موعد آخر فرصة لتقليل الاغتراب والتحويلات بتنسيق المرحلتين الأولى والثانية    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    وزيرة التنمية المحلية: إزالة 4623 مخالفة بناء فى عدد من المحافظات    وزراء نتنياهو يهاجمون الاحتجاجات ويعتبرونها مكافأة لحماس    حركات فلسطينية مكثفة في الأمم المتحدة لدعم حل الدولتين    تحرك شاحنات القافلة السادسة عشرة من المساعدات من مصر إلى غزة    فحوصات طبية ل فيريرا بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة عقب مباراة المقاولون    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    قمة إنجليزية.. مواعيد مباريات اليوم الأحد    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض الحرارة والعظمى تسجل 31 درجة    تشكيل فريق طبي لمتابعة حالات مصابي حادث انقلاب أتوبيس نقل عام بطريق أسيوط الصحراوي الغربي    الفرح تحول إلى مأتم.. مصرع 4 شباب وإصابة 5 آخرين في زفة عروس بالأقصر    انتهاء امتحان اللغة الأجنبية الثانية الدور الثاني للثانوية العامة    إنقاذ شخص تعطل به مصعد داخل مول بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 11 مليون جنيه خلال 24 ساعة    أحمد السعدني للراحل تيمور تيمور: محظوظ أي حد عرفك    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    شرطة الاحتلال: إغلاق 4 طرق رئيسية بسبب إضراب واسع في إسرائيل    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    إصلاح الإعلام    البوصلة    فتنة إسرائيلية    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    السيسي يوجه بزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم    مصرع شخصين وإصابة 30 آخرين فى انقلاب أتوبيس نقل على الطريق الصحراوى بأسيوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 17 أغسطس 2025    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    تدق ناقوس الخطر، دراسة تكشف تأثير تناول الباراسيتامول أثناء الحمل على الخلايا العصبية للأطفال    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    مواقيت الصلاة في محافظة أسوان اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    لأول مرة بجامعة المنيا.. إصدار 20 شهادة معايرة للأجهزة الطبية بمستشفى الكبد والجهاز الهضمي    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    تعليق مثير فليك بعد فوز برشلونة على مايوركا    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    الأردن يدين بشدة اعتداءات الاحتلال على المسيحيين في القدس    كيف تتعاملين مع الصحة النفسية للطفل ومواجهة مشكلاتها ؟    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الإسلام دين شامل ينظم شؤون الدنيا والآخرة ولا يترك الإنسان للفوضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاطر الفجوة الغذائية وتدني الاكتفاء الذاتي
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 09 - 2010

لا تشكل الدعوة عالميا لتحقيق حد معقول من الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية دعوة عاطفية انسانية ترتبط بأحاديث حب الوطن وكرامته وعزته‏. ولكنها تنبع من حسابات اقتصادية وسياسية صرفة وبحتة وتنطلق من تقديرات لازمة وواجبة للحفاظ علي الأمن القومي وسلامته واستقراره ويرجع السبب المباشر للتخوف الحاد من الفجوة الغذائية الضخمة والانكشاف الغذائي والزراعي الي وقائع ثابتة في العلاقات الدولية تؤكد استخدام سلاح منع تصدير الحبوب كسلاح سياسي مؤثر تكرر استخدامه واستغلاله علي امتداد الساحة الدولية واستخدمته امريكا ودول الغرب ضد الاتحاد السوفيتي يوم أن كان امبراطورية عظمي واستخدمته ضد ايران وكوبا وشيلي وكمبوديا وفيتنام الجنوبية‏,‏ كما استخدم ضد مصر وكاد ان يحقق تأثيراته السلبية الحادة والمفجعة لولا أوضاع العالم في التسعينيات وصراع قطبي العالم الذي اتاح طوق نجاة بقرار من الاتحاد السوفيتي بتحويل شحنات قمح في عرض البحر الي مصر بدلا من ان تتجه الي موانيه كما كان مقررا ومحسوبا‏.‏
وقد تلقي الاسبوع الاقتصادي العديد من التعليقات حول موضوعات ازمة القمح ومؤشرات عجز التنمية الزراعية في مقدماتها تعليق من الدكتور مسعد طه علام الاستاذ بمعهد التخطيط القومي يثير فيه العديد من القضايا المحورية ليس فقط حول أزمة الزراعة والفجوة الغذائية وتراجع الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية اللازمة للحياة والوجود البشري والضامنة للأمن القومي وسلامة الوطن والمواطن ولكن ايضا حول عدم الاهتمام بما تصل اليه البحوث والدراسات من نتائج وتوصيات حول القضايا الوطنية الكبري مما يثير التساؤلات حول جدوي الأنفاق علي الابحاث والدراسات وكذلك حول جهد العلماء والباحثين والمتخصصين الذين هم أهل العلم والمعرفة والخبرة وهم في النهاية والبداية أهل الاختصاص الذين يضعون الأساس القويم للقرارات والسياسات والاستراتيجيات العامة الواجبة التنفيذ والتطبيق‏.‏
تحزير الخبراء من الفجوة الغذائية وأهمال توصيات العلاج
وقد أرفق الدكتور مسعد طه علام الخبير الاقتصادي البارز دراسة شاملة ومستفيضة اجراها في يوليو عام‏1986‏ داخل نطاق دراسات معهد التخطيط القومي وهي بذلك دراسة رسمية وموثقة وتندرج تحت ما يسمي قضايا التخطيط والتنمية في مصر وعنوانها مدي امكانية تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح باعتباره هاجسا قوميا شديد الخطورة تصاعدت حدته علي امتداد العقود الأخيرة بما ينذر بالخطر الشديد الذي يستآهل نوبة صحيان وطنية لاقرار الاستراتيجية الشاملة المتكاملة للإصلاح والعلاج‏.‏
وتضمنت الرسالة تحية تقدير رقيقة يقول فيها‏:‏ يسعدني ويشرفني ان أكتب لسيادتكم بخصوص موضوع القمح الذي أبديتم اهتماما كبيرا به وفي ذات الوقت ارسل لسيادتكم صورة من دراسة قمت بها كباحث رئيسي عام‏1986‏ في معهد التخطيط القومي ونظرا لأنه لم يعد متاح منها نسخ فقد صورت تلك النسخة وأرسلتها لسيادتكم للاطلاع عليها‏,‏ ويسعدني أن أشير إلي ما يلي‏:‏
‏*‏ هذه الدراسة أجريت عام‏1986,‏ ونتائجها وتوصياتها مازالت سليمة حتي الآن‏.‏
‏*‏ أشارت الدراسة الي أن هناك عدم يقين بالنسبة لبيانات القمح‏(‏ الإنتاج الاستهلاك الواردات نصيب الفرد‏)‏
‏*‏ أكدت الدراسة انه في ضوء الظروف الحالية للدراسة من غير المتوقع تحقيق اكتفاء ذاتي كامل من القمح ولكن المستهدف هو رفع معدل الاكتفاء الذاتي‏.‏
‏*‏ أشارت الدراسة الي دعم الخبز والدقيق‏,‏ وانه من الضروري إعادة النظر في هذا الموضوع وخاصة دعم الدقيق‏.‏
‏*‏ أساليب شراء القمح من المنتجين‏,‏ وتسويقه‏,‏ وتخزينه‏,‏ واستيراده‏,‏ ونقله غير سليمة‏.‏
‏*‏ هناك بدائل للقمح يمكن الاستعانة بها‏,‏ بل وخلطها مع دقيق القمح‏,‏ كالذرة والشعير وأوضحت الدراسة اكثر من بديل للزراعة يمكن اختيار احداها‏.‏
‏*‏ هذا بالاضافة إلي الجوانب المتعلقة بالأصناف ومناطق زراعتها والانتاجية وامكانية زيادتها‏,‏ كما اشارت الي أهم مشكلات القمح‏.‏
‏*‏ وحتي الآن‏2010‏ نري ان تلك النتائج والتوصيات لم يتم الأخذ بها أو النظر اليها‏,‏ وهذا يدل علي عدم الاهتمام بما تصل اليه البحوث والدراسات‏,‏ ومن الأفضل التوقف عنها وعدم الانفاق عليها‏.‏ ونقر هنا ان نتائج تلك الدراسة وتوصياتها مازالت صالحة للأخذ بها لمجابهة أزمة القمح وما يرتبط بها ويترتب عليها من مشكلات‏.‏
‏*‏ وموضوع القمح سيظل موضوعا قوميا‏,‏ به تدخلات ظاهرة وباطنة‏,‏ وقرارات واضحة وخفية‏,‏ واجراءات مشجعة ومثبطة‏,‏ وبيانات متضاربة‏.‏
‏*‏ لذا ونظرا لما هو متوقع من قحط غذائي في السنوات القادمة‏,‏ فإنه من المقترح انشاء مجلس أعلي أو قومي للأمن الغذائي يرأسه رئيس الدولة أو من يفوضه يتولي مجابهة والتخطيط ومتابعة التنفيذ لقرارات هذا المجلس‏.‏
وقد تضمنت الدراسة شديدة الأهمية عن مدي امكانية تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح مجموعة من النقاط التي تشكل بالفعل صلب المشكلة علي الرغم من مرور‏15‏ عاما علي اعدادها مما يؤكد عجز التنمية الزراعية والاهمال الشديد لتوصيات الخبراء والمختصين مما يؤدي لتفاقم المشكلات وتصاعد حدتها حيث أظهرت الدراسة ما يلي‏:‏
‏(1)‏ تراجع معدلات الاكتفاء الذاتي من القمح بشكل متزايد حيث كانت المعدلات تبلغ‏38%‏ من الفترة من‏1966‏ 1970‏ ثم انخفضت الي‏24%‏ فقط مع عام‏1986/85‏ وبالتالي ارتفعت واردات القمح الي ثلاثة امثالها خلال فترة زمنية لا تتعدي عشرين عاما وأن الانتاج الاجمالي تراوح بين‏1.3‏ مليون طن ومليوني طن فقط لاغير‏.‏
‏(2)‏ خلال فترة العشرين عاما محل الدراسة من عام‏1965/64‏ الذي هو عام نهاية الخطة الخمسية الاولي في مصر وحتي عام‏1985/84‏ تراوحت المساحة المزروعة قمحا بين‏1.2‏ و‏1.3‏ مليون فدان تقريبا ارتفعت إلي‏1.4‏ مليون فدان عام‏1981/80‏ وانخفضت الي‏1.1‏ مليون فدان فقط في عام‏1965/64‏ وفي نفس الوقت فإن المساحة المنزرعة بالبرسيم تصل الي ضعف المساحة المنزرعة بالقمح‏.‏
‏(3)‏ أن انتاجية الفدان من القمح بلغت في المتوسط‏1.1‏ طن خلال النصف الثاني من الستينيات‏,‏ ارتفعت الي‏1.3‏ طن في النصف الاول من السبعينات ثم الي‏1.4‏ طن والنصف الثاني من السبعينيات ثم الي‏1.5‏ طن تقريبا في النصف الاول من الثمانينيات لاعلي انتاجية للفدان بلغت‏1.6‏ طن في عام‏1985/84‏ ولكن هذه الانتاجية كانت متدنية للغاية قياسا الي عدد من دول العالم حيث يبلغ انتاج الهكتار في مصر‏3.8‏ طن‏,‏ بينما يرتفع الي‏7.8‏ طن اي أكثر من الضعف في هولندا ويبلغ‏7.6‏ طن اي الضعف من بريطانيا ويصل‏7.3‏ طن من ايرلندا والي‏6.5‏ طن في فرنسا مما يشير في المحصلة النهائية الي أن انتاجية القمح في مصر تبلغ‏50%‏ فقط بالمقارنة بالانتاجية في الدول المتقدمة في انتاج القمح مما يكشف أن السوق العالمية للقمح يغلب عليها الاحتكار حيث تسيطر امريكا وكندا علي نسبة تراوحت بين‏53.5%‏ في عام‏1970‏ ارتفعت إلي‏60%‏ في عام‏1983‏ ثم انخفضت الي‏57%‏ من عام‏1984‏ ومع إضافة استراليا والارجنتين فإن الدول الاربع تسيطر علي نحو‏77%‏ من السوق العالمية تشكل اكثر من ثلاثة ارباع الصادرات العالمية مع دول مرتبطة سياسيا واقتصاديا بأمريكا مما يمكنها من صناعة تكتل وتكوين كارتل يمكنه تقاسم السوق والتحكم في الاسعار‏.‏
‏(4)‏ ان امكانيات السيطره بشكل كامل علي مسار صادرات القمح والدول المصدر له يمكن ان يوجد مشكلات حادة اذا تدخلت الاعتبارات السياسية والعسكرية في الحسابات وقد حدث ذلك بالفعل حينما أوقفت امريكا صادرات الحبوب الي الاتحاد السوفيتي عندما كان امبراطورية كبري وقومية عتابا علي غزوه لافغانستان وكذلك مع ايران خلال ازمة الرهائن الامريكيين في سفارتها في طهران بعد الثورة الاسلامية وفي بداية السبعينيات قطعت امريكا المعونة الغذائية عن كل الدول المتعاملة مع كوبا بعد انتهاجها للخط الاشتراكي وتضمنت العقوبة شيلي كمبوديا فيتنام الجنوبية كما استخدمت امريكا سلاح القمح ضد مصر في عام‏1965‏ كأداة ضغط سياسية ولوح الغرب باستخدامه ضد الدول العربية ردا علي استخدام الدول العربية لسلاح النفط بعد حرب‏1973‏ وقد امتنعت امريكا عن بيع القمح لمصر منذ عام‏1964‏ بالرغم من أن مصر كانت تشتريه وتدفع ثمنه بالعملات الدولية بالأسعار العالمية بعد أن منعت المعونات الغذائية‏.‏
‏(5)‏ إن الدول المحتكرة للسوق العالمية للقمح تملك القدرة علي رفع اسعاره دائما وبصورة حادة وفجائية وكان سعر الطن يبلغ‏80‏ دولارا عام‏1971‏ ارتفع لاكثر من ثلاثة أضعاف ليصل الي‏240‏ دولارا للطن في عام‏1974‏ كرد فعل علي ارتفاع اسعار البترول‏,‏ كما أن اسعار القمح تشهد تزايدا دائما ووصلت في مايو‏1985‏ الي‏238‏ دولار للطن بما يعطي مؤشرا عن مستويات الاسعار العالمية وتوجها بها وان القفزات السعرية حقيقية واقعية ترتبط بالسوق العالمية للقمح الذي وفدت اليه خلال العقد الاول من القرن الحادي والعشرين دول جديدة مثل روسيا الاتحادية التي تحتل المركز الثالث بين المصدرين بعد أمريكا وكندا وبعض المصدرين الأقل اهمية مثل اوكرانيا واوزبكستان وغيرهما‏.‏
عجز الصادرات الزراعية عن تغطيه تكاليف الواردات
ويتضح العديد من ابعاد الفجوة الغذائية والانكشاف الزراعي من دراسة اعدها الدكتور حمدي الصوالحي استاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث ونشرها مركز العقد الاجتماعي برئاسة الدكتورة سحر الطويل تحت عنوان دور السياسات العامة في مواجهة الأزمات العالمية‏:‏
حيث تصنيف مصر باعتبارها مستوردا صافيا للغذاء وخلال الفترة‏2003‏ 2007‏ بلغت تغطية قيمة الصادرات الزراعية والغذائية‏34%‏ فقط من إجمالي قيمة الواردات الزراعية والغذائية بما يكشف عن أن التوسع الكبير في زراعة الفاكهة والخضراوات مثل الفراولة والكانتلوب وغيرهما لم يحقق عوائد التصدير العالية والكبيرة التي يمكن ان تغطي تكلفة تزايد الواردات ويؤكد ذلك فشل استراتيجيات التنمية الزراعية التي دعت لهجرة زراعة المحاصيل التقليدية واستبدالها بزراعات تصديرية بدعوي تحقيق حصيلة من النقد الاجنبي يمكن استخدامها لاستيراد الاحتياجات من الواردات الزراعية والغذائية والاكثر خظورة هو ما يرتبط باتساع الفجوة الغذاذية بمعدلات ضخمة تدفع مصر لان تكون في العام الأخير المستورد الاول للقمح عالميا والدولة الخامسة في استيراد الذرة والدولة الرابعة في استيراد الزيوت النباتية وهي مؤشرات غذائية وزراعية خطيرة بكل المقاييس والمعايير بحكم ان مصر تسبق دولا ذات كثافة سكانية عالية للغاية مثل الصين بتعداد‏1,5‏ مليار نسمة والهند تعداد‏1,2‏ مليار نسمة التي تمكنت من تحقيق معدلات اكتفاء ذاتي عالية للغاية في الغذاء والمحاصيل الاستراتيجية الرئيسية‏.‏
احتكار القلة للسوق الدولية للقمح والحبوب
وفي ظل الفجوة الغذائية الكبيرة والاعتماد المفرط علي الاستيراد من الخارج فإن تقلبات الاسعار العالمية للسلع الغذائية تنعكس بصورة كبيرة علي تكاليف توفير الغذاء للمجتمع المصري صعودا وهبوطا وترصد الدراسة أن قيمة واردات الغذاء نحو‏3,5‏ مليار دولار في السنة خلال الفترة‏2003‏ 2006.‏ أما في عام‏2007,‏ فقد زادت قيمة الواردات الغذائية بنسبة‏78,6%‏ علي عام‏2006(71,6%‏ زيادة في أسعار الاستيراد و‏7%‏ زيادة الكمية المستوردة‏).‏ ويرجع السبب في تزايد حجم الفجوة الغذائية خلال الفترة‏1990‏ 2006‏ إلي أن متوسط معدل نمو الإنتاج الزراعي‏(2,6%)‏ كان أقل من متوسط معدل نمو الاستهلاك‏(3,4%).‏ ويرجع ارتفاع معدل الاستهلاك القومي للغذاء إلي عدة عوامل اهمها استمرار زيادة السكان بمعدل‏2%‏ سنويا خلال تلك الفترة‏,‏ وتحسن الدخول الذي أدي إلي زيادة الطلب علي الغذاء‏,‏ بالإضافة لانخفاض الأسعار المحلية للسلع الغذائية نتيجة سياسة الدعم‏,‏ كما يرجع تواضع معدل نمو الانتاج الزراعي الي ارتفاع تكاليف الانتاج الزراعي للمحاصيل المختلفة بمعدل أعلي من زيادة الأسعار الزراعية خاصة بعد تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي منذ عام‏1986.‏
وقد شهدت الأسعار العالمية للسلع الغذائية‏(‏ ماعدا السكر‏)‏ ارتفاعا شهريا ملحوظا منذ مارس‏2007‏ وتواصل الارتفاع بشكل جاء مع نهاية عام‏2007‏ وبدايات عام‏2008‏ وتزامن مع الارتفاعات الحادة لاسعار النفط الخام ووصولها الي القمة مع يوليو‏2008‏ بسعر يقترب من‏150‏ دولارا لبرميل النفط الخام والتهبت اسعار الحبوب الغذائية والزيوت النباتية‏,‏ واللحوم والألبان ومحاصيل البقول‏.‏ وقد سبب ذلك أزمة للدول المستوردة للغذاء ظهرت في ارتفاع تكلفة واردات الغذاء وأيضا في ارتفاع الأسعار المحلية للغذاء أكثر من ضعفين داخل تلك الدول‏,‏ وأدي ذلك إلي مظاهرات ومصادمات ضد ارتفاع أسعار الغذاء وضد وقف المعونات الغذائية‏,‏ خاصة في الدول النامية المستوردة للغذاء وظهرت تداعياتها متمثلة في انخفاض الطلب العالمي بصفة عامة وتباطؤ معدلات التجارة الدولية وانهيار أسعار كثير من السلع والخدمات‏,‏ ومن ضمنها أسعار السلع الغذائية‏,‏ وأعادت هذه الأحداث للأذهان ما حدث أثناء أزمة الغذاء العالمي عامي‏1973‏ و‏1974.‏
وتعيد الدراسة الي الأذهان دور الأزمات العالمية المفاجئة في صناعة ازمة غذائية عالمية واحتمالات انخفاض انتاج العالم من الحبوب بمعدلات كبيرة للغاية تزيد بشكل ضخم علي معدلات انخفاضها الراهنة وما صنعته من ازمة في سوق القمح العالمية حيث أدت الظروف الجوية غير المواتية لإنتاج الحبوب‏,‏ والتي سادت أوروبا وأمريكا الشمالية وروسيا وجنوب آسيا في عام‏1973,‏ إلي انخفاض الانتاج العالمي للحبوب بنحو‏40%‏ وبالتالي انخفاض المخزون العالمي من الحبوب وفي نفس العام أدي ارتفاع أسعار البترول الي ارتفاع اسعار الطاقة والمدخلات الزراعية مثل الأسمدة الكيماوية وتكاليف الميكنة الزراعية وتكاليف النقل‏,‏ مما عمق من مشكلة الغذاء العالمية آنذاك‏,‏ تزامن ذلك مع تغيرات في السياسة السوفيتية للتوسع في الإنتاج الحيواني أدت إلي زيادة الطلب علي استيراد الحبوب بصورة تسببت في أزمة في اسواق الحبوب في العالم‏.‏ وقد انعقد مؤتمر الغذاء العالمي عام‏1974‏ ووضع خطة لزيادة الإنتاج العالمي من الحبوب والسلع الغذائية‏,‏ وزاد الإنتاج وتضاعف المخزون وزاد المعروض للبيع في السوق العالمية وانخفضت الأسعار العالمية للسلع الغذائية إلي مستوياتها العادية‏.‏ وقد استوعبت دول كثيرة دروس أزمة الغذاء عام‏1974‏ ووضعت خطة لزيادة إنتاجها المحلي من الغذاء وتحول بعضها من دول مستوردة الي دول مصدرة
وتتفق ازمات الغذاء مع حقيقة انخفاض النسبة المتاحة للتجارة العالمية من الانتاج العالمي لجميع السلع الغذائية وهي أساسا متواضعة تصل في القمح إلي‏18%‏ والذرة‏12,4%‏ والأرز‏6,5%‏ وفي فول الصويا‏30%,‏ مما يجعل أسواق سلع الغذاء العالمية هشة تتأثر كثيرا بأي تغير أو سوء في الاحوال الجوية والذي يؤثر بدوره علي الانتاج العالمي حيث يؤدي الي انخفاض المتاح للتجارة العالمية وانخفاض المخزون وارتفاع الأسعار العالمية‏.‏
كذلك يزداد التعقيد مع الارتفاع المستمر في أسعار البترول الي أرقام قياسية دفعت الدول المتقدمة الي البحث عن بديل يخفف الاعتماد علي البترول‏,‏ الأمر الذي ترتب عليه دخول طلب جديد فعال ومتزايد علي السلع الغذائية‏(‏ خاصة الذرة والقمح وقصب السكر وبنجر السكر وفول الصويا و‏(‏ زيت النخيل‏)‏ لإنتاج الوقود الحيوي‏.‏ ولقد بلغ الانتاج العالمي من الايثانول كوقود عام‏2006‏ نحو‏40‏ مليار لتر بالاضافة الي‏6,4‏ مليار لتر من زيت الديزل الحيوي‏.‏ ويكفي أن نعلم أن إنتاج‏100‏ لتر من الايثانول يحتاج إلي‏240‏ كيلو جراما من الذرة وهذه الكمية تكفي لتغذية شخص لمدة سنة‏.‏
وفي ظل تقديرات عالمية تتحدث عن قدرة الوقود الحيوي علي منافسة البترول كمصدر للطاقة عند حدود سعرية لبرميل النفط الخام تتراوح بين‏70‏ و‏80‏ دولارا وهي الاسعار السائدة حاليا فإن توجهات الدول الصناعية الكبري وبعض الدول النامية في مقدمتها البرازيل يمكن أن تشهد معدلات توسع كبيرة في استخدام الغذاء لانتاج الوقود الحيوي بما يعمق الازمة الغذائية العالمية من حيث الاسعار والكميات المتاحة للتصدير في الفترة القريبة القادمة‏.‏
وتؤكد الدراسة التي نشرها مركز العقد الاجتماعي نفس النتائج التي ذكرت في مجموعة المقالات المنشورة بالاسبوع الاقتصادي عن عجز التنمية الزراعية وسياساتها وعن الاهمال الشديد في قطاع الزراعة وغياب السياسات العامة الرشيدة والصالحة وتخلف سياسات التنمية الزراعية عن القيام بواجبها في رفع معدلات الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية حيث تؤكد أن مواجهة أزمات الغذاء العالمية يتطلب إحداث تغيرات كبيرة في أهداف وبرامج السياسة الزراعية تؤدي إلي رفع كفاءة الموارد الأرضية والمائية الحالية لزيادة الانتاج الزراعي من نفس الموارد المتاحة‏,‏ وتخفيض حجم فجوة الغذاء الي أقل ما يمكن وتقليل الاعتماد علي السوق العالمية الي أضيق الحدود خلال السنوات القادمة‏.‏
وتستطيع مجموعة من البرامج مجتمعة زيادة الانتاج المحلي من المحاصيل الغذائية الرئيسية ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح الي‏72,5%‏ ومن الذرة إلي‏94,5%‏ والأرز‏157,6%‏ والفول البلدي‏91,3%‏ والسكر‏100%‏ والزيوت النباتية‏15,8%‏ ولكن يعترض ذلك انخفاض نسبة الاستثمارات الزراعية المخصصة للتطوير والبالغة‏7%‏ فقط من الاستثمارات الاجمالية مع ضعف الاستثمار المخصص للبحوث الزراعية وحتي القليل المخصص فان غالبيته العظمي بنسبة‏93%‏ من جملة ميزانيات البحوث الزراعية تذهب للاجور والرواتب مما يعني ضآلة المخصص للابحاث ويفسر ذلك غياب مصر عن الاستفادة من التطورات الضخمة التي حققتها التكنولوجيا الحيوية عالميا لزيادة الانتاج الزراعي من خلال استنباط اصناف وسلالات جديدة مبكرة النضج وعالية الانتاج وتحتاج الكميات مياه اقل كثيرا للزراعة‏.‏ ومع غياب العلم يضيع الكثير من الثقة بالمستقبل؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.