائزتها الكبرى بإقامة السد العالي الذي يظل شاهدا علي قوة الإرادة المصرية التي لم تنكسر ولم ولن تلين! إن من حق شعب مصر أن يستذكر هذه الأيام بكل فخر وإعزاز خصوصا في هذه المرحلة التي نواجه فيها حزمة غير مسبوقة من التحديات والأخطار التي تتطلب ذات الإرادة القوية والبصيرة السياسية حتي نتمكن من إسقاط كل الرهانات الخائبة وذلك بالالتفاف حول قيادتنا السياسية التي منحها الله وعيا وصلابة لإبقاء هذه التحديات والمخاطر في إطارها الوطني الصحيح. نعم نحن بحاجة إلي استلهام روح هذا الحدث المجيد كنموذج لقوة الإرادة وشرف النضال الذي يحتم علينا أن تظل عيوننا مفتوحة وأيادينا فوق الزناد.. ومن محاسن الصدف أن مجد 26 يوليو 1956الذي صنعه المصريون تحت زعامة عبد الناصر قد تجدد في 26 يوليو 2013 بالتفويض الشعبي الذي منحته ملايين المصريين للمشير السيسي لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل.. وها نحن علي الطريق سائرون! خير الكلام: لا يموت حق وراءه مطالب.. والحق أفضل مدافع عن نفسه! نقلا عن صحيفة الأهرام