المئات يتظاهرون ضد حظر السباحة في نهر شبريه في برلين    كيف تعرض نتنياهو لموضوع إسرائيل الكبرى في حواره مع قناة i24 العبرية؟    جولات ميدانية لمتابعة الأنشطة والأمن والسلامة بمراكز شباب الجيزة    «خبرتهم محدودة».. نجم غزل المحلة السابق يهاجم الإدارة    «ابنك لاعب في الأهلي».. سيد عبدالحفيظ ينتقد تصرف والد زيزو    تصفية 5 عناصر إجرامية بالقليوبية في تبادل إطلاق نار (تفاصيل)    بسبب إنشاءات المترو.. كسر خط صرف صحي في الإسكندرية    إبراهيم عيسى يٌشكك في نزاهة انتخابات مجلس الشيوخ: مسرحية (فيديو)    دار الإفتاء: نعمل على إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي للفتوى والبحث الشرعي    الزراعة: حملات مكثفة على أسواق اللحوم والدواجن والأسماك بالمحافظات    ترامب يهاجم رئيس "جولدمان ساكس": "توقعاتهم كانت خاطئة"    الكهرباء: الحمل الأقصى للشبكة الموحدة يسجل 39.5 ألف ميجا وات    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    محافظ المنيا يقرر تخفيض مجموع القبول بالصف الأول الثانوي العام والفني للعام الدراسي 2025 / 2026    وزيرا خارجيتي السعودية والأردن يبحثان تطورات الأوضاع في غزة    استشهاد فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على حي الشيخ رضوان بغزة    قرى مالي تتحول إلى أطلال.. الإرهاب يمحو الذاكرة    وزير الخارجية الأمريكي: السلام في غزة مستحيل بوجود حماس    ترامب يهاجم رئيس "جولدمان ساكس": "توقعاتهم كانت خاطئة"    إنريكي: لا نفكر فى الكرة الذهبية.. واستبعاد دوناروما الأنسب للجميع    محافظ القليوبية يكرم 3 سائقي لودر لإنقاذ مصنع أحذية من حريق بالخانكة    «المصدر» تنشر نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ على مستوى الجمهورية    مصدر بهيئة قناة السويس ببورسعيد ينفي ما تم تداوله حول إغلاق كوبري النصر العائم    نجم الزمالك السابق: مباراة مودرن جرس إنذار للأهلي.. وبصمات فيريرا واضحة مع الأبيض    أمين عمر حكما لمباراة بيراميدز والإسماعيلى والغندور للطلائع والمصرى    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة سموحة في الدوري    الآن بعد الهبوط الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    سعر الذهب اليوم الأربعاء 13 أغسطس محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    أصعب 24 ساعة .. تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم : ذروة الموجة شديدة الحرارة    لقيت السواق بتاعي في غرفة نومي.. التحقيقات تكشف تفاصيل فيديو الاعتداء الجنسي على هاتف سارة خليفة    حتى لا يتكرر حادث الشاطبى.. محافظ الإسكندرية: نعمل على تهيئة كافة الظروف لتحقيق الأمان للمصطافين.. مدحت قريطم: عبور المشاة العشوائي وراء حوادث الطرق ويجب تكثيف التوعية    البنك العربي الأفريقي الدولي يرفع حدود استخدام البطاقات الائتمانية والعملات الأجنبية للسفر والشراء    "الإسكان": منصة إلكترونية/لطلبات مواطني الإيجار القديم    بداية أسبوع من التخبط المادي.. برج الجدي اليوم 13 أغسطس    4 أبراج «بيحسّوا بالحاجة قبل ما تحصل».. موهوبون في التنبؤ ويقرأون ما بين السطور    نقاش محتدم لكن يمكنك إنقاذ الموقف.. حظ برج القوس اليوم 13 أغسطس    سوق مولد العذراء مريم بدير درنكة.. بهجة شعبية تتجدد منذ آلاف السنين    أكرم القصاص: مصر أكبر طرف يدعم القضية الفلسطينية وتقوم بدور الوسيط بتوازن كبير    نجاح الفريق الطبي بالمنوفية في إنقاذ سيدة حامل في 4 أجنة    أكاديمية الفنون تحتفي بعيد وفاء النيل بمعرض فوتوغرافي    محمد صلاح ينضم لمعسكر منتخب مصر 2 سبتمبر المقبل    وكيل صحة شمال سيناء يعقد اجتماعا لمتابعة خطة تطوير الخدمات الطبية    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    نقابة العلوم الصحية: تكليف خريجي المعاهد خطوة لتعزيز المساواة    عيد مرسال: مصر تقف بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني    حكم الوضوء لمريض السلس البولى ومن يعاني عذرا دائما؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    الرقابة الصحية (GAHAR) تطلق أول اجتماع للجنة إعداد معايير "التطبيب عن بُعد"    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    ما الحكمة من ابتلاء الله لعباده؟.. داعية إسلامي يُجيب    طريقة عمل البصارة على أصولها بخطوات سهلة وأرخص غداء    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رسميًا    «مصيلحي» و«المصيلحي».. قصة وزيرين جمعهما الاسم والمنصب وعام الموت    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وأمطار تصل لحد السيول والعظمى 41 درجة    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنون الأسعار وانفلات التضخم‏(1‏ 2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 10 - 2010

لا يمكن فهم جنون الأسعار وانفلات التضخم خلال الفترة الماضية من خلال تحليلات سطحية تتحدث فقط لاغير عن تأثير متغيرات المناخ وموجات البرد وموجات الحر. كما لا يمكن القبول بدخول التبريرات الي كهف المأثورات الشعبية واسترجاع مقولات جنون الطماطم المؤقت والطارئ وأن الطماطم مجنونة بشهادة الآباء والاجداد‏,‏ كل ذلك مرفوض لانه يدخل تحت بند التبسيط المخل والتشويه المفتعل لأوضاع الأزمة القائمة التي لا تقتصر علي جنون أسعار الخضراوات بكل مفرداتها ولا تقتصر علي جنون أسعار الفاكهة بجميع مفرداتها بصورة فجائية وما سبقها من ارتفاع جنوني لاسعار اللحوم الحمراء والدواجن والاسماك والزيوت والبقول والسكر وغيرها من مكونات طعام الاسرة المصرية وهي مفردات لا يمكن استبعاد الافتعال المؤثم كمؤشر هام في تفسير احداثها ووقائعها اضافة لمسئولية السياسات العامة‏,‏ كما يستحيل اهمال دور اليد الظاهرة والأيادي الخفية لأباطرة الاحتكار وسدنته في التلاعب بالاسعار والأسواق وأن ما يحدث في الفترة الأخيرة ما هو إلا إعلان فج علي رءوس الاشهاد بسطوة الاحتكار وقدرته علي غرس أنيابه ومخالبه بغير هوادة في جسد الدولة واقتصادها وافتراس المستهلك بغير رحمة ويعني ذلك بكل بساطة ان غول الاحتكار انفتحت شهيته بلا حدود في غياب الضبط العام وفي غياب الرقابة العامة وكأن الممارسات الاحتكارية الفجة قد حصلت بالفعل علي عهود الأمان والسلامة والطمأنينة من وزير التجارة والصناعة الذي تغرق أجهزة وزارته في النوم الثقيل وعندما تفيق من غفوتها المريرة فإنها تلتزم بنصوص الحكمة الصينية التي تجبرها ألا تري ولا تسمع ولا تتكلم متغافلة عن بقية الحكمة التي تلزم الجميع والكل بأن يداروا عوراتهم وسوءاتهم ولا يكشفوها عيانا جهارا للخواص والعوام‏.‏
ما يحدث في نطاق جنون الأسعار يستحق من الجميع وقفة جادة لان الانفلات في الأسعار لا يقتصر علي مجموعة سلعية واحدة بل تتواصل حلقاته يوما بعد يوم الي مجموعات سلعية أخري ليشمل مجمل اسعار السلع والخدمات وهي جميعا سلع ضرورية للحياة وللوجود مع التهاب الاسعار لمجموعة سلع تمثل تشكيلة الغذاء اليومي المتعارف عليها والأكثر أهمية ان ارتفاع الأسعار يتوالي بمعدلات عالية لا تتوقف ولا تتمهل تكتسح أمامها وفي طريقها كل البدائل الممكنة والمحتملة وتتسبب في نهاية المطاف في دفع مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العامة والخاصة الي نفق مظلم من المخاطر المتصاعدة التي يستهين بها البعض ولا يقدرها البعض الآخر حق قدرها ومشكلة المشاكل ترتبط بعدم ادراك الغالبية العظمي ما يمكن ان تتسبب فيه من أزمات خانقة وطاحنة إذا لم يتم مواجهتها بالجدية اللازمة وبالحسم المطلوب بحكم تحول جنون الأسعار الي حلقات متراكمة تتواصل وتتراكم سلبياتها ويلعب في ساحتها بنشاط وهمة قوي احتكار ضارية تسعي لأن تفرض علي الدولة والمجتمع ارادتها وسطوتها بمعني ان تقرر بملء ارادتها المنفردة ما تحوزه وتتملكه بالسرقة والإكراه من ثروات الدولة ودخول وعوائد الاستثمار والعمل والملكية المشروعة في غياب الممانعة والرفض من الجهات والسلطات المختصة والمسئولة وفي ظل قبول قسري وقهري من أطراف التعامل المغلوبة علي امرها‏.‏
تغييب منظمات التجارة والصناعة وتجاهل سطوة الاحتكارات
ويصل الهزل والتبلد الي حدود اختزال علاج الظاهرة الاحتكارية الضارية من خلال انشغال المجتمع بحلول لا تملك حجية أو فعالية في الواقع المعاش بالاحاديث الفكاهية عن العودة الي فرض نظام التسعيرة الجبرية وكأنه نظام يفلح مع الأسواق المملوكة ملكية خاصة‏,‏ وكأنه نظام لايستوجب ولا يستلزم سطوة وسيطرة الدولة علي قطاع التوزيع وامتلاكها عن طريق الشركات العامة لمنافذ التوزيع المنتشرة شبكتها عبر الدولة جغرافيا وهو حل يندرج تحت وصف التعبير اللبناني الدارج طق حنك ومن يتحدثون عن التسعيرة الجبرية في اقتصاد يتحكم في سكناته وحركاته قوي احتكارية ضارية يضيفون لمسة درامية سوداء الي المشهد شديد السخونة ويساهمون بوعي وبدون وعي في صرف الاذهان عن الحلول الجادة التي تتناسب مع مقام الأزمة المتفجرة بكل تعقيداتها وتشابكاتها‏.‏
وعلي امتداد سنوات عمر وزارة الدكتور أحمد نظيف الراهنة تفنن المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة في أحاديث مطولة ومكثفة عن خطط عملاقة وعبقرية لتطوير وتحديث قطاع التجارة الداخلية وتحدث باستفاضة عن انطلاقة عصرية لقطاع التجارة الداخلية تضمن مصالح المستهلك وحقوقه ومع جنون الاسعار وانفلات التضخم وفوضي الأسواق الداخلية وفوضي التعاملات الخارجية لا يتجاوز احد الحقيقة عندما يقول ان ما قيل أو الجزء الرئيسي المرتبط بصالح المستهلك لم يتحقق ولم يؤثر في الواقع بالتحسين والتطوير الي الأحسن والأفضل وأن المحصلة النهائية الظاهرة للعيان تؤكد احكام الاحتكارات لقبضتها وسطوتها علي التجارة الداخلية والخارجية وان صالح المستهلك الذي هو الهدف الأسمي لاقتصادات السوق قد تعرض لأضرار حادة وقاسية وانها وصلت في الفترة الأخيرة الي ما لايمكن قبوله والسكوت عنه بالرغم من حملة الوزير الدعائية المكثفة وما يحيطها من هالات الوعد والتبشير‏.‏
وتتضاعف مسئولية الوزير بحكم مسئوليته عن التجارة الداخلية والخارجية وبحكم مسئوليته عن الأجهزة الرقابية الأساسية للسوق المحلية ومعاملاتها الخارجية في شقي الصادرات والواردات وكذلك بحكم مسئوليته المباشرة عن جهاز المنافسة ومنع الاحتكار وغيرها من الأجهزة الرقابية المسئولة عن التجارة اضافة لمسئوليته عن منظمات التجارة والصناعة متمثله في الغرف التجارية واتحاد الصناعات وتدخله المباشر في تعيين نصف الأعضاء الذين يديرونها واحتكاره سلطة تعيين رئيس اتحاد الصناعات حتي لو وصل الاحتكار الي حدود تجاهل ارادة كل أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين من كل قطاعات الصناعة وتعيين رئيس للاتحاد بالتناقض والتصادم مع ارادتهم المعلنة والمبلغة وتجاهل مبادرتهم باقتراح ترشيح مجموعة يمكن اختيار رئيس جديد للاتحاد من بينهم مع تجاهل شكواهم من اسلوب ادارة اتحاد الصناعات علي امتداد السنوات الثماني الماضية وكأن رغبتهم في التحديث والتطوير وديمقراطية الادارة لا قيمة لها ولا حساب‏,‏ وكأن تفعيل دور المنظمات الحيوي في الاصلاح والمساندة للتصويب الحقيقي للاوضاع لايدخل في حسابات الوزير وتقديرات المسئولين بوزاته‏.‏
اولويات الانفاق العام المقلوبة وغياب دعم الانتاج
وتتصاعد مسئولية الوزير بحكم مسئوليته عن الصناعة بالاضافة الي التجارة وكل المبررات التي أعلنت للضم بينهما وعوائده وثماره لصالح التمنية والتقدم والاصلاح والتحديث وهي الامور التي لم تتحق علي ارض الواقع في ظل غياب الالتزام بالمصلحة العامة مع ترك الامور للمصالح الخاصة لتفرض نفسها كما شاءت وارادت وفي أوضاع جنون الاسعار فإن تراجع التصنيع الزراعي وعدم مواكبته لاحتياجات السوق وفشله في تقديم بدائل مغرية من حيث السعر والجودة لتعديل وتغيير أنماط الاستهلاك اضافة الي ترك المنتجين الزراعيين فريسة لحلقات الاحتكار المروعة وغياب المنافذ البديلة ولو جزئيا لتصريف الانتاج من خلال التصنيع وكذلك من خلال حلقات اضافية للتوزيع لصالح المنتجين والمستهلكين كل ذلك ساهم في تعميق الأزمات مع ترك الأوضاع الخاطئة علي ماهي عليه والأكثر أهمية وخطورة ان الصناعة عجزت عن تقديم القيمة المضافة علي نطاق واسع للزراعة المصرية وللمنتجات الأولية والوسيطة والتعدينية والطبيعية بتحويل جزء رئيس منها لسلع صالحة للاستهلاك النهائي في السوق المحلية والتصدير للخارج وتركتها للتداول بصورتها الأولية في السوق الداخلية أوفي الأسواق الخارجية‏.‏
وقد فرضت المصالح الاحتكارية سطوتها علي الموازنة العامة للدولة وهو ما يتضح من هيمنة اولويات مستحدثه علي الانفاق العام بالرغم من ندرة الايرادات العامة دفعت الي ان تتبني الموازنة العامة سياسات عامة ضارة بالتنمية وضارة بحقوق المنتجين وضارة بحقوق المستهلك مع تغليب مفهوم دعم المصدرين والتصدير بمليارات الجنيهات سنويا علي امتداد السنوات الماضية علي الرغم من ان دعم الصادرات يعني في الاساس دعما لمستهلك اجنبي خارج الحدود في ان هذا الدعم عندما يطبق يجب ان يذهب الي جيوب المنتجين لمساندتهم ولا يذهب للمصدرين لتضخيم ارباحهم ويعزز رفض توجيه الدعم للمصدرين غياب الاولويات الحقيقية المساندة للنمو والتنمية وكذلك ما أحيط بدعم الصادرات من تلاعب المصدرين وثبوته علي البعض منهم وتحويلهم بالفعل الي النيابة العامة للتحقيق والمساءلة وذلك في الوقت الذي ترفض فيه السياسات العامة تحت دعاوي اقتصاد السوق تقديم الدعم للمنتجين الزراعيين تحديدا بل وتتوسع في ملاحقتهم ومطاردتهم بفرض التكاليف العالية لمستلزمات الانتاج الزراعي مع فرض الأسعار المتدنية لانتاجهم الزراعي بالرغم مما يمثله من محاصيل استراتيجية أساسية يتراجع انتاجها عاما بعد عام وتتصاعد فاتورة تكاليف استيرادها عاما بعد عام في اهمال واضح يصل إلي درجة العمد مع سبق الاصرار والترصد لما يشكله من تصاعد خطير ومروع للفجوة الغذائية وما يعنيه من انكشاف غذائي يمس الأمن القومي المصري وتتصاعد حلقاته المدمرة مع الظروف العالمية ومتغيراتها العاصفة في مجال صادرات الغذاء الدولية وما يمكن ان يحيط بها من ضغوط سياسية طارئة ومستجدة‏.‏
ومن البديهيات المتعارف عليها اقتصاديا وعالميا أن شراسة الاحتكار ونفوذه وسلطانه يصل إلي القمة والذروة عندما تبدأ الندرة في الظهور كعلامة من علامات معاملات السوق وما تعنيه من تزايد الفجوة بين العرض والطلب ويصبح الأمر بمثابة الخطر الداهم عندما تظهر الفجوة نتيجة لانخفاض الانتاج المحلي وتراجعه وهو الأمر الذي حدث تحديدا في اللحوم الحمراء التي انخفض المنتج منها نتيجة سياسات عامة في البداية توقف معها مشروع البتلو الذي كان يقدم تسهيلات مالية للمربين وكان يقدم خدمات بيطرية لهم عن طريق الأجهزة المختصة ونظاما للتأمين الجزئي بما يعنيه من تعويضات حال مرض الماشية ونفوقها ثم انتشرت الأوبئة والأمراض الوافدة عبر الحدود نتيجة لغياب الرقابة والتفتيش الجاد علي الواردات ولم تتحرك وزارة الزراعة بالجدية اللازمة والمطلوبة وتقاعست عن توفير العلاج الفعال والتطعيمات المؤثرة وتركت المربين نهبا لقدرهم ومصيرهم فتراجع الانتاج‏,‏ والتهبت الاسعار وتكرست سطوة أباطرة احتكارات المنتجين الداخليين الأقوياء القادرين علي مساندة أنفسهم كما تدعمت قبضة ونفوذ أباطرة احتكارات المستوردين للحوم الحمراء وبدت الوزارات المسئولة وفي مقدمتها وزارة التجارة والصناعة ووزارة الزراعة وكأنها سعيدة بالمراقبة السلبية من مقاعد المتفرجين وجاءت الأفكار للحلول والمسكنات بعد أن تصاعدت حلقات المشكلة وتركزت في دائرة الاستيراد ولم تطرح الأفكار الأساسية المرتبطة بزيادة الانتاج المحلي والقدرات الانتاجية الوطنية وكأن الحل السحري دائما في الاعتماد علي الخارج وتكريسه كقاعدة لتوفير غذاء المصريين وتوفير احتياجاتهم من سلع الاستهلاك المختلفة وكأن الانتاج المحلي مجرد مكمل اضافي ومصدر هامشي لتلبية احتياجات الاستهلاك‏.‏
مسئولية الموازنة والسياسات العامة عن جنون الاسعار
وقد كانت السياسات العامة حاسمة وباترة في هوجة انفلونزا الطيور وفي هوجة انفلونزا الخنازير وقامت باللازم وزيادة خلال فترات زمنية قياسية وفرضت ارادتها علي المنتجين بغير نقض أو إبرام وأثبتت الأحداث بعد ذلك أن تصوير حجم الأزمة والمشكلة كان أكثر كثيرا من حقيقة الأزمة والمشكلة وقام وزير الصحة بجهد مشكور لاستيراد الأمصال اللازمة بمئات الملايين من الجنيهات واستورد أدوية لازمة وهي تحديدا دواء واحد من شركة واحدة بمئات الملايين ولم تستخدم الأمصال والأدوية وتضررت صناعة الدواجن وارتفعت اسعارها بشكل حاد وساعدت علي تصاعد اسعار اللحوم الحمراء والأسماك وتعميق ندرتها وفوضي انتاجها في غياب لأبسط المعايير الصحية والبيئية‏,‏ ويحتم ذلك مراجعة اليات اعداد السياسات العامة اللازمة لمواجهة الكوارث وضرورة ضبط سياسات مواجهة الازمات حتي لا تتسبب في صناعة ازمات اخري تضيف ما لا يطاق من الازمات للاقتصاد والمجتمع والمستهلك‏.‏
وفي الوقت الذي يوافق فيه وزير المالية علي رصد مليارات الجنيهات من الخزانة العامة كدعم للتصدير والمصدرين وتنجح جهود وزير التجارة والصناعة في تحويله الي سياسة عامة مستقرة وثابتة وزيادة مخصصاته بفائدة القلة القليلة فإن السيد أمين أباظة وزير الزراعة يوافق علي تراجع الميزانية المخصصة لوزارته عاما بعد عام علي الرغم مما يتسبب في من تخفيض حاد للتمويل الضروري اللازم للبنود التي تشكل الوظائف الرئيسية لعمل الوزارة المرتبطة اساسا بالانتاج الزراعي ومساندته بالتنمية الزراعية وتحفيزها وفي مقدمتها ايضا البحث العلمي والارشاد الزراعي وما كان يخصص لحملات مساندة المزارعين والمربين للماشية ودعمهم مثل الخدمات البيطرية وغيرها بحكم أن بند الأجور والمرتبات ثابت ولا يمكن ان يخضع للتخفيض بل يتضمن زيادات سنوية ترتبط بالعلاوات وغيرها وهو ما يعكس رؤية للوزير لمفهوم لاقتصاد السوق يتسبب في اضار فادحة في الزراعة عالميا بعدم اعترافه واهماله للمسئولية العامة عن مساندة الأنشطة وتحفيزها بل يتركها لحالها وشأنها تواجه مصيرها مهما كان مظلما وقاتما ومهما كانت تأثيراته السلبية حادة علي مجمل الأوضاع الاقتصادية العامة يضاف إلي ذلك غياب الأموال العامة اللازمة لمشروعات الصرف الزراعي وصيانة الترع وتجديدها وتطوير وتحديث نظام الري لرفع الانتاجية الزراعية وكأن وزارة الري غارقة في الانشغال بأمور مستجدة وجديدة ليس من بينها توفير المياه للمزارعين الذين تصاعدت شكواهم بدرجة صارخة علي امتداد السنوات الماضية‏.‏ ويعكس تراجع الانشغال العام عن دوائر محورية للتنمية والنمو إلي سياسات ترسخت في الموازنة العامة تتحكم في توزيع النفقات العامة بصورة تكاد تصيب الدور الحكومي بالشلل في قطاعات حيوية مثل الزراعة والري‏.‏
‏***‏
ما يعانيه المواطن المصري من ارتفاعات حادة ومجنونة للاسعار لا تقتصر علي سلعة واحدة بل تتواصل حلقاتها يوما بعد يوم لتشمل كل السلع والخدمات لابد وأن يستوجب مواجهة من نوع جديد تتجاوز عقلية الحديث عن الأزمة باعتبارها وافد مؤقت وطارئ لأن مجمل الارتفاعات السعرية وما يعنيه من انفلات لمعدلات التضخم وما يمكن ان يتسبب فيه من اندفاع الاقتصاد القومي إلي ركود تضخمي يوقف عجلة التنمية والنمو ويعطل حركة الحياة والمعاملات والأنشطة لابد وأن يستوجب مواجهة جنون الأسعار باعتباره عرضا لأمراض استفحلت عبر سنوات نتيجة لسياسات عامة حان الوقت لأن يسأل عنها بشكل مباشر الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الذي غالي في الاقتصاد والتقتير علي الأنشطة الحكومية الرئيسية والحيوية المرتبطة بالانتاج والمنتجين والمرتبطة بالتحديث والتطوير في الوقت الذي افرط فيه في دعم الصادرات والمصدرين وفي دعم الطاقة للصناعة الذي تستفيد منه عدد قليل للغاية من الصناعات والمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الحديد والأسمنت والتي تبيع انتاجها بأغلي الاسعار وبما يفوق اسعار الاستيراد والتصدير وتصدع الكافة والجميع كل يوم للمطالبة بفرض رسوم إغراق علي الواردات من الحديد والأسمنت وتملك نفوذا احتكاريا علي السوق المحلية يمكنها دائما من فرض السعر الأعلي دون حسيب أو رقيب؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.