إيهاب عطا في عدد سابق نشرت "الأهرام العربي" ملفا عن ضرورة ترشيد الحكومة لنفقاتها وإعادة النظر في أوجه الإنفاق التي تزيد عجز الموازنة على 200 مليار جنيه سنويا، وكان من بين ما رصدته، ميزانية بعض المجالس القومية المتخصصة مثل المجلس القومي للأمومة والطفولة وميزانيته التي تقترب من 50 مليونا، يتم إهدارها كرواتب وحوافز على 193 موظفاً فقط، والقومي للمرأة الذي يدفع مليون جنيه كإيجار سنوي لمقره و"القومي لحقوق الإنسان" الذي تبلغ رواتب موظفيه 500 ألف جنيه شهريا منها 70 ألفاً للأمين ونائبه، و"القومي للسكان" ميزانيته 27 مليوناً ينفقها على 600 موظف على مستوى الجمهورية برغم فشله في مواجهة تحدي الزيادة السكانية، إضافة إلى مركز تحديث الصناعة وميزانيته التي تزيد على 3 مليارات جنيه، يخصص1 %فقط منها لتمويل المشروعات، لكن كل هذه المبالغ الضخمة لا يمكن مقارنتها ولا تذكر قيمتها إذا ما حاولنا رصد موازنة مؤسسة "الرئاسة"، والتي تظل موازنتها رقما غير معلوم بالتحديد برغم ما يتم تداوله من أرقام لا نعرف مدى دقتها، وتفاصيلها غير جائزة المناقشة في مجلس الشعب، ولا ينشر عنها شىء على مدار 60 عاما منذ أيام عبد الناصر وحتى ثورة يناير، والتي يمكن القول من خلال عمليات حسابية لما يتم تداوله من قصاقيص المعلومات والتسريبات، أنها تتجاوز رقم المليار جنيه، وربما يكون أضعاف أضعاف هذا الرقم، والذي مهما بلغ يتطلب إعادة النظر فيه من قبل الرئيس الجديد، والبرلمان بعد انتخابه، بل ويجب مراقبة أوجه إنفاقها وتحديدها بالجنيه والمحاسبة عليها، على غرار ما كان يحدث في أوائل القرن العشرين طبقا لدستور 1932. طبقا لتقرير نشرته مجلة "أيام مصرية" منذ ما يزيد على 50 عاما، فإن دستور 1923، الذى صدر فى عهد الملك فؤاد الأول، والد الملك فاروق، وتضمن نصوصاً تحدد المخصصات الملكية، وجاء فى مادته 56، الخاصة براتب الملك وأسرته الحاكمة، أنه عند تولية الملك تعين مخصصاته ومخصصات البيت المالك بقانون لمدة حكمه، وعين القانون رواتب أوصياء العرش على أن تؤخذ من مخصصات الملك. ثم جاءت المادة 161 محددة لقيمة الراتب الملكى السنوى 150 ألف جنيه مصرى، بينما مخصصات آل بيت الملك 111 ألفاً و512 جنيهاً على أن تبقى كما هى مدة حكمه مع إمكانية زيادة تلك المخصصات بقرار من البرلمان. وبحسب التقرير ومع بداية حكم "فاروق" أراد مع تلاوته للقسم أن يقدم نفسه للمصريين بصورة براقة، فأعلن بعد أسبوعين من وفاة والده عن تنازله عن ثلث مخصصاته المالية، التى أقرها الدستور لصالح منفعة الشعب، أى 50 ألف جنيه مصرى، وتقدم لنا المجلة موازنة مصر، التى وافق عليها البرلمان فى العام المالى 1937-1938، وتضم تخفيضاً لمخصصات البيت الملكى من 111 ألفاً و522 جنيهاً إلى 90 ألف جنيه، بينما بلغت مخصصات الديوان الملكى، "رئاسة الجمهورية" حاليا، نحو 234 ألف جنيه، ومخصصات مجلس الشيوخ 116 ألفاً و388 جنيهاً، ومخصصات مجلس النواب 177 ألفاً و929، أما مخصصات مجلس الوزراء فكانت 18 ألفاً و551 جنيهاً، فى حين بلغت مخصصات وزارة الخارجية 262 ألفاً و169 جنيهاً. وبعد نشر معلومات عن حقيقة ثروت الملك فاروق بعد عزله علمنا من الأوراق الرسمية للثورة عند مصادرة أملاكه 48 ألف فدان إضافة إلى ما أخذه من رجال الأعمال وأصحاب المصانع ومنها 18 ألف سهم فى شركة سعيدة. ونلاحظ أن موازنة الدولة 1951-1952 بلغت فيها المخصصات الملكية مليوناً و315 ألفاً و916 جنيهاً، بجيث يتم توزيع تلك المخصصات كالآتى، 115 ألف جنيه مصروفات تكييف هواء القصور الملكية، 70 ألف جنيه لبناء ثكنات الحرس الملكى، 20 ألف جنيه تعديل مطبخ قصر القبة، 17 ألف جنيه صيانة حدائق القصور الملكية، لكن يظل الضروري في هذا أن الملك لم يكن له حق زيادة نفقات الديوان الملكي إلا بموافقة البرلمان أو وزير المالية ووزير العدل. يعتبر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أول من جعل ميزانية قصور الرئاسة سرية لا يعلم عنها شىء، وفي أحسن الأحوال كانت تعلن كرقم واحد دون تفاصيل، إضافة إلى مبالغ إضافية ضخمة كانت توضع تحت تصرف الرئيس الشخصي خصوصاً في تلك الفترة التي كانت مصر تساند وتدعم حركات التحرير والاستقلال في عدد من الدول مثل الجزائر واليمن وفلسطين، وهو ما أقر به الأستاذ محمد حسنين هيكل، في كتابته عن الرئيس عبد الناصر. وفي حكم الرئيس السادات لم تتوافر لدينا عن ميزانية مؤسسة الرئاسة، غير أرقام يشكك فيها البعض ذكرها أيضا الأستاذ "هيكل" في كتابه عن السادات "خريف الغضب" والتي أراد بها أن يصف بذخ الرئيس السادات مما كان يجعله في بعض الأحيان يتصرف في بعض الكنوز الأثرية المصرية ويهديها إلى ملوك ورؤساء بعض الدول لكسب ودهم وصداقتهم. أما في عهد المخلوع مبارك، فلم نعرف عن ميزانية الرئاسة إلا أن دخل قناة السويس والذي يقدر بنحو 30 مليار جنيه سنويا كان يوجه بالكامل لمصروفات مؤسسة الرئاسة، أدت إلى تربحه وأسرته منها وتكوين ثروة أشارت بعض التقارير الاقتصادية الغربية إلى أنها تقدر بالمليارات من الدولارات وبرغم أننا لا نملك المستندات الرسمية، لتأكيد ذلك أو نفيه فإننا نملك مؤشرات من واقع المعلومات المتداولة في القضية رقم 8897 مصر الجديدة والمدان فيها مبارك ونجلاه علاء وجمال وآخرون، فيما تعرف بقضية "القصور الرئاسية" والتي اتهم فيها بالتزوير للاستيلاء على مبلغ يقرب من 126 مليون جنيه كان مرصودا ضمن ميزانية مؤسسة الرئاسة وخصص ضمن تكلفة صيانة مراكز الاتصالات بالرئاسة وذلك من عام 2002 إلى 2011، ولنا أن نتخيل إذا كان هذا المبلغ الضخم مرصودا لصيانة مراكز الاتصالات بالرئاسة وهو ما تم الكشف عنه فقط، فما بالنا عن نفقات القصور الرئاسية وملحقاتها من استراحات وفرق عمل ابتداء من الحرس وحتى راتب الرئيس نفسه..والرئاسة ليست فقط القصر الجمهوري ما يتم الإنفاق عليه، بل هناك ما يقرب من 20 مبنى آخر ما بين قصر واستراحة أشهرها قصر القبة وقصر عابدين، وقصر رأس التين واستراحة القناطر واستراحة أسوان وبورسعيد وغيرها الكثير، وأطقم الموظفين والسكرتارية والمساعدين والعاملين في ديوان رئيس الجمهورية، ناهيك عن تكلفة جهاز حماية الرئيس المصري الذي وضعه المخلوع مبارك حيث يعتبر الأكثر تكلفة في العالم تماما مثل جهاز حماية الرئيس الأمريكي، ناهيك عن أطقم السائقين والخدم، وطياري أسطول طائرات الرئاسة، كل هذا لم نعلم وما زلنا لا نعلم عنه شيئاً. لكن ستتجاوز تقديراته بأي حال من الأحوال مبلغ 10 مليارات جنيه، وهو ما يستوجب إعادة النظر فيه. أما عن نفقات الرئاسة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، فأيضا التقديرات مختلفة حيث أعلن المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، في أحد تصريحاته أن ميزانية الرئاسة في عهد مرسي، كانت في حدود 303 ملايين، بينما نقل على لسان عبد الحليم الجمال، وكيل لجنة الشئون المالية والاقتصادية وعضو الهيئة البرلمانية بمجلس الشورى سابقا، أن موازنة رئاسة الجمهورية، بلغت فى 2012/2013 نحو 290 مليون جنيه إبان حكم المجلس العسكرى، زادت فى عهد الرئيس المعزول مرسى بمقدار 40 مليوناً لتصل ل330 مليون جنيه، مضيفا أن هناك كارثة أخرى هي أن ميزانية مجلس الوزراء زادت من 126 مليون جنيه ل148 مليوناً، والواضح أن ترشيد الإنفاق الحكومى يأتى على حساب الفقراء ولمصلحة الرئاسة. وبالمقارنة نجد أن ميزانية الرئاسة في عهد المعزول "مرسي" وصلت ل330 مليون جنيه و239 ألف جنيه، مقابل 252,6 مليون جنيه فى موازنة 2009/2010 آخر موازنة فى عهد حسنى مبارك، وهذا الرقم الأخير لا نستطيع الوثوق به كثيرا في ظل التعتيم المحيط بميزانية القصور الرئاسية..وبعد 4 سنوات من ثورة يناير، وبعد ما تم كشفه من وقائع الفساد والتربح داخل تلك المؤسسة الحيوية، وفي ضوء المطالبة الفورية لجموع الشعب المصري بالتقشف والترشيد من النفقات حتى تجتاز البلاد محنتها، نلفت الانتباه إلى أن مؤسسة الرئاسة من أولى المؤسسات التي تحتاج إلى إعادة نظر، بل وتحديد آلية تتم بها المحاسبة وكشف الحساب لمصروفات تلك المؤسسة، ولا تظل نفقاتها من أسرار الأمن القومي، كما يصفها البعض.