لعل النقطة المثيرة للإهتمام فيما يتعلق باستقالة رئيس الوزراء الياباني هاتوياما, هي حالة التناقض بين ما يتسم به الخبر من كونه غير جديد من جانب, وكونه غير متوقع من جانب آخر. فعلي الرغم من أن الإستقالة تأتي بعد أقل من تسعة أشهر علي تشكيل هاتوياما وحزبه الحزب الديمقراطي الياباني للحكومة منهيا بذلك سيطرة شبه ممتدة خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية للحزب الليبرالي الديمقراطي فيما عرف بنظام1955, وعلي الرغم من أن الاستقالة جاءت في توقيت تعاني فيه حكومة هاتوياما من تراجع حاد في شعبيتها وصل الي اقل من14%20% وفقا لبعض الاستطلاعات إلا ان تلك العوامل لم تكن تمثل مبررا كافيا لاستقالة هاتوياما. كما أنها لم تكن متوقعة في ظل تصريحات هاتوياما المتكررة خلال الأشهر الماضية, وهي التصريحات التي أكد فيها بوضوح تصميمه علي البقاء في منصبه ورغبته في عدم الاستقالة, إبان الأزمة التي واجهته بعد الكشف عن تلقي حزبه لأموال من والدته لدعم حملته الانتخابية, وكذلك قضايا الفساد التي واجهت بعض المقربين منه, إلي جانب قضية القاعدة العسكرية الامريكية في' اوكيناوا' والموعد المحدد لنقلها إلي خارج الجزيرة تنفيذا لوعده الانتخابي. والسؤال هنا ما هو الجديد وكيف يمكن تفسير تلك الاستقالة ؟ من المهم الإشارة هنا إلي ما مثله انتخاب هاتوياما في السياق الياباني, فخلال الانتخابات والمرحلة السابقة عليها دار الحديث كثيرا حول ظاهرة أوباما, في إشارة واضحة إلي رغبة الشعب الياباني في التغيير, تعبيرا عن الغضب من سياسات الحزب الليبرالي الديمقراطي خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية, بالإضافة إلي أن هاتوياما جاء بخطاب مختلف في كل من السياسات الداخلية والخارجية, فعلي الصعيد الداخلي تحدث عن ضبط الإنفاق الحكومي وتنشيط الاقتصاد الوطني, وضرورة إحداث تغييرات أساسية لدعم الإسرة اليابانية, والتعامل بشكل عملي مع المشكلة الديموجرافية التي تعاني منها اليابان عبر تقديم حوافز لتشجيع الانجاب وهو الأمر الذي رأي الكثيرون أنه أثبت قدرته علي النجاح في تحقيقه وإن عبرت تلك التحليلات عن حاجته لمزيد من الوقت لتحقيق التغير المطلوب. أما علي صعيد السياسة الخارجية فقد كان واضحا ان خطابه المختلف لابد أن يمس العلاقة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة, حيث تحدث عن ضرورة اتخاذ سياسات أكثر استقلالية عن السياسات الأمريكية. وفي هذا السياق تحدث بوضوح وبشكل قاطع عن مسألة القاعدة الامريكية في اوكيناوا مؤكدا ضرورة تغيير الالتزامات الأمنية الموقعة مع الولاياتالمتحدة, ونقل القاعدة' فوتينما' الأمريكية خارج الجزيرة. وبهذا, جاء انتخاب هاتوياما بمثابة تعبير عن الغضب والرغبة في التغيير, ولكنه جاء أيضا محملا بالكثير من الوعود الواضحة. ولعل تلك النقطة تحديدا هي أحد اخطاء هاتوياما الأساسية التي أدت به إلي الاستقالة. فعلي الرغم مما يتسم به عالم السياسة من عبارات فضفاضة ووعود قابلة للتأويل جاءت وعود هاتوياما واضحة ومحددة, والأكثر من هذا أنه وعلي الرغم من عدم ترحيب الولاياتالمتحدة بنقل القاعدة العسكرية خارج الجزيرة, ورفض حاكم وأهالي أوكيناوا لاستمرار القاعدة أو بعض منشآتها علي أراضي الجزيرة, إلا أنه الزم نفسه بأكثر من الوعد الانتخابي وحدد موعدا نهائيا للتوصل لاتفاق حول مسألة القاعدة هو13 مايو الماضي. وبالوصول لهذا الموعد المحدد دون التوصل لاتفاق بنقل القاعدة بسبب الرفض الأمريكي, وما أدي اليه هذا من انسحاب أحد الاحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحكومي الحزب الديمقراطي الاجتماعي أصبحت خيارات هاتوياما محدودة. غير أن تلك الأوضاع قد لا تكون كافية لتفسير الاستقالة دون النظر للسياق الياباني نفسه, ففكرة التحرك الجماعي وانعكاس هذا الموقف علي الجماعة تفسر بدرجة كبيرة اتخاذ قرار الاستقالة. فهاتوياما كان قد حاول إيجاد تبريرات لبقائه في المنصب خلال الأزمات التي تعرض لها, حيث برر تغييرموقفه من قضية اوكيناوا بقوله إنها كانت تعبيرا عن موقف شخصي بأكثر منها تعبير عن موقف رسمي لحزبه معطيا نفسه مساحة للمناورة, ولكن رغبة حزبه في عدم خسارة انتخابات المجلس الأعلي للدايت المقررة في11 يوليو القادم, مثلت عاملا أساسيا يضاف للعوامل السابقة لتفسير قرار هاتوياما بالاستقالة. فمن جانبهم اعتبر أعضاء الحزب أن بقاء هاتوياما مع فشله في تنفيذ وعوده الانتخابية سيكون كفيلا بالقضاء علي فرصهم في الانتخابات في حين ان تغييره بالاضافة إلي تغيير الأمين العام للحزب, يضمن لمرشحي الحزب الاحتفاظ بفرص أفضل. ولكن هل يعني هذا تغييرا معينا في السياسة اليابانية خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية؟ يجب أن نلاحظ هنا أن التغيير الذي حدث اقتصرعلي تغيير رئيس الوزراء دون اسقاط الحكومة كونها مازالت تتمتع بالأغلبية في المجلس الأدني للبرلمان, كما قد تنجح في ضم أحد الأحزاب الأخري لصفوف التحالف بما يضمن لها عددا مناسبا من الأصوات داخل المجلس الأهم في صنع القرار. بالاضافة إلي أن متوسط عمر الحكومات اليابانية لا يتسم بالطول, وعادة تتغير الحكومات بمعدل سريع قد يصل في المتوسط الي أقل من عامين, كما ان التطور العام لشعبية تلك الحكومات لا يختلف عما شهدته حكومة هاتوياما, فإحدي السمات الاساسية هي تراجع شعبية الحكومات التي تصل للسلطة وهو ما حدث مع هاتوياما الذي وصلت شعبية حكومته في الفترة الاولي الي60%. وفي هذا السياق يصبح هاتوياما جزءا من حالة عامة تتسم بها السياسة اليابانية وهو ما يجعل الخبر نفسه غير جديد علي المشهد الياباني.