«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتوبر 73.. ملحمة نصر قادها الجيش مع الشعب
نشر في بص وطل يوم 06 - 10 - 2013


أ ش أ
40 عاما مرت على ذكرى غالية وعزيزة على كل مصري، انتصار السادس من أكتوبر 73 الذي سيظل على مدى التاريخ يوما لا يُنسى، حقق فيه خير أجناد الأرض الأبطال الانتصار التاريخي على جيش إسرائيل، بعد هزيمة عسكرية وسياسية في يونيو 67، أسفرت عن احتلال إسرائيل لسيناء لمدة 6 سنوات، وادّعت في عجرفة وكبرياء أن جيشها صاحب أذرع طويلة ولا يقهر، لكن رجال مصر وشعبها بالإيمان والعمل وحنكة التخطيط استطاعوا في هذا اليوم أن يقهروا هذا الجيش.
حطم المصريون خط بارليف المنيع، وعبروا قناة السويس أكبر مانع مائي في العالم، كأنهم الطوفان المدمر، مرددين "الله أكبر" في صرخة مدوية زلزلت الأرض من تحت أقدام جيش إسرائيل، الذين سقطوا قتلى وأسرى على يد جيش مصر العظيم، وتتهاوى أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وليعرف العالم كله حقيقة جيش إسرائيل.
ومن حق الأجيال الشابة التي لم تعاصر هذه الحرب المجيدة أن تعلم أنه رغم مرور 40 عاما على النصر ما تزال خططها ومعاركها تدرس في أكبر المعاهد العسكرية في العالم، كواحدة من الحروب التي أدخلت العديد من المتغيرات على أساليب القتال واستخدام السلاح، بما يتطلب الوقوف أمامها بالدرس والتحليل واستخلاص العبر والنتائج.
كما أنه من حق جيش مصر وشعبها السعي الدائم لبقاء حرب أكتوبر حاضرة في أذهان الجميع، حية في وجدان كل المصريين، ماثلة في أذهان الأجيال المتعاقبة من الشباب الذين لم يعاصروها رغم مرور الأيام والسنين.
لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية استطاعت فيها مصر أن تحقق انتصارا عسكريا على إسرائيل، بل كانت اختبارا تاريخيا حاسما لقدرة الشعب المصري على أن يحول حلم التحرير وإزالة آثار العدوان إلى حقيقة، لقد ظل هذا الحلم يؤرق كل مصري من العسكريين والمدنيين الرجال والنساء.
كانت الهزيمة في 67 كابوسا ثقيلا، ولكن الشعب لم يستسلم واستطاع أن يترجم الأمل المنشود في تحرير الأرض إلى عمل، ويثبت خطأ كل الحسابات الدولية في توقعاتها لنتائج المعركة، لقد أثبت الشعب المصري وقواته المسلحة أن نتائج المعارك لا تتحدد بما يتوفر من سلاح وعتاد، وإنما بإرادة الرجال وعزم الأبطال.
ورغم أن حرب أكتوبر تحملت فيها القوات المسلحة المسئولية الأولى وعبء المواجهة الحاسمة وكانت إنجازا هائلا غير مسبوق، لكن الشعب المصري بمختلف طوائفه وفئاته كان البطل الأول للحرب.
الشعب المصري هو البطل الأول لما تحقق في أكتوبر 1973 لأنه استطاع في زمن قياسي تجاوز محنة النكسة وما حدث في 1967، وأن يصمد وينفض الغبار عن جبهته، وكان صمود الشعب المصري بعد يونيو 67 إنجازا يصل الى حد الإعجاز، شعب مصر رغم الحزن العميق والغضب العارم إلا أنه ما لبث أن ساند النظام، وأرجع النكسة إلى ما كان من تآمر القوى الاستعمارية، ومن هنا رفض الشعب تنحي الزعيم جمال عبد الناصر وأصر على بقائه ليواصل المسيرة وتحقيق النصر، واعتبر الشعب ما كان خسارة معركة لا هزيمة حرب، وتولد إجماع وطني مصري بألا صوت يعلو على صوت المعركة، وتحمل الشعب استعدادات مصر لخوض معركة استرداد الكرامة والأرض.
واتُخذت العديد من الإجراءات والقرارات التي لم تجد معارضة أو تذمرا منه في ظل الإحساس الشعبي بضرورة ترشيد الاستهلاك، فتحمل الشعب المصري تبعات زيادة الإنفاق العسكري من 5.5 % من الناتج المحلي عام 62، إلى 21.5% عام 1973، وتحمل الشعب أيضا تمويل احتياجات القوات المسلحة.
لقد تولد شعور وطني لدى الشعب أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبدأ الإعداد لمعركة الكرامة ورد الاعتبار، وتشير وقائع الأحداث إلى أن الفترة التي فصلت بين 5 يونيو 67، ويوم 6 أكتوبر 1973 بوقوع زلزال العبور العظيم، كانت عملا شاقا وتدريبا مكثفا تدفقت فوق ساحته بحور من العرق مختلطة بقطرات الدم، في ظل غرور إسرائيل وشعورها بالتفوق المطلق والإحساس بأن أي حديث عن حرب عربية إسرائيلية قبل 50 عاما على الأقل هو نوع من الوهم.
ولا شك أن سهولة النصر الخاطف الذي حققته إسرائيل في حرب 5 يونيو 67 أدى إلى بناء جدار كبير من الوهم، صور لهم أن الحرب الشاملة مع مصر أصبحت مستحيلة، وأن العبور الكامل للقوات المصرية إلى الضفة الشرقية للقناة لم يعد أمرا واردا لسنوات طويلة قادمة.
ولتأكيد قدرة المصريين على رفض الهزيمة فقد حشدت القوات المسلحة كل كفاءتها للتصدى للاحتلال، وإيقاف أي محاولات للتوسع، لذلك كانت هناك ثلاث معارك أوضحت أن هدف الصمود العسكري قد أصبح واقعا ملموسا في البر والبحر والجو، فكانت معركة رأس العش في أول يوليو 67، والاشتباك الجوي فوق القناة يومي 14 و15 يوليو، وإغراق المدمرة إيلات في 21 أكتوبر 67.
كان هذا الصمود هو المدخل لبدء مرحلة جديدة هي مرحلة التصدي والتعرض لأي عدوان، اعتبارا من مارس 1968، حيث كان بدء عمليات الإغارة ضد النقط القوية بمثابة إعلان اكتمال التأهل العسكري لخوض حرب الاستنزاف، التي استمرت أكثر من ألف يوم، استعاد خلالها المقاتل المصري ثقته في سلاحه ونفسه وقادته وإيمانه بقضيته ورغبة عارمة في الثأر ورد الاعتبار، حيث شهدت مراحل حرب الاستنزاف عبور وحدات من القوات المصرية للضفة الشرقية لقناة السويس، وكأنها تتدرب على العبور العظيم في أكتوبر 73، وشهدت معارك لا تنسى مثل بورتوفيق، ومعركة الجزيرة الخضراء، ثم عملية الزعفرانة، ورادار خليج السويس في إطار الرد الإسرائيلي، ثم عملية جنوب البلاح ثم معركة شدوان.
ويؤكد الخبراء العسكريون أنه لولا حرب الاستنزاف لاستمرت الحال على ما هي عليه، ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية استطاعت من خلال عمليات الاستنزاف التعرف على كل قدرات وإمكانات العدو في مختلف الأسلحة سواء الجوية أو البرية أو البحرية والمدرعات والمدفعية، وهو ما مكّن القوات المصرية من تطوير أداء ومعدلات السلاح الذي تملكه.
كما أن كمائن حرب الاستنزاف وفرت قدرا هائلا من المعلومات، وأوضحت عددا من الدروس المستفادة، أهمها أن العدو لا يضع في اعتباره إمكان مهاجمته نهارا بسبب تعاظم الإحساس بالغرور المطلق والثقة المفرطة بعد نتائج نكسة يونيو 67.
كما أثبتت وقائع كل الكمائن المصرية شرق القناة أن الجندي الإسرائيلي لا يتمكن من إبداء أي مقاومة تذكر عندما يداهمه هجوم مفاجئ، مما ساعد الدوريات المصرية على تنفيذ مهامها المحددة بالسرعة والدقة المطلوبتين، والدرس الأهم الذي تم استخلاصه هو أن الوسيلة الوحيدة لتحطيم خط بارليف هي الاقتحام المباشر بواسطة أفراد المشاة بعد توفير وسيلة العبور الآمنة لهم من غرب القناة إلى شرقها.
لم يكن إنشاء خط بارليف لاعتبارات دفاعية فقط تبتغيها إسرائيل، وإنما كان الهدف سياسيا في المقام الأول دون النظر لأي اعتبارات عسكرية، فالمهم هو فرض أمر واقع على الأرض وإظهار جدية التمركز بطول خط المياه على حافة قناة السويس مباشرة، حيث بدأ الأمر بحفر مئات من الخنادق على طول قناة السويس مباشرة، وعندما بدأت مصر حرب الاستنزاف وتزايدت عمليات قصف الضفة الشرقية، اضطرت إسرائيل إلى تعميق هذه الخنادق، وهكذا لم يرد على ذهن إسرائيل أن مصر يمكن أن تمتلك خيارات وبدائل للتعامل مع خط بارليف، الذي كانوا ينظرون إليه في تل أبيب على أنه رمز القوة الإسرائيلية التي لا تقهر.
ويرى المراقبون أن حرب الاستنزاف تعد أطول الحروب بين العرب والإسرائيلين، وهي أول صراع مسلح تضطر فيه إسرائيل إلى الاحتفاظ بنسبة تعبئة عالية ولمدة طويلة، وقد نشرت المجلة العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي أن القوات الإسرائيلية فقدت خلال حرب الاستنزاف أربعين طيارا، و827 فردا من القوات البرية و3141 ما بين جريح وأسير.
في المجال الاقتصادي زاد حجم الإنفاق العسكري بما مقداره 300% تحملها الإسرائيلون، أما على الجانب المصري فلم يكن يهتم إلا بالتدريب الجاد الشاق للوصول إلى أعلى درجات الكفاءة القتالية.
وسوف يشهد التاريخ أن حرب الاستنزاف قدمت نموذجا حيا لعطاء القادة الكبار، عندما استشهد الفريق عبد المنعم رياض -رئيس أركان حرب القوات المسلحة- وهو على الخطوط الأمامية للجبهة في 9 مارس 1969 في موقع المعدية رقم 6 بمنطقة الإسماعيلية أثناء معارك المدفعية، كما شهدت حرب الاستنزاف البناء الحقيقي لمنظومة الدفاع الجوي واستكمالها، واستعادت القوات الجوية المصرية ثقتها بنفسها، وأثبتت كفاءتها وبطولتها في سلسلة مواجهات.
وكان هناك شبه إجماع بين معظم الخبراء العسكريين في العالم بأن عملية العبور واقتحام خط بارليف شبه مستحيلة، إلا إذا قامر المصريون بعشرات الآلاف من الضحايا، ووسط هذا المناخ وفي ظل حالة اللا سلم واللا حرب بعد توقف حرب الاستنزاف، اتخذ الرئيس الراحل أنور السادات قرار الحرب.
ولا شك أن الذي جعل من مفاجأة العبور الكبير حدثا أسطوريا تتوقف مراكز الدراسات الدولية أمامه بالانبهار، أنه فضلا عن عبقرية التخطيط وجسارة التنفيذ فإن قدرة مصر على خداع الجميع كانت أهم عوامل تمكين القوات المصرية من أداء مهامها، وامتلاك كامل لزمام المبادأة وحرمان إسرائيل من ضربة الإجهاض المعتادة، والحقيقة أن ملف الخداع يعتبر واحدا من أهم وأخطر ملفات التحضير لحرب أكتوبر، حيث أكدت مصر من خلال هذا الملف أنها استوعبت كل دروس المواجهات السابقة مع إسرائيل، ولعل ذلك هو سر نجاح مخطط الخداع في تحقيق هدف تضليل إسرائيل، بعيدا عن النوايا الحقيقية لمصر، وأذاقتها من نفس الكأس التي شرب منها العرب مرارا عندما كانت إسرائيل تخطط لعدوان جديد على أي جبهة من الجبهات على طول سنوات المواجهة.
لقد نجحت مصر في أن تضع منظومة خداع ومن أهم ملامحها أنها بعثت برسائل مقصودة عبر وسائل الإعلام العالمية بهدف تضليل إسرائيل، من أبرزها ما نشرته صحيفة الفايننشيل تايمز البريطانية في نهاية ديسمبر 1972 أن الجيش المصري ليس جاهزا للقتال، وأن قدرته القتالية تأثرت بقرار الاستغناء عن الخبراء السوفيت في يوليو 1972، ثم التنوع في درجة الحدة في خطب الرئيس السادات خلال الفترة التي سبقت شن الحرب، ففي عام 1971 أعلن أنه سيكون عام الحسم، ولم ينفذ ما أعلن عنه وخلال عام 73 كان الخطاب الذي ألقاه خلال شهر سبتمبر أقل حدة وأخف ثقلا من الخطب التي ألقاها في إبريل ومايو من العام، مما جعل من الصعب التكهن بالأبعاد الحقيقية لما تتناوله هذه الخطب.
ولإيجاد نوع من التخدير الاستراتيجي للمسئولين في إسرائيل، قامت مصر قبل عدة أشهر من بدء الحرب ومن خلال الأنشطة السياسية المختلفة بإيجاد نوع من الانطباع بأنها تتجه وتركز على الصراع السياسي، بعد يأسها من إمكانيات الصراع العسكري في ذات الوقت, وفي أغسطس 73 أقنعت كل من مصر وسوريا كورت فالدهايم -السكرتير العام للأمم المتحدة- بأنهما يركزان على التسوية السلمية للمنطقة.
وفي صبيحة يوم السادس من أكتوبر كان اجتماع محمد حسن الزيات -مستشار الرئيس السادات- مع هنري كيسنجر -وزير الخارجية الأمريكية- في جو هادئ تناول مبادرة السلام التي يفكر كيسنجر في طرحها خلال جولته للمنطقة في أواخر شهر أكتوبر، إلى جانب الأنشطة العسكرية المتعددة التي كانت تجري على أرض جبهة القناة من أعمال روتينية، للإيحاء بأنها تتم في إطار عمليات الغيار الدورية للقوات، بالإضافة إلى تسريب أخبار من خلال مصادر أخرى غير الإعلام عن تواريخ بدء الحرب والتي لم تثبت صجتها بمرور الأيام، وأخيرا السرية المطلقة التي فرضت على اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والسورية في الإسكندرية في 22 أغسطس 73، وتم فيه اختيار يوم 6 أكتوبر لبدء الحرب، والذي لم ينجح أي جهاز مخابرات في العالم في الكشف عنه.
وبدأت نسمات النصر عندما أشارت عقارب الساعة نحو الثانية و5 دقائق من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر، حيث بدأ أكثر من ألفي مدفع ثقيل قصفها لمواقع العدو في نفس اللحظة التي عبرت فيها سماء القناة مائتان وثماني طائرات تشكل قوام القوة الجوية المكلفة بالضربة الجوية الأولى، التي أصابت مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية بالشلل التام، وفي ذات اللحظة كان أكثر من ثمانية آلاف مقاتل بدأوا النزول إلى مياه القناة، واعتلاء القوارب المطاطية والتحرك تحت لهيب النيران نحو الشاطئ الشرقي للقناة، ثم بدأت عمليات نصب الكباري بواسطة سلاح المهندسين الذي استشهد فيه اللواء أحمد حمدي في الساعات الأولى للحرب.
لقد كانت سيمفونية رائعة اشترك فيها 100 ألف مقاتل، كان لكل واحد منهم دوره، وكانت دليلا حيا على القدرة على الإنجاز، إذا تم التخطيط الجيد والإعداد الكافي والتجهيز النفسي والمعنوي، واتخاذ القرار الصحيح في الوقت السليم، تحت مظلة المفاجأة واستخدام أساليب الخداع التعبوي والتكتيكي والاستراتيجي.
ويرى المراقبون أن نصر أكتوبر أعاد رسم خريطة القوى في العالم، فلم تكن حرب أكتوبر مجرد حرب للعبور وتحرير الأرض، لكنها كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ أمة، لقد علا الصوت العربي وأفاق العالم أجمع على قوة المصريين والعرب، وأحست أوروبا والولايات المتحدة بالقلق من ذلك السلاح الخطير الذي استخدمه العرب ضدهم، وهو سلاح البترول، الذي سار متوازيا مع انتصار أكتوبر، وأدرك الجميع أن العرب حينما يتحدون يستطيعون مواجهة أي قوة ظالمة، ومن أبرز المواقف التي لن ينساها التاريخ قرار الملك فيصل بن عبد العزيز بإيقاف ضخ البترول للخارج، مما كان له الأثر على المجتمعين الأوروبي والأمريكي، وأصبح العرب القوة السادسة على مستوى العالم، وسعت الدول العظمى إلى كسب ودهم وإقامة شراكة معهم في الميادين المختلفة وبعد تحقيق السلام تغيرت الرؤية العالمية للمنطقة وأصبحت مركزا مهما للسياسة العالمية.
وفي نفس الوقت كان من أهم نتائج نصر أكتوبر خروج القومية العربية من حيز الشعار إلى حيز العمل، وأصبح العالم كله يعترف بالوجود العربي، وقد عبر الرئيس الراحل أنور السادات عن ذلك بقوله "إن الشعور القومي العربي أدى دورا أساسيا في حرب أكتوبر، فالتفاف الدول العربية حول دول المواجهة وما قدمته من تأييد معنوي ومادي، واستخدامها سلاح البترول، كل ذلك أسهم بلا شك في تحقيق النصر".
ومن ناحية أخرى فقد فرضت حرب أكتوبر على المنطقة حقائق جديدة، حيث أكدت استحالة سياسة فرض الأمر الواقع، وأثبتت أيضا للعالم ضرورة رفع شعار المفاوضات وليس السلاح، لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وكان الرئيس السادات هو أول من رفع هذا الشعار عندما أعلن أن تلك الحرب هي آخر الحروب العربية الإسرائيلية.
الاحتفال بمرور 40 عاما على نصر أكتوبر يعد تذكرة للأجيال الجديدة من شباب مصر الذين لم يعيشوا سنوات الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، بأن استقلال الوطن ووحدة وسلامة وحرية أرضه هدف مقدس، لا يمكن التهاون فيه مهما كان الثمن، كما أن روح أكتوبر ما تزال تسري في جسد كل مصري لتعطي قوة دفع نحو المزيد من العمل والجهد والتضحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.