أرشد الله تعالى كلًّا من الزوجين إلى ضرورة زيادة مساحة التفاهم والتشاور ومد جسور التواصل ودعم مسيرة التراحم والتوافق الزوجى بينهما؛ انطلاقًا من مسئولية كل واحد منهما فى الأسرة التى وردت فى التوجيه النبوى الشريف فى قوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم» (متفقٌ عليه). والتشاور والمشورة والشوري، يدور معناها حول استطلاع الرأى من الغير وتبادل الآراء فى أمر من الأمور؛ من أجل الوصول للأصلح والأقرب للصواب. ويستند مبدأ التشاور بين الزوجين فى مشروعيته إلى عموم الأدلة الشرعيَّة الواردة فى الحث على الشوري، والتى منها ما مدح الله تعالى فيه المؤمنين الذين جعلوا من عادتهم التشاور فى سائر الأمور، وذلك فى قوله: «وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» [الشوري: 38]، كما أمر الله تعالى نبيه بذلك؛ فقال تعالى «وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ» [آل عمران: 159]. والأخذ بمبدأ الشورى يُعد ضرورة حياتية؛ للمحافظة على تدفق جو المودة بين الزوجين، ولِمَا فيه من تحقيق الذات للزوجة بالأخص؛ فالزوجة شريكة الزوج فى الحياة الأسرية، وأهليتها فيها كأهلية الرجل تمامًا، وهى تتمتع باستقلال إرادتها واختيارها، لذا حثَّ الشرع الشريف الزوج على احترام رأيها وأخذ مشورتها ووجوب اتفاقهما حول أسس حياتهما المشتركة وخطوطها العريضة. وذلك لأن التشاور والتفاهم حول أمور الحياة الأسرية وتوسيع مساحة الحوار بين الزوجين يتضمَّن إجراءات مبكرة للوقاية من حدوث النزاع بينهما والتنبيه على مواطن الخلافات الأسرية، كما أنه يُعد أيضًا علاجًا ناجعًا للتصدى للتحديات والمشكلات التى تقابل الأسرة فى مسيرتها نحو الاستقرار؛ حتى جاء الإرشاد الإلهى للزوجين بالتشاور فى أمر فطام ولدهما ووجَّه إلى ضرورة الاتفاق على ذلك؛ حيث قال تعالي: «فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا» [البقرة: 233]، وفى عطفه تعالى «التشاور» على «التراضي» إرشاد وتعليم للزوجين لسياسة تدبير شئون بيت الزوجية؛ لأن المشورة تظهر الصواب وبها يَحْصُل التراضي. كما أن الله تعالى أرشد الأهل والأقارب باعتبارهم الإطار الاجتماعى المكمِّل للأسرة، بل هم من مواردها الأساسية، سواء على المستوى العاطفى والاجتماعى أو المادي، أرشدهم إلى أهمية مراعاة مبدأ التشاور والتشارُك فى إطار علاج المشكلات التى تواجه الزوجين ونزع فتيل الخلاف والنزاع بينهما، حيث قال تعالي: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا» [النساء: 35]، وذلك له انعكاس مباشر على زيادة تماسك الأسرة وتقريب وجهات النظر بين أفرادها والمحافظة عليها من التفكك والانهيار. ومن خلال التشاور يجنى الزوجان ثمرات كبيرة فى حياتهما الأسرية؛ من تعميق دور ومسئولية كل منهما وترسيخ الشعور لدى كل طرف بحاجته الملحة للآخر رأيًا وعاطفة ومساندة بما يحقق الشعور بالأمان والاستقرار والتعايش الوجدانى بين الزوجين وصولا إلى ترسيخ هذه المعانى السامية لدى الأبناء، ومن ثمَّ شيوع ثقافة التعايش والحوار فى المجتمعات، كما أنه يتضمن معانى سامية ترفع من شأن المرأة وتؤكد كرامتها وتبرز دورها المهم كعامل أصيل من عوامل استقرار الأسرة، فضلا عن إسهام التشاور فى الحد من ظاهرة العنف وقاية وعلاجًا، ومن ثَمَّ الآثار السلبية لهذه الظاهرة سواء على الزوجين أو الأبناء أو المجتمع. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية