تعاني بعض الزوجات تسلط أزواجهن واستبدادهم بالرأي، حيث يتوهم الزوج نفسه ديكتاتوراً، وحاكماً بأمره ، يأمر فيطاع، ولا يُسأل عن شئ، ولكنه يسأل، ويتحكم في اختيار كل شئ داخل منزل الزوجية، وبالتالي يفرض هذه الاختيارات علي الزوجة ومن ثم الأبناء. فهل من حق الزوج أن ينفرد وحده باتخاذ القرارات والتصرف في أمور البيت والأولاد دون استشارة زوجته؟ وما هي كلمة الشرع في ذلك؟ تقول الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن اتفاق الزوجين على الرؤية المشتركة بينهما، وكذلك الاتفاق على أساسيات الحياة الزوجية والنقاط العريضة التي قد تكون موضع خلاف، هي من أفضل الأمور في مواجهة الحياة ،فهذه الرؤية المشتركة بين الزوجين تحقق مستوى عميقاً في التواصل بينهما، وفي علاقتهما أيضًا، ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الشورى. والمرأة شريكة الرجل في الحياة الزوجية، والبيت الزوجي يحتاج إلي رأي الطرفين ومشورتهما فلا يصح أن يستبد الرجل بالرأي في الأسرة. بل عليه أن يستشير زوجته ويأخذ برأيها، لأن الشوري حق للمسلمين بصفة عامة حكاما ومحكومين.. أفرادا وجماعات.. رجالا ونساء.. أزواجا وزوجات.. وهكذا، فقد قال الله تعالي «وشاورهم في الأمر». وحسبنا دلالة علي أهمية استشارة المرأة وأخذ رأيها ما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الحديبية عندما لم يستجب الصحابة إلي الأمر بالتحلل من الإحرام وتوقفوا عن النحر والحلق فلما أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم زوجته أم سلمة رضي الله عنها قالت “يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت علي نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم من غير فتح ثم قالت: يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتي تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج وفعل ذلك فقاموا وجعل بعضهم يحلق بعضا”. ..وهكذا قرر الإسلام استشارة المرأة وأخذ رأيها، خاصة في الأمور المنزلية وشئون الأسرة التي لها فيها دراية ولرأيها وزنه المهم فهي شريكة الرجل في الحياة الزوجية وفي المسئولية الأسرية المشتركة. وقد جعل الله - سبحانه و تعالى - الشورى سبيلا لاستقامة حياة الأسرة المسلمة و سعادتها و ذلك من خلال التفاهم والتراضى و الوفاق المثمر بالخير الذي يتأسس على التشاور و ليس على الاستبداد و الاستسلام و الإذعان في مجال العلاقات الإنسانية للأسرة المسلمة و قد أشار الله - سبحانه و تعالى - إلى ذلك كما في قوله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا (. و قد جاء في تفسير ابن كثير في قوله تعالي: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما) أي فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين و رأيا في ذلك مصلحة له و تشاورا في ذلك و أجمعا عليه فلا جناح عليهما في ذلك. فيتبين من ذلك أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي ، و لا يجوز لواحد منهما أن يستبد برأيه من غير مشورة الآخر و هذا فيه احتياط للطفل و إلزام للنظر في أمره و بالتشاور بين الزوجين، و هو من رحمة الله بعباده حيث جعل الله - تعالى - الشورى فريضة شرعية إلزامية على الوالدين في تربية أبنائهما و إرشادهما بذلك إلى ما يصلحها و يصلحه ، و قد جعل الله - تعالى - من هذه الآية المباركة نموذجا إرشاديا يقاس عليه أمر الشورى في محيط الأسرة. و مما يؤكد الشورى في حياة الأسرة المسلمة أيضا قوله تعالي : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا). فهذه الآية أيضا تدل دلالة قاطعة على أهمية الشورى بين وكيلي الزوجين في مشكلات حياتهما الخاصة من أجل حل النزاع بينهما و راحة أسرتيهما . ..وهكذا يتبين لنا أن التشاور بين الزوجين مبدأ إسلامي أصيل هدفه الوصول إلي الرضا النفسي و الشعور بالاستقرار و المعايشة الوجدانية و تقارب الأفكار، وصولاًإلي ترسيخ مفهوم الشورى عند الأبناء.