نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد العباسي ببورسعيد (بث مباشر)    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    اسعار الاسمنت ومواد البناء اليوم الجمعة 26ديسمبر 2025 فى المنيا    قصف مدفعي لقوات الاحتلال يستهدف تل أحمر شرقي جنوب سوريا    أحمد عبد الوهاب يكتب: حل الدولتين خيار استراتيجي يصطدم بالاستيطان    داليا عثمان تكتب: لماذا "لبنان"؟    الهلال يستضيف الخليج في الدوري السعودي    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    الحماية المدنية تنقذ عاملين سقطا في خزان مياه بالقاهرة    وزارتا الخارجية والاتصالات تعلنان إطلاق خدمة التصديق على الوثائق عبر البريد    المتحف القومي للحضارة يطلق فعاليات «روح ومحبة» احتفالًا برأس السنة وأعياد الميلاد    خطوات هامة لضمان سلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع لجنة المسؤولية الطبية    كلية المنصور الجامعة تعزّز الثقافة الفنية عبر ندوة علمية    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    وزير الكهرباء يبحث مع مجموعة شركات صاني الصينية التعاون في مجالات الطاقة المتجددة    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بقنا    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    هل انتهى زمن صناعة الكاتب؟ ناشر يرد بالأرقام    جيش الاحتلال: قصفنا مجمع تدريب ومستودعات أسلحة تابع لحزب الله في لبنان    نقل الفنان محمود حميدة للمستشفى بعد تعرضه لوعكة.. اعرف التفاصيل    وزارة التضامن تفتتح غدا معرض ديارنا للحرف اليدوية والتراثية بالبحر الأحمر    كامل الوزير: إلزام كل مصنع ينتج عنه صرف صناعي مخالف بإنشاء محطة معالجة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    بحوث الإسكان والبناء يواصل ريادته العالمية في اختبارات الخط الرابع للمترو    فضل شهر رجب.. دعاء مستحب واستعداد روحي لشهر رمضان (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    زيلينسكي: اتفقت مع ترامب على عقد لقاء قريب لبحث مسار إنهاء الحرب    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    شروط التقدم للوظائف الجديدة بوزارة النقل    زعيم كوريا الشمالية يدعو إلى توسيع الطاقة الإنتاجية للصواريخ والقذائف    مخاطر الوجبات السريعة على صحة الأطفال    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    لاعب جنوب إفريقيا: أثق في قدرتنا على تحقيق الفوز أمام مصر    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتوبر 73.. ملحمة نصر قادها الجيش مع الشعب
نشر في بص وطل يوم 06 - 10 - 2013


أ ش أ
40 عاما مرت على ذكرى غالية وعزيزة على كل مصري، انتصار السادس من أكتوبر 73 الذي سيظل على مدى التاريخ يوما لا يُنسى، حقق فيه خير أجناد الأرض الأبطال الانتصار التاريخي على جيش إسرائيل، بعد هزيمة عسكرية وسياسية في يونيو 67، أسفرت عن احتلال إسرائيل لسيناء لمدة 6 سنوات، وادّعت في عجرفة وكبرياء أن جيشها صاحب أذرع طويلة ولا يقهر، لكن رجال مصر وشعبها بالإيمان والعمل وحنكة التخطيط استطاعوا في هذا اليوم أن يقهروا هذا الجيش.
حطم المصريون خط بارليف المنيع، وعبروا قناة السويس أكبر مانع مائي في العالم، كأنهم الطوفان المدمر، مرددين "الله أكبر" في صرخة مدوية زلزلت الأرض من تحت أقدام جيش إسرائيل، الذين سقطوا قتلى وأسرى على يد جيش مصر العظيم، وتتهاوى أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وليعرف العالم كله حقيقة جيش إسرائيل.
ومن حق الأجيال الشابة التي لم تعاصر هذه الحرب المجيدة أن تعلم أنه رغم مرور 40 عاما على النصر ما تزال خططها ومعاركها تدرس في أكبر المعاهد العسكرية في العالم، كواحدة من الحروب التي أدخلت العديد من المتغيرات على أساليب القتال واستخدام السلاح، بما يتطلب الوقوف أمامها بالدرس والتحليل واستخلاص العبر والنتائج.
كما أنه من حق جيش مصر وشعبها السعي الدائم لبقاء حرب أكتوبر حاضرة في أذهان الجميع، حية في وجدان كل المصريين، ماثلة في أذهان الأجيال المتعاقبة من الشباب الذين لم يعاصروها رغم مرور الأيام والسنين.
لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية استطاعت فيها مصر أن تحقق انتصارا عسكريا على إسرائيل، بل كانت اختبارا تاريخيا حاسما لقدرة الشعب المصري على أن يحول حلم التحرير وإزالة آثار العدوان إلى حقيقة، لقد ظل هذا الحلم يؤرق كل مصري من العسكريين والمدنيين الرجال والنساء.
كانت الهزيمة في 67 كابوسا ثقيلا، ولكن الشعب لم يستسلم واستطاع أن يترجم الأمل المنشود في تحرير الأرض إلى عمل، ويثبت خطأ كل الحسابات الدولية في توقعاتها لنتائج المعركة، لقد أثبت الشعب المصري وقواته المسلحة أن نتائج المعارك لا تتحدد بما يتوفر من سلاح وعتاد، وإنما بإرادة الرجال وعزم الأبطال.
ورغم أن حرب أكتوبر تحملت فيها القوات المسلحة المسئولية الأولى وعبء المواجهة الحاسمة وكانت إنجازا هائلا غير مسبوق، لكن الشعب المصري بمختلف طوائفه وفئاته كان البطل الأول للحرب.
الشعب المصري هو البطل الأول لما تحقق في أكتوبر 1973 لأنه استطاع في زمن قياسي تجاوز محنة النكسة وما حدث في 1967، وأن يصمد وينفض الغبار عن جبهته، وكان صمود الشعب المصري بعد يونيو 67 إنجازا يصل الى حد الإعجاز، شعب مصر رغم الحزن العميق والغضب العارم إلا أنه ما لبث أن ساند النظام، وأرجع النكسة إلى ما كان من تآمر القوى الاستعمارية، ومن هنا رفض الشعب تنحي الزعيم جمال عبد الناصر وأصر على بقائه ليواصل المسيرة وتحقيق النصر، واعتبر الشعب ما كان خسارة معركة لا هزيمة حرب، وتولد إجماع وطني مصري بألا صوت يعلو على صوت المعركة، وتحمل الشعب استعدادات مصر لخوض معركة استرداد الكرامة والأرض.
واتُخذت العديد من الإجراءات والقرارات التي لم تجد معارضة أو تذمرا منه في ظل الإحساس الشعبي بضرورة ترشيد الاستهلاك، فتحمل الشعب المصري تبعات زيادة الإنفاق العسكري من 5.5 % من الناتج المحلي عام 62، إلى 21.5% عام 1973، وتحمل الشعب أيضا تمويل احتياجات القوات المسلحة.
لقد تولد شعور وطني لدى الشعب أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبدأ الإعداد لمعركة الكرامة ورد الاعتبار، وتشير وقائع الأحداث إلى أن الفترة التي فصلت بين 5 يونيو 67، ويوم 6 أكتوبر 1973 بوقوع زلزال العبور العظيم، كانت عملا شاقا وتدريبا مكثفا تدفقت فوق ساحته بحور من العرق مختلطة بقطرات الدم، في ظل غرور إسرائيل وشعورها بالتفوق المطلق والإحساس بأن أي حديث عن حرب عربية إسرائيلية قبل 50 عاما على الأقل هو نوع من الوهم.
ولا شك أن سهولة النصر الخاطف الذي حققته إسرائيل في حرب 5 يونيو 67 أدى إلى بناء جدار كبير من الوهم، صور لهم أن الحرب الشاملة مع مصر أصبحت مستحيلة، وأن العبور الكامل للقوات المصرية إلى الضفة الشرقية للقناة لم يعد أمرا واردا لسنوات طويلة قادمة.
ولتأكيد قدرة المصريين على رفض الهزيمة فقد حشدت القوات المسلحة كل كفاءتها للتصدى للاحتلال، وإيقاف أي محاولات للتوسع، لذلك كانت هناك ثلاث معارك أوضحت أن هدف الصمود العسكري قد أصبح واقعا ملموسا في البر والبحر والجو، فكانت معركة رأس العش في أول يوليو 67، والاشتباك الجوي فوق القناة يومي 14 و15 يوليو، وإغراق المدمرة إيلات في 21 أكتوبر 67.
كان هذا الصمود هو المدخل لبدء مرحلة جديدة هي مرحلة التصدي والتعرض لأي عدوان، اعتبارا من مارس 1968، حيث كان بدء عمليات الإغارة ضد النقط القوية بمثابة إعلان اكتمال التأهل العسكري لخوض حرب الاستنزاف، التي استمرت أكثر من ألف يوم، استعاد خلالها المقاتل المصري ثقته في سلاحه ونفسه وقادته وإيمانه بقضيته ورغبة عارمة في الثأر ورد الاعتبار، حيث شهدت مراحل حرب الاستنزاف عبور وحدات من القوات المصرية للضفة الشرقية لقناة السويس، وكأنها تتدرب على العبور العظيم في أكتوبر 73، وشهدت معارك لا تنسى مثل بورتوفيق، ومعركة الجزيرة الخضراء، ثم عملية الزعفرانة، ورادار خليج السويس في إطار الرد الإسرائيلي، ثم عملية جنوب البلاح ثم معركة شدوان.
ويؤكد الخبراء العسكريون أنه لولا حرب الاستنزاف لاستمرت الحال على ما هي عليه، ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية استطاعت من خلال عمليات الاستنزاف التعرف على كل قدرات وإمكانات العدو في مختلف الأسلحة سواء الجوية أو البرية أو البحرية والمدرعات والمدفعية، وهو ما مكّن القوات المصرية من تطوير أداء ومعدلات السلاح الذي تملكه.
كما أن كمائن حرب الاستنزاف وفرت قدرا هائلا من المعلومات، وأوضحت عددا من الدروس المستفادة، أهمها أن العدو لا يضع في اعتباره إمكان مهاجمته نهارا بسبب تعاظم الإحساس بالغرور المطلق والثقة المفرطة بعد نتائج نكسة يونيو 67.
كما أثبتت وقائع كل الكمائن المصرية شرق القناة أن الجندي الإسرائيلي لا يتمكن من إبداء أي مقاومة تذكر عندما يداهمه هجوم مفاجئ، مما ساعد الدوريات المصرية على تنفيذ مهامها المحددة بالسرعة والدقة المطلوبتين، والدرس الأهم الذي تم استخلاصه هو أن الوسيلة الوحيدة لتحطيم خط بارليف هي الاقتحام المباشر بواسطة أفراد المشاة بعد توفير وسيلة العبور الآمنة لهم من غرب القناة إلى شرقها.
لم يكن إنشاء خط بارليف لاعتبارات دفاعية فقط تبتغيها إسرائيل، وإنما كان الهدف سياسيا في المقام الأول دون النظر لأي اعتبارات عسكرية، فالمهم هو فرض أمر واقع على الأرض وإظهار جدية التمركز بطول خط المياه على حافة قناة السويس مباشرة، حيث بدأ الأمر بحفر مئات من الخنادق على طول قناة السويس مباشرة، وعندما بدأت مصر حرب الاستنزاف وتزايدت عمليات قصف الضفة الشرقية، اضطرت إسرائيل إلى تعميق هذه الخنادق، وهكذا لم يرد على ذهن إسرائيل أن مصر يمكن أن تمتلك خيارات وبدائل للتعامل مع خط بارليف، الذي كانوا ينظرون إليه في تل أبيب على أنه رمز القوة الإسرائيلية التي لا تقهر.
ويرى المراقبون أن حرب الاستنزاف تعد أطول الحروب بين العرب والإسرائيلين، وهي أول صراع مسلح تضطر فيه إسرائيل إلى الاحتفاظ بنسبة تعبئة عالية ولمدة طويلة، وقد نشرت المجلة العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي أن القوات الإسرائيلية فقدت خلال حرب الاستنزاف أربعين طيارا، و827 فردا من القوات البرية و3141 ما بين جريح وأسير.
في المجال الاقتصادي زاد حجم الإنفاق العسكري بما مقداره 300% تحملها الإسرائيلون، أما على الجانب المصري فلم يكن يهتم إلا بالتدريب الجاد الشاق للوصول إلى أعلى درجات الكفاءة القتالية.
وسوف يشهد التاريخ أن حرب الاستنزاف قدمت نموذجا حيا لعطاء القادة الكبار، عندما استشهد الفريق عبد المنعم رياض -رئيس أركان حرب القوات المسلحة- وهو على الخطوط الأمامية للجبهة في 9 مارس 1969 في موقع المعدية رقم 6 بمنطقة الإسماعيلية أثناء معارك المدفعية، كما شهدت حرب الاستنزاف البناء الحقيقي لمنظومة الدفاع الجوي واستكمالها، واستعادت القوات الجوية المصرية ثقتها بنفسها، وأثبتت كفاءتها وبطولتها في سلسلة مواجهات.
وكان هناك شبه إجماع بين معظم الخبراء العسكريين في العالم بأن عملية العبور واقتحام خط بارليف شبه مستحيلة، إلا إذا قامر المصريون بعشرات الآلاف من الضحايا، ووسط هذا المناخ وفي ظل حالة اللا سلم واللا حرب بعد توقف حرب الاستنزاف، اتخذ الرئيس الراحل أنور السادات قرار الحرب.
ولا شك أن الذي جعل من مفاجأة العبور الكبير حدثا أسطوريا تتوقف مراكز الدراسات الدولية أمامه بالانبهار، أنه فضلا عن عبقرية التخطيط وجسارة التنفيذ فإن قدرة مصر على خداع الجميع كانت أهم عوامل تمكين القوات المصرية من أداء مهامها، وامتلاك كامل لزمام المبادأة وحرمان إسرائيل من ضربة الإجهاض المعتادة، والحقيقة أن ملف الخداع يعتبر واحدا من أهم وأخطر ملفات التحضير لحرب أكتوبر، حيث أكدت مصر من خلال هذا الملف أنها استوعبت كل دروس المواجهات السابقة مع إسرائيل، ولعل ذلك هو سر نجاح مخطط الخداع في تحقيق هدف تضليل إسرائيل، بعيدا عن النوايا الحقيقية لمصر، وأذاقتها من نفس الكأس التي شرب منها العرب مرارا عندما كانت إسرائيل تخطط لعدوان جديد على أي جبهة من الجبهات على طول سنوات المواجهة.
لقد نجحت مصر في أن تضع منظومة خداع ومن أهم ملامحها أنها بعثت برسائل مقصودة عبر وسائل الإعلام العالمية بهدف تضليل إسرائيل، من أبرزها ما نشرته صحيفة الفايننشيل تايمز البريطانية في نهاية ديسمبر 1972 أن الجيش المصري ليس جاهزا للقتال، وأن قدرته القتالية تأثرت بقرار الاستغناء عن الخبراء السوفيت في يوليو 1972، ثم التنوع في درجة الحدة في خطب الرئيس السادات خلال الفترة التي سبقت شن الحرب، ففي عام 1971 أعلن أنه سيكون عام الحسم، ولم ينفذ ما أعلن عنه وخلال عام 73 كان الخطاب الذي ألقاه خلال شهر سبتمبر أقل حدة وأخف ثقلا من الخطب التي ألقاها في إبريل ومايو من العام، مما جعل من الصعب التكهن بالأبعاد الحقيقية لما تتناوله هذه الخطب.
ولإيجاد نوع من التخدير الاستراتيجي للمسئولين في إسرائيل، قامت مصر قبل عدة أشهر من بدء الحرب ومن خلال الأنشطة السياسية المختلفة بإيجاد نوع من الانطباع بأنها تتجه وتركز على الصراع السياسي، بعد يأسها من إمكانيات الصراع العسكري في ذات الوقت, وفي أغسطس 73 أقنعت كل من مصر وسوريا كورت فالدهايم -السكرتير العام للأمم المتحدة- بأنهما يركزان على التسوية السلمية للمنطقة.
وفي صبيحة يوم السادس من أكتوبر كان اجتماع محمد حسن الزيات -مستشار الرئيس السادات- مع هنري كيسنجر -وزير الخارجية الأمريكية- في جو هادئ تناول مبادرة السلام التي يفكر كيسنجر في طرحها خلال جولته للمنطقة في أواخر شهر أكتوبر، إلى جانب الأنشطة العسكرية المتعددة التي كانت تجري على أرض جبهة القناة من أعمال روتينية، للإيحاء بأنها تتم في إطار عمليات الغيار الدورية للقوات، بالإضافة إلى تسريب أخبار من خلال مصادر أخرى غير الإعلام عن تواريخ بدء الحرب والتي لم تثبت صجتها بمرور الأيام، وأخيرا السرية المطلقة التي فرضت على اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والسورية في الإسكندرية في 22 أغسطس 73، وتم فيه اختيار يوم 6 أكتوبر لبدء الحرب، والذي لم ينجح أي جهاز مخابرات في العالم في الكشف عنه.
وبدأت نسمات النصر عندما أشارت عقارب الساعة نحو الثانية و5 دقائق من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر، حيث بدأ أكثر من ألفي مدفع ثقيل قصفها لمواقع العدو في نفس اللحظة التي عبرت فيها سماء القناة مائتان وثماني طائرات تشكل قوام القوة الجوية المكلفة بالضربة الجوية الأولى، التي أصابت مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية بالشلل التام، وفي ذات اللحظة كان أكثر من ثمانية آلاف مقاتل بدأوا النزول إلى مياه القناة، واعتلاء القوارب المطاطية والتحرك تحت لهيب النيران نحو الشاطئ الشرقي للقناة، ثم بدأت عمليات نصب الكباري بواسطة سلاح المهندسين الذي استشهد فيه اللواء أحمد حمدي في الساعات الأولى للحرب.
لقد كانت سيمفونية رائعة اشترك فيها 100 ألف مقاتل، كان لكل واحد منهم دوره، وكانت دليلا حيا على القدرة على الإنجاز، إذا تم التخطيط الجيد والإعداد الكافي والتجهيز النفسي والمعنوي، واتخاذ القرار الصحيح في الوقت السليم، تحت مظلة المفاجأة واستخدام أساليب الخداع التعبوي والتكتيكي والاستراتيجي.
ويرى المراقبون أن نصر أكتوبر أعاد رسم خريطة القوى في العالم، فلم تكن حرب أكتوبر مجرد حرب للعبور وتحرير الأرض، لكنها كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ أمة، لقد علا الصوت العربي وأفاق العالم أجمع على قوة المصريين والعرب، وأحست أوروبا والولايات المتحدة بالقلق من ذلك السلاح الخطير الذي استخدمه العرب ضدهم، وهو سلاح البترول، الذي سار متوازيا مع انتصار أكتوبر، وأدرك الجميع أن العرب حينما يتحدون يستطيعون مواجهة أي قوة ظالمة، ومن أبرز المواقف التي لن ينساها التاريخ قرار الملك فيصل بن عبد العزيز بإيقاف ضخ البترول للخارج، مما كان له الأثر على المجتمعين الأوروبي والأمريكي، وأصبح العرب القوة السادسة على مستوى العالم، وسعت الدول العظمى إلى كسب ودهم وإقامة شراكة معهم في الميادين المختلفة وبعد تحقيق السلام تغيرت الرؤية العالمية للمنطقة وأصبحت مركزا مهما للسياسة العالمية.
وفي نفس الوقت كان من أهم نتائج نصر أكتوبر خروج القومية العربية من حيز الشعار إلى حيز العمل، وأصبح العالم كله يعترف بالوجود العربي، وقد عبر الرئيس الراحل أنور السادات عن ذلك بقوله "إن الشعور القومي العربي أدى دورا أساسيا في حرب أكتوبر، فالتفاف الدول العربية حول دول المواجهة وما قدمته من تأييد معنوي ومادي، واستخدامها سلاح البترول، كل ذلك أسهم بلا شك في تحقيق النصر".
ومن ناحية أخرى فقد فرضت حرب أكتوبر على المنطقة حقائق جديدة، حيث أكدت استحالة سياسة فرض الأمر الواقع، وأثبتت أيضا للعالم ضرورة رفع شعار المفاوضات وليس السلاح، لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وكان الرئيس السادات هو أول من رفع هذا الشعار عندما أعلن أن تلك الحرب هي آخر الحروب العربية الإسرائيلية.
الاحتفال بمرور 40 عاما على نصر أكتوبر يعد تذكرة للأجيال الجديدة من شباب مصر الذين لم يعيشوا سنوات الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، بأن استقلال الوطن ووحدة وسلامة وحرية أرضه هدف مقدس، لا يمكن التهاون فيه مهما كان الثمن، كما أن روح أكتوبر ما تزال تسري في جسد كل مصري لتعطي قوة دفع نحو المزيد من العمل والجهد والتضحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.