ربما تكون أهم مشكلة فى الاقتصاد المصرى هى أيضا سبب تحقيق التوازن بين طبقات الشعب وعدم حدوث ثورة للجياع فى مصر. المشكلة هى زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمى إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة خاصة ما بعد ثورة يناير، وأقصد بالاقتصاد غير الرسمى الجزء المشروع من الاقتصاد الموازى أو الاقتصاد السرى كما يسميه البعض، لأن الجزء غير المشروع الذى يستهلك عشرات المليارات من الدولارات يشمل التهريب وتجارة المخدرات، التى تنتشر بشكل كبير بين بعض العاملين فى مجال الاقتصاد غير الرسمى، الذين يحققون أرباحا طائلة سهلة وبدون أى التزامات منهم تجاه الدولة مثل الباعة الجائلين وأعمال السمسرة غير الرسمية ومصانع بير السلم وتجارة الرصيف وباعة المأكولات والأطعمة مثل عربات الفلول والكشرى التى تعمل بدون تراخيص أو رقابة صحية والسُّيَّاس فى مواقف السيارات وغيرهم ممن يربحون مئات الجنيهات يوميا بدون أن ترصدهم أعين رجال التأمينات أو الضرائب. ومن بين التجارة غير المشروعة أيضا تجارة السلاح التى وصلت إلى حد شراء أسلحة مضادة للطائرات والدبابات خاصة فى المناطق النائية بسيناء وجنوب مصر، وهذه التجارة توسعت إلى حد كبير بسبب الاضطرابات التى شهدتها المناطق الحدودية بعد حرب جنوب وشمال السودان وانتهاء بالثورة الليبية المسلحة ضد نظام القذافى، وظهور طلب متزايد على اقتناء السلاح فى ظل فترات الانفلات الأمنى عقب الثورة وغياب الشرطة وهروب كثير من المجرمين من السجون المصرية. ما يهمنا الآن هو دمج الاقتصاد غير الرسمى الذى يعمل فى التجارة أو إنتاج سلع مشروعة مثل الملابس والأجهزة المنزلية والمحمول والأغذية ولكن بطريقة غير مشروعة، حيث يؤكد كثير من الباحثين الاقتصاديين أن حجم تلك الأنشطة يتجاوز 200 مليار جنيه سنويا، ورغم أنها تحقق دخولا وفيرة لنحو 2 مليون عامل أو يزيد يعملون فى تلك القطاعات، فإنها تضيع على الدولة مليارات من حصيلة الضرائب والتأمينات وسرقة الكهرباء والمياه، كما أنها لا تخضع لمعايير الرقابة الصناعية والصحة والبيئة. والسؤال لماذا لا تندمج تلك المشروعات فى الاقتصاد الرسمى الذى يحقق لها الاستقرار وإمكانية النمو بشكل شرعى وتوفير ضمانات وتأمين صحى ومعاش عند التقاعد وكل حقوق المواطنة التى يكفلها الدستور، الإجابة ببساطة هى أن تكاليف الاندماج تشكل عبئا كبيرا على أصحاب تلك المشروعات وأهمها اشتراكات التأمين والضرائب على الدخل. الحل السريع هو أن تتحمل الدولة سداد حصة صاحب العمل فى التأمينات لمدة عامين على الأقل التى تصل إلى نحو 14% من الراتب الذى يتقاضاه العامل وبذلك نشجع أصحاب العمل على التأمين على العمال لديهم لأنه لن يتحمل أى عبء مقابل ذلك، وتكون لدينا بيانات صحيحة عن حجم العمالة ويمكن حصر تلك المشروعات. والحقيقة أن الدولة لن تخسر شيئا مقابل ذلك لأن ما ستدفعه باليمين سوف تأخذه باليسار، فهى تدفع من أموال الخزانة العامة لمصلحة التأمينات ثم تعود إليها تلك الأموال مرة أخرى، وبعد انتهاء العامين سوف تزداد حصيلة الدولة من تلك الاشتراكات ومن أموال الضرائب، والأهم أنها ستوفر فرص عمل حقيقة ومنتجة وسيكون لدينا مجتمع ضريبى وتأمينى وإنتاج يطابق معايير الجودة وتنتهى المنافسة غير المتكافئة بين المنتجين الملتزمين وبين صناعة بير السلم وتجارة الرصيف، وبذلك تكون التأمينات بداية الحل السحرى للقضاء على الاقتصاد السرى. [email protected]