لم يعد السكوت علي الاقتصاد غير الرسمي مقبولا بعد أن وصل حجمه الي نحو200 مليار جنيه سنويا.. والاقتصاد غير الرسمي هو ببساطة جميع الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة وبالتالي لا تراقبها أجهزة الدولة وهي في مصر تأخذ أشكالا عديدة أخطرها عمليات التصنيع التي تتم بعيدا عن معايير الأمان والجودة والتي نسميها صناعات بير السلم لأنها تتم في أماكن مجهولة. وتشمل صناعات بير السلم منتجات قد تسبب مخاطر كبيرة لمن يستهلكها مثل تصنيع غسالات منزلية عن طريق تجميعها لدي ورش صغيرة, وتشمل تصنيع أدوات كهربائية ومنزلية تمثل في حال استخدامها مخاوف تصل الي حد صعق من يستخدمها.. وتشمل تلك الصناعات أيضا السلع الغذائية المنتشرة علي الأرصفة وبعضها صناعة محلية والآخر يتم تهريبه ويباع بعد أن انتهت فترة صلاحيته. ومن يتجول في وسط القاهرة يشاهد كيف ينتشر الاقتصاد غير الرسمي بعد أن إمتدت أسواق البيع الي كل أرصفة القاهرة, حتي أن كثيرا من أصحاب المحال حولوها الي مخازن للباعة الجائلين الذين لا يدفعون الضرائب أو التأمينات, ويحصلون علي بضائعهم من مصانع بير السلم, وخاصة بائعي الملابس المهربة الذين جاءوا من وكالة البلح, وانتشروا في انحاء القاهرة وعواصم المحافظات, ويعتمدون علي البالات المستوردة والمهربة. ويمتد الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد السري الي أعمال مشروعة ولكنها تمارس بأساليب غير مشروعة مثل الدروس الخصوصية والعمليات التي يقوم بها بعض الأطباء والمهندسين والمحاسبين الذين نسميهم أصحاب المهن الحرة. وفي الوقت الذي أعترف فيه رئيس مجلس الوزراء د.هشام قنديل بأن القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المصري يتراوح بين40 و60% من حجم الاقتصاد الكلي, فإن الشئ الذي يثير الضحك والسخرية معا أن حصيلة الضرائب من المهن الحرة لا تتجاوز380 مليون جنيه في العام, تخيل أن الأطباء الذين يحصلون علي آلاف الجنيهات من كل مريض يذهب الي العيادة أو المستشفي, والمدرسين الذين يحصل كل منهم علي عشرات الآلاف كل شهر من الدروس الخصوصية, والمحاسبين الذين يفبرك بعضهم الميزانيات لتقليل ربح موكله, كل هؤلاء لا يدفعون إلا هذه المبالغ الزهيده للضرائب. يجب إعادة هيكلة المنظومة الضريبية بالكامل لاحكام السيطرة علي الحصيلة بحيث لا يتهرب الكبار ويبقي الغلابة فقط هم الذين يتحملون كل الأعباء, لأن الكبار لديهم علاقات ولديهم مكاتب استشارية, أما الصغار من أصحاب المهن الحرة وأصحاب المشروعات الصغيرة فأنهم أكثر حرصا علي أداء ما عليهم من التزامات. وليس السبب في انتشار الاقتصاد غير الرسمي أو في التهرب الضريبي هو الفساد فقط, ولكن أيضا فإن البعض يري أن ما يدفعه من ضرائب لا يستفيد منها, لأن الشوارع غير صالحه للسير, والمستشفيات لا تقدم العلاج, والمدارس العامة ليس بها تعليم وأن حصيلة الضرائب لا يتم اتفاقها برشد علي احتياجات المجتمع ولا تحقق العدالة الاجتماعية. إن مشوار الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي طويل ويحتاج الي التفاف كل القوي والتيارات حول مشروع قومي للإصلاح حتي لا تغرق سفينة الوطن. [email protected]