لم يرد علي سؤالي مباشرة, بل صمت طويلا إلي درجة أدهشتني, نعم, عملت علي طه حسين لسنوات طويلة, مضيفا أن طه حسين كان العنوان الذي حاولت التعبير به في السنوات الأول عن فكري, راح يذكر هذه المحاضرة التي ألقاها في الخمسينيات وهذا العناء الذي واجهه حين فوجيء الحاضرون بالجزائر بالحديث عن طه حسين, كان موضوع المحاضرة عن' الوجه الإصلاحي' عند طه حسين أو'مظاهر الإصلاح في مؤلفات طه حسين', وكان الزمن زمن صعود الفكر العروبي من القاهرة إلي الشام إلي الجزائر مما حال دون تفهم الجالسين في القاعة لفكرة الإنسانية أو' الإنساوية'-في تعبيره في الفكر العربي في هذه الفترة المبكرة, خاصة_ أضاف-.. أنني انتمي بجذوري إلي القبائل الأمازيغية بالجزائر, كان علي أن أؤكد إذن أنا ابن هذ الفئة, أن الوعي العربي في مواجهة الغرب يجب أن يجاوز الإثنيات والأقليات إلي' الخطاب العالمي'- دهشت من صمت محمد أركون الذي التقيت به في القاهرة لأول مرة في شتاء2 وهو يلقي كلماته علي الجمهور الذي مازال يعيش أزمة الفهم الصحيح للعقيدة وتجلياتها.. كان يذكر دائما الأثر الذي حدث في مستمعيه في منتصف القرن الماضي حين ذكر' الإصلاح' الإسلامي عند طه حسين, وكثيرا ما كتب وصرح بعبارة ننقلها بالنص من تعبيراته عن محمد عبده' انظروا الفرق بين المواقف الفكرية لمحمد عبده وتفتح محمد عبده وفكره البراجماتي حتي فيما يخص الإفتاء في الشريعة ومواقف من نسميهم اليوم بالإسلاميين, يتشبث بهم ويخضع لهم ويسجد لهم الملايين من المسلمين', كان اركون واعيا الي تحول الفكر المعاصر الي تعبيرات منقولة او موروثة من عصور الانحطاط دون العود للاصول الاولي في العقيدة السمحاء.. كان فكر اركون اكثر وعيا في التعامل مع الواقع اليومي, وعبورا فوق مصطلحات كثيرة نجدها في فكرة كالتركيبية والسيميائية وما بعد التركيبية والا نثروبولوجية واسماء عديدة عربية كابن رشد وابوحيان التوحيدي وغربية كجاك دريدا وميشيل فوكو.. الي غير ذلك يصل الفهم الانساني_ الذي يعود للانسنة في التعريفات التي تستخدم هناك_ هي الفاصل الكبير الذي نستطيع ان نصل معه الي هذا'الخطاب' الفكري الواعي خاصة في كتابه المهم الذي كان يعتز به كثيرا والذي ترجمة الصديق محمود العزب'ا' نزعة الأنسنة في الفكر العربي في القرن الرابع الهجري', وهو مايفسر احتفاءه بالمثقف المستنير في التاريخ الاسلامي, ان ابن رشد_ علي سبيل المثال-.. يتكرر كثيرا في كتاباته, لا لكونه ترجم فلسفة غربية وانما لقدرته العالية علي التحرر من تقاليد المثقف التقليدي, كان واعيا اشد الوعي بالفكر المتخلف الذي يدعيه الدعاة الجدد, هؤلاء الذين ينتمون الي النظام بشكل عضوي'وهو تعبير جرامش للمثقف' لالكونهم واعين بقدر كونهم داعين الي الفكر السائد, لا لانهم يرجون الافادة من الفكر المستنير في مجتمعهم الذي ينتمون اليه بقدر دعوتهم الي الفكر الذي ينتمي لمنظومة المعرفة المتخلفةلدي الكثيرين كان اركون يهتم بفكر ابن رشد وبجانبها الفارابي و ابن سينا والتوحيدي كما ذكر هو نفسه كثير لكنه ينتمي اكثر الي الوعي المنهجي المعاصر في التعامل مع القضايا الكبري في زمن سيادة الحضارة الغربية بمعطياتها المعاصرة.. كان يشير الي الافكار الاصلاحية كما عرفها المثقفون العرب في العصر الحديث, وليس مصادفة مايتردد في كتابات ابن السوربون حتي في السنوات الاخيرة من حياته اسماء ةافكار طه حسين والشيخ محمد عبده وافكار اسماء الأفغاني والكواكبي وعلي عبد الرازق و الجابري وعبد الله العروي وغيرهم. لئلا يسقط في اطار الغموض الذي يلفه حين يصبح اداة في اعصار المتغيرات اليومية في المنطقة دون العود الي جوهر العقيدة. وليس غريبا ان تصعد افكاره اركون' او عرقون_ الاسم الصحيح للمثقف الأصول الأمازيغية, من اسار الجزائراو'الامازيغية' الي الفكر الانساني العالمي, والفكر الاسلامي هنا في تجلياته الحقيقية, يظل فكرا عالميا, ومن هنا, لاتستطيع التعرف علي اركون دون ان تنسي التأثير الامازيغي في جنسه او التأثير الاثني الضيق الذي يحيط بنا من كل جانب, لقد حارب الرجل افكار الاقليات الامازيغية والدرزية والعلوية والشيعية فضلا عن اصوات مازالت تعلو بيننا الان:الارمن, الكرد,الاقباط, النوبيين الاباضيين والطوارق منتميا الي الفكر الديني المستنير-الانساني والعالمي- ويظل هو الوحيد الذي فهم التراث الاسلامي حديث الفرقة الناجية في الساحة الاسلامية علي مدار القرون' الي غير ذلك ممايتنامي الينا اليوم من الفضائيات والمدونات دون الوعي بان العقيدة الاسلامية كانت اكثر مايهتم بالعقل ويحرص عليه... وبعد, يرحل اركون في زمن رحيل مفكرين ومبدعين كبار: محمد عابد الجابري, و نصر حامد أبو زيد, ومحمد عفيفي مطر, و الطاهر وطار.. وغيرهم لكن يبقي دائما الاثر الذي عملوا علي تأكيده وتعميقه في الوجدان العربي, وهو اعلاء قيمة العقل. مازلت اذكر, انني قبل ان اترك اركون كنت ذكرته بانه سجل رسالته مع جاك بيرك, ولكن جاك بيرك الذي نذكره جميعا سقط في مازق الخطاب الاستشراقي الذي يفتقر الي الموضوعية وان بدا هذا بشكل موضوعي خاصة في ترجمته لمعاني القرآن الكريم, كان لابد ان استمع الي اركون الذي راح يؤكد_ كما فعل انور عبد الملك بعد ذلك-.. من أن خطاب الاستشراق يفتقر بالفعل إلي كثير مما يجعل نظرته إلي الإسلام ومجتمعاته وتراثه الثقافي نظرة موضوعية ونزيهة قابلة لجدل علمي حول مضمون داخل منظومة العقائد والمعايير الخاصة به في اطار التعريفات الأنثروبولوجية لثقافات المجتمعات المختلفة.. وان جاك بيرك بمعرفته الشاملة للعقيدة لم يستطع ان يخلص من مأزق المعرفية الغربية لمعاني القرآن الكريم وان..و للحديث بقية..