بعد هبوط آرمسترونج علي سطح القمر في فجر الاثنين 11 يوليو 1969, وبعد أن قال عبارته المشهورة إنها خطوة صغيرة للانسان, ولكنها قفزة عملاقة للبشرية ماذا حدث بعد ذلك في العام التالي, عام 1970 ؟ انعقد مؤتمر القمة الروحي الثاني ل معبد التفاهم في 31 مارس 1970 بجنيف بسويسرا. والسؤال اذن: ماذا عن معبد التفاهم؟ وماذا حدث في ذلك المؤتمر؟ تأسس هذا المعبد في عام 1960 بواشنطن وبه ممثلون عن أحد عشر دينا منها البوذية- الكنفوشية- الجينية- السيخية- الشنتوية- الزرادشتية- اليهودية- المسيحية- الاسلام- البهائية, والغاية من تأسيسه الكشف عن المغزي الروحي المشترك لهذه الأديان دون الاشارة إلي التباينات العقائدية. انعقد المؤتمر الأول في عام 1968 بكلكتا بالهند تحت عنوان مغزي الدين في العالم الحديث, واستنادا إلي ما جاء في الأبحاث المقدمة صدر عن المؤتمر بيان ينص علي ضرورة ايجاد رؤية دينية موحدة عن قضايا الانسان, وتوجيه هذه الرؤية إلي الذين يشعرون بعجز الأديان عن إزالة الظلم والحرب والمجاعة والتمييز العنصري والديني, وكذلك تقديم جواب لأولئك الذين يميلون إلي الانسحاب من المنظمات الدينية بسبب هذا العجز, وقد قيل عن هذا البيان إنه مقدمة لمؤتمر القمة الروحي الثاني الذي انعقد في عام 1970, وجاءتني الأبحاث من الهيئة المنظمة للمؤتمر وبعد قراءتها لمحت نقلة كيفية بمعني انتقال العقل الانساني من توهم القدرة علي امتلاك الحقيقة المطلقة إلي الروحانية التي تتحرر من هذا الوهم, وأظن أن هذه النقلة الكيفية هي التعبير الدقيق لعبارة آرمسترونج إنها خطوة بسيطة للانسان, ولكنها قفزة عملاقة للبشرية, وأنا هنا أنتقي عبارات تكشف عن أبعاد هذه القفزة العملاقة. قال بوذا: في إمكان الإنسان أن يعتقد ما يحلو له, وفي إمكانه القول بعد ذلك: هذا هو اعتقادي. والحقيقة المطلقة الكامنة في اعتقاده هي موضع التقدير عند صاحب هذا المعتقد, ولكن ليس من حقه- استنادا إلي هذا المعتقد القول بأن هذا المعتقد هو وحده الحقيقة, وأن ما عداه كاذب, وإذا تجاهلنا قول بوذا فإن من شأن هذا التجاهل أن يدفعنا إلي محاربة الأديان الأخري, أما اذا التزمنا قول بوذا فإننا عندئذ نلتزم النسبية التي تسمح بتعدد المعتقدات المطلقة فيمتنع اقصاء أي معتقد, ومن ثم نحقق وحدة الجنس البشري. وعندئذ يحق للأديان أن تدخل في حوار من أجل الكشف عن الوحدة التي تؤلف بينها, وبناء عليه فإنه لا يحق لأي دين أن يدخل في حوار إذا ما توهم أنه وحده الممثل ل شعب الله المختار لأن من شأن هذا الوهم أن يدفعه إلي التبشير من أجل تحويل البشرية إلي ذلك الدين, كما أنه لا يحق له أن يدخل في حوار اذا كان يتوهم أن أصحابه هم أشرف خلق الله علي الأرض. ومن هنا نصت الأبحاث المقدمة علي أن الحوار بين البشر من حيث هم بشر سابق علي الحوار من حيث هم أصحاب معتقدات متباينة, لأننا بفضل الحوار الأول سننفتح علي الأديان في الحوار الثاني, ومن ثم نقبل تعدديتها. وهنا أثير السؤال الآتي: هل التعددية الدينية, في هذه الحالة, نقمة أم نعمة من الله؟ للجواب عن هذا السؤال أستعين بعبارة قالها القس الدكتور صموئيل حبيب في بحث قدمه إلي ندوة نظمتها الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية, والتي كان هو رئيسها في أول سبتمبر 1997, تقول هذه العبارة: الله فوق الأديان. والعبارة تنطوي علي مفارقة, فالرأي الشائع أن الدين الذي يؤمن بالله هو المعادل الموضوعي لهذا الاله, أما هذه العبارة فهي علي الضد من هذا الرأي, إذ تعني أن الدين ليس هو المعادل الموضوعي لله. والسؤال بعد ذلك: هل عبارة صموئيل حبيب كاشفة عن مغزي عبارة آرمسترونج؟ المزيد من مقالات مراد وهبة