تراجع أسعار الذهب في مصر بقيمة 140 جنيه خلال أسبوع    النائب عمرو درويش يعترض على الصياغة الحكومية لقانون الإيجار القديم    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى أهل مصر بدمياط ومصر جميلة يصل البحيرة    رئيس اتحاد الكرة الآسيوي: أرفض بشدة مقترح زيادة عدد المنتخبات بكأس العالم    انخفاض درجات الحرارة وسقوط للأمطار بمحافظة القليوبية    إنقاذ 2000 رأس ماشية من حريق في مركز أبو صوير بالإسماعيلية    حجز محاكمة متهم بحيازة مفرقعات ومقاطع تحريضية للنطق بالحكم    رمضان صبحي يقود كتيبة بيراميدز أمام فاركو    أحمد السقا يفقد الذاكرة وأحمد فهمي يتورط معه في مطاردة بالصحراء في فيلم "أحمد وأحمد"    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    «الإسكان»: مبيعات مبادرة «بيت الوطن» للمصريين بالخارج تسجل 10 مليارات دولار    الإسماعيلي: هل القانون يتيح استدعاء تقنية الفيديو للحكم من أجل بطاقة صفراء؟    رسمياً.. تحديد موعد ومكان نهائي كأس مصر    إعلام إسرائيلي: شركات طيران أمريكية تعلق رحلاتها إلى تل أبيب    مصر وجزر القُمر توقعان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة    استشهاد معتقل فلسطيني في مستشفى سوروكا الإسرائيلي    مصرع شخص وإصابة آخر إثر حادث تصادم في القرين بالشرقية    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 17 متهمًا بضربة أمنية بالقاهرة    الإحصاء: 3.6 مليون دولار قيمة التبادل التجارى بين مصر وجزر القمر خلال 2024    وكيل مجلس "الشيوخ" يقترح سن قانون شامل للأمن السيبراني وإنشاء هيئة مستقلة لإدارته    «لوفتهانزا» و«إير يوروبا» تعلقان جميع رحلاتهما الجوية إلى مطار بن جوريون    فتاوي المصريين في نصف قرن.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    معرض أبوظبي الدولي للكتاب يعبر الأزمنة على متن المقتنيات الأثرية    رئيس الوزراء: مواجهة مخالفات البناء والتعديات جزء من تقييم أداء أي محافظ    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    الحكومة: مشروع قومي للصوامع يضاعف السعة التخزينية ويقلل فاقد القمح في مصر    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 956 ألفا و810 جنود منذ بداية الحرب    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين بمحافظتي القاهرة والوادي الجديد    حماس تحذّر من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة بسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق منذ أكثر من 64 يومًا    ماجد الكدوانى ضيف شرف فيلم "المشروع إكس" مع كريم عبد العزيز    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    مستشفى سوهاج الجامعي تضم أحدث جهاز قسطرة مخية على مستوى الجمهورية    برلماني: كلمة السيسي باحتفالية عيد العمال تعكس تقديره ودعمه لدورهم في مسيرة التنمية    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    اليوم.. بدء تسليم قطع أراضي بيت الوطن المرحلة التاسعة للفائزين بمدينة دمياط الجديدة    13 شهيدا جراء قصف الاحتلال أنحاء متفرقة في قطاع غزة    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دي بروين: لا أعلم موقفي من المشاركة مع مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بيان - "سلوك الجماهير رد فعل على غياب العدالة".. الزمالك يرفض عقوبات الرابطة ويتهمها بالتحيز    ضبط 37.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    محمد صلاح يستهدف 3 أرقام قياسية أمام تشيلسي في الدوري الإنجليزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يؤكد حرص مصر على نجاح القمة العربية المقبلة في بغداد    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون الممتدة بين البلدين في القطاع الصحي    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    سر تصدر كندة علوش للتريند.. تفاصيل    بعد إخلاء المرضى.. اندلاع حريق محدود بمستشفى المطرية التعليمي    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توحش سطوة الاحتكارات‏..‏ومخاطر تخفيض الجنيه
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 10 - 2010

مع جنون الطماطم وأخواتها وأقاربها تفجرت عديد من القضايا الاقتصادية الساخنة والملتهبة قد يكون أهمها وأشدها خطورة جنون الممارسات الاحتكارية وانفلاتها. في غياب كل صور الردع والملاحقة الواجبة حيث أثبتت الأحداث القدرة اللامتناهية للاحتكارات في كل قطاعات الاقتصاد المصري لأن تصنع ما تشاء وقتما تشاء بمعني قدرتها الفائقة علي صناعة الأزمة وقدرتها علي تصعيدها وتأجيج نيرانها الحارقة‏,‏ وكأن القانون في إجازة طويلة وكأن الأجهزة والوزارات المسئولة والمختصة أصيبت بمرض عضال يشل قدرتها علي التفكير والحركة والمواجهة أو بالأصح كأن الاحتكارات قد توحشت واستفحلت شرورها حتي أصبحت تملك من النفوذ والسلطان ما يتيح لها أن تستقوي علي النظام العام إلي حدود أن يخرج رئيس شركة السويس للأسمنت وهي شركة وطنية سابقا تمت خصخصتها بالبيع لشركة أجنبية ليعلن أن الحكم القضائي الذي صدر ضد احتكارات الأسمنت هو حكم سياسي وليس جنائيا في تعليق له علي تأييد محكمة النقض التي هي أعلي سلطة قضائية لحكم الاستئناف الصادر بفرض‏10‏ ملايين جنيه غرامة علي المسئولين بشركات الأسمنت لثبوت الممارسة الاحتكارية الضارة عليهم ووصل مجموع الغرامات المالية إلي‏200‏ مليون جنيه تم سدادها ومازالت الممارسات الاحتكارية قائمة ومستمرة‏.‏
وترصد حيثيات حكم محكمة النقض بشاعة الممارسات الاحتكارية في صناعة الأسمنت وتعديها الفج علي حقوق المستهلك والمجتمع والوطن والتي تأكد معها للمحكمة أن العقوبة المالية فقط ليست رادعة مما دعاها لتنبيه المشرع بأن يفطن لذلك مما يستوجب التشديد ورفع عقوبة هذا الجرم إلي مرتبة الجنايات لكي تكون أكثر ردعا واصلاحا‏,‏ وهي حيثيات تكشف عن قصور قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بصورته القائمة حاليا وعدم قدرته علي مواجهة الاحتكارات العاتية وممارساتها الفاسدة وما تلحقه بالاقتصاد من أضرار فتاكة لا يصلحها غرامات مالية للمسئولين عنها بل يصلحها ويقومها أحكام رادعة بالسجن ويرجع ذلك إلي بشاعة ما تم ارتكابه بمعايير اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية القائم أساسا علي المنافسة الكاملة والقضاء البات علي الاحتكار لأضراره الفتاكة بحقوق ومصالح المستهلك والاقتصاد‏.‏
نموذج احتكارات الأسمنت وضرورة التأثيم الجنائي
وقد تضمنت حيثيات الحكم الأصلي ما يزعج ويقلق الدولة والنظام والحكومة والمجتمع مع إشارته بوضوح تام إلي ثبوت الاتفاق بين كبار المسئولين في شركات الأسمنت المتهمة علي رفع الأسعار بكل ما يعنيه من فرض السعر الأعلي بغض النظر عن التكلفة بهدف تحقيق الأرباح الكبيرة والوفيرة بغير سند أو أساس من حسابات الاقتصاد وتقديرات معاملاته وهوامش أرباحه الواجبة الاحترام‏,‏ حيث رصدت محكمة النقض أن تكلفة الطن لا تتجاوز‏150‏ جنيها‏,‏ ومع ذلك فإن شركات الأسمنت اتفقت فيما بينها علي بيعه بسعر يجاوز‏400‏ جنيه للطن‏,‏ ويثبت الواقع الفعلي وقت توجيه التهمة أن الاحتكارات تمكنت من رفع سعر طن الأسمنت لأكثر من‏700‏ جنيه وأنه كاد يلامس سقف ال‏800‏ جنيه في هجمة احتكارية شرسة تصل إلي حدود السرقة العلنية لحقوق المستهلكين هددت قطاع التشييد والبناء بالتوقف وفرضت موجة من المغالاة المروعة في أثمان العقارات جعلت من الحق في السكن حقا بعيد المنال‏.‏
كما رصدت حيثيات الحكم ضد محتكري الأسمنت ما يعد من التصرفات والسلوكيات شديدة الضرر باقتصادات السوق والحرية الاقتصادية بمفهوم أعتي الدول الرأسمالية‏,‏ حيث رصدت الاتفاق علي تقييد الحصص السوقية لكل شركة مما تسبب في ارتفاع سعر الأسمنت بالسوق ويعني ذلك الاتفاق علي تعطيش السوق بالتحكم في الكمية المعروضة من الأسمنت يصنع فجوة بين العرض والطلب ويتسبب في فرض السعر الأعلي علي السوق بغض النظر عن معقوليته أو عدم معقوليته‏,‏ وساعد علي ذلك بالقطع عدم توافر البدائل المستوردة وحتي عندما بدأ الاستيراد فإن المؤشرات تؤكد احتكار الشركات المنتجة لعمليات الاستيراد حتي تعظم من قدرتها علي التحكم في السوق ومعاملاته وأسعارها‏,‏ وأن تظل لها اليد العليا لتصنع ما تشاء وقتما تشاء‏,‏ وهي أمور لا تردعها غرامات مالية تمثل في النهاية ملاليم قياسا إلي الأرباح الاحتكارية المروعة التي تتحقق من التواطؤ الاحتكاري للمنتجين الذين بيعت لهم هذه الشركات بأبخس الأثمان بحجة عدم تحقيق أرباح أو تحقيق بعضها خسائر وهو ما تثبت الأحداث التالية للخصخصة أن كل ما كان يتم لابد أن يدخل تحت بند الفعل الفاعل للقوي الخفية والأيدي الباطشة التي تنفذ ما تريده بالطريقة التي ترضيها مهما كان ضارا مجحفا بحقوق المستهلك والمجتمع والأوضاع الاقتصادية العامة‏.‏
كما رصدت الحيثيات ثبوت تهمة تقسيم السوق فيما بين شركات الأسمنت بالاتفاق بينها لتكتمل ثلاثية الجريمة الاحتكارية كاملة في حق المسئولين عن هذه الشركات ومع ذلك يتجرأ أحد المتهمين الرئيسيين لوصف الحكم بأنه سياسي وليس جنائيا في تغافل عمدي عن عقوبة التعليق علي أحكام القضاء وفي تجاوز علي كل مراحل التقاضي بالجرأة علي اتهام القضاء المصري بعدم احترام القانون وخضوعه للضغوط وخطورة هذه الاتهامات أنها تأتي من رئيس شركة أجنبية عاملة علي الأرض المصرية يشكك في نزاهة القضاء وأحكامه مستغلا جنسيته المصرية للإساءة إلي بلده واقتصاده ومؤسساته الدستورية وهي سابقة لا يمكن أن تترك ولا يمكن السماح بمرورها مرور الكرام بحكم ما تعنيه من معان للنيل العلني من القضاء الذي هو قدس الأقداس ولو ضاعت هيبته ونفوذه لجاز لكل من هب ودب من المستثمرين الأجانب أن يلجأ للتحكيم الدولي بحجة قول أهوج تحدث عن تسييس الأحكام القضائية وترك دون أن يردع بالقانون حماية للنظام العام‏.‏
التوقيت الغريب لتخفيض سعر صرف الجنيه
ومن المفارقات الغريبة ما يحدث خلال الفترة الأخيرة في سوق أسعار الصرف للعملات الأجنبية وتأثيره المباشر علي جنون الأسعار وانفلات التضخم في دولة يؤمن الاستيراد أكثر من‏70%‏ من احتياجاتها الغذائية لجموع المواطنين ويؤمن الاستيراد احتياجاتها من الآلات والمعدات وقطع الغيار‏,‏ كما يؤمن السلع الوسيطة اللازمة للإنتاج النهائي بكل ما يعنيه ذلك من تأثير ضخم وواسع النطاق لأسعار صرف العملات الأجنبية علي تكلفة الحياة والمعيشة وتكلفة الانتاج وقدرة السلع الوطنية تامة الصنع علي المنافسة في الأسواق الخارجية وترتبط المشكلة بتوجهات البنك المركزي الفاعل الرئيسي في تحديد سعر صرف الجنيه لتخفيض سعر صرفه في لحظة ارتفعت فيها أسعار صرف العملات الدولية الرئيسية في مواجهة الدولار الذي هو العملة الوحيدة التي يرتبط بها سعر صرف الجنيه ارتفاعا وهبوطا في مواجهة باقي عملات العالم‏.‏
والمشهد الغريب والمستفز من البنك المركزي أنه بعد توالي ارتفاع صرف اليورو والاسترليني والفرنك السويسري والين الياباني في مواجهة الدولار وبالتالي في مواجهة الجنيه وما يعنيه واقعيا من ارتفاع سعر صرف اليورو لأكثر من جنيه مصري وهو عملة الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لمصر فإن البنك اختار هذه اللحظة الحرجة في أسواق العملات الدولية ليتخذ قرارا بتخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار ونتج عن ذلك رفع سعر صرف الدولار وينتج عن ذلك المزيد من التخفيض لسعر صرف الجنيه في مواجهة باقي أسعار صرف العملات الدولية الرئيسية بحكم ربطها بالدولار عند تقييم سعر صرف الجنيه في معادلة مقلوبة تتنافي مع أبسط القواعد النقدية المتعارف عليها عالميا‏.‏
ومع قرار البنك المركزي غير المعلن رسميا والمطبق عمليا عند تحديد أسعار الصرف اليومية يكتشف المراقب توجهات غريبة لتعديل أسعار الصرف للجنيه قائمة ومبنية علي استغلال فرص التقلب الشديد في أسعار الصرف الدولية وكأن المصالح الاقتصادية الوطنية العليا لا تحرك في الأول والآخر قرارات تحديد أسعار الصرف وكأن ترك تقدير سعر صرف الجنيه لدرجة عالية من الحرية والمرونة لا يعني أن هناك سعر صرف محددا يجب الدفاع عنه بصلابة واستماتة كما تفعل دول العالم وكما فعلت اليابان في الأزمة الأخيرة لأسعار الصرف حيث ارتفعت عملتها الين في مواجهة الدولار بدرجة رأت أنها تهدد الاقتصاد الياباني وتهدد تنافسية الصادرات اليابانية في السوق الأمريكية وغيرها من أسواق العالم‏.‏ وتدخل البنك المركزي لمنع المزيد من الارتفاع لسعر صرف الين مع الأخذ في الاعتبار أن أسعار صرف حولته علي امتداد السنوات العشر الماضية إلي ما يطلق عليه الين المسموم بحكم ارتفاعه الشديد في مواجهة العملات الدولية الرئيسية بضغوط أمريكية وأوروبية وهي سنوات عاني الاقتصاد الياباني كثيرا من تأثيراتها السلبية الحادة‏.‏
وفي المقابل هناك النموذج الصيني الذي يرفض بكل الشدة والعنف الضغوط الأمريكية المكثفة والحادة لرفع سعر صرف العملة الوطنية الصينية بالرغم من احتدام الصدام إلي حدود الاعلان عن دخول العالم إلي حرب العملات ويرجع الرفض الصيني إلي أن رفع سعر عملتها سيؤدي إلي تخفيض صادراتها مع رفع تكلفتها في أسواق العالم المختلفة وكل أحاديث الصين عن تخفيضات لعملتها لم تترجم منذ عام‏2005‏ وحتي الآن إلا في صورة تخفيض بمعدل‏15%‏ خلال خمس سنوات‏,‏ ومع ذلك لم يشكل المصدرون الذين تبلغ قيمة صادراتهم السنوية مئات المليارات من الدولارات قوي ضغط ونفوذ علي الحكومة الصينية والبنك المركزي لرفع سعر العملة الوطنية بل ساندوها في الحفاظ علي سعر صرفه في حين أن قيادات مجتمع الأعمال المصري وفي مقدمتهم رئيس اتحاد والصناعات جلال الزوربا المصدر الكبير لا يكف عن المطالبة بتخفيض سعر صرف الجنيه بما يؤدي لرفع اسعار العملات الاجنبية مقدمة بالجنيه ومطالبه الأخيرة دعت إلي تخفيض بنسبة‏15%‏ علي الأقل حتي تضاف لأرباح المصدرين هذه النسبة في سعر صرف الدولار اساسا الذي يتوالي انخفاضه وكان من الواجب ان ينخفض سعر صرفه أمام الجنيه طالما انه يشكل عملة التقويم الدولية لباقي اسعار الصرف للعملات الدولية‏.‏
وتحت ضغوط احتكارات المصدرين ونزولا علي رغبة لوبي رجال الأعمال الذي يملك مصادر ايرادات متجددة بالعملات الأجنبية وحتي ترتفع قيمة المقابل لها بالجنيه المصري فإن سعر صرف الجنيه المصري شهد منذ بداية العام الحالي تخفيضات متوالية ومتلاحقة حيث كان مع نهاية العام الماضي يبلغ سعر صرفه أمام الدولار نحو‏530‏ قرشا ومع ارتفاع حدة ضغوط احتكارات النقد الأجنبي توالي ارتفاعه ليصل في الوقت الراهن لنحو‏5.79‏ جنيه للبيع بزيادة مروعة تصل لنحو‏49‏ قرشا بمعدل تخفيض يبلغ نحو‏9.5%‏ وهو معدل لم يصل اليه الجنيه منذ يونيو‏2006‏ في الوقت الذي تراجع فيه سعر صرف الدولار أمام اليورو بمعدل‏17%‏ خلال الأشهر الثلاثة الماضية بما يعني المحصلة النهائية ارتفاع سعر اليورو بمعدل‏28,5%‏ وهو ما كان يستوجب علي الأقل تخفيض الدولار بمعدل‏10%‏ أمام الجنيه لامتصاص جانب من الأثار التضخمية الناجمة عن ارتفاع سعر صرف اليورو وواردات الاتحاد الأوروبي وكذلك الارتفاعات في سعر الاسترليني الذي اصبح سعر صرفه اعلي من الدولار والفرنك السويسري والين الياباني وعلي خلاف المنطق النقدي السليم والصحيح يخرج نائب محافظ البنك المركزي هشام رامز ليؤكد أن البنك لا يعتزم التدخل لدعم الجنيه وأن المستوي الحالي له مقبول جدا وغير مثير للقلق نافيا شراء البنك المركزي لأي كميات من الدولارات‏,‏ وكان غياب البنك المركزي عن دعم سعر صرف الجنيه أصبح فضيلة ليتباهي بها كبار المسئولين عنه وأن الإحجام عن الحساب الدقيق لمصالح الاقتصاد المصري قد أصبح خارج مسئوليات البنك المركزي طالما أن احتكارات النقد الأجنبي راضية ومرضية وطالما أن سعر جنون الطماطم أصبح مقياسا لسعر صرف الجنيه وأن مناخ الأزمة الضاغط أصبح مبررا للتغطية علي الكثير من القرارات وتمريرها داخل فقاعات الأزمات الطارئة والمستجدة‏.‏
غياب الاهتمام بأسواق التجزئة والبيع المباشر للمنتجين
وبعيدا عن الأزمات الكبري التي تظلل سماء الاقتصاد القومي مثل الاحتكارات وأسعار الصرف فإن جنون الاسعار وانفلات التضخم يصب في خانة أزمة كبري ترتبط بغياب التنظيم الجيد وغياب الإدارة العامة اليقظة للقضايا الملحة للتجارة الداخلية وتركها مجمل الأمور ليقع فريسة لاحتكارات تجارة الجملة في غياب البدائل والنظم الموازية القادرة علي تقليص وطأة قبضة الاحتكارات علي مجمل التجارة الخارجية والداخلية وهي مسئوليات تقع بالدرجة الأولي والأساس في دائرة اختصاص وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد وكبار المسئولين بوزارته الذين تضيع المصلحة العامة وسط ضباب الدخان الأزرق لتصريحاتهم الوردية البعيدة تماما عن متطلبات الواقع واحتياجاته حيث خلت تماما من الحديث عن اسواق البيع بالتجزئة للخضراوات والفاكهة علي مستوي القري ومستوي المدن وامتداداتها في الأحياء والتجمعات السكنية المختلفة لخدمة الغالبية العظمي من المواطنين البسطاء محدودي الدخل‏,‏ ولم تعلن الوزارة عن مشروع متكامل لتنظيم تجارة التجزئة في مستوياتها الأكثر انتشارا والمرتبطة بالباعة الجائلين وتجارة الأرصفة بهدف التنظيم والتقنين بما يصب في خانة تدعيم الاعتبارات البيئية والمتطلبات الصحية مع التيسير علي المواطنين للحصول علي احتياجاتهم بالسعر الأقل وهوامش الربح المعقولة بديلا عن تركهم عرضة لافتراس الأجهزة الحكومية والحملات البوليسية اليومية في غياب القواعد المنظمة لعملهم ونشاطهم بالرغم من أن تجارة التجزئة بهذا الشكل تمثل موردا لفرص عمل واسعة النطاق وتشكل مصدر الرزق لمئات الآلاف من العائلات المصرية رقيقة الحال الواجب حمايتها ورعايتها ودعمها‏.‏
وبحكم أن وزير التجارة والصناعة رجل أعمال فهو بالقطع لم تتح له الفرصة لرؤية الأسواق في المدن الكبري والصغري بالدول الأوروبية المتقدمة مثل المانيا علي سبيل المثال‏,‏ حيث يوجد بجوار بعض الميادين العامة وفي اماكن محددة أسواق للتجزئة تعتمد بالدرجة الأولي علي البيع المباشر من اصحاب المزارع للمستهلكين من انتاجهم من الخضر والفاكهة واسعارها تقل كثيرا عن اسعارها في السوبر ماركت والمحلات‏,‏ وكانت القري المصرية في السابق تملك أسواقا للتجزئة تعقد في أيام محددة أسبوعيا وتعتمد بالدرجة الأولي علي قيام صغار المنتجين يعرض انتاجهم مباشرة للبيع وكانت تخضع للتنظيم والاشراف من قبل أجهزة الدولة وكانت تحصل رسوم بسيطة من العارضين لزوم نفقات السوق وكانت تمثل منفذا رئيسيا للحصول علي احتياجات الأسرة بأسعار مخفضة بعيدا عن التجار ومحلاتهم وهوامش أرباحهم المرتفعة والأهم أنها كانت تشكل علاقة مباشرة بين صغار المنتجين والمستهلكين‏.‏
ويدلل علي العجز الفاضح لوزارة التجارة والصناعة الصور النكاهية لبعض السادة المحافظين وهم يقومون بعملية بيع الطماطم للمواطنين بأقل من نصف اسعارها في حلقات التداول العادية لأن ذلك يرجع لاتفاق المحافظة علي الشراء مباشرة من المنتجين وتجنيب المستهلك الحلقات الوسيطة وحلقة تجارة الجملة وهو ما يثبت أن الحلول البسيطة غائبة تماما عن اهتمام المسئولين بالوزارة‏,‏ وأن تطوير الواقع وتحسينه بالآليات المتعارف عليها لا يحصل علي الرعاية الواجبة حتي من الأجهزة المختصة وهناك مديريات للتموين والتجارة الداخلية يدعمها جهاز لمباحث التموين وكان الواجب أن تظهر صورهم في وقت اشتداد الأزمة وهم يشاركون في عمليات دعم جهود المحافظ وألا يقتصر الأمر علي السيد الوزير المحافظ وحده ولكنه تأكيد علي عجز الوزارة وغياب تعليمات الوزير وغياب الاهتمام بمصالح جمهور البسطاء من المواطنين‏.‏
‏***‏
لا بديل عن تفعيل اقتصاد حقيقي للسوق يقوم علي درجة عالية للغاية من المنافسة بحكم أنها الضمانة الأساسية لقيام اقتصاد للسوق يتسم بالرشاد ويتسم بالانضباط بعيدا عن مفاهيم الرأسمالية المتوحشة ويستلزم ذلك درجة عالية من التيقظ والانتباه من الأجهزة المسئولة عن مراقبة الاسواق بكل انواعها واشكالها لمواجهة قوي الاحتكار ونفوذه والحد من قدرتها علي التلاعب بما فيها سوق النقد الأجنبي وسوق صرف العملات بحكم تأثيرها الضخم علي مجمل الأسواق ومجمل الأوضاع الاقتصادية وتقديرات حجم نشاطها عالميا وبلوغ قيمته‏10‏ تريليونات دولار خلال الفترة القريبة القادمة وعودة الادراك بأن سعر صرف العملة الوطنية المعقول والملائم يشكل دائما صمام أمان حيوي للأمن الاقتصادي للدولة والمجتمع لا بديل عن صيانته ورعايته بكافة الأساليب والوسائل ويجب عدم تركه لاجتهادات الهواة أو ضغوط اصحاب المصلحة والهوي والغرض‏.‏
وقد حان الوقت والأوان لدراسة الأساليب الواقعية والعملية لعودة منظومة التجارة الداخلية والخارجية الي حظيرة المنافسة وللوقوع في نطاق سطوة القانون وسلطانه والخضوع لسطوة أجهزة يقظة ومسئولة تتحرك وفقا لسياسات عامة تخضع للمصلحة العامة ولا تفرط فيها ولا تتنازل عنها مع الاهتمام الشديد بتنفيذ خطوات عملية لتفكيك اوصال الاحتكار في الصناعة والتجارة وتعديل القوانين لفرض العقوبات الجنائية متضمنة الحبس للمخالفين لعدم كفاية الغرامات المالية كما أكدت محكمة النقض وكما تؤكد الشواهد والأحداث يوما بعد يوم؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.