من المؤكد أن العدل والظلم وجهان للعملة المتداولة علي صعيد الحياة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها, ولو لم يكن هناك ظلم ما عرف الناس قيمة العدل.. بل إن تاريخ البشرية يقول: إن الظلم كان هو الأسبق ومن ثم نزلت رسالات السماء لكي تحمي الحياة من مخاطر الظلم الذي يمكن أن يدمرها في غياب شريعة العدل كقانون ضروري للتعامل بين الناس. ومن فضل الله علي البشر أن عصور الجهالة والوثنية لم تدم طويلا, وإلا كانت الحياة قد انتهت والحضارة لم تر النور في ظل قانون الغابة الذي يسمح للقوي بأن يفعل ما يشاء حتي يجيئه من هو أقوي منه ليقضي عليه, وهكذا تمضي وتيرة الحياة كأننا في غابة علي شكل صراع لا ينتهي! بل إن أعظم ما في الرسالات السماوية- وفي الإسلام تحديدا- أن العدل هو أساس الحياة وأن الظلم هو أخطر ما يهدد الحياة, ومن هنا كان النص صراحة وبوضوح علي الحقوق والواجبات بين الأمم وأيضا داخل كيان الأسرة الواحدة بين الأب والأم والإخوة والأبناء ولم يترك الأمر رهنا للمقادير واعتمادا علي صلة الرحم وروابط القربي فقط تحسبا لما يمكن أن يصيب بعض النفوس من انحراف فتتحول- بإرادتها أو رغما عنها- من كونها نفسا هادئة مطمئنة تعطي كل ذي حق حقه إلي نفس أمارة بالسوء تعشق الظلم وتستسهل الجور علي حقوق الغير. وقديما سألوا أحد الحكماء: كيف تري الخط الفاصل بين العدل والظلم فأجاب الحكيم قائلا: إنه مثل الخط الفاصل بين النور والظلام الذي نراه بأعيننا في لحظة غروب الشمس أو عند مطلع الفجر... و سئل حكيم آخر نفس السؤال فأجاب قائلا: إن هذا الخط الفاصل يرتبط بالقدرة علي رؤية الأشياء بعين واحدة لا تقرب المسافات ولا تبعدها ولا تضخم الأحداث أو تهون منها.. إنها عين الحياد التي لا تلون الأشياء حسب الهوي والغرض ولا تخلط بين الحق والباطل! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الزهد في الأشياء خير من الاحتياج لها! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله