تعرف على سعر الذهب اليوم الجمعة.. عيار 21 يسجل 4590 جنيها    اعتراف الأمم المتحدة بمجاعة غزة.. ما أبرز مجاعات التاريخ الحديث؟    ترامب: الجمع بين بوتين وزيلينسكي أمر بالغ الصعوبة    رسمياً.. نقل مباراة الزمالك وفاركو إلى ستاد السلام    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارتين بالكيلو 102 من الطريق الصحراوي بالبحيرة    محمود فوزي: تأسيس الأحزاب حق دستوري ولا قيود على المعارضة    إنذار ب تسونامي بعد زلزال مدمر بقوة 7.5 ريختر في ممر دريك جنوب تشيلي    الخارجية البريطانية: إعلان المجاعة في قطاع غزة أمر مروع    محمود فوزي: الدولة لا تقبل ترك مواطني الإيجار القديم دون مأوى    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    انقلاب سيارة محملة بالعنب على الطريق الدائرى اتجاه قليوب    تفاصيل إحباط محاولة جلب أقراص مخدرة عبر طرد بريدي بميناء جوي    ضبط لص حاول سرقة حقيبة من شخص فى العمرانية    إقبال جماهيري على معرض السويس الثالث للكتاب- صور    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    خطيب الجامع الأزهر يحذر من زراعة اليأس والإحباط في القلوب: خطر كبير يواجه الأمة    الصحة: تقديم 57 مليون خدمة طبية مجانية ضمن حملة «100 يوم صحة» في 37 يومًا    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    جوارديولا: مواجهة توتنهام صعبة وفرانك مدرب كبير    الداخلية تكشف كواليس سرقة سيارة مُحملة بحقائب سفر بالسلام    تنفيذ 83 ألف حكم قضائي وضبط 400 قضية مواد مخدرة خلال 24 ساعة    حقيقة حرمان خريجي البكالوريا من الالتحاق بعدد من الكليات    أفضل فريق لخاصية "وايلد كارد" في فانتازي الدوري الإنجليزي    قانون الرياضة الجديد ينظم تأسيس شركات الخدمات الرياضية بمشاركة الهيئة بنسبة 51%.. تفاصيل    10 لقطات مبهرة تكشف أسرار الكنوز الغارقة بالإسكندرية (صور)    إيقاعات وألوان وحرف.. قصور الثقافة تفتح أبواب الإبداع أمام مواهب بورسعيد في برنامج مصر جميلة    الأردن يدين تصريحات إسرائيلية مؤيدة للاستيطان ويجدد دعوته لوقف الانتهاكات    فورين بوليسي: منطقة "دونباس" مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا    المقاومة العراقية تطالب بالانسحاب الحقيقي للقوات الأمريكية من العراق    تسجيل مركز قصر العيني للأبحاث السريرية رسميا بالمجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    حريق محدود يؤجل امتحانات مركز تقييم القدرات.. و«التنظيم والإدارة» يحدد مواعيد بديلة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    وزير الري: التكنولوجيا تلعب دورا محوريا في إدارة المياه والتنبؤ بمخاطر المناخ    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    محمود ناجي يدير مباراة السنغال وأوغندا في ربع نهائي أمم افريقيا للمحليين    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الإفريقي    ناقد رياضي: بن رمضان اللاعب الأكثر ثباتًا في الأهلي.. ومواجهة المحلة صعبة    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن لجنة تحكيم الدورة ال32    ثائرٌ يكتُب    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    صحيفة عبرية: نتنياهو يشجع بن جفير وسموتريتش على تقويض فرص التوصل إلى اتفاق    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بماليزيا.. أحمد كريمة يوضح الرأي الشرعي    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    *لليوم الثاني.. خدمة Premium الجديدة بقطارات السكة الحديد "كاملة العدد"    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    الاقتصاد المصرى يتعافى    تهيئة نفسية وروتين منظم.. نصائح هامة للأطفال قبل العودة إلى المدارس    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    جولة مفاجئة لوكيل مستشفى الفيوم العام لضمان جودة الخدمات الطبية.. صور    ضبط المتهمين بالتسول واستغلال الأطفال أسفل كوبري بالجيزة    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أكتوبر 73" ملحمة نصر قادها الجيش مع الشعب
نشر في أخبار مصر يوم 02 - 10 - 2013

40 عاما مرت على ذكرى غالية وعزيزة على كل مصري, انتصار السادس من أكتوبر 73 الذي سيظل على مدى التاريخ يوما لاينسى حقق فيه خير أجناد الأرض الأبطال الانتصار التاريخي على جيش إسرائيل بعد هزيمة عسكرية وسياسية فى يونيو 67 أسفرت عن احتلال إسرائيل لسيناء لمدة 6 سنوات وأدعت في عجرفة وكبرياء أن جيشها صاحب الأذرع الطويلة والذي لايقهر، لكن رجال مصر وشعبها بالأيمان والعمل و حنكة التخطيط استطاعوا فى هذا اليوم أن يقهروا هذا الجيش .
حطم المصريون خط بارليف المنيع، وعبروا قناة السويس أكبر مانع مائي في العالم كأنهم الطوفان المدمر مرددين سلاح الإيمان / الله أكبر فى صرخة مدوية زلزلت الأرض من تحت أقدام جيش اسرائيل الذين سقطوا قتلى وأسرى على يد جيش مصرالعظيم وتتهاوى أسطورة الجيش الذى لايقهر وليعرف العالم كله حقيقة جيش اسرائيل .
ومن حق الأجيال الشابة التي لم تعاصر هذه الحرب المجيدة أن تعلم أنه رغم مرور 40 عاما على النصر لا تزال خططها ومعاركها تدرس في أكبر المعاهد العسكرية في العالم كواحدة من الحروب التي أدخلت العديد من المتغيرات على أساليب القتال وأستخدام السلاح بما يتطلب الوقوف أمامها بالدرس والتحليل وأستخلاص العبر والنتائج .
كما أنه من حق جيش مصر وشعبها السعي الدائم لبقاء حرب أكتوبر حاضرة في أذهان الجميع حية في وجدان كل المصريين ماثلة في أذهان الأجيال المتعاقبة من الشباب الذين لم يعاصروها رغم مرور الأيام والسنين .
لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية استطاعت فيها مصر أن تحقق انتصارا عسكريا على إسرائيل بل كانت اختبارا تاريخيا حاسما لقدرة الشعب المصري على أن يحول حلم التحرير وإزالة آثار العدوان إلى حقيقة لقد ظل هذا الحلم يؤرق كل مصري من العسكريين والمدنيين الرجال والنساء .
كانت الهزيمة في 67 كابوسا ثقيلا، ولكن الشعب لم يستسلم واستطاع أن يترجم الأمل المنشود في تحرير الأرض إلى عمل وأن يثبت خطأ كل الحسابات الدولية في توقعاتها لنتائج المعركة، لقد أثبت الشعب المصري وقواته المسلحة أن نتائج المعارك لا تتحدد بما يتوفر من سلاح وعتاد وأنما بأرادة الرجال وعزم الأبطال .
ورغم أن حرب أكتوبر تحملت فيها القوات المسلحة المسئولية الأولى وعبء المواجهة الحاسمة وكانت أنجازا هائلا غير مسبوق الا أن الشعب المصرى بمختلف طوائفه وفئاته كان البطل الأول للحرب وتحقيق نصر أكتوبر حتى أن تلك الحرب المجيدة يطلق عليها حرب الشعب المصرى كله حيث لاتوجد أسرة مصرية لم تقدم شهيدا أو مصابا أو مقاتلا فى تلك الحرب .
إن الشعب المصرى هو البطل الأول لما تحقق فى أكتوبر 1973 لأنه أستطاع فى زمن قياسى تجاوز محنة النكسة وما حدث فى 1967 وأن يصمد وينفض الغبار عن جبهته، وكان صمود الشعب المصرى بعد يونيو 67 إنجازا يصل الى حد الإعجاز، شعب مصر رغم الحزن العميق والغضب العارم الا أنه مالبث أن ساند النظام وأرجع النكسة الى ماكان من تأمر القوى الإستعمارية ومن هنا رفض الشعب تنحى الزعيم جمال عبد الناصر وأصر على بقائه ليواصل المسيرة وتحقيق النصر، واعتبر الشعب ماكان خسارة معركة لاهزيمة حرب، وتولد إجماع وطنى مصرى بأن لاصوت يعلو على صوت المعركة وبالتالى تحمل الشعب أستعدادات مصر لخوض معركة استرداد الكرامة والأرض .
واتخذت العديد من الأجراءات والقرارات لم تجد معارضة أو تذمرا منه فى ظل الأحساس الشعبى بضرورة ترشيد الأستهلاك فتحمل الشعب المصرى نفقات زيادة الأنفاق العسكرى من 5.5 % من الناتج المحلى عام 62 الى 21.5% عام 1973 .وتحمل الشعب أيضا تمويل احتياجات القوات المسلحة .
لقد تولد شعور وطنى لدى الشعب أن ماأخذ بالقوة لايسترد بغير القوة وبدأ الأعداد لمعركة الكرامة ورد الأعتبار وتشير وقائع الأحداث الى أن الفترة التى فصلت بين 5 يونيو 67 ,ويوم 6 أكتوبر 1973 بوقوع زلزال العبور العظيم كانت عملا شاقا وتدريبا مكثفا تدفقت فوق ساحته بحور من العرق مختلطة بقطرات الدم فى ظل غرور اسرائيل وشعورها بالتفوق المطلق والأحساس بأن أى حديث عن حرب عربية اسرائيلية قبل 50 عاما على الأقل هو نوع من الوهم .
ولاشك أن سهولة النصر الخاطف الذى حققته أسرائيل فى حرب 5 يونيو 67 أدى الى بناء جدار كبير من الوهم يصور لهم أن الحرب الشاملة مع مصر أصبحت مستحيلة وأن العبور الكامل للقوات المصرية الى الضفة الشرقية للقناة لم يعد أمرا واردا لسنوات طويلة قادمة.
ولتأكيد قدرة المصريين على رفض الهزيمة فقد حشدت القوات المسلحة كل كفاءتها للتصدى للاحتلال وأيقاف أى محاولات للتوسع لذلك كانت هناك ثلاث معارك أوضحت ان هدف الصمود العسكرى قد أصبح واقعا ملموسا فى البر والبحر والجو فكانت معركة رأس العش فى أول يوليو67، والاشتباك الجوى فوق القناة يومى 14 و15 يوليو واغراق المدمرة أيلات فى 21 أكتوبر 67 .
كان هذا الصمود هو المدخل لبدء مرحلة جديدة هى مرحلة التصدى والتعرض لأى عدوان اعتبارا من مارس 1968 حيث كان بدء عمليات الأغارة ضد النقط القوية بمثابة أعلان اكتمال التأهل العسكرى لخوض حرب الأستنزاف التى أستمرت أكثر من ألف يوم أستعاد خلالها المقاتل المصرى ثقته فى سلاحه ونفسه وقادته وإيمانه بقضيته ورغبة عارمة فى الثأر ورد الاعتبار، حيث شهدت مراحل حرب الأستنزاف عبور وحدات من القوات المصرية للضفة الشرقية لقناة السويس وكأنها تتدرب على العبور العظيم فى أكتوبر 73، وشهدت معاركا لاتنسى مثل /بور توفيق / ومعركة الجزيرة الخضراء / ثم عملية الزعفرانة / ورادار خليج السويس فى اطار الرد الأسرائيلى ثم عملية جنوب البلاح ثم معركة شدوان.
ويؤكد الخبراء العسكريون أنه لولا حرب الاستنزاف لاستمر الحال على ماهو عليه، ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية استطاعت من خلال عمليات الاستنزاف التعرف على كل قدرات وامكانات العدو فى مختلف الأسلحة سواء الجوية أو البرية أو البحرية والمدرعات والمدفعية وهو مامكن القوات المصرية من تطوير أداء ومعدلات السلاح الذى تملكه .
كما أن كمائن حرب الاستنزاف وفرت قدرا هائلا من المعلومات وأوضحت عددا من الدروس المستفادة أهمها أن العدو لايضع فى اعتباره امكان مهاجمته نهارا بسبب تعاظم الأحساس بالغرور المطلق والثقة المفرطة بعد نتائج نكسة يونيو 67 .
كما أثبتت وقائع كل الكمائن المصرية شرق القناة أن الجندى الأسرائيلى لايتمكن من أبداء أى مقاومة تذكر عندما يدهمه هجوم مفاجىء مما ساعد الدوريات المصرية على تنفيذ مهامها المحددة بالسرعة والدقة المطلوبتين والدرس الأهم الذى تم أستخلاصه هو ان الوسيلة الوحيدة لتحطيم خط بارليف هى الأقتحام المباشر بواسطة أفراد المشاة بعد توفير وسيلة العبور الأمنة لهم من غرب القناة الى شرقها .
لم يكن انشاء خط بارليف لاعتبارات دفاعية فقط تبتغيها اسرائيل وانما كان الهدف سياسيا فى المقام الأول دون النظر لأى أعتبارات عسكرية فالمهم هو فرض أمر واقع على الأرض واظهار جدية التمركز بطول خط المياه على حافة قناة السويس مباشرة حيث بدأ الأمر بحفر مئات من الخنادق على طول قناة السويس مباشرة وعندما بدأت مصر حرب الاستنزاف وتزايدت عمليات قصف الضفة الشرقية اضطرت اسرائيل الى تعميق هذه الخنادق، وهكذا لم يرد على ذهن أسرائيل أن مصر يمكن أن تمتلك خيارات وبدائل للتعامل مع خط بارليف الذى كانوا ينظرون اليه فى تل أبيب على أنه رمز القوة الأسرائيليةالتى لاتقهر.
ويرى المراقبون ان حرب الاستنزاف تعد أطول الحروب بين العرب والاسرائيلين وهى أول صراع مسلح تضطر فيه اسرائيل الى الاحتفاظ بنسبة تعبئة عالية ولمدة طويلة، وقد نشرت المجلة العسكرية لجيش الدفاع الأسرائيلى ان القوات الأسرائيلية فقدت خلال حرب الاستنزاف أربعين طيارا، و827 فردا فى القوات البرية و3141 مابين جريح وأسير .
وفى المجال الاقتصادى زاد حجم الإنفاق العسكرى بما مقداره 300% تحملها أفراد الشعب الاسرائيلى.. أما على الجانب المصرى فلم يكن يهتم الا بالتدريب الجاد الشاق للوصول الى أعلى درجات الكفاءة القتالية .
وسوف يشهد التاريخ ان حرب الاستنزاف قدمت نموذجا حيا لعطاء القادة الكبار عندما استشهد الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة وهو على الخطوط الأمامية للجبهة فى 9 مارس 1969 فى موقع المعدية رقم 6 بمنطقة الأسماعيلية أثناء معارك المدفعية كما شهدت حرب الأستنزاف البناء الحقيقى لمنظومة الدفاع الجوى واستكمالها واستعادت القوات الجوية المصرية ثقتها بنفسها وأثبتت كفاءتها وبطولتها فى سلسلة مواجهات ..
وكان هناك شبه إجماع بين معظم الخبراء العسكريين فى العالم بأن عملية العبور واقتحام خط بارليف شبه مستحيلة إلا اذا قامر المصريون بعشرات الألوف من الضحايا، ووسط هذا المناخ وفى ظل حالة اللاسلم واللاحرب بعد توقف حرب الاستنزاف اتخذ الرئيس الراحل أنور السادات قرار الحرب .
ولاشك فى أن الذى جعل من مفاجأة العبور الكبير حدثا أسطوريا تتوقف مراكز الدراسات الدولية أمامه بالإنبهار أنه فضلا عن عبقرية التخطيط وجسارة التنفيذ فإن قدرة مصر على خداع الجميع كان أهم عوامل تمكين القوات المصرية من أداء مهامها بأمتلاك كامل لزمام المبادأة وحرمان اسرائيل من ضربة الأجهاض المعتادة، والحقيقة أن ملف الخداع يعتبر واحدا من أهم وأخطر ملفات التحضير لحرب أكتوبر حيث أكدت مصر من خلال هذا الملف أنها أستوعبت كل دروس المواجهات السابقة مع اسرائيل ولعل ذلك هو سر نجاح مخطط الخداع فى تحقيق هدف تضليل اسرائيل بعيدا عن النوايا الحقيقية لمصر وأذاقتها من نفس الكأس التى شرب منها العرب مرارا عندما كانت اسرائيل تخطط لعدوان جديد على أى جبهة من الجبهات على طول سنوات المواجهة .
لقد نجحت مصر فى أن تضع منظومة خداع ومن أهم ملامحها أنها بعثت برسائل مقصودة عبر وسائل الأعلام العالمية بهدف تضليل اسرائيل من أبرزها ما نشرته صحيفة الفاينانشيل تايمز البريطانية فى نهاية ديسمبر 1972 بأن الجيش المصرى ليس جاهزا للقتال وأن قدرته القتالية تأثرت بقرار الاستغناء عن الخبراء السوفيت فى يوليو 1972 .. ثم التنوع فى درجة الحدة فى خطب الرئيس السادات خلال الفترة التى سبقت شن الحرب ففى عام 1971 أعلن انه سيكون عام الحسم ولم ينفذ ما أعلن عنه وخلال عام 73 كان الخطاب الذى القاه خلال شهر سبتمبر أقل حدة وأخف ثقلا من الخطب التى ألقاها فى ابريل ومايو من العام مما جعل من الصعب التكهن بالأبعاد الحقيقية لماتتناوله هذه الخطب .
ولإيجاد نوع من التخدير الاستراتيجى للمسئولين فى اسرائيل قامت مصر قبل عدة أشهر من بدء الحرب ومن خلال الأنشطة السياسية المختلفة بإيجاد نوع من الأنطباع بأنها تتجه وتركز على الصراع السياسى بعد يأسها من امكانيات الصراع العسكرى فى ذات الوقت .. وفى أغسطس 73 أقنعت كل من مصر وسوريا السكرتير العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم بأنهما يركزان على التسوية السلمية للمنطقة .
وفى صبيحة يوم السادس من أكتوبر كان اجتماع مستشار الرئيس السادات د . محمد حسن الزيات مع وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر فى جو هادىء تناول مبادرة السلام التى يفكر كيسنجر فى طرحها خلال جولته للمنطقة فى أواخر شهر أكتوبر، الى جانب الأنشطة العسكرية المتعددة التى كانت تجرى على أرض جبهة القناة من أعمال روتينية للإيحاء بأنه تتم فى اطار عمليات الغيار الدورية للقوات .. بالإضافة الى تسريب أخبار من خلال مصادر أخرى غير الأعلام عن تواريخ بدء الحرب والتى لم تثبت صجتها بمرور الأيام، واخيرا السرية المطلقة التى فرضت على اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والسورية فى الأسكندرية فى 22 أغسطس 73 وتم فيه اختيار يوم 6 أكتوبر لبدء الحرب والذى لم ينجح أى جهاز مخابرات فى العالم فى الكشف عنه .
وبدأت نسمات النصر عندما أشارت عقارب الساعة نحو الثانية و5 دقائق من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر حيث بدأ أكثر من ألفى مدفع ثقيل قصفها لمواقع العدو فى نفس اللحظة التى عبرت فيها سماء القناة مائتان وثمانى طائرات تشكل قوام القوة الجوية المكلفة بالضربة الجوية الأولى التى أصابت مراكز القيادة والسيطرة الاسرائيلية بالشلل التام .. وفى ذات اللحظة كان أكثر من ثمانية ألاف مقاتل بدأوا النزول الى مياه القناة واعتلاء القوارب المطاطية والتحرك تحت لهيب النيران نحو الشاطىء الشرقى للقناة .. ثم بدأت عمليات نصب الكبارى بواسطة سلاح المهندسين الذى استشهد فيه اللواء أحمد حمدى فى الساعات الأولى للحرب .
لقد كانت سيمفونية رائعة أشترك فيها 100 ألف مقاتل كان لكل واحد منهم دوره وكانت دليلا حيا على قدرة الأنجاز اذا تم التخطيط الجيد والأعداد الكافى والتجهيز النفسى والمعنوى واتخاذ القرار الصحيح فى الوقت السليم تحت مظلة المفاجأة وأستخدام أساليب الخداع التعبوى والتكتيكى والأستراتيجى .
ويرى المراقبون أن نصر أكتوبر أعاد رسم خريطة القوى فى العالم، فلم تكن حرب أكتوبر مجرد حرب للعبور وتحرير الأرض لكنها كانت نقطة تحول كبرى فى تاريخ أمة لقد علا الصوت العربى وأفاق العالم أجمع على قوة المصريين والعرب وأحست أوروبا والولايات المتحدة بالقلق من ذلك السلاح الخطير الذى أستخدمه العرب ضدهم وهو سلاح البترول الذى سار متوازيا مع انتصار أكتوبر وأدرك الجميع ان العرب حينما يتحدون يستطيعون مواجهة أى قوة ظالمة.
ومن ابرز المواقف التى لن ينساها التاريخ قرار الملك فيصل بن عبد العزيز بأيقاف ضخ البترول للخارج مماكان له الأثر على المجتمعين الأوروبى والأمريكى، وأصبح العرب القوة السادسة على مستوى العالم ..وسعت الدول العظمى الى كسب ودهم واقامة شراكة معهم فى الميادين المختلفة وبعد تحقيق السلام تغيرت الرؤية العالمية للمنطقة وأصبحت مركزا هاما للسياة العالمية .
وفى نفس الوقت كان من أهم نتائج نصر أكتوبر خروج القومية العربية من حيز الشعار الى حيز العمل وأصبح العالم كله يعترف بالوجود العربى وقد عبر الرئيس الراحل انور السادات عن ذلك بقوله / ان الشعور القومى العربى أدى دورا أساسيا فى حرب أكتوبر، فالتفاف الدول العربية حول دول المواجهة وماقدمته من تأييد معنوى ومادى واستخدمها سلاح البترول كل ذلك أسهم بلا شك فى تحقيق النصر .
ومن ناحية أخرى فقد فرضت حرب أكتوبر على المنطقة حقائق جديدة حيث أكدت استحالة سياسة فرض الأمر الواقع، وأثبتت أيضا للعالم ضرورة رفع شعار المفاوضات وليس السلاح لحل الصراع العربى الأسرائيلى وكان الرئيس السادات هو أول من رفع هذا الشعار عندما أعلن أن تلك الحرب هى أخر الحروب العربية الأسرائيلية .
إن الأحتفال بمرور 40 عاما على نصر أكتوبر يعد تذكرة للأجيال الجديدة من شباب مصر الذين لم يعيشوا سنوات الاحتلال الأسرائيلى لسيناء بأن استقلال الوطن ووحدة وسلامة وحرية أرضه هدف مقدس لايمكن التهاون فيه مهما كان الثمن، كما أن روح أكتوبر ماتزال تسرى فى جسد كل مصرى لتعطى قوة دفع نحو المزيد من العمل والجهد والتضحية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.