.. «مجنونة يا قوطة».. مقولة تطلق على الطماطم لكن الجديد هذه المرة أن الجنون أصاب جميع الخضراوات، فقد ارتفع سعر الخضراوات إلى أكثر من 200% خلال شهر واحد، الأمر الذى أدى إلى وقوف المستهلك حائرا بين أطراف عديدة يتبادلون الاتهامات، فالمزارعون يتهمون شركات البذور ووزارة الزراعة تتهم التجار، ويرون أن التجار جزء من هذه المشكلة، لكن زيادة درجات الحرارة أحد أهم الأسباب التى أدت إلى إتلاف المحاصيل الزراعية والخضراوات وخاصة أن التغيرات المناخية لها تأثير قوى على الخضراوات ذات الزهور الضعيفة وما بين هذا وذاك يبقى سؤال إلى أين تصل أسعار الخضراوات؟ فى البداية يقول ماهر زكى تاجر خضراوات: إن ما يتردد حول استغلال التجار لأزمة تلف محصول الطماطم وزيادة الأسعار غير صحيح حيث إن ارتفاع الأسعار يرجع إلى نقص الإنتاجية وبالتالى زاد الطلب. فأية سلعة تخضع لمعايير العرض والطلب. وأضاف ماهر: أن الأسعار ارتفعت فى الوجه البحرى أيضاً حيث وصل سعر الكيلو إلى 6 جنيهات بزيادة 50% خلال يومين، وهذا يحدث نتيجة قلة المعروض فى الأسواق وزيادة الطلب عليه ولأن الطماطم سلعة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها مثل باقى الخضراوات. وأوضح محمد عز أبوالدهب- مزارع- أن الطماطم من أهم الزراعات التى عملنا بها منذ زمن طويل وهى المحصول الأكثر دخلاً على الاطلاق، ولكن ما حدث هذا العام كان أمراً خطيرا ليس على مستوى الصعيد فقط، بل وصل الأمر إلى محافظات أخرى فى وجه بحرى وأيضا أثر على السوق بشكل مباشر فسعر الكيلو وصل إلى أكثر من 6 جنيهات فى وقت قياسى على الرغم من أن هذا هو موسم الانتاج. وخلال الأعوام السابقة كان سعر الكيلو فى الموسم لا يتعدى جنيها واحدا على الأكثر، وأضاف عز أن هذا التدهور يرجع إلى وجود حشرة جديدة، بالإضافة إلى أن الأمراض تتكاثر فى موجات الحر العالية، فتؤثر على جميع الخضراوات وهناك أنواع من المبيدات منتهية الصلاحية وغير فعّالة كان لها أثر فى عدم القضاء على الآفات وقلة الانتاجية وبالتالى زيادة الأسعار. وأضاف محمد تمام- أحد مزارعى الطماطم فى محافظة الاقصر- أن زراعة الطماطم هى المحصول الرئيسى الذى نعتمد عليه منذ زمن طويل ولا يمكن أن نتركه ونذهب لبديل آخر وكل عام يختلف عن العام الآخر فى حجم إنتاج الطماطم لكن على كل حال الانتاج يكون متقاربا ويغطى تكلفة الانتاج فمن المعروف أن الفدان يحتاج من 5 إلى 6 آلاف جنيه لإنتاج الطماطم. وفى هذا الموسم زرعت حوالى 6 أفدنة ولم استطع تحصيل جزء قليل من تكلفة الزارعة. وأضاف محمد تمام: أن الشركات التى تبيع البذور اقنعتنا بزراعة تلك البذور فى غير مواعيدها الرسمية وهو ما أدى إلى تدمير زراعات الطماطم. وقالت الشركات إن تلك البذور هى الأعلى انتاجية وأن هناك بعض الدول التى تستخدمها ونجحت وهو ما أدى إلى زراعة هذه الأصناف.. وثبت فشلها وقلة انتاجها وخاصة فى الصعيد. تغييرات مناخية/U/ ويقول عبدالناصر دياب من كوم أمبو أسوان: أعمل فى زراعة الطماطم والخضراوات منذ 10 سنوات اكتسبت خلالها خبرات كبيرة فى مجال مكافحة الحشرات والتعامل مع التغيرات المناخية حتى إننى كنت أضع بعض القش على الطماطم فى حالة البرودة واتعامل معها فى حالة ارتفاع درجات الحرارة، لكننى هذه المرة لم أضع يدى على الأسباب التى أدت إلى تلف زراعات الطماطم فهناك أكثر من سبب منها ارتفاع درجات الحرارة وأيضاً هناك بذور كنا نعتقد أنها تدر دخلاً أعلى من البذور التقليدية أو الشتلات التى نقوم بزراعتها فى حالة توافر نوعية معروفة من هذه البذور فى المحلات التى نتعامل معها بثقة. أيضاً ظهرت مؤخراً حشرة مدمرة لم نقو على مكافحتها حتى الآن، لذلك تم تلف ما يقرب من 30 ألف فدان طماطم بالمنطقة.. ويقول عامر الزيات بائع طماطم وخضراوات أعمل فى هذه المهنة منذ أكثر من 20 عاما ولدى ثلاثة أولاد يعملون معى فى هذه المهنة ولم نتعرض لمثل هذه الزيادة فى الأسعار من قبل إلا مرات محدودة وفى أغلب الأعوام تكون الأسعار لا تتجاوز الجنيه الواحد للكيلو هذا على أقصى تقدير لكن فى أعوام يكون موسم الطماطم فيها ذا إنتاج وفير جداً لدرجة أن سعر «العداية» كان يصل إلى 2 جنيه فكان سعر الكيلو أحياناً عشرة قروش وكان فى بعض الأعوام يصل إلى 25 قرشا أو خمسين قرشا على أعلى سعرا، لكن هذا العام وصل ثمن «قفص الطماطم» أكثر من 100 جنيه وهذا الغلاء ضرب علينا الموسم فمكسبنا أكثر مع رخص الأسعار وفى حالة زيادة الاسعار يكون البيع والشراء ضعيفا، فالذبون الذى اعتاد شراء 2 كيلو من الطماطم يكتفى بكيلو واحد. وهناك بعض الأسر تكتفى بشراء طماطم مجففة وأضاف الزيات أن الكميات التى اشتريها من السوق فى أوقات رخص الطماطم تصل إلى أكثر من 20 قفصا فى اليوم الواحد، ومع زيادة الأسعار لا أبيع سوى 10 أقفاص فقط ولم تقتصر زيادة الأسعار على الطماطم بل تنسحب على اغلب الخضراوات حيث وصل سعر كيلو اللوبيا إلى 16 جنيها والبامية إلى 15 جنيها والبطاطس إلى 6 جنيها. وتناول أحمد الزيات أطراف الحديث قائلاً زيادة الأسعار ترجع إلى تدمير موسم الطماطم حيث قلة الكميات التى تنتجها الزراعات فى الصعيد وخاصة الأقصر واسنا وقنا ونجع حمادى وسوهاج وأغلب المزارعين خسروا من زراعة الطماطم فى هذا الموسم. سوء الإدارة/U/ سوء إدارة المنظومة الزراعية وراء زيادة أسعرا الخضار وقلة الانتاج.. هذا ما قاله الدكتور عصام شلبى رئيس قسم المحاصيل الزراعية بكلية الزراعة جامعة الاسكندرية مؤكداً أن سياسات الوزارة غير الرشيدة وراء هذه التدهور الذى طال كل المحاصيل الزراعية وخاصة الطماطم، فلو قمنا يعمل دراسة نقارن فيها بين انتاجية المحاصيل الزراعية واسعارها منذ 2005 والآن لوجدنا هذا التدهور الملحوظ الذى نتج عنه ما نحن فيه الآن فزيادة الأسعار وصلت إلى 200% وتساءل الدكتور عصام عما إذا كانت هناك جدوى للعلاج أم لا فى ظل هذا التدهور وللأسف تقابل هذه الزيادة فى الأسعار زيادة فى أسعار الأسمدة تحت دعاوى مجارة الأسعار العالمية. هذا بالإضافة إلى التغيرات المناخية وهذه حقيقة لا ننكرها لكن وجودها لا يعنى أن نقف مكتوفى الأيدى فلابد من التكيف معها وعمل الدراسات التى تجعلنا نحصل على انتاجية عالية فىظل هذه الاجواء. وأضاف د.شلبى: أن بذور الطماطم أحد أهم العوامل التى تؤدى إلى زيادة الانتاجية أو نقصها فنحن نستورد أغلب بذور الطماطم من دول أخرى حيث يصل كيلو البذور إلى بضعة آلاف من الجنيهات لكننا نحتاج إلى إنتاج بذور مصرية نضمن سلامتها وقوة إنتاجها. لكن الدكتورة سامية المرصفاوى استاذ المحاصيل الزراعية ترى أن زيادة معدلات درجات الحرارة أدت إلى نقص فى انتاجية المحاصيل الزراعية بشكل عام والطماطم بشكل خاص، لأن زهرة الطماطم حساسة وضعيفة وتتأثر بزيادة درجات الحرارة فزيادة درجات الحرارة بنسبة 3.5% تقلل من انتاج الطماطم بما يقرب من 51%، أما زيادة درجات الحرارة بنسبة 1.5% تقلل من الانتاجية 14% من نسبة الانتاج ونحن تعرضنا لعدد من الموجات الحرارية المرتفعة فى الفترات السابقة لم تشهدها مصر من قبل تسببت فى ضرر كبير للمحاصيل الزراعية وخاصة الطماطم. أما المهندس محمد جمال المدير السابق لمديرية الزراعة بأسوان فيرى أن الدورة الزراعية التى تتبعها وزارة الزراعة هى السبب. فكل مزارع يزرع ما يراه أصلح له وهذا فى حد ذاته خلل. فمنذ فترة كانت وزارة الزراعة تلزم المزارع بزراعة صنف واحد سواء القطن أو القمح وغيرهما ولذلك فلا يوجد خلل. أما الآن فتجد المزارع عندما يجد الطماطم هى المحصول الذى يدر دخلاً أكثر . وأضاف المهندس جمال: أن البذور ليست سبب قلة الانتاج لأن كل مزارع يقوم بعمل شتلات بناء على البذرة التى استخدمها فى الزراعات السابقة فهناك على سبيل المثال بذور هجين (1) وبذور هجين (2) وهناك بذور أخرى غير صالحة لذلك يلجأ المزارعون إلى أخذ هذه البذور من مصادر إنتاجها ومن المحلات التى تعمل فى مجال البذور والغلال وهذه المحلات لا تبيع إلا أنواعا مصرحا بها من الوزارة كانت قد دخلت مصر ومسجلة ولها ماركة وتخضع هذه المحلات للجان تفتيش تشرف عليها وزارة الزراعة. ومن جانبه يرى الدكتور صلاح سليمان نائب رئيس لجنة المبيدات بوزارة الزراعة أن المبيدات التى استخدمت فى السنوات السابقة هى نفس المبيدات التى استخدمت هذا العام وبالتالى فليست هى السبب وراء انخفاض إنتاجية الخضراوات وزيادة اسعارها وإذا كانت هناك حالات غش للمبيدات فهى حالات فردية ليست الواقع كما يدّعى البعض من أن هناك حالات غش عن طريق وضع اسم منتج على منتج آخر. وأضاف د.صلاح أن زيادة درجات الحرارة لها تأثير على المحصول، كما أوضح أن درجات الحرارة له تأثير على الديدان والحشرات. فزيادة درجات الحرارة تؤدى إلى ظهور ديدان وحشرات واختفاء انواع أخرى من الحشرات. وأضاف أن وزارة الزراعة بها معامل مركزية تقوم بتحليل عينات من المبيدات وتحدد مدى صلاحيتها وفاعليتها، كما أن بها رقابة فى المعمل المركزى للمبيدات فى مركز البحوث الزراعية للتأكد من سلامة العينات ولم يقتصر الأمر على هذا. بل توجد هناك رقابة على المحلات التى تبيع البذور والتأكد من اعتماد هذه البذور من وزارة الزراعة والتأكد من فاعليتها. وطالب د. صلاح سليمان بتقوية جهاز الرقابة للاطمئنان عل تسلسل الطريق الذى تمر به المبيدات منذ لحظة خروجها من المصنع إلى استخدامها من قبل المزارع ومراحل استخدامها طوال فترة زراعة المحصول. الأزمة مستمرة/U/ أما عبد الرحيم الغول رئيس لجنة الزراعة بمجلس الشعب فيرى أن الأزمة لاتزال وسوف تستمر إلى أن يأتى موسم جديد للخضراوات، ولاشك أن الطماطم محصول لا يقل أهمية عن أى محصول استراتيجى ونظراً لأهميتها تحتاج إلى توفير سلالات جديدة تعطى محصولا أكبر سواء كانت هذه السلالات من داخل مصر أو من الخارج وإذا ثبت أن وراء تدمير محصول الطماطم البذور التى تم استيرادها من الخارج فلابد من محاسبة من قام بهذا ومن عمل على تسهيل المهمة لتلك الشركات التى تستورد مثل هذه الأنواع من بذور الطماطم وغيرها من بذور الخضراوات والفاكهة أو حتى بذور القمح، ولذلك فلابد أن تعمل وزارة الزراعة على توفير الأدوات اللازمة لمحاربة الآفات والحشرات التى تدمر المحصول ومحاولة القضاء على أية حشرات لم نرها من قبل فى السنوات السابقة. وعمل كل الاستعدادات اللازمة لتلك الحشرات التى تأتينا فى الغالب من دول أخرى. وأضاف الغول: أننا نعمل فى الوقت الحالى على تجميع كل الأسباب التى أدت إلى اتلاف بعض الزراعات وخاصة الطماطم وسوف يتم التعامل معها ومخاطبة وزارة الزراعة لوقف هذه الأمر حتى تعود الأسعار إلى سابق عهدها ويصبح الانتاج كما كان أو أكثر.