«جريمة لا تُغتفر».. أول تعليق من وزير التعليم على وقائع مدرسة سيدز    إقبال المصريين على سفارة مصر بباريس في اليوم الثاني للتصويت بانتخابات مجلس النواب    إدراج 29 جامعة مصرية في تصنيف QS 2026.. والقاهرة تتصدر محليا    أكاديمية مصر للطيران للتدريب توقع اتفاقية تعاون مع شركة أيركايرو    تمويلات ضخمة لتسمين الماشية.. «الزراعة» تعلن أرقامًا قياسية في مشروع البتلو    التعليم العالي: "إيراسموس" ركيزة أساسية لتطوير وتدويل التعليم العالي في مصر    وزيرة التخطيط: زيادة الإنفاق على التعليم الفني والتدريب وقائمة من الإصلاحات الهيكلية لريادة الأعمال    «رحمي»: تمويل 493 ألف مشروع ب22.7 مليار جنيه من 2022 وحتى الآن    كييف تبحث مع شركائها الأوروبيين خطواتها المقبلة بعد طرح خطة السلام الأمريكية    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    وزير الخارجية يتلقى مع مستشار الأمن القومي البريطاني    موسكو: المسيرات الروسية تضرب نقطة انتشار اوكرانية مؤقتة    بيراميدز يصطدم ب ريفرز النيجيري في بداية دور المجموعات لدوري الأبطال    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام بيرنلي في البريميرليج    وزير الرياضة: كل الدعم لأحمد الجندي في رحلة العلاج بألمانيا    موعد مباراة الأهلي وشبيبة القبائل والقنوات الناقلة في دوري أبطال إفريقيا    موعد مباراة تشيلسي ضد برايتون والقناة الناقلة    إسلام سمير: الفوارق بين الأندية "كبيرة".. وأحمد سامي ليس سببا في أزمات الاتحاد    «الأرصاد» تعلن طقس ال6 أيام المقبلة.. وموعد انخفاض الحرارة    إصابة 12 عاملا إثر انقلاب ميكروباص بالمنيا الجديدة    إصابة 11 عاملا إثر انقلاب ميكروباص بالمنيا الجديدة    وزير التعليم يقرر وضع مدرسة «سيدز» الدولية تحت الإشراف وإدارتها من الوزارة    بعد قليل.. "التضامن" تجري قرعة حج الجمعيات الأهلية لاختيار الفائزين بالتأشيرات    بعد تصدره التريند.. موعد عرض برنامج «دولة التلاوة» والقنوات الناقلة    استخدمت لأداء المهام المنزلية، سر عرض تماثيل الخدم في المتحف المصري بالتحرير    الصحة: الوضع الوبائي للفيروسات التنفسية في مصر مستقر تمامًا ولا توجد أي فيروسات جديدة    دايت طبيعي لزيادة التركيز والمزاج الإيجابي، نظام غذائي يدعم العقل والنفس معًا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 22 نوفمبر 2025    سعر كرتونة البيض في بورصة الدواجن والأسواق اليوم السبت 22 نوفمبر 2025 فى المنيا    موعد تطبيق منظومة السيارات الجديدة بديلة التوك توك فى الجيزة    شيكو بانزا يظهر فى مران الزمالك الأخير استعدادا ل زيسكو بعد وفاة شقيقه    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    فوز «كلب ساكن» بجائزة أفضل فيلم في مسابقة آفاق السينما العربية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    انتخابات مجلس النواب بالخارج، بدء التصويت بالسفارة المصرية في طهران    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 16.5 ألف مريض بغزة في انتظار الإجلاء الطبي    دراسة جديدة.. عصير البرتقال يؤثر على نشاط الجينات    سعر الجنيه الإسترلينى اليوم السبت فى البنوك 22-11-2025    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية "خلية مصر الجديدة"    دافع عن خطيبته من متحرش.. فشوه المتهم وجهه وجسده بساطور    فرنسا لمواطنيها: جهزوا الطعام والماء لحرب محتملة مع روسيا    بعد تصديق الرئيس.. تعديلات قانون الإجراءات الجنائية نقلة حقيقية في ملف حقوق الإنسان    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    بيسكوف: مستوى اتصالات التسوية بين موسكو وواشنطن لم يحدد بعد    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    محمد موسى يهاجم الجولاني: سيطرتك بلا دور.. والسيادة السورية تنهار    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    أبرزها وظائف بالمترو براتب 8000 جنيه.. «العمل» توفر 100 فرصة للشباب    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الأحد في الدوري الممتاز    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    محمد أبو سعدة ل العاشرة: تجميل الطريق الدائري يرتقى بجودة حياة السكان    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنون الأسعار وانفلات التضخم‏(1‏ 2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 10 - 2010

لا يمكن فهم جنون الأسعار وانفلات التضخم خلال الفترة الماضية من خلال تحليلات سطحية تتحدث فقط لاغير عن تأثير متغيرات المناخ وموجات البرد وموجات الحر. كما لا يمكن القبول بدخول التبريرات الي كهف المأثورات الشعبية واسترجاع مقولات جنون الطماطم المؤقت والطارئ وأن الطماطم مجنونة بشهادة الآباء والاجداد‏,‏ كل ذلك مرفوض لانه يدخل تحت بند التبسيط المخل والتشويه المفتعل لأوضاع الأزمة القائمة التي لا تقتصر علي جنون أسعار الخضراوات بكل مفرداتها ولا تقتصر علي جنون أسعار الفاكهة بجميع مفرداتها بصورة فجائية وما سبقها من ارتفاع جنوني لاسعار اللحوم الحمراء والدواجن والاسماك والزيوت والبقول والسكر وغيرها من مكونات طعام الاسرة المصرية وهي مفردات لا يمكن استبعاد الافتعال المؤثم كمؤشر هام في تفسير احداثها ووقائعها اضافة لمسئولية السياسات العامة‏,‏ كما يستحيل اهمال دور اليد الظاهرة والأيادي الخفية لأباطرة الاحتكار وسدنته في التلاعب بالاسعار والأسواق وأن ما يحدث في الفترة الأخيرة ما هو إلا إعلان فج علي رءوس الاشهاد بسطوة الاحتكار وقدرته علي غرس أنيابه ومخالبه بغير هوادة في جسد الدولة واقتصادها وافتراس المستهلك بغير رحمة ويعني ذلك بكل بساطة ان غول الاحتكار انفتحت شهيته بلا حدود في غياب الضبط العام وفي غياب الرقابة العامة وكأن الممارسات الاحتكارية الفجة قد حصلت بالفعل علي عهود الأمان والسلامة والطمأنينة من وزير التجارة والصناعة الذي تغرق أجهزة وزارته في النوم الثقيل وعندما تفيق من غفوتها المريرة فإنها تلتزم بنصوص الحكمة الصينية التي تجبرها ألا تري ولا تسمع ولا تتكلم متغافلة عن بقية الحكمة التي تلزم الجميع والكل بأن يداروا عوراتهم وسوءاتهم ولا يكشفوها عيانا جهارا للخواص والعوام‏.‏
ما يحدث في نطاق جنون الأسعار يستحق من الجميع وقفة جادة لان الانفلات في الأسعار لا يقتصر علي مجموعة سلعية واحدة بل تتواصل حلقاته يوما بعد يوم الي مجموعات سلعية أخري ليشمل مجمل اسعار السلع والخدمات وهي جميعا سلع ضرورية للحياة وللوجود مع التهاب الاسعار لمجموعة سلع تمثل تشكيلة الغذاء اليومي المتعارف عليها والأكثر أهمية ان ارتفاع الأسعار يتوالي بمعدلات عالية لا تتوقف ولا تتمهل تكتسح أمامها وفي طريقها كل البدائل الممكنة والمحتملة وتتسبب في نهاية المطاف في دفع مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العامة والخاصة الي نفق مظلم من المخاطر المتصاعدة التي يستهين بها البعض ولا يقدرها البعض الآخر حق قدرها ومشكلة المشاكل ترتبط بعدم ادراك الغالبية العظمي ما يمكن ان تتسبب فيه من أزمات خانقة وطاحنة إذا لم يتم مواجهتها بالجدية اللازمة وبالحسم المطلوب بحكم تحول جنون الأسعار الي حلقات متراكمة تتواصل وتتراكم سلبياتها ويلعب في ساحتها بنشاط وهمة قوي احتكار ضارية تسعي لأن تفرض علي الدولة والمجتمع ارادتها وسطوتها بمعني ان تقرر بملء ارادتها المنفردة ما تحوزه وتتملكه بالسرقة والإكراه من ثروات الدولة ودخول وعوائد الاستثمار والعمل والملكية المشروعة في غياب الممانعة والرفض من الجهات والسلطات المختصة والمسئولة وفي ظل قبول قسري وقهري من أطراف التعامل المغلوبة علي امرها‏.‏
تغييب منظمات التجارة والصناعة وتجاهل سطوة الاحتكارات
ويصل الهزل والتبلد الي حدود اختزال علاج الظاهرة الاحتكارية الضارية من خلال انشغال المجتمع بحلول لا تملك حجية أو فعالية في الواقع المعاش بالاحاديث الفكاهية عن العودة الي فرض نظام التسعيرة الجبرية وكأنه نظام يفلح مع الأسواق المملوكة ملكية خاصة‏,‏ وكأنه نظام لايستوجب ولا يستلزم سطوة وسيطرة الدولة علي قطاع التوزيع وامتلاكها عن طريق الشركات العامة لمنافذ التوزيع المنتشرة شبكتها عبر الدولة جغرافيا وهو حل يندرج تحت وصف التعبير اللبناني الدارج طق حنك ومن يتحدثون عن التسعيرة الجبرية في اقتصاد يتحكم في سكناته وحركاته قوي احتكارية ضارية يضيفون لمسة درامية سوداء الي المشهد شديد السخونة ويساهمون بوعي وبدون وعي في صرف الاذهان عن الحلول الجادة التي تتناسب مع مقام الأزمة المتفجرة بكل تعقيداتها وتشابكاتها‏.‏
وعلي امتداد سنوات عمر وزارة الدكتور أحمد نظيف الراهنة تفنن المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة في أحاديث مطولة ومكثفة عن خطط عملاقة وعبقرية لتطوير وتحديث قطاع التجارة الداخلية وتحدث باستفاضة عن انطلاقة عصرية لقطاع التجارة الداخلية تضمن مصالح المستهلك وحقوقه ومع جنون الاسعار وانفلات التضخم وفوضي الأسواق الداخلية وفوضي التعاملات الخارجية لا يتجاوز احد الحقيقة عندما يقول ان ما قيل أو الجزء الرئيسي المرتبط بصالح المستهلك لم يتحقق ولم يؤثر في الواقع بالتحسين والتطوير الي الأحسن والأفضل وأن المحصلة النهائية الظاهرة للعيان تؤكد احكام الاحتكارات لقبضتها وسطوتها علي التجارة الداخلية والخارجية وان صالح المستهلك الذي هو الهدف الأسمي لاقتصادات السوق قد تعرض لأضرار حادة وقاسية وانها وصلت في الفترة الأخيرة الي ما لايمكن قبوله والسكوت عنه بالرغم من حملة الوزير الدعائية المكثفة وما يحيطها من هالات الوعد والتبشير‏.‏
وتتضاعف مسئولية الوزير بحكم مسئوليته عن التجارة الداخلية والخارجية وبحكم مسئوليته عن الأجهزة الرقابية الأساسية للسوق المحلية ومعاملاتها الخارجية في شقي الصادرات والواردات وكذلك بحكم مسئوليته المباشرة عن جهاز المنافسة ومنع الاحتكار وغيرها من الأجهزة الرقابية المسئولة عن التجارة اضافة لمسئوليته عن منظمات التجارة والصناعة متمثله في الغرف التجارية واتحاد الصناعات وتدخله المباشر في تعيين نصف الأعضاء الذين يديرونها واحتكاره سلطة تعيين رئيس اتحاد الصناعات حتي لو وصل الاحتكار الي حدود تجاهل ارادة كل أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين من كل قطاعات الصناعة وتعيين رئيس للاتحاد بالتناقض والتصادم مع ارادتهم المعلنة والمبلغة وتجاهل مبادرتهم باقتراح ترشيح مجموعة يمكن اختيار رئيس جديد للاتحاد من بينهم مع تجاهل شكواهم من اسلوب ادارة اتحاد الصناعات علي امتداد السنوات الثماني الماضية وكأن رغبتهم في التحديث والتطوير وديمقراطية الادارة لا قيمة لها ولا حساب‏,‏ وكأن تفعيل دور المنظمات الحيوي في الاصلاح والمساندة للتصويب الحقيقي للاوضاع لايدخل في حسابات الوزير وتقديرات المسئولين بوزاته‏.‏
اولويات الانفاق العام المقلوبة وغياب دعم الانتاج
وتتصاعد مسئولية الوزير بحكم مسئوليته عن الصناعة بالاضافة الي التجارة وكل المبررات التي أعلنت للضم بينهما وعوائده وثماره لصالح التمنية والتقدم والاصلاح والتحديث وهي الامور التي لم تتحق علي ارض الواقع في ظل غياب الالتزام بالمصلحة العامة مع ترك الامور للمصالح الخاصة لتفرض نفسها كما شاءت وارادت وفي أوضاع جنون الاسعار فإن تراجع التصنيع الزراعي وعدم مواكبته لاحتياجات السوق وفشله في تقديم بدائل مغرية من حيث السعر والجودة لتعديل وتغيير أنماط الاستهلاك اضافة الي ترك المنتجين الزراعيين فريسة لحلقات الاحتكار المروعة وغياب المنافذ البديلة ولو جزئيا لتصريف الانتاج من خلال التصنيع وكذلك من خلال حلقات اضافية للتوزيع لصالح المنتجين والمستهلكين كل ذلك ساهم في تعميق الأزمات مع ترك الأوضاع الخاطئة علي ماهي عليه والأكثر أهمية وخطورة ان الصناعة عجزت عن تقديم القيمة المضافة علي نطاق واسع للزراعة المصرية وللمنتجات الأولية والوسيطة والتعدينية والطبيعية بتحويل جزء رئيس منها لسلع صالحة للاستهلاك النهائي في السوق المحلية والتصدير للخارج وتركتها للتداول بصورتها الأولية في السوق الداخلية أوفي الأسواق الخارجية‏.‏
وقد فرضت المصالح الاحتكارية سطوتها علي الموازنة العامة للدولة وهو ما يتضح من هيمنة اولويات مستحدثه علي الانفاق العام بالرغم من ندرة الايرادات العامة دفعت الي ان تتبني الموازنة العامة سياسات عامة ضارة بالتنمية وضارة بحقوق المنتجين وضارة بحقوق المستهلك مع تغليب مفهوم دعم المصدرين والتصدير بمليارات الجنيهات سنويا علي امتداد السنوات الماضية علي الرغم من ان دعم الصادرات يعني في الاساس دعما لمستهلك اجنبي خارج الحدود في ان هذا الدعم عندما يطبق يجب ان يذهب الي جيوب المنتجين لمساندتهم ولا يذهب للمصدرين لتضخيم ارباحهم ويعزز رفض توجيه الدعم للمصدرين غياب الاولويات الحقيقية المساندة للنمو والتنمية وكذلك ما أحيط بدعم الصادرات من تلاعب المصدرين وثبوته علي البعض منهم وتحويلهم بالفعل الي النيابة العامة للتحقيق والمساءلة وذلك في الوقت الذي ترفض فيه السياسات العامة تحت دعاوي اقتصاد السوق تقديم الدعم للمنتجين الزراعيين تحديدا بل وتتوسع في ملاحقتهم ومطاردتهم بفرض التكاليف العالية لمستلزمات الانتاج الزراعي مع فرض الأسعار المتدنية لانتاجهم الزراعي بالرغم مما يمثله من محاصيل استراتيجية أساسية يتراجع انتاجها عاما بعد عام وتتصاعد فاتورة تكاليف استيرادها عاما بعد عام في اهمال واضح يصل إلي درجة العمد مع سبق الاصرار والترصد لما يشكله من تصاعد خطير ومروع للفجوة الغذائية وما يعنيه من انكشاف غذائي يمس الأمن القومي المصري وتتصاعد حلقاته المدمرة مع الظروف العالمية ومتغيراتها العاصفة في مجال صادرات الغذاء الدولية وما يمكن ان يحيط بها من ضغوط سياسية طارئة ومستجدة‏.‏
ومن البديهيات المتعارف عليها اقتصاديا وعالميا أن شراسة الاحتكار ونفوذه وسلطانه يصل إلي القمة والذروة عندما تبدأ الندرة في الظهور كعلامة من علامات معاملات السوق وما تعنيه من تزايد الفجوة بين العرض والطلب ويصبح الأمر بمثابة الخطر الداهم عندما تظهر الفجوة نتيجة لانخفاض الانتاج المحلي وتراجعه وهو الأمر الذي حدث تحديدا في اللحوم الحمراء التي انخفض المنتج منها نتيجة سياسات عامة في البداية توقف معها مشروع البتلو الذي كان يقدم تسهيلات مالية للمربين وكان يقدم خدمات بيطرية لهم عن طريق الأجهزة المختصة ونظاما للتأمين الجزئي بما يعنيه من تعويضات حال مرض الماشية ونفوقها ثم انتشرت الأوبئة والأمراض الوافدة عبر الحدود نتيجة لغياب الرقابة والتفتيش الجاد علي الواردات ولم تتحرك وزارة الزراعة بالجدية اللازمة والمطلوبة وتقاعست عن توفير العلاج الفعال والتطعيمات المؤثرة وتركت المربين نهبا لقدرهم ومصيرهم فتراجع الانتاج‏,‏ والتهبت الاسعار وتكرست سطوة أباطرة احتكارات المنتجين الداخليين الأقوياء القادرين علي مساندة أنفسهم كما تدعمت قبضة ونفوذ أباطرة احتكارات المستوردين للحوم الحمراء وبدت الوزارات المسئولة وفي مقدمتها وزارة التجارة والصناعة ووزارة الزراعة وكأنها سعيدة بالمراقبة السلبية من مقاعد المتفرجين وجاءت الأفكار للحلول والمسكنات بعد أن تصاعدت حلقات المشكلة وتركزت في دائرة الاستيراد ولم تطرح الأفكار الأساسية المرتبطة بزيادة الانتاج المحلي والقدرات الانتاجية الوطنية وكأن الحل السحري دائما في الاعتماد علي الخارج وتكريسه كقاعدة لتوفير غذاء المصريين وتوفير احتياجاتهم من سلع الاستهلاك المختلفة وكأن الانتاج المحلي مجرد مكمل اضافي ومصدر هامشي لتلبية احتياجات الاستهلاك‏.‏
مسئولية الموازنة والسياسات العامة عن جنون الاسعار
وقد كانت السياسات العامة حاسمة وباترة في هوجة انفلونزا الطيور وفي هوجة انفلونزا الخنازير وقامت باللازم وزيادة خلال فترات زمنية قياسية وفرضت ارادتها علي المنتجين بغير نقض أو إبرام وأثبتت الأحداث بعد ذلك أن تصوير حجم الأزمة والمشكلة كان أكثر كثيرا من حقيقة الأزمة والمشكلة وقام وزير الصحة بجهد مشكور لاستيراد الأمصال اللازمة بمئات الملايين من الجنيهات واستورد أدوية لازمة وهي تحديدا دواء واحد من شركة واحدة بمئات الملايين ولم تستخدم الأمصال والأدوية وتضررت صناعة الدواجن وارتفعت اسعارها بشكل حاد وساعدت علي تصاعد اسعار اللحوم الحمراء والأسماك وتعميق ندرتها وفوضي انتاجها في غياب لأبسط المعايير الصحية والبيئية‏,‏ ويحتم ذلك مراجعة اليات اعداد السياسات العامة اللازمة لمواجهة الكوارث وضرورة ضبط سياسات مواجهة الازمات حتي لا تتسبب في صناعة ازمات اخري تضيف ما لا يطاق من الازمات للاقتصاد والمجتمع والمستهلك‏.‏
وفي الوقت الذي يوافق فيه وزير المالية علي رصد مليارات الجنيهات من الخزانة العامة كدعم للتصدير والمصدرين وتنجح جهود وزير التجارة والصناعة في تحويله الي سياسة عامة مستقرة وثابتة وزيادة مخصصاته بفائدة القلة القليلة فإن السيد أمين أباظة وزير الزراعة يوافق علي تراجع الميزانية المخصصة لوزارته عاما بعد عام علي الرغم مما يتسبب في من تخفيض حاد للتمويل الضروري اللازم للبنود التي تشكل الوظائف الرئيسية لعمل الوزارة المرتبطة اساسا بالانتاج الزراعي ومساندته بالتنمية الزراعية وتحفيزها وفي مقدمتها ايضا البحث العلمي والارشاد الزراعي وما كان يخصص لحملات مساندة المزارعين والمربين للماشية ودعمهم مثل الخدمات البيطرية وغيرها بحكم أن بند الأجور والمرتبات ثابت ولا يمكن ان يخضع للتخفيض بل يتضمن زيادات سنوية ترتبط بالعلاوات وغيرها وهو ما يعكس رؤية للوزير لمفهوم لاقتصاد السوق يتسبب في اضار فادحة في الزراعة عالميا بعدم اعترافه واهماله للمسئولية العامة عن مساندة الأنشطة وتحفيزها بل يتركها لحالها وشأنها تواجه مصيرها مهما كان مظلما وقاتما ومهما كانت تأثيراته السلبية حادة علي مجمل الأوضاع الاقتصادية العامة يضاف إلي ذلك غياب الأموال العامة اللازمة لمشروعات الصرف الزراعي وصيانة الترع وتجديدها وتطوير وتحديث نظام الري لرفع الانتاجية الزراعية وكأن وزارة الري غارقة في الانشغال بأمور مستجدة وجديدة ليس من بينها توفير المياه للمزارعين الذين تصاعدت شكواهم بدرجة صارخة علي امتداد السنوات الماضية‏.‏ ويعكس تراجع الانشغال العام عن دوائر محورية للتنمية والنمو إلي سياسات ترسخت في الموازنة العامة تتحكم في توزيع النفقات العامة بصورة تكاد تصيب الدور الحكومي بالشلل في قطاعات حيوية مثل الزراعة والري‏.‏
‏***‏
ما يعانيه المواطن المصري من ارتفاعات حادة ومجنونة للاسعار لا تقتصر علي سلعة واحدة بل تتواصل حلقاتها يوما بعد يوم لتشمل كل السلع والخدمات لابد وأن يستوجب مواجهة من نوع جديد تتجاوز عقلية الحديث عن الأزمة باعتبارها وافد مؤقت وطارئ لأن مجمل الارتفاعات السعرية وما يعنيه من انفلات لمعدلات التضخم وما يمكن ان يتسبب فيه من اندفاع الاقتصاد القومي إلي ركود تضخمي يوقف عجلة التنمية والنمو ويعطل حركة الحياة والمعاملات والأنشطة لابد وأن يستوجب مواجهة جنون الأسعار باعتباره عرضا لأمراض استفحلت عبر سنوات نتيجة لسياسات عامة حان الوقت لأن يسأل عنها بشكل مباشر الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الذي غالي في الاقتصاد والتقتير علي الأنشطة الحكومية الرئيسية والحيوية المرتبطة بالانتاج والمنتجين والمرتبطة بالتحديث والتطوير في الوقت الذي افرط فيه في دعم الصادرات والمصدرين وفي دعم الطاقة للصناعة الذي تستفيد منه عدد قليل للغاية من الصناعات والمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الحديد والأسمنت والتي تبيع انتاجها بأغلي الاسعار وبما يفوق اسعار الاستيراد والتصدير وتصدع الكافة والجميع كل يوم للمطالبة بفرض رسوم إغراق علي الواردات من الحديد والأسمنت وتملك نفوذا احتكاريا علي السوق المحلية يمكنها دائما من فرض السعر الأعلي دون حسيب أو رقيب؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.