بعض خبراء الاقتصاد يرون أن الاقتصاد السري..وهو نشاط مشروع لكنه غير مسجل رسمياً.. يمثل حوالي 80% من إجمالي الاقتصاد المصري..وهي نسبة مرتفعة جداً إذا صحت..لأنها تعني غياب يد الدولة عن ثلاثة أرباع حركة التجارة في مصر..ويزيد الاقتصاد السري في البلاد المتخلفة والنامية..كما أنه موجود في البلاد المتقدمة لكن بنسبة أقل..وعندما قلت للمهندس رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة عن النسبة السابقة.. أبدي تحفظه علي وصفه بالاقتصاد السري لأنه نشاط معلوم للكافة..لكنه غير مسجل لدي الدولة..ورأي أن النسبة السابقة غير دقيقة..ويعتقد أنها أقل من ذلك لكنه لم يحددها. وسواء كان هذا النشاط الاقتصادي معلناً أو سرياً.. فإنهما يشكلان معا (السري والرسمي) جناحي حركة التجارة الداخلية..وإذا عرفت أن عدد تجار التجزئة الذين يحملون دفاتر رسمية ويبيعون كل شيء لك من مواد غذائية وسلع كهربائية وأدوات منزلية إلخ.. يبلغ حوالي مليوني تاجر..وإذا أضفت إليهم عدد العاملين داخل كل متجر..فسوف يصل الإجمالي إلي عشرين مليون مواطن يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر في تجارة التجزئة..ناهيك عن الملايين التي تعمل داخل ما يسمي الاقتصاد الموازي..وهم باعة الأرصفة ومصانع بير السلم وكل نشاط تجاري عشوائي. وعلي مدار سنوات طويلة لم تفكر الدولة في تطوير منظومة التجارة الداخلية..رغم أنه لا يمكن زيادة صادرات دولة ما أو وصف اقتصادها بالقوي دون أن تكون تجارتها الداخلية قوية..وهذا غير موجود في تجارتنا الحالية..رغم أن أحد الأسباب الرئيسية لنجاحات الاقتصاد الصيني والماليزي وغيرها من الاقتصاديات خاصة الناشئة كانت وراءها تجارة داخلية قوية ومتطورة وغير عشوائية. تضغط وزارة التجارة في تطوير التجارة الداخلية..لرغبتها في رفع الصادرات من 97 مليار جنيه العام الحالي إلي 235مليار جنيه خلال السنوات الأربع القادمة..وتحقيق هذا الرقم يستدعي القضاء علي عشوائيات السوق المصرية بعد تحول الأرصفة إلي أنشطة تجارية وكذلك البدرومات والجراجات. حديثي للمهندس رشيد جاء بعد إعلانه عن خطة وزارته لتطوير منظومة التجارة الداخلية..والتي لم تمسسها يد التطوير منذ عشرات السنين..فلا يزال محل البقالة يؤدي عمله بنفس الطريقة البدائية..ويخاف كثيرون وأنا أحدهم من التأثير السلبي للكيانات التجارية الكبيرة والعلامات التجارية الدولية مثل كارفور علي محال التجزئة الصغيرة مما قد يهدد استقرار المجتمع. ومع ترحيبنا بتطوير تجارتنا الداخلية فإن الغرف التجارية قد اختزلت مفهوم التطوير..في إلحاق صاحب محل التجزئة (بقالة أو أجهزة كهربائية) بدورات في استخدام الكمبيوتر وأخري في تعلم طرق التخزين..ولا يقبل غالبية التجار علي تلك الدورات..لأن لديهم مطالب أخري يرغبون في حلها أولا مثل ارتفاع الضرائب ومشاكلهم مع المحليات مع كارثة منافسة المنتجات الأجنبية القادمة من الصين وغيرها من الدول..ولا يمكن أن تطالب تاجراً لديه كل هذه المشكلات..بتعلم الكمبيوتر رغم أهمية تعلمه..لأن الأهم من ذلك هو حل مشاكله أولا. تبدو خطة الوزارة جيدة لكن ما يهمنا هنا هو البائع البسيط والذي يتاجر بقروش قليلة.. ولا يفقه في كل هذه الخطط ويعول أسرة كبيرة..هذا البائع يمثل الشريحة الكبري من العاملين بالتجارة الداخلية..وسؤالي لوزير التجارة:كيف نصل إلي هذا البائع..وكيف نحمي بضاعته الصغيرة من المنافسة الشرسة التي تهدده في رزقه؟. وعندما حكي رشيد عن خطته لتطوير هذه التجارة الداخلية فإنه تكلم عن تطوير القوانين وعن رغبته في تغيير ثقافة تجارية دامت عشرات السنوات وأسواق خارجية منافسة..لكن في تقديري أن هذا التطوير الذي ينشده رشيد يتجاوز إمكانيات وزارته ويحتاج لدعم الحكومة..أما أن يعمل بمفرده وداخل جزر مجلس الوزراء المنعزلة..فظني أن عليه إعادة النظر فيما قاله.