بعيون دامعة أعلن رئيس الوزراء الياباني يوكيؤ هاتوياما يوم الأربعاء الماضي تنحيه عن مقعد رئاسة الوزراء. وبذلك يعتبر هاتوياما رئيس الوزراء الياباني الرابع علي التوالي. الذي لم يبق في منصبه أكثر من عام. وهو الأمر الذي يرسخ من الاعتقاد الشائع بأن اليابان لا تزال مفتقرة للقيادة السياسية القادرة علي إخراج البلاد من حالة الشلل السياسي التي تمر بها. وهي الحالة التي لا تجعل ثاني أكبر اقتصاد في العالم قادرا علي لعب دور عالمي أكثر فاعلية أو الخروج من حالتي الركود والكساد التي يمر بهما منذ حوالي عقدين. هاتوياما الذي وصل إلي السلطة قبل اقل من تسعة شهور فقط حاملا معه حلما كبيرا بتغيير اليابان بعد إطاحته بالحزب الليبرالي الديمقراطي الذي حكم اليابان لمدة تزيد علي نصف القرن هدف من استقالته في هذا التوقيت بالذات تعزيز فرص حزبه في الفوز بانتخابات التجديد النصفي لمجلس المستشارين المقررة في11 يوليو المقبل خاصة أن استطلاعات الرأي العام التي جرت مؤخرا أشارت إلي أن شعبية حكومته تدهورت إلي17% بعدما كانت75% عند بداية عملها في منتصف سبتمبر الماضي. أحلام كبيرة عندما جاء هاتوياما إلي السلطة كانت لديه احلام كبيرة من أهمها إنعاش الاقتصاد الياباني وتقليل سيطرة الجهاز البيروقراطي علي عملية صنع وتنفيذ القرارات لصالح الساسة المنتخبين من الشعب وإنشاء علاقات أكثر تكافؤا وندية مع الولاياتالمتحدة. إلا أنه أخفق في تحقيق معظم هذه الأحلام ومن ثم لم يكن أمامه سوي الاستقالة أو الانتحار سياسيا وهو ثمن الفشل في التقاليد اليابانية. فعلي الصعيد الداخلي كان نجاح هاتوياما محدودا في تحسين الأحوال الاقتصادية. حيث حذر العديد من المراقبين من أن تصبح اليابان' يونان ثانية' بعد أن بلغت الموازنة العامة اليابانية للعام المالي2010 أعلي مستوي قياسي لها في تاريخ اليابان حيث وصلت إلي حوالي92 تريليون ين( أو تريليون دولار تقريبا) وترتب علي ذلك زيادة إصدار السندات الحكومية لتغطية العجز في الموازنة لتصل إلي44 تريليون ين وهو ما جعل الدين العام الياباني يصل إلي حوالي200% من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك فقد فشل رئيس الوزراء السابق في تنفيذ وعوده الخاصة بتقليل الهدر في الانفاق العام. فرغم ان حكومة هاتوياما تعهدت بتوفير3 تريليونات ين من أموال المشروعات العامة فإنها لم تفلح إلا في توفير700 بليون ين فقط. وهو ما جعلها عرضة لسهام النقد والتعنيف من جانب معظم الاقتصاديين في ضوء إصرارها علي عدم رفع ضريبة الاستهلاك قبل عام2012. أما الفشل الأكبر لهاتوياما فكان علي الصعيد الخارجي. فبعد أن أثار هاتوياما آمال نسبة كبيرة من الرأي العام الياباني نتيجة وعده الانتخابي المثير إليهم بنقل قاعدة فوتنيما الجوية الأمريكية إلي خارج جزيرة أوكيناوا بل وإلي خارج اليابان كلها لم ينجح في إقناع إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بذلك رغم جهوده الحثيثة والمستمرة في هذا الاتجاه. مما دفعه في النهاية إلي التراجع عن هذا الوعد وهو الأمر الذي أثار عليه اتهامات ب' الخيانة' ومظاهرات عارمة في اوكيناوا شارك فيها أكثر من100 ألف شخص. كما أدي تراجعه عن وعده أيضا إلي انهيار الائتلاف الثلاثي الحاكم والمكون من الحزب الديمقراطي الياباني وحزب الشعب الجديد والحزب الاشتراكي الديمقراطي بعد انسحاب الأخير من هذا الائتلاف احتجاجا علي حنث رئيس الوزراء بوعده. درس وعبرة قبل توليه السلطة جذب هاتوياما الانظار إليه عندما انتقد العولمة الأمريكية بشدة وتعهد بتقليل تبعية اليابان للولايات المتحدة وهي التبعية التي ترسخت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان وعده بنقل قاعدة فوتنيما الأمريكية إلي خارج جزيرة اوكيناوا لتخفيف العبء عن أهالي الجزيرة المتضررين من الحوادث والازعاج والتلوث الذي تسببه هذه القاعدة مؤشرا علي رغبته القوية في بناء علاقات أكثر ندية ومساواة مع واشنطن. غير أنه من الواضح أن هاتوياما عندما كان خارج السلطة أساء تقدير مدي تعقد العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين اليابانوالولاياتالمتحدة ومن ثم أسلم نفسه لأوهام غير واقعية تتمثل في قدرته علي إعادة بناء وتشكيل هذه العلاقات لتصبح أكثر مساواة وندية متجاهلا حقيقة ان الولاياتالمتحدة لا تزال الضامن الحقيقي للأمن القومي الياباني في مواجهة استمرار كوريا الشمالية في تطوير قدراتها النووية والصاروخية وتنامي القدرات العسكرية الصينية إلي الحد الذي بدأت فيه بكين إرسال سفنها الحربية للتدريب بالقرب من الجزر اليابانية. وفي ضوء ذلك يري عدد من المراقبين أن تجربة هاتوياما في ممارسة السلطة والحكم ستكون درسا وعبرة لأي من الزعماء اليابانيين القادمين خاصة اولئك الذين قد يفكرون في إعادة تشكيل العلاقات مع الحليف الأمريكي في المستقبل. فرغم ان التغيير الفجائي لرئيس الوزراء ليس جديدا أو غريبا في الحياة السياسية اليابانية فإن ما يميز الحالة الأخيرة عن غيرها من حالات رؤساء الوزراء الذين يلمعون وينطفئون بسرعة في اليابان هو ان هاتوياما سقط بشكل رئيسي بسبب موقفه المختلف من التحالف الأمني والاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة مقارنة بزعماء اليابان الآخرين.