تصريحات متوالية.. ومجادلات صاخبة.. وبيانات وإحصاءات صادمة!! ذلك هو الواقع الذي يحيط بالطبقة المتوسطة في مصر. فها هو الحديث والتصريحات المتوالية حول الحدين الأدني والاقصي للأجور, وإذا كان الاقصي يدخل في نطاق النقاش المكتوم, فإن الحد الأدني هو الأعلي ضجيجا والاكثر اثارة ابتداء من مطالب العمالة والاعتصامات في المصانع والشركات وعلي رأسهم عمال صناعة الغزل والنسيج في المحلة, الذين دخل إضرابهم اكثر من اسبوع, ناهيك عن عمال النظافة في الأحياء الذين يندرجون تحت مسمي هيئة النظافة والتجميل ولكنهم تركوا النظافة جانبا, أما التجميل فقد أصبح في عالم الغيب, وقد انبرت الاصوات العالية وجمعيات ومنظمات حقوق الانسان النشطة.. بالحديث عن الحد الأدني للأجر, ناسية ومتناسية حقوق الطبقة المتوسطة, فقد اصبحت هذه الطبقة اقرب الي الفقراء والمساكين الذين يستحقون الزكاة والصدقات طبقا لتعاليم القرآن الكريم. * لقد اصبحت هذه الطبقة محاطة بأسوار عالية من تلك التصريحات والمجادلات.. مما أفقدها القدرة علي رفع صوتها ليس بالمطالب ولكن لمجرد الشكوي. فأفراد هذه الطبقة إذا مرضوا يذهبون الي العيادات والمستشفيات الخاصة.. فيعاملون معاملة الضحية الذي ذهب بقدميه الي معاقل استغلاله وابتزازه طالما انه لا يريد الذهاب الي الميري وإضراب أطبائه وصيادلته, كما أنه لا يستطيع القيام بعمليات الاقتحام والتعبير عن رفضه لمستوي الخدمات العامة من خلال العنف والتكسير, هذه الطبقة الأكثر التزاما بدفع جزية النظافة علي فواتير الكهرباء, بالاضافة الي استقطاع الضرائب مباشرة من مرتباتها ودخولها. وهي الطبقة التي تحرص علي تعليم ابنائها.. وهنا تكون دوامة ومتاهات المدارس الخاصة والحضانات التي تحمل اسماء رنانة وتحدثك عن خدمات خيالية وهيئات التدريس الأجنبية.. وما بين الحلم والواقع.. تقع الطبقة المتوسطة في مصر في شرك آخر لا تستطيع منه الفكاك او الجأر بالشكوي من تدني الاحوال, حيث ان القضية الأولي التي فرضت علي الساحة هي الحد الأدني للأجور. ولم يتطرق المطالبون الي حقوق هذه الطبقة المحاصرة, مكتومة الأنفاس تخشي رفع صوتها.. حتي لا تتهم بمعاداة الفقراء.. ولا ضير ان تنزلق هي الي مصاف أدني من هؤلاء الفقراء. * لقد تكالبت علي هذه الطبقة قرارات البنك المركزي يستقطع بها معدلات الفائدة علي المدخرات وبغض النظر عن اسمائها الوهمية ما بين ذهبية وبلاتينية.. فقد أصبحت كلها هي والعدم سواء.. المركزي يضع نصب عينيه تخفيف عبء المديونية العامة التي أثقلت بها الخزانة المصرية نتيجة سياسية حكومة الببلاوي, التي أفرطت في الاقتراض والدين المحلي وآخرها5 مليارات جنيه من الجهاز المصرفي. * وفي ذات الوقت اشتعلت نيران التضخم ليصل لي معدل سنوي يقدر ب12.2% ما بين يناير2013 ويناير2014, وهي ذات الفترة التي شهدت القرارات المتتالية من جانب البنك المركزي لخفض سعر الفائدة علي الودائع والشهادات. وهذا يعني ان المدخر من الطبقة المتوسطة يضع نقوده ومدخراته في البنوك بمعدل سلبي يقدر ب3% من قيمتها الاسمية, حيث ان سعر الفائدة السنوي علي الشهادات الثلاثية لا يتجاوز9.5% والتضخم12.2%!! وإذا أخذنا المعدل السنوي علي المدخرات فإن الطاقة تكون اكبر وحجم المصيبة أضخم, حيث ان معدل التضخم يقترب من200% من معدل سعر الفائدة. انتبهوا أيها السادة.. فالطبقة المتوسطة تتآكل وهي عصب المجتمع ورمانة الميزان بين هؤلاء وهؤلاء ليس في مصر فقط ولكن في جميع دول العالم.. انتبهوا أيها السادة حتي لا تكون مصر نهبا للأصوات العالية واستعراض القوة الصاخبة واكتساح العشوائيات.