بقلم : د. معتز سلامة : أهم ما سلط الإعلان الدستوري الأخير الضوء عليه هو عملية صنع القرار في مؤسسة الرئاسة المصرية, حيث إن عددا من القرارات التي صدرت عن المؤسسة حتي الآن أخذ طابع المفاجأة والصدمة, وبدا منفصلا عن التحليل والقراءة المتأنية للبيئة الاجتماعية والسياسية للقرار, ومبتعدا عن أعراف وتقاليد رئاسية مستقرة, علي نحو أنتج سلسلة من الأزمات البروتوكولية والموضوعية, وانتهي الأمر بالتراجع عنها, وهو ما يشير إلي وجود جوانب مزمنة للخلل في عملية صنع القرار الرئاسي. وصنع القرار هو علم قائم بذاته في العلوم السياسية والإستراتيجية. وعدم دراسة هذا العلم النظري, والاستفادة بتجارب الخبراء والممارسين, يوقع صانع القرار في الكثير من الأخطاء. ومن القرارات الخاطئة التي يذكرها التاريخ مثلا: قرار الرئيس عبد الناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في1967, وقرار صدام حسين بغزو العراق في1990, وقرار الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بأسر جنديين إسرائيليين في2006 ويسعي هذا المقال للتعرف إلي بعض مشكلات صنع القرار في مؤسسة الرئاسة في ظل إدارة الرئيس مرسي, والتي يتضح منها ثلاث مشكلات أساسية: أولا: الاضطراب في مهمة الجهاز الرئاسي: فقد استحدثت إدارة الرئيس مرسي هيئتين جديدتين, وهما: مساعدو الرئيس, والهيئة الاستشارية, الأولي من4 شخصيات مهمتهم أقرب إلي التنفيذية(مثل موظفي البيت الأبيض), وهم شبه متفرغين للوظيفة, ويداومون عملهم في قصر الرئاسة, والثانية من17 شخصية, مهمتهم استشارية ومشورتهم غير إلزامية, وهم غير متفرغين وغير مقيمين. ولا تزال العلاقات الشخصية وطبيعة التوازنات في قصر الرئاسة غير معروفة, وترددت شائعات عن اثنين أو ثلاثة باعتبارهم مركز الثقل في الرئاسة, وأنهم يرتبطون مباشرة بمكتب الإرشاد. ومن تصريحات بعض مستشاري الرئيس يتضح أنه كان هناك منذ البداية اختلاف حول طريقة عملهم, بين تفضيل: اختصاص كل منهم بملف واحد, أو عملهم علي شكل عصف ذهني جماعي في القضايا والملفات محل الاستشارة, أو عملهم بالطريقتين معا. وانتهي الأمر إلي تغليب النمط الأول, بما يعني أن الرئيس يظل حلقة الوصل بينهم. وهذه الطريقة في العمل لها بعض المزايا من ناحية إذكاء روح المنافسة بين فريقه الرئاسي ومستشاريه, كما أنها تجعل الرئيس المركز الأساسي لعملية صنع واتخاذ القرار, وتحول دون بروز نمط اتخاذ القرار بأغلبية المستشارين, الذين يمكن أن يصبحوا لوبيات بيروقراطية ضاغطة علي الرئيس. لكن علي الرغم من فائدتها للرئيس فإنهما لا تفيد في مزج الرؤي وترشيد القرار الاستراتيجي, وتحول دون تكوين إدارة احترافية للقضايا والرؤي الأشمل لإدارة الدولة, حيث ينهك المستشارون في الملفات والاختصاصات الجزئية التي يمكن أن يقوم بها موظفو الرئاسة أو المسئولون بالوزارات. ثانيا: الشكوك حول مركز صنع القرار: فمن أكثر ما أحدث فجوة ثقة في القرارات الرئاسية ما طرحه صدور الإعلان الدستوري من شكوك بشأن مركز صنع القرار في الدولة, وما إذا كان هو قصر الاتحادية أم مكتب الإرشاد, وذلك ما عبر عنه الفقيه الدستوري د. إبراهيم درويش حين وصف قرارات الرئيس بأنها( تأتي' دليفري' من مكتب الإرشاد). ولقد طرح الشكوك فعليا ما برز من تنسيق محكم بين الرئاسة والجماعة وقت صدور الإعلان وتعبئة الحشود لتأييده أمام دار القضاء العالي, وتعبئة الحشود للرئيس أمام قصر الاتحادية في اليوم التالي. ثالثا: تغليب الأيديولوجية علي الاحترافية: أشارت أزمة الإعلان الدستوري إلي التأثير السلبي للإدارة بالفكرة المسبقة التي يسيطر عليها نهج أيديولوجي معين علي نحو يخل بالاحترافية, حيث يشير الإعلان إلي أنه لم يخرج من مؤسسة احترافية قامت علي موازنة الآراء وحساب مردودات كل خطوة, وإنما خرج بحسابات وبفكر أحادي لم يحسب النتائج والمردودات المحتملة للقرار بدقة. إن أي نظرة سريعة علي الإعلان قبل صدوره يفترض أن تشير إلي أن تطبيقه شبه مستحيل في ظل ظروف مصر بعد الثورة, وقد ينتهي إلي دوامة عنف وحرائق سياسية ومجتمعية واسعة, ومن الناحية العملية, وضع' الإعلان' الرئيس بين حائطي صد, فإما أن يرجع عن الإعلان, ويظهر بمظهر الضعف الشديد, ويبدو الأمر كهزيمة للجماعة ومجمل الإسلاميين, علي نحو يهدد قاعدته الانتخابية, أو أن يستمر علي موقفه فيصطدم لا محالة بموقف قد يكون شبيها بموقف الرئيس السابق يوم11 فبراير2011, أو أن يقرر القفزة البعيدة في المجهول علي نحو ينقل البلاد إلي وضع أكثر خطرا. المؤكد أن كل الخيارات تهدد بمزيد من مؤشرات العصيان المؤسسي. ويشير إلي ذلك البيان الشديد للمحكمة الدستورية في28 نوفمبر, وقرار محكمة النقض في اليوم نفسه تعليق العمل حتي يتم إلغاء الإعلان الدستوري. وفي النهاية, كان إصدار الإعلان الدستوري بحاجة إلي فقه الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد ثورة25 يناير, وليس فقه الدستور فقط. وكان الرئيس بإمكانه إصدار ما يشاء من قرارات أو إعلانات إذا سبقها تحقيقه إنجازا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ملموسا, وهو ما كان يمكن أن يمثل جسرا للعبور الآمن لبرنامج الإخوان, أما البدء باستصدار قوانين وإعلانات دستورية من دون أن يسبقها ذلك فإنه أمر لا يمكن تمريره. وحصاد كل ذلك هو تضييع أهم فرصة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي بشكل عام, في البلد التي تمثل موطن وأم الجماعة في العالم.