هل يمكن أن نعيش في الحياة بدون دين، أي دين؟ وهل الأديان دورها استغلال البشر والتأثير عليهم؟، عن هذه الأسئلة وتساؤلات أخري عديدة أجاب الدكتور صلاح عبد الله أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، في ندوة أقامها المنتدي الثقافي المصري تحدث فيها عن "فلسفة الأديان"، وأدارها السفير أحمد الغمراوي. منذ البداية أوضح عبد الله أن حديثه سيكون "رخما" وقد يثير البعض، وحتي يتجنب احتمالية حدوث ردود فعل غاضبة، أكد أن لا علاقة بين حديثه عن فلسفة الأديان وبين درجة إيمانه وتدينه قائلا: القول بأن الدين وجد لاستغلال البشر نوع من "التهريج"، لأنه ضرورة من ضرورات الحياة ويسد حاجة ذهنية ونفسية لدي الإنسان، ليس لأنه حق أو باطل أو لأنه صواب أو خطأ، ولكن لأنه محرك ودافع للبشر ليمضوا في الحياة، ولذلك نجد أن الملحدين أصبحوا كذلك، فقط لأنهم يرفضون ثقل الدين، وتاريخ الأديان يكذب هذه المقولة لأن الأديان نشأت بين فئات بشرية مختلفة بين الفقراء والأغنياء والأشرار والأخيار والمحاربين والجبناء وغيرهم". وتحدث عبد الله عن مكونات الدين قائلا:" أي دين يكون له ثلاثة مكونات أساسية ومكونان ثانويان، الأساسية هي الطقوس والمعتقدات والأسطورة أو ما أسميه أنا القصة الغيبية، أما مكوناه الثانويان فهما الشرائع والأخلاق وهي مكونات ثانوية، لأن هناك أديانًا جاءت بدونها كالدين الإغريقي واليوناني، وتظل هناك علاقة جدلية بين المكونات الأساسية، فهل طقوس الدين سابقة علي المعتقد أم العكس؟ وهل بعض المعتقدات هي تعبير عن الأساطير اللاحقة للمعتقد أم لا؟". وتناول عبد الله ما سمّاه بالظاهرة الدينية موضحا أن الدين ظاهرة إنسانية بحكم إبداعه فيما اصطلح عليه الأديان الوضعية، أو بحكم تلقيه فيما اصطلح عليه الأديان السماوية، وتناول علاقة الدين بالوعي البشري قائلا: "أصحاب الأديان ومؤسسوها لابد أن يكونوا شخوصا متميزين، بحيث يعقل هذا الشخص من الوجود ما لا يعقله غيره، بحيث يستطيع أن يتلقي رسائل العالم الأعلي وأن يصلح للتأثير في الناس بما يضمن إقرار المنظومة الدينية وتثبيت المقدس، ولذلك إذا كان تأسيس الدين منوطًا بالملهمين، فإن انتشاره منوط بالعامة".. وتابع: الدين هو معضلة ومعجزة الوعي البشري، معضلته لأنه خلق عوالم فوق مستوي عالمنا المادي، وجاء بجوانب مجهولة تتطلب منا أن نقبلها أو نرفضها وتركنا نطرح حولها الأسئلة دون أن نتمكن من التوصل لإجابات شافية عنها، وفي نفس الوقت هو معجزة الوعي البشري لأنه أعاد صياغة العلاقة بين الإنسان والوجود، ولن يكون الدين دينا إلا حين يتضمن مسلمات غيبية أو غيبيات مسلمة، لأن تلك المسلمات الغيبية تعني مجموعة من الأفكار تخرج عن عالمنا المادي وغير قابلة للبرهنة، ولو استطاع أي دين أن يبرهن علي تلك المسلمات ويثبتها بالمنطق لن يكون حينها دينا ولكن مذهبًا فلسفيا أخلاقيا، لأن ضرب المسلمات الغيبية يهدم لغة التواصل بين بني الإنسان، ومن وظائف المسلمات الغيبية أن تقدم صورة عالمين الأول مادي محسوس معيش والثاني متخيل، ويصعب علي الوعي البشري أن يجعل العالمين عالمًا واحدًا، لأن وجودهما معا هو ما يخلق أوجاعنا وآلامنا وآمالنا وأحلامنا، فماذا يفعل ضرير مثلي إذا فقد إيمانه بوجود عالمًا آخرًا يمكن أن يسترد فيه بصره أو يعوضه الله به عن عالمنا المعيش.. وعلي عكس الكثيرين، تعامل عبد الله مع ادعاء كل دين امتلاكه للحقيقة المطلقة علي أنه ظاهرة إيجابية وليست سلبية، قائلا: المتدين لا يمكنه أن يؤمن بالمجهول أو أن يؤمن بدين محتمل يقبل الصحة أو الخطأ، وادعاء الأديان لامتلاك الحقيقة المطلقة هو الضامن الوحيد لثقة المتدين، مثلها في ذلك مثل الأيديولوجيات الكبري كالماركسية وغيرها، وتابع: لا يجوز أن يأتي أي دين من الأديان ليؤكد كل ما سبقه أو ينفي كل ما سبقه، فإذا جاء دين ما ليؤكد كل ما سبقه سيكون وجوده لا مبرر له، ولو نفي ما سبقه سيكون عليه أن يقترح تصورات جديدة ستتطلب إنسانية جديدة وليس الإنسانية الموجودة بالفعل، ولذلك كانت مصيبة إخناتون العظمي أنه أراد أن يقطع العلاقة مع ما مضي مرة واحدة، علي طريقة هيا نلعب من الأول، دون أن ينتبه أن الناس تعيش علي التراكمات.. وتأسف عبد الله علي أنه ليس لدينا شيء اسمه علم مقارنة أديان، عندنا فقط حرب وثائقية قائمة علي الدارسين، لا يفرقون فيها بين عاطفتهم التي أنتجتها انفعالاتهم المؤقتة، وبين البرهنة علي فكرة ما، وكذلك لأن بعض الدارسين يظنون أن هدم الآخر هو بناء له هو، والنتيجة أننا نجد مسلمين يريدون هدم المسيحية ومسيحيين يريدون هدم الإسلام.. وأشار إلي وجود اختلاف بين عمل مؤرخ الأديان وعمل الداعية قائلا: الداعية من حقه أن يتحدث في الدين من منطلق معياريته الداخلية التي يؤمن بها، لكن مؤرخ الأديان مثله مثل محرر البطاقة الشخصية، عليه أن يفهم أن الألفاظ ذات الطبيعة المعيارية تهدم ولا تبني، عليه أن يستخدم لغة مفرغة من الإيحاءات، وأن يتحدث عن الظاهرة الدينية بعيدا عن تدخله الشخصي، ولهذا مثلا أعتبر أن تعبير الأديان السماوية فيه مخاطرة، لأنه مبني علي إيماننا نحن بذلك، ولا يعني كلامي أنني أستبعد مصداقية الوحي.