10 رمضان... دقة التوقيت(9) يظل اختيار يوم العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر عام1973 موعدا لشن الحرب عنوانا لعبقرية التخطيط المصري ودقة الحسابات العسكرية والمناخية والعلمية والنفسية. والحقيقة أن اختيار هذا اليوم تحديدا واختيار ساعة الصفر عند منتصف النهار لم يكن أمرا سهلا وإنما استغرق الأمر جهدا هائلا ووقتا طويلا بذلته هيئة عمليات القوات المسلحة التي كان يرأسها اللواء محمد عبدالغني الجمسي الذي شرفت بالعمل إلي جواره مباشرة لمدة18 شهرا عندما كان يشغل منصب نائب مدير المخابرات الحربية للاستطلاع. كانت هناك حسابات بالغة الدقة بدءا من توافق هذا اليوم الرمضاني المبارك مع يوم عيد الغفران المقدس عند اليهود ومرورا بقراءة مدي ملاءمة هذا التوقيت لمتطلبات توفير الظروف الملائمة لنجاح الضربة المباغتة وتأمين ملحمة عبور القناة علي طول خط المواجهة. كانت هناك خمسة اعتبارات أساسية حكمت ورجحت يوم العاشر من رمضان وهذه الاعتبارات هي: 1 إن إسرائيل تستبعد تماما نشوب حرب ضدها في شهر رمضان الذي يراه المسلمون شهرا للعبادة والاسترخاء والاستمتاع بأشهي المأكولات ومتابعة الفوازير والمسلسلات التليفزيونية. 2 إن يوم العاشر في التقويم العربي يعني بالحساب الفلكي ليلة مقمرة بيضاء فيها ضوء القمر خلال الساعات الحاسمة المحددة في الخطة لبدء توقيت عبور المدرعات بعد الانتهاء من إنشاء الكباري وفتح الثغرات في الساتر الترابي. 3 إن الحسابات البحرية والفلكية أكدت أنه في مثل هذا اليوم يكون معدل سرعة جريان الماء في القناة ملائما للعبور سباحة.. أو بواسطة القوارب المطاطية. 4 إنه باختيار هذا اليوم يمكن التوفيق بين وجهة النظر السورية التي كانت تفضل بدء الهجوم مع أول ضوء عند الفجر ووجهة النظر المصرية التي كانت تري أن بدء الهجوم مع آخر ضوء يوفر أفضل الظروف ملاءمة لعملية العبور. 5 إنه في هذا اليوم تتوقف أجهزة الإذاعة والتليفزيون في إسرائيل عن العمل بمناسبة عيد الغفران.. فضلا عن أن الرأي العام الإسرائيلي كان مشدودا في هذه الفترة نحو الانتخابات العامة التي كان موعد إجرائها قد أوشك. هكذا جري اختيار يوم10 رمضان موعدا لبدء الحرب تحت أدق الحسابات وفي ظل غطاء كثيف من السرية والخداع وهو ما وضع إسرائيل لأول مرة في حالة من العجز والشلل والحيرة والارتباك بعد انهيار خط بارليف الذي جري تصويره علي أنه رمز لقوة إسرائيل ومنعتها. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: من كتم سره خدع خصمه.. ومن كثر عمله قل كلامه! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله