هجوم حاد من "النواب" على وزير العدل ورئيس المجلس يتدخل: لا توجهوا أي لوم للحكومة    تزامنًا مع قرب فتح باب الترشح لانتخابات النواب.. 14 عضوًا ب«الشيوخ» يتقدمون باستقالاتهم    "الإصلاح والنهضة": صراع النواب أكثر شراسة.. ونسعى لزيادة المشاركة إلى 90%    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    تنسيق لإنشاء نقطة شرطة مرافق ثابتة بسوق السيل في أسوان لمنع المخالفات والإشغالات    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    النقل: خط "الرورو" له دور بارز فى تصدير الحاصلات الزراعية لإيطاليا وأوروبا والعكس    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    للحد من تسريب المعلومات.. وزارة الحرب الأمريكية تعتزم تنفيذ إجراء غير مسبوق (تفاصيل)    بعد القضاء على وحداتهم القتالية بالكامل.. القوات الروسية تأسر جنودا أوكرانيين    750 ألف وظيفة مهددة... أمريكا تواجه أسوأ إغلاق حكومي منذ عقود    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    الصحافة الإنجليزية تكشف موقف عمر مرموش من معسكر منتخب مصر    هالاند وجوارديولا ضمن قائمة الأفضل بالدوري الإنجليزي عن شهر سبتمبر    لقاء البرونزية.. موعد مباراة الأهلي وماجديبورج الألماني في بطولة العالم لكرة اليد للأندية 2025    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    شقيق عمرو زكى يكشف تفاصيل حالته الصحية وحقيقة تعرضه لأزمة قلبية    «الداخلية» تضبط شخصًا هدد جيرانه بأسطوانة بوتاجاز في الجيزة    تصالح طرفى واقعة تشاجر سيدتين بسبب الدجل بالشرقية    شيخ الأزهر يستقبل «محاربة السرطان والإعاقة» الطالبة آية مهني الأولى على الإعدادية مكفوفين بسوهاج ويكرمها    محافظ البحيرة تفتتح معرض دمنهور الثامن للكتاب    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    لدعم ترشيح «العناني» مديرًا ل«اليونسكو».. وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    بين شوارع المدن المغربية وهاشتاجات التواصل.. جيل زد يرفع صوته: الصحة والتعليم قبل المونديال    حب وكوميديا وحنين للماضي.. لماذا يُعتبر فيلم فيها إيه يعني مناسب لأفراد الأسرة؟    أسرة عبد الناصر ل"اليوم السابع": سنواصل نشر خطابات الزعيم لإظهار الحقائق    بدء صرف جميع أدوية مرضى السكري لشهرين كاملين بمستشفيات الرعاية الصحية بالأقصر    رئيس وزراء بريطانيا يقطع زيارته للدنمارك ويعود لبريطانيا لمتابعة هجوم مانشستر    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    تموين القليوبية يضبط 10 أطنان سكر ومواد غذائية غير مطابقة ويحرر 12 محضرًا مخالفات    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    الحكومة تُحذر المتعدين على أراضى طرح النهر من غمرها بالمياه    الجريدة الرسمية تنشر 6 قرارات جديدة لوزارة الداخلية (التفاصيل)    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا للرئيس السيسي (التفاصيل)    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنون الأسعار وانفلات التضخم‏(1‏ 2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 10 - 2010

لا يمكن فهم جنون الأسعار وانفلات التضخم خلال الفترة الماضية من خلال تحليلات سطحية تتحدث فقط لاغير عن تأثير متغيرات المناخ وموجات البرد وموجات الحر. كما لا يمكن القبول بدخول التبريرات الي كهف المأثورات الشعبية واسترجاع مقولات جنون الطماطم المؤقت والطارئ وأن الطماطم مجنونة بشهادة الآباء والاجداد‏,‏ كل ذلك مرفوض لانه يدخل تحت بند التبسيط المخل والتشويه المفتعل لأوضاع الأزمة القائمة التي لا تقتصر علي جنون أسعار الخضراوات بكل مفرداتها ولا تقتصر علي جنون أسعار الفاكهة بجميع مفرداتها بصورة فجائية وما سبقها من ارتفاع جنوني لاسعار اللحوم الحمراء والدواجن والاسماك والزيوت والبقول والسكر وغيرها من مكونات طعام الاسرة المصرية وهي مفردات لا يمكن استبعاد الافتعال المؤثم كمؤشر هام في تفسير احداثها ووقائعها اضافة لمسئولية السياسات العامة‏,‏ كما يستحيل اهمال دور اليد الظاهرة والأيادي الخفية لأباطرة الاحتكار وسدنته في التلاعب بالاسعار والأسواق وأن ما يحدث في الفترة الأخيرة ما هو إلا إعلان فج علي رءوس الاشهاد بسطوة الاحتكار وقدرته علي غرس أنيابه ومخالبه بغير هوادة في جسد الدولة واقتصادها وافتراس المستهلك بغير رحمة ويعني ذلك بكل بساطة ان غول الاحتكار انفتحت شهيته بلا حدود في غياب الضبط العام وفي غياب الرقابة العامة وكأن الممارسات الاحتكارية الفجة قد حصلت بالفعل علي عهود الأمان والسلامة والطمأنينة من وزير التجارة والصناعة الذي تغرق أجهزة وزارته في النوم الثقيل وعندما تفيق من غفوتها المريرة فإنها تلتزم بنصوص الحكمة الصينية التي تجبرها ألا تري ولا تسمع ولا تتكلم متغافلة عن بقية الحكمة التي تلزم الجميع والكل بأن يداروا عوراتهم وسوءاتهم ولا يكشفوها عيانا جهارا للخواص والعوام‏.‏
ما يحدث في نطاق جنون الأسعار يستحق من الجميع وقفة جادة لان الانفلات في الأسعار لا يقتصر علي مجموعة سلعية واحدة بل تتواصل حلقاته يوما بعد يوم الي مجموعات سلعية أخري ليشمل مجمل اسعار السلع والخدمات وهي جميعا سلع ضرورية للحياة وللوجود مع التهاب الاسعار لمجموعة سلع تمثل تشكيلة الغذاء اليومي المتعارف عليها والأكثر أهمية ان ارتفاع الأسعار يتوالي بمعدلات عالية لا تتوقف ولا تتمهل تكتسح أمامها وفي طريقها كل البدائل الممكنة والمحتملة وتتسبب في نهاية المطاف في دفع مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العامة والخاصة الي نفق مظلم من المخاطر المتصاعدة التي يستهين بها البعض ولا يقدرها البعض الآخر حق قدرها ومشكلة المشاكل ترتبط بعدم ادراك الغالبية العظمي ما يمكن ان تتسبب فيه من أزمات خانقة وطاحنة إذا لم يتم مواجهتها بالجدية اللازمة وبالحسم المطلوب بحكم تحول جنون الأسعار الي حلقات متراكمة تتواصل وتتراكم سلبياتها ويلعب في ساحتها بنشاط وهمة قوي احتكار ضارية تسعي لأن تفرض علي الدولة والمجتمع ارادتها وسطوتها بمعني ان تقرر بملء ارادتها المنفردة ما تحوزه وتتملكه بالسرقة والإكراه من ثروات الدولة ودخول وعوائد الاستثمار والعمل والملكية المشروعة في غياب الممانعة والرفض من الجهات والسلطات المختصة والمسئولة وفي ظل قبول قسري وقهري من أطراف التعامل المغلوبة علي امرها‏.‏
تغييب منظمات التجارة والصناعة وتجاهل سطوة الاحتكارات
ويصل الهزل والتبلد الي حدود اختزال علاج الظاهرة الاحتكارية الضارية من خلال انشغال المجتمع بحلول لا تملك حجية أو فعالية في الواقع المعاش بالاحاديث الفكاهية عن العودة الي فرض نظام التسعيرة الجبرية وكأنه نظام يفلح مع الأسواق المملوكة ملكية خاصة‏,‏ وكأنه نظام لايستوجب ولا يستلزم سطوة وسيطرة الدولة علي قطاع التوزيع وامتلاكها عن طريق الشركات العامة لمنافذ التوزيع المنتشرة شبكتها عبر الدولة جغرافيا وهو حل يندرج تحت وصف التعبير اللبناني الدارج طق حنك ومن يتحدثون عن التسعيرة الجبرية في اقتصاد يتحكم في سكناته وحركاته قوي احتكارية ضارية يضيفون لمسة درامية سوداء الي المشهد شديد السخونة ويساهمون بوعي وبدون وعي في صرف الاذهان عن الحلول الجادة التي تتناسب مع مقام الأزمة المتفجرة بكل تعقيداتها وتشابكاتها‏.‏
وعلي امتداد سنوات عمر وزارة الدكتور أحمد نظيف الراهنة تفنن المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة في أحاديث مطولة ومكثفة عن خطط عملاقة وعبقرية لتطوير وتحديث قطاع التجارة الداخلية وتحدث باستفاضة عن انطلاقة عصرية لقطاع التجارة الداخلية تضمن مصالح المستهلك وحقوقه ومع جنون الاسعار وانفلات التضخم وفوضي الأسواق الداخلية وفوضي التعاملات الخارجية لا يتجاوز احد الحقيقة عندما يقول ان ما قيل أو الجزء الرئيسي المرتبط بصالح المستهلك لم يتحقق ولم يؤثر في الواقع بالتحسين والتطوير الي الأحسن والأفضل وأن المحصلة النهائية الظاهرة للعيان تؤكد احكام الاحتكارات لقبضتها وسطوتها علي التجارة الداخلية والخارجية وان صالح المستهلك الذي هو الهدف الأسمي لاقتصادات السوق قد تعرض لأضرار حادة وقاسية وانها وصلت في الفترة الأخيرة الي ما لايمكن قبوله والسكوت عنه بالرغم من حملة الوزير الدعائية المكثفة وما يحيطها من هالات الوعد والتبشير‏.‏
وتتضاعف مسئولية الوزير بحكم مسئوليته عن التجارة الداخلية والخارجية وبحكم مسئوليته عن الأجهزة الرقابية الأساسية للسوق المحلية ومعاملاتها الخارجية في شقي الصادرات والواردات وكذلك بحكم مسئوليته المباشرة عن جهاز المنافسة ومنع الاحتكار وغيرها من الأجهزة الرقابية المسئولة عن التجارة اضافة لمسئوليته عن منظمات التجارة والصناعة متمثله في الغرف التجارية واتحاد الصناعات وتدخله المباشر في تعيين نصف الأعضاء الذين يديرونها واحتكاره سلطة تعيين رئيس اتحاد الصناعات حتي لو وصل الاحتكار الي حدود تجاهل ارادة كل أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين من كل قطاعات الصناعة وتعيين رئيس للاتحاد بالتناقض والتصادم مع ارادتهم المعلنة والمبلغة وتجاهل مبادرتهم باقتراح ترشيح مجموعة يمكن اختيار رئيس جديد للاتحاد من بينهم مع تجاهل شكواهم من اسلوب ادارة اتحاد الصناعات علي امتداد السنوات الثماني الماضية وكأن رغبتهم في التحديث والتطوير وديمقراطية الادارة لا قيمة لها ولا حساب‏,‏ وكأن تفعيل دور المنظمات الحيوي في الاصلاح والمساندة للتصويب الحقيقي للاوضاع لايدخل في حسابات الوزير وتقديرات المسئولين بوزاته‏.‏
اولويات الانفاق العام المقلوبة وغياب دعم الانتاج
وتتصاعد مسئولية الوزير بحكم مسئوليته عن الصناعة بالاضافة الي التجارة وكل المبررات التي أعلنت للضم بينهما وعوائده وثماره لصالح التمنية والتقدم والاصلاح والتحديث وهي الامور التي لم تتحق علي ارض الواقع في ظل غياب الالتزام بالمصلحة العامة مع ترك الامور للمصالح الخاصة لتفرض نفسها كما شاءت وارادت وفي أوضاع جنون الاسعار فإن تراجع التصنيع الزراعي وعدم مواكبته لاحتياجات السوق وفشله في تقديم بدائل مغرية من حيث السعر والجودة لتعديل وتغيير أنماط الاستهلاك اضافة الي ترك المنتجين الزراعيين فريسة لحلقات الاحتكار المروعة وغياب المنافذ البديلة ولو جزئيا لتصريف الانتاج من خلال التصنيع وكذلك من خلال حلقات اضافية للتوزيع لصالح المنتجين والمستهلكين كل ذلك ساهم في تعميق الأزمات مع ترك الأوضاع الخاطئة علي ماهي عليه والأكثر أهمية وخطورة ان الصناعة عجزت عن تقديم القيمة المضافة علي نطاق واسع للزراعة المصرية وللمنتجات الأولية والوسيطة والتعدينية والطبيعية بتحويل جزء رئيس منها لسلع صالحة للاستهلاك النهائي في السوق المحلية والتصدير للخارج وتركتها للتداول بصورتها الأولية في السوق الداخلية أوفي الأسواق الخارجية‏.‏
وقد فرضت المصالح الاحتكارية سطوتها علي الموازنة العامة للدولة وهو ما يتضح من هيمنة اولويات مستحدثه علي الانفاق العام بالرغم من ندرة الايرادات العامة دفعت الي ان تتبني الموازنة العامة سياسات عامة ضارة بالتنمية وضارة بحقوق المنتجين وضارة بحقوق المستهلك مع تغليب مفهوم دعم المصدرين والتصدير بمليارات الجنيهات سنويا علي امتداد السنوات الماضية علي الرغم من ان دعم الصادرات يعني في الاساس دعما لمستهلك اجنبي خارج الحدود في ان هذا الدعم عندما يطبق يجب ان يذهب الي جيوب المنتجين لمساندتهم ولا يذهب للمصدرين لتضخيم ارباحهم ويعزز رفض توجيه الدعم للمصدرين غياب الاولويات الحقيقية المساندة للنمو والتنمية وكذلك ما أحيط بدعم الصادرات من تلاعب المصدرين وثبوته علي البعض منهم وتحويلهم بالفعل الي النيابة العامة للتحقيق والمساءلة وذلك في الوقت الذي ترفض فيه السياسات العامة تحت دعاوي اقتصاد السوق تقديم الدعم للمنتجين الزراعيين تحديدا بل وتتوسع في ملاحقتهم ومطاردتهم بفرض التكاليف العالية لمستلزمات الانتاج الزراعي مع فرض الأسعار المتدنية لانتاجهم الزراعي بالرغم مما يمثله من محاصيل استراتيجية أساسية يتراجع انتاجها عاما بعد عام وتتصاعد فاتورة تكاليف استيرادها عاما بعد عام في اهمال واضح يصل إلي درجة العمد مع سبق الاصرار والترصد لما يشكله من تصاعد خطير ومروع للفجوة الغذائية وما يعنيه من انكشاف غذائي يمس الأمن القومي المصري وتتصاعد حلقاته المدمرة مع الظروف العالمية ومتغيراتها العاصفة في مجال صادرات الغذاء الدولية وما يمكن ان يحيط بها من ضغوط سياسية طارئة ومستجدة‏.‏
ومن البديهيات المتعارف عليها اقتصاديا وعالميا أن شراسة الاحتكار ونفوذه وسلطانه يصل إلي القمة والذروة عندما تبدأ الندرة في الظهور كعلامة من علامات معاملات السوق وما تعنيه من تزايد الفجوة بين العرض والطلب ويصبح الأمر بمثابة الخطر الداهم عندما تظهر الفجوة نتيجة لانخفاض الانتاج المحلي وتراجعه وهو الأمر الذي حدث تحديدا في اللحوم الحمراء التي انخفض المنتج منها نتيجة سياسات عامة في البداية توقف معها مشروع البتلو الذي كان يقدم تسهيلات مالية للمربين وكان يقدم خدمات بيطرية لهم عن طريق الأجهزة المختصة ونظاما للتأمين الجزئي بما يعنيه من تعويضات حال مرض الماشية ونفوقها ثم انتشرت الأوبئة والأمراض الوافدة عبر الحدود نتيجة لغياب الرقابة والتفتيش الجاد علي الواردات ولم تتحرك وزارة الزراعة بالجدية اللازمة والمطلوبة وتقاعست عن توفير العلاج الفعال والتطعيمات المؤثرة وتركت المربين نهبا لقدرهم ومصيرهم فتراجع الانتاج‏,‏ والتهبت الاسعار وتكرست سطوة أباطرة احتكارات المنتجين الداخليين الأقوياء القادرين علي مساندة أنفسهم كما تدعمت قبضة ونفوذ أباطرة احتكارات المستوردين للحوم الحمراء وبدت الوزارات المسئولة وفي مقدمتها وزارة التجارة والصناعة ووزارة الزراعة وكأنها سعيدة بالمراقبة السلبية من مقاعد المتفرجين وجاءت الأفكار للحلول والمسكنات بعد أن تصاعدت حلقات المشكلة وتركزت في دائرة الاستيراد ولم تطرح الأفكار الأساسية المرتبطة بزيادة الانتاج المحلي والقدرات الانتاجية الوطنية وكأن الحل السحري دائما في الاعتماد علي الخارج وتكريسه كقاعدة لتوفير غذاء المصريين وتوفير احتياجاتهم من سلع الاستهلاك المختلفة وكأن الانتاج المحلي مجرد مكمل اضافي ومصدر هامشي لتلبية احتياجات الاستهلاك‏.‏
مسئولية الموازنة والسياسات العامة عن جنون الاسعار
وقد كانت السياسات العامة حاسمة وباترة في هوجة انفلونزا الطيور وفي هوجة انفلونزا الخنازير وقامت باللازم وزيادة خلال فترات زمنية قياسية وفرضت ارادتها علي المنتجين بغير نقض أو إبرام وأثبتت الأحداث بعد ذلك أن تصوير حجم الأزمة والمشكلة كان أكثر كثيرا من حقيقة الأزمة والمشكلة وقام وزير الصحة بجهد مشكور لاستيراد الأمصال اللازمة بمئات الملايين من الجنيهات واستورد أدوية لازمة وهي تحديدا دواء واحد من شركة واحدة بمئات الملايين ولم تستخدم الأمصال والأدوية وتضررت صناعة الدواجن وارتفعت اسعارها بشكل حاد وساعدت علي تصاعد اسعار اللحوم الحمراء والأسماك وتعميق ندرتها وفوضي انتاجها في غياب لأبسط المعايير الصحية والبيئية‏,‏ ويحتم ذلك مراجعة اليات اعداد السياسات العامة اللازمة لمواجهة الكوارث وضرورة ضبط سياسات مواجهة الازمات حتي لا تتسبب في صناعة ازمات اخري تضيف ما لا يطاق من الازمات للاقتصاد والمجتمع والمستهلك‏.‏
وفي الوقت الذي يوافق فيه وزير المالية علي رصد مليارات الجنيهات من الخزانة العامة كدعم للتصدير والمصدرين وتنجح جهود وزير التجارة والصناعة في تحويله الي سياسة عامة مستقرة وثابتة وزيادة مخصصاته بفائدة القلة القليلة فإن السيد أمين أباظة وزير الزراعة يوافق علي تراجع الميزانية المخصصة لوزارته عاما بعد عام علي الرغم مما يتسبب في من تخفيض حاد للتمويل الضروري اللازم للبنود التي تشكل الوظائف الرئيسية لعمل الوزارة المرتبطة اساسا بالانتاج الزراعي ومساندته بالتنمية الزراعية وتحفيزها وفي مقدمتها ايضا البحث العلمي والارشاد الزراعي وما كان يخصص لحملات مساندة المزارعين والمربين للماشية ودعمهم مثل الخدمات البيطرية وغيرها بحكم أن بند الأجور والمرتبات ثابت ولا يمكن ان يخضع للتخفيض بل يتضمن زيادات سنوية ترتبط بالعلاوات وغيرها وهو ما يعكس رؤية للوزير لمفهوم لاقتصاد السوق يتسبب في اضار فادحة في الزراعة عالميا بعدم اعترافه واهماله للمسئولية العامة عن مساندة الأنشطة وتحفيزها بل يتركها لحالها وشأنها تواجه مصيرها مهما كان مظلما وقاتما ومهما كانت تأثيراته السلبية حادة علي مجمل الأوضاع الاقتصادية العامة يضاف إلي ذلك غياب الأموال العامة اللازمة لمشروعات الصرف الزراعي وصيانة الترع وتجديدها وتطوير وتحديث نظام الري لرفع الانتاجية الزراعية وكأن وزارة الري غارقة في الانشغال بأمور مستجدة وجديدة ليس من بينها توفير المياه للمزارعين الذين تصاعدت شكواهم بدرجة صارخة علي امتداد السنوات الماضية‏.‏ ويعكس تراجع الانشغال العام عن دوائر محورية للتنمية والنمو إلي سياسات ترسخت في الموازنة العامة تتحكم في توزيع النفقات العامة بصورة تكاد تصيب الدور الحكومي بالشلل في قطاعات حيوية مثل الزراعة والري‏.‏
‏***‏
ما يعانيه المواطن المصري من ارتفاعات حادة ومجنونة للاسعار لا تقتصر علي سلعة واحدة بل تتواصل حلقاتها يوما بعد يوم لتشمل كل السلع والخدمات لابد وأن يستوجب مواجهة من نوع جديد تتجاوز عقلية الحديث عن الأزمة باعتبارها وافد مؤقت وطارئ لأن مجمل الارتفاعات السعرية وما يعنيه من انفلات لمعدلات التضخم وما يمكن ان يتسبب فيه من اندفاع الاقتصاد القومي إلي ركود تضخمي يوقف عجلة التنمية والنمو ويعطل حركة الحياة والمعاملات والأنشطة لابد وأن يستوجب مواجهة جنون الأسعار باعتباره عرضا لأمراض استفحلت عبر سنوات نتيجة لسياسات عامة حان الوقت لأن يسأل عنها بشكل مباشر الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الذي غالي في الاقتصاد والتقتير علي الأنشطة الحكومية الرئيسية والحيوية المرتبطة بالانتاج والمنتجين والمرتبطة بالتحديث والتطوير في الوقت الذي افرط فيه في دعم الصادرات والمصدرين وفي دعم الطاقة للصناعة الذي تستفيد منه عدد قليل للغاية من الصناعات والمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الحديد والأسمنت والتي تبيع انتاجها بأغلي الاسعار وبما يفوق اسعار الاستيراد والتصدير وتصدع الكافة والجميع كل يوم للمطالبة بفرض رسوم إغراق علي الواردات من الحديد والأسمنت وتملك نفوذا احتكاريا علي السوق المحلية يمكنها دائما من فرض السعر الأعلي دون حسيب أو رقيب؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.