أنا من جيل عاصر حرب الاستنزاف يوماً بيوم، فلقد عشنا معاركها وتضحياتها منذ بدايتها عقب حرب يونيو 1967 مباشرة، وانتظر الإسرائيليون أن يرن الهاتف في أى لحظة معلناً أن القاهرة على الطرف الآخر تريد التفاوض، لكن الهاتف لم يرن، بل دوت القنابل وهجمات الصاعقة وراء خطوطهم.. لقد عشنا إغراق المدمرة إيلات، ومعركة رأس العش، وجزيرة شدوان، وتدمير ميناء إيلات، وعشنا اختراق الطائرات حاجز الصوت فوق القاهرة، ومعركة بناء حائط الصواريخ، وضرب مدرسة بحر البقر ومصنع أبي زعبل.. عشنا ضرب منشآت البترول في القناة، وتهجير أهلها سكان السويس وبورسعيد والإسماعيلية.. عشنا زيارات عبد الناصر للجبهة وتفقده الاستعدادات وإعادة بناء القوات المسلحة وتشجيعه جنوده وضباطه. ولكم شاهدنا عبد الناصر يقف على ضفة القناة ينظر بمنظاره إلى العدو على الضفة الأخرى.. وعشنا استشهاد عبد المنعم رياض على الجبهة بين جنوده، وشهدنا جنازته الشعبية العارمة التي جدد فيها الشعب العهد لقائده على مواصلة الصمود والقتال، وشاهدنا الجماهير الزائرة تحاصر عبد الناصر الذي وقف بقامته المهيبة وسطها، وتشكل حوله حلقة ضيقة تحتويه في منعة. واليوم فجأة أميط اللثام عن هذه الحرب المجيدة الزكية بعد أن تعمد المرجفون إخفاءها ومحوها من ذاكرة الأمة، فتفاعل الشباب والمواطنون مع فيلم «الممر» كما لم يتفاعلوا من قبل مع فيلم، وضجت قاعات العرض بالتصفيق والهتاف والآهات، واكتشف الشعب أن جيشه قاتل أعظم حرب في تاريخ مصر قبل العبور، وهي حرب الاستنزاف. د. يحيى نور الدين طراف